ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عندما نلدغ من نفس الجحر ألف مرة؟!

نوال السباعي

بينما كانت وسائل الإعلام تتناقل تلك المشاهد المعيبة والمخجلة والمخيفة عن احتلال "حزب الله " لبيروت ، واعتدائه على أقدس ماعُرفت به  بيروت وهو حرية وسائل الإعلام - التي طالما ميزت بيروت عن غيرها من العواصم العربية - ردا على قرار غير بصير اتخذته الحكومة في وقت لايسمح باتخاذ القرارات غير البصيرة ، تداعت إلى الذاكرة كل تلك الكتب والنشرات والحوارات المؤلمة التي تجتاح المنطقة العربية وبكل الوسائل منذ ثلاثين عاما عن الخطط الايرانية لإقامة "الدولة الشيعية الجديدة " على أرض ايران والعراق وسورية ولبنان ، كما تداعت كل تلك الحملات غير السوية التي يشنها الآلاف من الشباب المتفرغ لتضييع وقته وعمره وراء شاشات الكومبيوتر في ملاسنات حادة تصل حدّ القذارة اللفظية بين الشيعة والسنة منهم ، فهؤلاء يكيلون لأولئك السباب والاتهامات بالتكفير والخروج من الملة وإهدار الدم والتهديد بالذبح والاستئصال ، وأولئك يهاجمون بأقبح مايمكن أن يصدر عن مسلم من سباب للصحابة واتهامات مقززة لأمهات المؤمنين وأشياء لاتليق بإي إنسان ينتمي لهذه الأمة أو لهذا الدين، ويردون على التهديد بتهديد ممائل بالذبح والقتل وأنهار الدماء التي ستجري .

كما تداعت مع تلك المشاهد ، تلك الأخبار التي يتداولها الناس هنا في أوربة إلى حد التواتر عن حركة تشييع غير مسبوقة في التاريخ الحديث في كل من المغرب العربي الذي لم يعرف قط حركات التشيع ، وفي شمال إفريقية ومصر، وكذلك في أطراف سورية ، وأما عن بلاد الخليج "الاسلامي" ، فلاحاجة لأية روايات فلقد رأيت بأم عيني وسمعت بأذني لدى زيارتي بعض تلك الدول أشياء لم تكن تنبيء بأي خير ، حتى أن سائق التاكسي الذي كان يُقلني في جولة في عاصمة إحدى تلك الدول كان يمر بي على مساجد ذات ألوان وأشكال مختلفة عن المساجد التي كنت أعرفها قبل خروجي من بلادي منذ ثلاثين عاما ، وذلك قبل أن يأخذني إلى محلات بيع خاصة بمن سماهم "أهل الصدق الذين لاينتهبون السواح" وليسوا كبقية تجار البلد الغارقين –كما قال- في سرقة الناس وغشهم !!، وراح يشرح لي – وأنا الغريبة القادمة من أوربا - بأن ماأراه هو "حسينييات" وليس مساجد ، وقد فوجئت أنا وأولادي بذلك ، وكانت المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها مثل هذا ، وسألت الرجل : وماهو الفرق بين الحسينية والمسجد ؟ فقال : (هي معقل الاسلام القادم ! إننا نريد أن نختلف عن "هؤلاء القوم"! ، وراح يكيل ل"أولئك القوم" جميع أنواع السباب والشتائم ، ويتهمهم باحتلال  بلاد الاسلام وامتصاص خيرات العباد) ، لقد ربط سائق التاكسي ببساطة وصدق وحركة فكرية خطيرة جدا بين الاستبداد الذي تعيشه المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها ودون استثناء ، وبين "دور طائفي ما" سيكون –من وجهة نظره بالغة الإيمان بما يقول- المحرر من تلك الأوضاع!.

لابد أن أمورا هائلة كانت قد جرت خلال هذه الأعوام الثلاثين التي كنت فيها خارج أرضي ومعي مئات الآلاف من الذين خرجوا أو أُخرجوا من أرضهم وتاريخهم ووجودهم إثر تلك الصدامات المسلحة البائسة التي نشبت في بلادي بين الحكومة الطائفية المستبدة المتوحشة في ذلك الحين وبين المعارضة الحمقاء المتهورة التي لاتحسن التفكير ولاتستطيع التدبير ولاتفقه ملابسات البلاد والعباد ، ولاحتى فقه التغيير بالتربية والتوجيه في المجتمعات قبل حمل الأسلحة وإشهارها في وجه الحكام والمحكومين ، وتعريض الناس للهلاك من اكثر من وجه من أوجه الهلاك !، وبين هؤلاء وأولئك مئات الآلاف من الهاربين والمهاجرين والمهجرين والقتلى والمعاقين والسجناء السياسيين الذين ضجت من الظلم الذي لحقهم الأرض والسماء.

تذكرت وأنا أرى مشاهد السيطرة المسلحة المعيبة على بيروت ذلك اليوم الذي طلبت فيه المدرسة من ابني عندما كان في السابعة من عمره أن يكتب شيئا عن بلاد أمه وأبيه والتي لم يكن قد رآها قط ، فكتب عبد الرحمن يقول:  ( أمي وأبي من بلد المسلمين الكبيرة جدا التي تمتد من الهند إلى المغرب ، وعاصمتها فلسطين ، وقد جاءت إسرائيل وأخذتها منا ولكننا سنعيدها ، ورئيس البلد اسمه "حسن نصر الله" وهو يحارب اسرائيل لترجيع القدس تبعنا ، ورئيس الوزراء "الشيخ القرضاوي" ، وبلد أمي وأبي جميلة جدا وكل الأكل فيها خال من الخنزير، وتلفزيون المسلمين اسمه قناة الجزيرة ).

 

شُدُهت أمام هذه المشاهد التي تحول فيها "حزب الله " على مرأى ومسمع من الأمة وأطفالها إلى مجرد عصابات تريد فرض إرادتها وإخراس الصوت الآخر بقوة السلاح وفرض سياسة الأمر الواقع ونشر الذعر والخوف بين صفوف الناس من مسلمين ومسحيين وشيعة ودروز ممن كانوا قد فتحوا لأهل الجنوب بالأمس صدورهم وبيوتهم وقلوبهم فآووهم ونصروهم أثناء ذلك الغزو الغاشم الذي قام به "العدو الاسرائيلي" لتدمير الجنوب وكسر إرادة شعبه المجاهد وإخراس صوته بقوة السلاح وفرض سياسة الأمر الواقع ونشر الذعر والخوف بين صفوفه! .

إسرائيل لاتفهم ومن معها بأن القوة لن تخرس الحق أبدا ، ونحن وعلى اختلاف طوائفنا –كإسرائيل- لانتعلم من دروس التاريخ شيئا .

 

تداعت إلى ذهني وأنا أرى تلك المشاهد صورة لبنان الوادع الجميل الحضاري ، بلد الحرية والإبداع الذي تتعايش فيه كل الأطراف في سلم وأمان ، وذلك قبل أن يقرر بعض "العرب" إسكات أصواته الصحفية الجريئة ، واستئصال حريته لكي لاتفتضح مؤامراتهم في المنطقة كلها .

 

 كنا نسمع عن تلك المؤامرات ولانصدقها ، حتى رأيناها بأم أعيننا حقيقة على الأرض ، كنا نسمع بتلك المؤامرات ولانريد تصديقها حتى تمكنت من القلوب والرقاب والواقع ، كنا نسمع عن تلك المؤامرات ونكتب ضد الذين يُشيعونها ويُرَوِجون لها لأننا كنا ودائما وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي كان يوجهها بعض المتعصبين وبعض المتهورين وبعض المغالين ، كنا نريد أن نكون ممن يطفيء الفتن ولايؤججها  .

 

سلاح المقاومة الللبنانية كان فخرا لكل مواطن في المنطقة العربية ، وكان عزاً لهذه الأمة قبل أن ينقلب ليصبح حربة في خاصرتها ، سلاح المقاومة كان في خدمة القضية قبل أن ينقلب ليستخدم باسم القضية ضد الإخوة ، مسكينة هذه القضية التي استخدمها الجميع لمآربهم الشخصية ، استخدمها حكامنا ليتمكنوا من الكراسي ، ثم استخدموها ليستمروا في الكراسي ، ثم استخدموها لكي لايتمكن أحد من زحزحتم من تلك الكراسي ، ثم استخدموها لتوريث أبنائهم هذه الكراسي ، نفس القضية التي استخدمتها المعارضات المختلفة في مختلف جنبات المنطقة لإعلان الثورات الغبية ودائما في الأمكنة والأزمنة الخطأ ، وحتى "القاعدة" وبعد أن فقدت كل أرصدتها الجماهيرية في قلوب الناس ركبت موجة القضية التي لم تكن قد وردت قط في حساباتها ولا برامجها .

ومسكين لبنان مع هذه القضية ، لأنه وبعد أن نجح "العرب" في حماية أمن وحدود "اسرائيل " أربعين عاما ، كان قدر لبنان أن يصبح الأرض البديلة عن أرض القضية ، على ترابه تدار المعارك باسم القضية ، ومن جلود أهله نسج الآخرون للقضية بُرَدا يسترون بها عوراتهم ، وفي تاريخه حفر الآخرون آثار الحرب الأهلية اللبنانية التي لم تكن قط حربا أهلية ، ولكنها كانت حربا بالوكالة دفع آخرون أجرها لتدار نيابة عنهم على أرض هذا البلد الجميل الصغير المنكوب بالعرب من جيرانه ومن والاهم ووالوه من الأصدقاء والأعداء.

 

لاتكمن الكارثة التي نرى زحفها اليوم على الأمة في أن حزباً كان قد شغل الأمة كلها باسم القضية وحمل سلاحه من أجل القضية ، قد شب عن طوق العقل والمنطق والبصيرة فحسب ، بل إن الكارثة الحقيقية تكمن في التداغنا للمرة الألف من نفس الجحر ، وذلك على الرغم من الألف مصباح التي نحملها اليوم ونظن أنها تنير لنا الطريق.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ