ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 25/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


النكبة في القانون الدولي

السفير د. عبد الله الأشعل

خلال الستين عاماً التي تفصل بين قيام إسرائيل عام 1948 حتى اليوم 2008 دخلت مصطلحات فورية إلى القاموس السياسي العربي، وكانت أولي هذه المصطلحات هو النكبة عام 1948 ثم النكسة عام 1967 وما بين النكبة والنكسة جرت مياه وتطورات وما بعد النكسة وحتى هذه الأيام تمدد المشروع الصهيوني.

في هذه الورقة نقدم أولاً للإطار العام لمسيرة المشروع الصهيوني والعوامل الحاكمة له ومستقبله، ثم نقدم دراسة تحليلية للمصطلحات القانونية التي شاعت خلال هذه الستين عاما،وهى في نفس الوقت توضيح عربي لما حاول الفقه الإسرائيلي أن يغرسه في النفوس حتى يتم تنقية المفاهيم في الذهن العربي.

أولا: الملامح العامة للمشروع الصهيوني خلال العقود الستة الماضية.

من الواضح أنه لا تجدي كل عبارات الرثاء في الحالة العربية التي تشهد انكساراً متزايداً في الحساب الختامي منذ عام 1948 حتى الآن. كما لم يعد يجدي في النظرة الإستراتيجية أن نقدم توصيات بعد أن حكم المنطقة قانون حديدي له متطلباته الإقليمية والعالمية، ومع ذلك فمن المهم أن نطل على صعود المشروع الصهيوني لنرى جوانب قوته ودواعي اندفاعه وجوانب ضعفه وإمكانية انكساره. لابد أن نقرر أننا في الجانب العربي تمسكنا بالبكائيات العربية شعراً ونثراً وفى أعمالنا الدرامية ونجحنا في تصوير أبعاد المأساة العربية التي سببها أساساً إسرائيل، ولكننا أغفلنا أمرين هامين، الأول هو الطريق الذي يجب أن نسلكه ولو كان متواضعاً بشرط أن يكون ممكنا، والثاني أننا لم نصارح أنفسنا بأن عيوبنا أعظم من قوة إسرائيل. بل أن فريقاً منا اطمأن تماماً إلى أن إسرائيل زائلة وليس على المنطقة إلا أن تتحلى بطول النفس والانتظار.

على الجانب الآخر، خططت الحركة الصهيونية لإقامة إسرائيل كما تخطط لإتمام المشروع الصهيوني والدخول مرحلة ما بعد الصهيونية بإنشاء الدولة اليهودية على كل فلسطين. كذلك تتصور إسرائيل مكاناً لنفسها في المنطقة عام 2020. أما الجانب العربي فقد انفرط عقده تحت أوهام السلام والضغوط الأمريكية منذ عام 1979 مما سمح بالتطورات الدرامية اللاحقة وأبرزها احتلال العراق وتطوير واتساع المشروع ليشمل مواقع ساخنة أخرى في لبنان والسودان، وسوف تكشف الأيام القادمة عن المزيد من الساحات التي تشهد على تردى أوضاع العالم العربي.

ٍهذه المناسبة تسمح لنا بالتأمل في العشرات من القضايا أولها رحلة إسرائيل من قرار التقسيم وتجمع أعداد من المهاجرين وفق مخطط محكم نفذته بريطانيا وأمريكا إلى توغل هذه الحفنة في المنطقة. وثانيها تحول معنى الصهيونية في العالم العربي من الصورة السلبية البغيضة إلى صورة تقدمها إسرائيل وتعتبرها حركة تحرر قومي، وحيث أرغم العرب على نفى الصفة الإجرامية والعنصرية عن الحركة العنصرية، حتى صارت القوانين تعاقب أي تطاول على الصهيونية بتهمة اللاسامية، كما عدلت القوانين الجنائية في مصر لإزالة كلمة الصهيونية وغيرها مما كان يعد التعامل معها جريمة سياسية خطيرة، بل صار التعاون الأمني العربي الصهيوني ممكناً وأصبحت إسرائيل جزءاً من الأمن في بعض النظم العربية، بينما صارت المقاومة تهديداً لهذا الأمن، فاختلطت الأوراق واختل الميزان.

أما القضية الثالثة فهي أن الأمن القومي العربي صار لفظاً بلا معنى، وصارت الرموز القومية بكاءً على لبن مسكوب واسترجاعاً لفترة مضت وقد لا تعود. وهذه القضية تسلم إلى قضية رابعة وهى أن واشنطن طوال هذه العقود كانت تعتبر إسرائيل الديمقراطية الغربية الوحيدة في المنطقة، واعتبر البعض أن ضعف الدول العربية وفشلها إزاء إسرائيل سببه الدكتاتورية، ولو تحولت هذه النظم إلى الديمقراطية فسوف تهزم إسرائيل وتنهى الصراع العربي الإسرائيلي لصالحها. ورغم أن هذه المقولة صحيحة تماماً، فقد لوحت واشنطن بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن ثبت أنها أدوات في سياستها الخارجية وأنها غير جادة مطلقاً في مساندة الحركة الديمقراطية في المنطقة لأنها سوف تفرز نظماً بالضرورة معادية لها، وأسعدها أن تلهب ظهر النظم العربية بالتظاهر بالدعوة إلى الديمقراطية، ولكنها طمأنت هذه النظم إلى أن المصالح السياسية التي تخدمها التحالفات أقوى من أية دوافع أخلاقية.

قضية خامسة مرتبطة بهذه المناسبة هي أن واشنطن أكدت أن السلام في فلسطين يتطلب بالضرورة تنظيف البيت الفلسطيني عن طريق إزالة الفساد وإدخال الديمقراطية، ولكن عندما فازت حماس هدمت المعبد فوق سكانه، فحاصرت الشعب كله عقاباً له على "سوء" اختياره، وعمدت إلى اقتلاع حماس، وتحاول ذلك بالتعاون مع السلطة الوطنية بعد أن غضت الطرف عن الدكتاتورية والفساد، وبذلك ظهرت خرافة العلاقة بين الديمقراطية والسلام. تعلمنا درساً سادساً وهو أن السلام لا يعنى سوى التسليم بالمشروع الصهيوني والإملاءات الأمريكية. ظهر خلال هذه المرحلة الطويلة أن الانكسار العربي أمام أمريكا وإسرائيل قد سمح لقوى أخرى تتقدم لملء الفراغ ووراثة العالم العربي، فاختفى العامل العربي من القضايا العربية.

والسؤال: إلى أين تسير المنطقة بعد ستة عقود على إنشاء إسرائيل التي تسببت في رهن العالم العربي ومقدراته وعلاقاته في هذا الصراع؟

تلوح أمامنا ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول: هو أن الفجوة تتعمق في جدار النظم مادامت إسرائيل وأمريكا مستمرتان في الضغط وتمكين إسرائيل فتشهد المنطقة انتفاضات شعبية أو انقلابات خاصة مع تراجع القوة الأمريكية وعدم قدرتها وحدها على إدارة العالم دون تدبر وتفكير.

الاحتمال الثاني: أن تضطر الحكومات العربية إلى التخلي عن حالة التراجع المستمر أمام إسرائيل فيصبح للسلام الاستراتيجي معنى حقيقي مع استخدام أوراق القوة العربية. في هذا الاحتمال تصبح النظم نفسها مقاومة وتختفي قوى المقاومة ليحل محلها الجيوش العربية، وهذا احتمال أكثر قرباً من الواقع.

الاحتمال الثالث: أن يستمر التراجع العربي والضغط الأمريكي والإسرائيلي مع الاجتهاد في تعطيل آليات التنفيس الشعبي على أمل توسيع دائرة طبقات كاملة من النخب الموالية لإسرائيل تحت ستار المصلحة الوطنية. ولكن هذا الاحتمال قد ينجح في المدى القصير ولا يتعدى سنوات قليلة. لكن الدرس الأهم والاستراتيجي هو أن إسرائيل هي التجسيد الأرضي للمشروع الصهيوني، وأن مصادر قوة هذا المشروع خمسة وهى العجز العربي، والاختراق الصهيوني، والتوغل الأمريكي، والوحشية الإسرائيلية، ومعالجة عوامل الضعف في كفاءة إسرائيل، والدرس الأخير هو أن التعايش بين العرب وإسرائيل ممكن بشروط أهمها أن يتم تقييد إسرائيل في نطاق جغرافي معين، وأن يدرك العالم العربي مخاطر المشروع الصهيوني ويستخدم كل الأوراق لوقفه، وأن يتعامل العالم العربي كوحدة واحدة متجاوزاً الاختراقات الصهيونية، وأن يظهر كرقم مهم في معادلة القوة. بهذه الشروط فقط يمكن التعايش، وإلا فإن البدائل الثلاثة السابقة هي الأرجح.

ثانياً: المصطلحات والمفاهيم القانونية التي شاعت خلال العقود الستة:

لم يكن إعلان قيام دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو 1948 مفاجئاً، ولم يهبط الحدث من السماء في تلك الليلة، ولكنه يبدو أن العقل العربي مسكون دائماً بالشعور بالمفاجأة فأسمي الحدث النكبة Catastrophe وهو يعني أقصى درجات الضرر الذي أصاب النفس والجسد والعقل جميعاً، فالمنطقة المنكوبة هي وصف قانوني يدل على أن المنطقة لم تعد قادرة على البقاء الطبيعي فيسقط عنها التكليف وتستحق العون والدعم.

والشخص المنكوب هو ذلك الشخص الذي أنزل القدر عليه ما لا يقدر عليه ويرهقه، والكلمة تظهر الفجائية والقدرية والعجز عن المواجهة وعدم التوقع لنطاق الضرر وهول المصيبة.

فالنكبة هي في الحق مجمل المشروع الصهيوني، وإن كان المصطلح قد وقف عند حادث إنشاء الدولة العبرية0 وفى المصطلح دقة وصحة، لان فلسطين قد اختيرت دون سائر الأقطار العربية لكي يؤسس المشروع الصهيوني فيها مقره المختار وينطلق منها إلى ما جاورها من أقطار. إذا كان هذا الحدث هو أول ترجمة على الأرض للمشروع، فمن الطبيعي أن يقترن هذا الحدث بمصطلحات تجاورت ضمن مفردات هذا المشروع، ويهمنا منها ثلاثة بالغة الدلالة.

 

(1(: قرار التقسيم:

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 في 29/ 11/1947

والمعروف بقرار التقسيم وتحايلت الوكالة الدولية وواشنطن لكي توفر له العدد اللازم لصدوره، ويجب أن يدرس ذلك القرار بالتفصيل من حيث فكرته واقتراحه والتأمر البريطاني الأمريكي لإصداره وتفاصيل التجميع لعدد الأصوات ومفهوم الإدارة الأمريكية لآثاره. يقضى القرار بتقسيم فلسطين إلى دولتين الأولى على 56% من المساحة لحوالي 30% من اليهود، والثانية لأصحاب الأرض على ما تبقى من فلسطين، على أن تظل القدس بمنأى عن الدولتين تتمتع بوضع دولي لتكون بعد ذلك عاصمة الدولة الفيدرالية التي تضم الدولتين فيما بعد. ففكرة قرار التقسيم قائمة على عدد من الافتراضات: الأول هو أن اليهود المهاجرين إلي فلسطين لهم الحق في جزء من فلسطين. الافتراض الثاني هو أن التعايش بين اليهود والفلسطينيين مستحيل ولذلك فإن التقسيم هو الحل. الافتراض الثالث هو أن التقسيم حل مؤقت، وأن الاندماج في دولة فيدرالية تحافظ على خصائص الدولتين اليهودية والعربية هو الحل وعاصمتها القدس.

ولكن المشروع الصهيوني قام على فرضيات مختلفة، الفرضية الأولى هي أن المطلوب هو كل فلسطين، ولكن ذلك يتحقق خلال المراحل التالية، والمهم أن الاعتراف بموطئ قدم لليهود في فلسطين قد تم في تصريح بلفور 1917 ثم تجسد على الأرض بقرار التقسيم الذي اكتسب شرعية دولية سياسية من خلال التوافق السوفيتي الأمريكي على تقسيم فلسطين وإقامة إسرائيل. الفرضية الثانية هي أنه ليس مهما أن يعطى قرار التقسيم لليهود نسبة معينة من أرض فلسطين، إنما المهم أن هذا القرار يعكس اعتراف المجتمع الدولي بفكرة أن لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين بصرف النظر عن نطاق هذا الحق، فما دام المبدأ قائماً فإن تجسيده وتطوره يخضع للوقت والظروف. الفرضية الثالثة هي أن القوة بكل أصنافها هي التي استنبتت هذه الفكرة الخيالية وهى التي أنزلتها من ضباب الأحلام إلى شمس الواقع كائناً حياً يتطور ويتفاعل بكل الإصرار. الفرضية الرابعة أنه لا يمكن الحلول محل السكان الأصليين إلا عن طريق الاقتلاع والإبادة، وهذا تماماً ما فعله الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، فالبقاء دائماً للأقوى وليس لمن يحمل مسوغات الحق والملكية، فالحيازة ووضع اليد في النظم الأنجلوسكسونية أقوى من سند الملكية والتعويل على مضى المدة أو التقادم المكسب لحق المدعى هي وسيلة تحويل الحيازة إلى ملكية. الفرضية الخامسة هي أن السكان الأصليين لا بد من ترحليهم أو إجبارهم على الرحيل إلى الدول المجاورة وتوطينهم فيها.

وقد اختلف رد الفعل السياسي والقانوني في العالم العربي لقرار التقسيم، فاكتفى الفكر السياسي بتسميته بالنكبة خاصة بعد قيام إسرائيل، وبشكل أخص بعد هزيمة المحاولة العربية الأولى لمنع إنشاء الدولة، وهذه المحاولة اعتبرها الفقه القانوني العربي مشروعة لأنها دفاع عن حق يراد اغتصابه من جانب العصابات الصهيونية، مثلما اعتبر عمل هذه العصابات إرهابياً ضد السكان والمحتل البريطاني، وهو يدرك التواطؤ الكامل بين بريطانيا وأصحاب المشروع والعصابات. والغريب عند العرب أن إسرائيل تعتبر المقاومة الفلسطينية لتقدم المشروع الصهيوني إرهابا، لأن المشروع يعتبر أنه نفسه هو العمل المشروع، وأن الفلسطينيين هم الغزاة الذين يجب اقتلاعهم، وأن هذا المشروع لهذا السبب في عملياته ضدهم في حالة دائمة للدفاع عن النفس.

يعتبر الفقه القانوني العربي أيضاً أن قرار التقسيم باطل لأنه صدر كتوصية ليس لها طابع الإلزام، وأن الجمعية بهذا القرار تجاوزت اختصاصها كما انتهكت كل أحكام القانون الدولي في فلسطين خاصة حق السكان الحقيقيين في عدم اغتصاب أراضيهم.ولكن الفقه القانوني العربي وقف عند هذا الحد، فلم يتفاعل مع التطورات اللاحقة التي دفعت بالمشروع الصهيوني إلى قرب غايته خاصة بعد السنوات الحاسمة وهى 1967، 1979، 1982، 1993، 1994 وأخيراً خطاب الضمانات الأمريكي عام 2004 وإعلان إسرائيل دولة يهودية عام 2008، ولازال الفقه القانوني يطالب بكل فلسطين أو يقدم تبريرات لمواقف سياسية متراجعة.فإذا كان قرار التقسيم عند العرب وتنفيذه هو النكبة التي يجب محوها بتفكيك إسرائيل وإعادة الفلسطينيين إلى ديارهم، فإن هذا القرار عند إسرائيل هو بداية الغيث، ولذلك لم تكترث إسرائيل بأية قرارات أخرى تناقض هذا الخط، والأهم هو أن شامير رئيس وزراء إسرائيل قد شدد على الوفود العربية في مؤتمر مدريد في 30 أكتوبر 1991 بأن قرار التقسيم قد تم تجاوزه وأن إسرائيل في ذلك التاريخ كانت قد تجاوزت مساحتها 23% زيادة على حجمها في القرار فضلاً عن الأراضي العربية في لبنان وسوريا، وأكد شامير أنه لا يجوز مطالبة العرب الذين يملكون أكثر من 14.5 مليون كيلو متر مكعب بأراضي أخرى وأن سيناء هي كل الأراضي العربية المحتلة سابقاً.

 

(2) قرار حق العودة 194

صدر قرار الجمعية العامة رقم 194 مرتبطاً بقرار التقسيم لكي يعوض جزئياً عما حل بالفلسطينيين، ولكي يشكل مع قرار التقسيم الدليل الدامغ على أن الكيان الصهيوني وافد على المنطقة. ويقضى القرار بحق اللاجئين عام 1948 في العودة أو التعويض وكان يتعين أن ينص على العودة والتعويض معا، لأن العودة تكون للوطن وإن كان سلبياً والتعويض يكون على الممتلكات عقارية أو منقولة ولم تنزعج إسرائيل حينذاك من هذا القرار الخطير الذي يكمل قرار التقسيم، لأنها كانت تدرك أن هذه القرارات ستظل حبراً على ورق ما دامت تمسك بناصية القوى العظمى المضمونة وهى الولايات المتحدة. ونظرت إسرائيل إلى التمسك بالقرار على إنه سذاجة في ضوء ما تقوم به إسرائيل من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة في مشروعات الاستيطان والجدار العازل دون حتى مقابل، فأصبح سيل اللاجئين والمشردين خطاً ملازماً لتنفيذ المشروع الصهيوني، فلا فرق عند إسرائيل بين استيلائها عام 1948 على الأراضي وطرد أهلها وفرارهم إلى دول الملجأ، وبين قيامها بعد ذلك وحتى اليوم بنفس اليوم، الفرق الوحيد هو أن الذي يفقد بيته لا يغادر فلسطين كما فعل أجدادهم عام 1948، ولذاك لا تفهم إسرائيل معنى حق العودة، فما دامت ديارهم قد محيت ونقلت ملكيتها فبوسعهم أن يعودوا إلى ما تبقى حتى الآن من فلسطين، ولم تتردد إسرائيل عام 1948 لامتصاص الغضب العام عند قيامها باستخفاف للقرار 194 لأنها تعرف أن المشروع الصهيوني لن يتوقف عند هذه المرحلة، ولكل مرحلة ضحاياها، ولولا أن فر هؤلاء اللاجئون لكانوا ضحايا هذه المذابح التي روعت من تبقى منهم في بيوتهم. ولذلك عندما قدمت إسرائيل طلب انضمامها إلى الأمم المتحدة حاولت اللجنة السياسية الأولى أن تستوثق أكثر من عام من إسرائيل سوف تحترم قرار التقسيم فيما تضمنه من حقوق الفلسطينيين ولمدينة القدس، كما سوف تحترم قرار عودة اللاجئين أو تعوضهم. وأخيراً صدر قرار الجمعية العامة 273 في مايو 1949 الذي قبل إسرائيل عضواً في المنظمة الدولية، ولكنه وضع لها شروطاً ثلاثة، وهى المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة أن تصبح عضوية إحدى الدول مشروطة، وهى في نظرنا شروط فاسخة لسبب طابعها الجوهري، ولم تحترم إسرائيل أياً منها، بل على العكس سلك سلوكاً معاكساً في ضوء متطلبات مشروعها الصهيوني.

الشرط الأول: احترام قرار التقسيم، وهذا القرار يمثل أحد الأسس القانونية في الحق الفلسطيني في إقامة دولة، ولكن إسرائيل ابتلعت الأرض وتعمل في السكان إبادة وقهراً وتخطط لابتلاع فلسطين عام 2020. ويكفل القرار للقدس وضعاً مختلفاً Corpus Separatum ولكن إسرائيل تعمل على تهويدها كما أعلنتها عاصمة أبدية ودائمة لها وساندتها واشنطن في ذلك.

وطلب شامير من مؤتمر السلام أن يتم تجاهل قرار التقسيم باعتباره البداية الرسمية للصراع العربي الإسرائيلي، وأن يتم اعتبار الصراع عام 1967 ونقطة البداية هي قرار مجلس الأمن رقم 242 فخلط بين القرار كمرجعية للتسوية وبين القرار كبداية للصراع، ويبدو بالفعل أن الدول الغربية قد استجابت لهذه الرؤية ومعها الجانب الفلسطيني بما فيها حماس.

الشرط الثاني: احترام عودة اللاجئين، وأما الشرط الثالث فهو وضع دستور تحترم فيه حقوق الأقليات الغير يهودية. أما بالنسبة لقرار حق العودة فقد أدى تطور المشروع الصهيوني إلى تراجع عربي فلسطيني فتراجع الإصرار على حق العودة تارة لسبب عدم واقعيته خاصة إذا كان الحق يتمتع به عدد يماثل عدد اليهود في فلسطين، وتارة أخرى بسبب الضعف العربي، وتارة ثالثة في ضوء استمرار المشروع الصهيوني وتكاثر ضحاياه في كل مراحل سيره، وتارة رابعة بسبب تقاعس القادة في فلسطين واعتقادهم بضرورة التحلي بالواقعية لعلها تعيد شيئاً من الحقوق السياسية0 وقد أظهر الخطاب السياسي العربي تراجعاً مماثلاً وظل يتراجع حتى أغفل الإشارة إلى القرار وأصبح يتحدث عن تسوية مناسبة وهى صيغة تحتمل كل شي، ورغم كل ذلك فالجميع يردد أن حق العودة هو خط أحمر لا يجوز تجاوزه0حتى تعددت وتنوعت أساليب إسرائيل في تصفية حق العودة نذكر منها أن حق العودة هو لليهود وحدهم انسجاماً مع مفهوم المشروع الصهيوني الذي يعتبر الفلسطينيين غزاة واليهود محررين لوطنهم السليب، وإصرارهم على تلقين أولادهم هذه الأساطير.

والوسيلة الثانية محاولة توطين اللاجئين في بلاد الملجأ، ولذلك حظرت الدول العربية هذا التوطين حتى تظل مشكلتهم شاهداً على جريمة العصر وسيفاً مسلطاً على عنق إسرائيل، ويتجدد التوطين كلما نجح التغلغل الأمريكي الصهيوني خاصة في الشهور الأخيرة.

الوسيلة الثالثة هي امتناع السلطة الفلسطينية بإسقاط هذا الحق كأساس للتسوية، والوسيلة الرابعة استحداث ما يسمى بحقوق اللاجئين اليهود في الدول العربية والتشديد على حق التعويض دون العودة لهم، ومقايضة حق الفلسطينيين في التعويض بحق اليهود في التعويض. ولكننا نرى إسقاط الحق في التعويض للجميع والتركيز على حق العودة لأن ذلك يعنى تفكيك إسرائيل وعودة أصحاب الأرض إلى وطنهم.

أما شرط وضع دستور يكفل حماية حقوق الأقليات غير اليهودية، وكان الرد على هذا إعلان يهودية الدولة بما يعنى إسقاط حقوق المواطنة عن غير اليهود فضلاً عن أن أعمال الإبادة التي تقوم بها إسرائيل على سكان الأقاليم الأخرى في فلسطين ذلك لأن النوع الفلسطيني سواء داخل إسرائيل أو خارجها هو المستهدف.

 

(3) وثيقة إعلان قيام إسرائيل:

تطلق إسرائيل على هذه الوثيقة وثيقة الاستقلال وهذا التصور يقوم على عدد من الفرضيات، الفرضية الأولى هي أن اليهود هم أصحاب كل فلسطين وأن فلسطين كانت محتلة. الفرضية الثانية أن اليهود كانوا يمارسون حقهم في تحرير الأرض من الغاصب التاريخي وهو الفلسطينيون، ومن المحتل البريطاني، ولذلك فإن عصاباتهم كانت تخوض المعركة في الجانبين، وأن إرهابهم حق مشروع لاستخلاص هذا الحق كما أشرنا. الفرضية الثالثة أن فلسطين كلها المحتلة قد استقلت من الاحتلال البريطاني وأنها سوف تتحرر من الغصب الفلسطيني، فتوقفت المعركة مع بريطانيا، وظلت المعركة مفتوحة مع الفلسطينيين وأنصارهم. فالتحرر الكامل على مرحلتين وأن اليهود شعب واحد وعرق واحد ودين واحد، وكفاحهم من أجل دولة واحدة هو غاية نجاح الحركة القومية اليهودية، أو حق تقرير المصير للشعب اليهودي على أرض الأجداد والمقدسات. هذه الأساطير وردت في إعلان قيام إسرائيل، كما أنها وردت في قانون مجلس النواب الأمريكي عام 1995، وقراره في 8/4/2008 بشأن اللاجئين اليهود، كما ورد في قانون القدس الذي أصدره الرئيس بوش عام 2002 والذي بنت واشنطن سياستها في فلسطين على أساسه. وقد اعتبرت إسرائيل يوم قيامها هو يوم الاستقلال الموهوم واعتبرت هذا اليوم عيداً وطنياً لها. والطريف أن مصر والأردن وغيرهما ممن اعترفوا بإسرائيل رسمياً أو ضمنياً يهنئون إسرائيل في يومها الوطني ويحضرون حفلات العيد الوطني مثل سائر الدول الأخرى، بدلا من أن تكون ذكرى سنوية لهذه النكبة المستمرة.

 

ثانياً: المركز القانوني للمشروع الصهيوني في القانون الدولي:

يجب أن ننبه إلى أن الفقه الصهيوني يجتهد في تقديم مبررات قانونية للمشروع الصهيوني والقضايا المرتبطة به، حتى يظن البعض أن هذه التبريرات جزء من القانون الدولي العام. ولما كانت هذه الاجتهادات تهدف إلى تفصيل القواعد القانونية أو تفسيرها وفق الهدف أو التصرف، فإن هذه الاجتهادات تبدو متناقضة وغير سائغة في الفكر القانوني السليم. ولذلك يجب أن نحذر من اندساس الكثير من هذه الاجتهادات في صلب القانون الدولي العام. ولا يتسع المقام للتفصيل ولكننا نكتفي بالإشارة إلى بعض هذه البدع القانونية مثل تبرير الاستيلاء على فلسطين بالفراغ القانوني، ونظرية الطرف الأولى بالاستيلاء مادام الجميع لصوصاً، والبقاء للأقوى، ونظرية الدفاع الوقائي ثم الدفاع الشرعي العقابي رغم أن شبهة العقاب والعمد تفسد فكرة الدفاع الشرعي من أساسها، لأنه يفترض في الدفاع الشرعي أن يكون الهجوم الموجب له مفاجئاً وغير متوقع وألا يسمح الوقت للمدافع للتدبر، وأما العقاب فهو فعل ينطوي على تدبير مسبق، وهو يناقض تماماً فكرة الدفاع الشرعي. ولذلك رفض الفقه الدولي وفقه محكمة العدل الدولية بما في ذلك رأيها الاستشاري الصادر في 9/7/2004 في قضية الجدار العازل كل الممارسات المناقضة للفكرة ومن بينها جانب من الفقه الأمريكي والبريطاني الذي حاول أن يسوغ الجمع بين الدفاع الشرعي الجماعي وأعمال القمع التي يمارسها مجلس الأمن بعد احتلال العراق للكويت.

أما الأعمال التي ينطوي عليها المشروع الصهيوني فهي الاستيلاء بالقوة على أرض الغير وطرد السكان، وارتكاب المجازر ضدهم لإرغامهم على ترك منازلهم، ومصادرة الممتلكات والعقارات، والقيام بأعمال إبادة السكان وقمع المقاومة والعدوان على الدول المجاورة، وحيازة أسلحة الدمار الشامل ومنها الأسلحة النووية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وتعويق حق الشعب في فلسطين ولبنان في تقرير مصيره، وإلحاق كل أنواع الأذى وأعمال الإبادة بالسكان، وإنشاء الجدار العازل ورفض اعتبار الأرض الفلسطينية أرضاً محتلة وارتكاب جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية.

 كل هذه الأعمال تنطوي على انتهاكات خطيرة لحقوق السكان الأصليين وتجعل الإصرار على هذا المشروع بهذه المكونات عدواناً مستمراً وارتكاباً دائماً لجرائم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم العدوان، كما أنها جرائم ضد الإنسانية وأمنها، ومادام المشروع الصهيوني يقوم على الأسس العنصرية فان السعي به يعد ارتكاباً لنفس الجرائم العنصرية وكلها من جرائم النظام العام الدولي.

وقد أدان قرار محكمة العدل الدولية سلوك إسرائيل كدولة محتلة واعتبر تصرفاتها وبناء الجدار وتجفيف منابع الحياة أمام الفلسطينيين انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، وقد سبق أن أوضحنا أن إسرائيل لا تعتبر نفسها دولة محتلة بل تستعيد حقوق اليهود في فلسطين. وقد حاولت إسرائيل أن تبرر جرائمها بحق الدفاع الشرعي وبحالة الضرورة العسكرية واعتبارات الأمن، ولكن قرار المحكمة رفض كل هذه الدفوع وألزم إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي المعترف به من جانب الأمم المتحضرة، خاصة وأن القانون والقضاء في إسرائيل أدوات في تنفيذ المشروع الصهيوني.

يترتب على السلوك الإسرائيلي وعدم وفاء إسرائيل بشروط قبولها عضواً بالأمم المتحدة النتائج الآتية:

أولاً: بطلان عضويتها في الأمم المتحدة وتوفر مسوغات طردها لأسباب متعددة:

أولها: أنها لم تفي بالشروط الثلاثة التي تضمنها قرار الجمعية العامة لقبولها عضواً في الأمم المتحدة، بل عملت على عكسها تماماً وفسرتها تفسيرا ذاتيا يناقض ما هو مستقر في الأمم المتحدة.

وثانيها: أن إسرائيل انتهكت كل قرارات الجمعية ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وأمعنت في هذا الامتهان عن عمد وتحدي ولولا الفيتو الغربي لقرر مجلس الأمن طردها من المنظمة الدولية.

ثالثها: أن قيام إسرائيل على المشروع الصهيوني العنصري وسعيها لكي تكون دولة يهودية خالصة على أراضي الغير يجعل الصهيونية رديفا للجرائم العنصرية، ففقدت إسرائيل بذلك صفة الدولة المحبة للسلام والراغبة في خدمة السلم والأمن الدولي والعمل على تنفيذ أهداف الأمم المتحدة ومقاصدها، رغم أن قيامها علي أساس المشروع الصهيوني غير المشروع يناقض أساساً ميثاق الاْمم المتحدة.

ثانياً: يلتزم أعضاء الأمم المتحدة بتجريم المشروع الصهيوني والسعي لإحباطه حيث استغل اليهود ظروفا دولية واستدروا عطف البعض وتآمره لنهب أراضي الغير والعمل على إبادة أصحاب الأرض، ويتعين على الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل أن تبادر إلى سحب اعترافها وإصدار أحكام في قانونها الجنائي يجرم الصهيونية ضمن جرائم النظام العام الدولي.

إن المشروع الصهيوني هو إعادة إنتاج للمشروع الاستعماري وأن القانون الدولي لا يعترف حتى في العصر الاستعماري بأساطير الصهيونية التوارتية والتاريخية والعاطفية ولذلك فان عدم مشروعية المشروع الاستعماري الذي تأسس في القانون الدولي وهدم أسسه اللاأخلاقية تطبق على المشروع الصهيوني أيضاً، ولا حاجة بنا في هذه الورقة أن نعيد بالتفصيل موقف القانون الدولي من الاستعمار والذي أسهم الفقه السوفيتي بدور وافر في تأصيله خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما أعطى دفعة هائلة لتجريم الاستعمار والتأكيد على الحركة الدولية لحقوق الإنسان. ومن المفارقات الغريبة أنه وسط هذا الزخم العالمي لتعزيز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية يبدأ المشروع الصهيوني أولى مراحل هبوطه على أرض فلسطين.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ