ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الزمن الثالث الذي بدأ قبل خمسة أعوام

نوال السباعي – مدريد

"خمسة أعوام ، وأربعة آلاف جندي أمريكي قتيل ، والعمليات الارهابية مازالت مستمرة !، ومشهد الصنم يهوي"، هذه المشاهد الأربعة لخصت وحدها وفي أقل من دقيقتين فقط وفي معظم وسائل الاعلام المرئية الاسبانية الذكرى الخامسة لغزو العراق ! ، هذا ما تريد معظم وسائل الاعلام "الغربية" أن يراه الناس ويسمعونه في أوربة ، لم تكلف هذه القنوات نفسها ولاحتى من باب الحياء ذكر أعداد مئات الآلاف من العراقيين من القتلى والمهجرين والفارين والمفقودين والمعتقلين والجرحى والمعاقين واليتامى والثكالى والمشردين والمنهكين والذين سقطوا هنالك على دروب البحث وحدهم عن مخرج من هذه المحنة المزلزلة التي يعيشها العراق بعد خمسة أعوام بين سطوة المحتل ، وقهر ذوي القربى من "العرب" النظارة أو الفاعلين من الأغبياء ، وتمزق الصف الداخلي العراقي الذي مهد لشر مستطير يهدد المنطقة بأسرها ليس من الناحية السياسية الجغرافية فحسب بل وفي صميم تشكيلتها السكانية العقيدية والقومية .

 

سقوط ذلك "الصنم" لم يكن يستدعي كل هذا الحجم من استعراض القدرة على التدمير لولا أن الولايات المتحدة دخلت العراق لتدمر كل شيء فيه لالتزيل نظام "صدام حسين " من الوجود! ، لأنها لو أرادت أن تزيله لفعلت بصواريخها "الذكية" وأقمارها التجسسية "العبقرية" وعملياتها الحربية "الجراحية" الاستراتيجية الانتقائية !!، وعملائها المزدَوجين في الداخل كما في الخارج كما في الصميم ، الهدف من دخول المنطقة كما يعرفه الجميع كان أولا المرابطة فوق آخر ماتبقى في المنطقة من حقول النفط ، وضمان تدفقه نحو البوارج الناقلة العملاقة حتى آخر نقطة في عروق هذه الأرض التي بذلت لنا ثرواتها فلم نعرف كيف نحافظ عليها، وثانيا تدمير أي مظهر من مظاهر القوة أو التقدم أو التحضر لدى شعوب المنطقة والعودة قرونا إلى الخلف لكل من تسول له نفسه دخول هذه الساحات المحرمة علينا ، ألم تفعل "اسرائيل الأمريكية " أو "أمريكا الاسرائيلية "  الشيء ذاته في جنوب لبنان؟!، مساكين نحن إذ نتميز إلى سنة وشيعة ولانريد أن نفهم أننا جميعا في هذه الأتون سواء!.

 

ماأزال أذكر تلك العشية التي ظهر فيها "خوسه ماريا أثنار" على شاشات التلفزة الاسبانية ليقنع الرأي العام الاسباني بضرورة مشاركة بلاده في غزو العراق ، تحدث الرجل كثيرا ولم يقل شيئا ، ولما استيأس من قدرته على اقناع الشعب توجه نحو الكاميرا بحركة مأسوية مسرحية ليقول : "صدقوني.. إنه من الخير لنا جميعا أن نشارك الولايات المتحدة الأمريكية في "رحلتها" هذه ، ثقوا بي وصدقوني "!.

لم يصدقه الشعب الاسباني.. وخرجت الملايين لتعبر عن رفضها لذلك الغزو "غير الأخلاقي وغير المنطقي وغير المبرر" كما وصفه كبار المراقبين العسكريين والسياسيين من المنصفين غير المنساقين في ركب الولايات المتحدة وطوابيرها.

دفعت اسبانيا ثمن مشاركتها العسكرية الهزيلة الرمزية  في ذلك الغزو غاليا جدا ، ودفع "أثنار" ثمنا سياسيا وأخلاقيا باهظا هو وحزبه الذي ادعى أنه حزب محافظ ، فهل نحن أبناء المنطقة العربية واعون حقا للثمن الذي ندفعه منذ خمسة أعوام جراء  سكوتنا على تمرير ذلك الغزو ؟؟ .

لقد دخلت المنطقة العربية بأسرها من محيطها إلى خليجها في هذا الزمن الثالث الذي بدأ منذ اللحظة الأولى لاشتعال بغداد في تلك العشية ، شموعا شيطانية في كعكة هُيئت لتُقَدَمَ لأولئك المُتداعين إلينا أو علينا كل يريد المشاركة في نيل حصته في تلك القسمة الضيزى.

هذا الزمن الثالث الذي أصبحنا فيه وجميعاً تبعا للسياسات الأمريكية منبطحين مستسلمين أو مشاغبين مجعجعين ، ولكننا وجميعا حكاما ومحكومين مشاركين وبامتياز في هذا الدمار الفظيع الذي لحق بالأرض والإنسان والأمن والحياة في العراق ، وهذا الانهيار المريع في الكرامة والقناعات واليقين في سائر أنحاء المنطقة  ،إنه الزمن الثالث الذي أصبحنا فيه في المنطقة العربية جميعا ولأول مرة نحن وحكامنا في خندق واحد ، لايُحسد أي من الطرفين على موقعه فيه ، فالخيانة مشتركة والصمت مشترك والخنوع والاستكانة كذلك مشتركين ، الكل يريد أن يحافظ على مكاسبه وكراسيه ومكانته في صدر الجكومات أو في ساقة مقاهي الكسل والديوانيات وأبواب الحارات.

 

زمن ثالث ..ومنذ تفَضَل الاحتلال البريطاني على يهود أوربة بإقامة وطنهم الموعود في قلب أرضنا ، وللمرة الأولى منذ ستين عاما تراجعت القضية الفلسطينية لتصبح في المقام الثالث على سلم أولوياتنا "القومية" المستحدثة ، بعد المصيبة القائمة في العراق ، و"العمل العربي (الايجابي ) الجماعي" الذي صار في المقام الثاني !!، ماعادت مصيبتنا في فلسطين شيئا مستثنى في قاموس ندبنا ونواحنا وادعائنا الوقوف الى جانب "القضية" ، وإيقاف وتجميد حياة الأمة كلها في نفس السرداب ستين عاما بدعوى "القضية" !!. القضية في الواقع تمددت بالطول والعرض لتصبح حالة عامة وطامة ، فبدلا من أن يحرر العرب فلسطين أصبحوا جميعا محتلين –بضم الميم- !، وبدلا من أن ينصروا أبناء فلسطين أصبحوا جميعا مُستعبدين يرزحون تحت نير الاستبداد وسجونه وسياطه!، وبدلا من أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم خرج الملايين من أبناء المنطقة مهاجرين فارين من القهر والظلم والجوع والتخلف والعفن !!، أصبحنا كلنا من المحيط الى الخليج نشكل ونمثل حالة فلسطينية باستثناء تضامنا مع أبناء القضية!.

 

زمن ثالث جديد هذا الذي دخله العالم على وقع دمدمة الصواريخ التي كانت تدمر كل شيء في بغداد إلا وزارة البترول! ، زمن سقوط الشرعية الدولية بكل مؤسساتها وهياكلها ورموزها بدءا بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومواثيق حقوق الانسان ، وانتهاءا بما يسمى سيادة الأمم وحق تقرير المصير وحركات التحرر وعدم الانحياز ، لقد دخل عالم مابعد غزو العراق حقبة شريعة الغاب ، التي يحق فيها للأقوى أن يفترس الأضعف ، ومادام الأضعف يرى أنه الأضعف فهو يعرف أنه مفترس لامحالة فلايفكر أدنى تفكير في الدفاع عن نفسه ولا حتى في ثلثي الرجولة.. وهو الهرب.

وكل من تسول له نفسه في هذا الزمن الثالث الجديد أن يفكر في شيء يدعى "حرية" أو "تحرر" أو أي اشتقاق لفظي يتعلق بتلك الكلمة فهو إرهابي منشق على إجماع "المجتمع الدولي" ، لكن كلمة الارهاب هذه ماعادت حكراً على أولئك الذين يريدون أن يتخلصوا من نير المستعمر!! ، فقد أخذت في هذا الزمن الثالث العجيب معنى خاصا ظاهرا واضحا لالبس فيه ، ولقد كنا نحن سكان المنطقة العربية أولوا الفضل الكبير في تعميم هذا المعنى على سائر مناطق الأرض : الارهابي في هذا الزمن الثالث هو ذلك الذي يعارض السياسات الأمريكية في طول الكرة الأرضية وعرضها !! ، المنافحون عن وجودهم في فلسطين إرهابيون ، المجاهدون العراقيون الصادقون ضد المحتل إرهابيون ، "تشافيز" إرهابي ، سكان الصين الذين يشكلون خمس سكان المعمورة ولأنهم يعارضون انفصال "التيبت" عنهم ، هم جميعا ارهابيون ، كل شاب أوربي يضع الكوفية الفلسطينية حول عنقه ولو كان ذلك التزاما للموضة هو مشروع إرهابي مستقبلي، تلك الفتاة التي رفضت أن تتصور مع العلم الأمريكي في زيارة علمية للولايات المتحدة الأمريكية إرهابية .

 

 إنه الزمن الثالث الجديد الذي عادت فيه دورة التاريخ لنعيش معها في ظلال عولمة أخرى لاتخرج في مفهومها العام عن العولمة الرومانية في شيء ، اللهم إلا أن الرومان كانوا يبنون في كل قرية ينزلونها صروحا ومسارح ودور شورى وحلبات مصارعة إنسانية قاتلة ، أما هؤلاء "الجدد" فإنهم يدمرون كل شيء ..الأرض والبيئة والانسان والارادة والحياة ، ودون أن يكلفوا أنفسهم بناء حلبات للمصارعة لأن الإنسان صار يُقتل في ظل هذه العولمة دون أن يمنح أية فرصة حتى للتصارع بشرف مع قاتله!!.

 

في الواقع إنها لذكرى أليمة هذه الذكرى التي مافارقتنا أصلا حتى نستعيدها ، وماكنا في حاجة إلى أن يذكرنا بها أحد فهي قائمة في الضمائر والوجدان ونشرات الأخبار ، خمسة أعوام من القهر لايمكن للمرء أن ينفك عنها  ، أيتها المواويل العراقية الأليمة اصدحي وارتفعي عالياً ، لقد آن لهذه الأمة أن تنتبه من هول الصدمة وتعي أنها أصبحت داخل هذا الزمن الأجرب الصعب ، وأن عليها أن تغسل الدماء عن وجهها وتستيقظ من هول المصيبة وتقم وتنهض من ذهولها لتفعل شيئا ..فمازال في الوقت متسع لفعل شيء.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ