ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الرأي والتعبير... والحرية

(5-6)

د.نصر حسن

يبقى رد الفعل الذي جاء على الرسوم ليس مفاجأة , إنه من طبيعة وجنس الفعل نفسه , نفسه لدى الفاعل بما هو محاولة سياسية مقصودة ومدفوعة فجة جداً لإحداث مزيداً من الاضطراب والتباعد والكراهية في العلاقات بين الشعوب والحضارات, وفعل غير مسؤول نتيجته المباشرة هي الاستمرار بتوجيه التاريخ البشري نحو الانكسار , ونفسه لدى من ردوا على الفعل بهمجية ونفاقاً  مدفوعاً هو الآخر من الأنظمة السياسية في بعض الدول الإسلامية التي تسجن فيها الحرية والتعبير صباح مساء , وكلا الفعلين هما من صنع الغريزة نفسها , فالفعل ورد الفعل من نفس الصنف لكن من مواقع مختلفة  فهو لدى الفاعل من موقع التهكم المدروس الذي يغطى بحرية التعبير عن الرأي لكن له مقاصد أخرى ليست غائبة , وهو لدى رد الفعل دفاعاً ضعيفاً وغوغائياً لايجدي بل يزيد سكب الزيت على نار الكراهية المشتعلة باضطراد , والخطورة كلها هي الإصرار والعناد على المشي في هذا الطريق الغريزي إلى الهاوية المشتركة .

فمن العبثية التعامل التفاضلي بين صور العنف والتطرف ودينه ومكانه وأبطاله هنا وهناك , لامكان للتفاضل على الاطلاق فهو مشتق من نفس المعادلة الغريزية الفردية وهو أساس وأس لها بنفس الوقت , من هنا ومن هذا التناقض تتولد كل بشاعات العنف والتطرف وصور الإرهاب الذي أراده البعض عنواناً لهذه المرحلة من تطور البشرية , ومعرفة الأساس والأس هي البداية لمعرفة المصدر والمنشأ والغاية ومن فرض هذا السرطان على الحياة الإنسانية المعاصرة , وعليه تكمن المشكلة في جذوره وليست في مظاهره , في سياسة يقررها ملوك رأس المال الاحتكاري العالمي اللذين احتكروا الثروة والسوق والغذاء والسلاح والتقنية وكل ذلك باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة ,يستخدمونها في أبشع صورها ضد التكامل الإنساني بين الشعوب , فالاحتكار هو مصدر الشر والعنف والتطرف , احتكار السلطة الذي يولد ردود فعل معين ضدها ,واحتكار الحرص على النظام العام ومعه احتكار الخير والشر والثروة والرغيف الذي يولد هو الآخر مظاهر أخرى من الرد عليها  , فالخطورة تكمن في أن النار والزيت في يد واحدة والباقي أصبح بتسلسل وقوداً لها .

ولاشك أن صور العنف والإرهاب المحلي منه والمستورد والذي نرفضه ونقف ضده جملةًً وتفصيلاً أياً كان مكانه ومصدره وشكله وتبريره , فهو كله بلا دين ولاضمير ولاهدف سوى التدمير والخراب النفسي والمادي لدى الجميع , وبهذا الصدد لا نعتقد أن التطرف والعنف الذي يشهده العالم الإسلامي هو أغرب من العنف الذي ساد أوربا قبل التنوير , لكن خطورته هي الفرق بين حامليهما , الأول كان يعبر عن تناقض داخلي حامله التكامل والتنوير والحقوق مدنية والديمقراطية ,والثاني مصطنع كقناع وهمي إسقاطي سياسي حامله الاحتلال والصراع والتمزيق والظلامية وسرقة حقوق الآخرين وحتى حياتهم , فأي حرية تعبير سوى المعاناة والفقر واليأس والموت تقريباً في كل العالم الإسلامي , فمن نافل القول إن عملية التنمية الإنسانية أساسها الرأي النزيه والنقد العلمي المنهجي القائم على البناء , وليس التهكم ونزعة التسفيه والهدم والإلغاء .

والخلاصة يمكن تكثيفها في مستويين, الأول متعلق بالمسلمين أنفسهم وبواقعهم الحالي , والثاني متعلق بالموقف الخارجي منهم , فعلى المستوى الأول نقول بوضوح أن مقدمات المشكلة وأبعادها هي في الوضع المتخلف الذي يصف حالهم وسببه المباشر هو داخلي يتمثل في عاهتين خطيرتين ,الأولى هي طغيان أنظمة حكم سياسية فردية أمية ديكتاتورية هجينة غوغائية متخلفة لاتفقه شيء غير ممارسة الاقصاء والعنف والنهب والإفقار والعجز عن تحقيق حد أدنى من التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتطوير المنظومة الحقوقية والمدنية والانسانية ,وهدر الثروة الوطنية المادية والبشرية وامتهان كرامة شعوبها وكسر إرادتها ,أنظمة متهالكة تعاني من فصام سياسي وطني قومي مظهره خطاب سياسي كاذب متناقض كلياً مع واقع الشعوب وحاجاتها وضرورات تقدمها وتطورها على مستوى الداخل من جهة , والتبعية الكاملة للخارج الذي يوفر لها الغطاء والحماية من جهة أخرى , والحال كذلك كانت تلك الأنظمة هي الحاضنة الرئيسية للتخلف والفقر والتطرف بكافة أشكاله وألوانه.

والعاهة الثانية هي غياب المرجعية الدينية الجامعة الواقعية المتنورة الحديثة ,الأمر الذي فتح الأبواب كلها أمام فتاوى فردية جزئية ثانوية مظهرية غير دقيقة وغير مدروسة وفي غير سياقها الديني والدنيوي الاجتماعي والزمني وأحياناً مقصودة تصب في محصلتها العامة في إظهار وجه متطرف متخلف خرافي وهمي لايمت إلى الاسلام وحقيقته ومظاهر الحياة الحديثة بصلة , ولاشك أن  حالة التخلف والظلم والفقر واليأس التي تعيشها الشعوب الإسلامية هي التي أفرزت بدورها الاضطراب والتشتت والتشبث الرخو الحنيني الخيالي بالماضي , وأخطر من ذلك تمظهرها في تبعية ذهنية مقلدة مكررة غير مستوعبة للفرق الإحداثي الزمني التاريخي بين الماضي والحاضر , مما جعلها خوفاً وعجزاً تلغي النقد والتفكير والبحث العلمي الموضوعي عن حل لأزماتهم ,فراوحوا بعجز مهين بين حدين تاريخيين هما الماضي حيث قوتهم التاريخية الكامنة والحداثة حيث ضعفهم التاريخي الواضح , فالخروج من ثنائية الماضي والحداثة لايتم سوى عبر الصراحة العلمية في نقد التراث وإعادة فرز وهيكلة عتاد العقل الإسلامي , وتجديده وممارسته بشكل يتسق مع ماضيه الحي ويؤهله للاندماج مع العصر ,ولاخيار في ذلك سوى المبادرة إلى إحكام النقد ودور العقل وتجديد نظرته إلى الاسلام وتعشيقها مع حركة التاريخ من جديد , أو الافتراق والتحلل في مرجعيات العصر الحديث التي تتسع الهوة المادية والتقنية والحضارية معها ,وخرجت عن دائرة السيطرة والمواجهة والاحتواء ,وغدت عنوان عريض لصراع عولمي متعدد الأمكنة والمستويات والأشكال .

على المستوى الثاني المتمثل في الموقف الخارجي من العرب والمسلمين يجب القول بصريح العبارة أيضاً , وفي حدود حرية الرأي والتعبير لايمكن فصل الهدف عن الهادف ولا الشكل عن الأسلوب ولا الفكرة عن الموضوع ولا الرأي عن السبب والقصد ولا الوسيلة عن الغاية , نلاحظ هنا حشر أو خلط متعمد بين رأي معرفي نزيه مطلوب هدفه الحقيقة, وبين استخدام سياسي تهكمي أهوج يخدم حالة معينة وقولبتهم في مستوى واحد , والحال كذلك يكون التعبير كما في الأخير مأسوراً في قطر دائرة الصراع الغريزي المغلقة وإفرازاً لها , ولايمكن والحال كذلك أن يكون نزيهاً ومفيداً سوى بالخروج منها, ولاشك أن بروز مثل تلك الظواهر ليس غريباً في ظل تعطيل أو تأجيل العمل بالقيم الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي ,وهو عمل غير مشروع وغير مبرر وليس هناك من سبب في العالم يستدعي التراجع الإنساني وتهميش قيم التنوير والحرية والقانون والمساواة ,بل يجب الاصرار على التمسك واتباع الطرق والوسائل المشروعة إنسانياً لحل كافة استعصاءات النظام العالمي التي تتكثف بشكل مقصود في ثنائية متناقضة متنافرة , أي في صراع الخير والشر أو النهاية والبداية , أهي مرحلة أحياء العصبيات على المستوى الإنساني من جديد وفرضها عنواناً للقرن الحادي والعشرين ؟!.

باختصار القول ومباشرته : إن الازدواجية والانتقائية في ممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون من جهة , وشيوع ممارسة الظلم والصمت عليه من جهة أخرى ,هي السبب وراء حالات الخلل والاضطراب في العلاقات الدولية, وهي التي فتحت الأبواب لشياطين الغريزة لتطفو على السطح , تقود وتوجه التعبير والرأي العام باتجاه خدمة أهدافها السياسية البعيدة كل البعد عن القيم والأخلاق والقانون الدولي , ولاشك بأن المرجعية الحديثة التي تمثلها الديمقراطيات الغربية هي المهيمنة ,ولا شك أيضاً في جدواها على المستوى الإنساني , لكن في وقوع بعضها لعبة في يد اليمين المتطرف وتجار السياسة والاحتكار فقدت بعض اتساقها الإنساني ,فهي كما الحداثة الحالية تعاني خللاً حضارياً وإنسانياً يتمثل في موقفها من الآخر, وتحديداً من الأقليات الحديثة المتزايدة في صفوفها ومنهم العرب والمسلمين .

هنا يجب فهم الأمر بعمقه المعرفي الثقافي الإنساني الحضاري التاريخي , فالاتساق أو عدمه هو ليس إشكالاً دينياً أو معرفياً أو ثقافياً , بل هو خللاً واضطراباً بوسائل وتجليات المرجعية المهيمنة ( الديمقراطيات الغربية ) التي تبني الوعي وتعيد إنتاجه من جديد ,أي هي مشكلة أدواتية سياسية قانونية مدنية تتعلق بالموقف من الآخر كفرد وشعب وثقافة من جهة , وبنجاعة سياسة التكامل والإندماج المعمول بها من جهة ثانية , وفي إطار الحسم نرى ضرورة اعتماد المقاربات المرنة للمعالجة والخروج من وباء الكراهية ورفض الآخر , اعتماد برامج يضعها خبراء علم النفس والحضارات والثقافات والأديان ,وفلاسفة اجتماعيين وديمقراطيين حقيقيين يؤمنون بالتعددية الدينية والعرقية والثقافية , متنورين ومتحررين من الروابط العصبية الضيقة في المكان والزمان , وليس سياسيون موظفون يمثلون الواجهة الحقيقية لأدوات صراع رأس المال الاحتكاري المباشر مع قيم المدنية الحديثة الإنسانية .

هل في وسع الجميع البدء في مرحلة تأسيس جديدة ؟! أم أن الأمر في عصر السرعة اصبح استهلاكياً في كافة تجلياته وخرج عن هذا السياق ؟! نوع الإجابة ومستواها ,وحدها تحدد شكل المخرج أو الغوص أكثر في المأزق التاريخي ..!.

في محاولة الإجابة نرى أن ماأفرزه التطور السياسي تحديداً خلال العقود الأخيرة المنصرمة وخاصة ً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور راديكالية متطرفة جداً بدلت مواقعها من اليسار إلى اليمين ووصلت إلى دوائر رسم السياسات وصنع القرار في الغرب , هي التي أسست لمايشهده العالم اليوم من مآزق واستعصاءات ,أوضح ملامحها هي وصم المرحلة الحالية عنوةً بصراع الحضارات وفي مباشرتها صراع الأديان سواءً على المستوى الداخلي في المذاهب المسيحية والإسلامية نفسها ,أو بشكل بيني بين المسيحية والاسلام , وفي هذا الطريق تراجعاً وتردياً واضحاً عن قيم التنوير , وأشبه بتدوير المسألة الدينية وإثارتها من جديد وجعلها عنواناً بديلاً لقيم العقلانية والديمقراطية وحقوق الإنسان , أي نقض المنجزات الفكرية والثقافية والسياسية التي أفرزتها مرحلة التنوير, إنها باختصار مرحلة الالتفاف على الحداثة وقيمها ومعاييرها , إنها في العمق مشكلة عالمية ساحتها المباشرة اليوم هي الشرق الأوسط لكنها متمددة باستمرار وليست متوقفة هناك ,وعليه إن معالجتها هي مهمة عالمية إنسانية , الجميع معني بالاشتراك للإجابة عليها وتخليص الإنسانية من أخطر مراحلها .

واستطراداً إن حرية الرأي والتعبير الهادفة يجب أن تأخذ مداها الكامل الجريء من موقع احترام الآخر ,وهذا ماتحتاجه حالة العالم اليوم بقوة بدون تحريفات وتحديدات تلغي دورها, وأن تكون أي حرية التعبير منطلقة من هدف نزيه ومعبر عنها بسلوك إيجابي متسامح حضاري مسؤول , وليس ممارستها تحت غطاء الكراهية والتسفيه ,فالاختلاف بين الأفراد والشعوب والثقافات هو في أهم صوره يمثل جدل الحياة وصيرورتها وحريتها وتقدمها فالعبودية وحدها تفرض التماثل , هنا يجب التأشير بصراحة بأن مايجري من تعميم مظاهر البؤس والسلبية والفعل ورده غير المنسجم مع التطور الإنساني ,خاصةً مع تغول وتردي إدارة الآلة الإعلامية السريعة التي تضخ سمومها على مدار الساعة والتي تغلب عليها الدعاية وتوليف الرأي العام على إنتاج التعصب والكراهية والفوضى ,هو توظيف غير أخلاقي ومؤذي ومتناقض مع قيم التسامح والعصر التي دفعت البشرية ثمناً غالياً لها , فتوحيد العالم حول عقيدة واحدة غير ممكن من جهة ,وهو مشروع للتعصب بامتياز من جهة أخرى , أهي مرحلة التبشير بنهاية التاريخ الإنساني ؟! واستمراره بشكل آخر ومحتوى آخر وأدوات وقيم ومعاييرأخرى ؟! .

فالتاريخ الإنساني يتوقف عن التقدم وينحدر " إذا وفقط إذا " شهد انكساراً حاداً في مساره الإنساني , ومقدمته هي استمرار مشروع الكراهية بدون رادع والذي بدت مظاهره تنذر الشعوب بوضوح وقلق بالغين, وعليه إن عالم اليوم يحتاج إلى رؤى وآراء تمثل معززات إيجابية للتكامل والتسامح والاحترام والعيش المشترك, وصياغة مستقبلاً إنسانياً واحداً أصبح واقعاً لامفر منه أو فناءً مشتركاً وشيكاً لامهرباً منه , والحال هذا فإن التكامل الإنساني لايحتاج إلى محترفي نبش عقد ومقابرالتاريخ ومحارقه , بل يحتاج إلى نقيضه تماماً ,هنا تفرض الضرورة الأم نفسها وهي الحاجة إلى اختراع إنساني جديد أو المشي بهذا الطريق في أضعف الأحوال , بحاجة إلى مهندسين إنسانيين متنورين في تصميم السلوك وحرية الرأي والثقافة والعلاقات الحضارية بين الأمم والشعوب قبل فوات الأوان !.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ