ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 10/04/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


صراع الديمقراطية في تركيا ..

ثقافة الانقلابات وإغلاق حزب العدالة والتنمية (1)

محمود العمر*

أثار طلب المدعي العام إغلاق حزب العدالة والتنمية المفاجئ ردود فعل عنيفة وحادة لدى الرأي العام المحلي والدولي إذ لم يمض على الانتخابات البرلمانية أقل من عام ,كما أن الاقتصاد ينمو بشكل مضطرد رغم التقلبات والأزمات الدولية الحادة , ولا شيء يذكر يعكر صفو الاستقرار .

إذن ما الذي حدا بالمدعي العام ليطلب إغلاق الحزب الحاكم الذي حصل بالأمس القريب على ثقة ما يقارب نصف المجتمع التركي ؟ وهل هي دعوى قضائية أم سياسية ؟ وهل سيغلق الحزب؟ أم أن الأمر لا يعدو مجرد وسيلة ضغط بغية إبقائه محاصرا تحت السيطرة ؟

 

     عندما تحولت تركيا من حكم الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية كشرط لقبولها في حلف شمال الأطلسي نشأ هناك نوع من الازدواجية في الحياة السياسية إذ لم هناك ثمة مشكلة خلال فترة حكم الحزب الواحد الذي كان يمسك زمام الأمور كلها ويضطلع بمهام الدولة والحكومة بوقت واحد . لكن النجاح الكبير الذي حققه الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندرس في الخمسينيات من القرن المنصرم أدى إلى بروز نوع من الصراع والتجاذب بين الدولة ممثلة ببعض مؤسساتها , والحكومات المنتخبة من قبل الشعب , والتي بدأت يوما بعد يوم تطالب بحصة أكبر وصلاحيات أكثر في إدارة شؤون الحكم أسوة بمثيلاتها في أوربا التي ارتضتها الجمهورية تركيا وجهة واتخذتها مثالا يحتذى به بل مرجعا لأي خلاف . لكن الجيش المسيس من لدن تأسيسه والمنوط به دستوريا مهمة حماية العلمانية كان غالبا ما يتدخل لحسم الأمور بالقوة , كما حدث في سلسلة الانقلابات التي جرت في الستينات والسبعينات و الثمانينات بمعدل انقلاب لكل عشرة أعوام .

   في الانتخابات التي أجريت عام 1983استطاع تورغوت أوزال تحقيق فوز ساحق مكنه من تشكيل الحكومة بمفرده بعد أن سئم الشعب الحكومات الاتلافية ,صراعاتها ومشاكلها ..كما استطاع بحنكته السياسية ونظرته البعيدة أن يحدث تغييرات جذرية في جهاز الدولة خاصة الأمن والشرطة الذي جهزه بمعدات ذات تقنية عالية استطاع من خلالها رصد التحركات السرية التي كانت تنشط داخل بعض مؤسسات الدولة , وتعد خطط التدخل في الحياة السياسية والانقلاب عليها , و قد تمكنت دوائر الاستخبارات هذه كشف الكثير مما كانت تقوم به بعض هذه الخلايا الخفية وشبه الرسمية  مثل ما عرف آنذاك بمجموعة العمل الغربية . 

وكما ساعد الانضمام إلى حلف الناتو في التحول من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية كذلك ساهم  طلب تركيا الدخول في السوق الأوربية المشتركة _ التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد الأوربي _ بقدر كبير من التحول والانفتاح السياسي , وإطلاق الحريات العامة , وانتشار مؤسسات المجتمع المدني .. كما ازداد الوعي لدى عامة الشعب الذي بدأ يطالب بسقف أعلى من الحقوق السياسية والحريات العامة . كل ذلك وغيره من العوامل جعلت تدخل الجيش المباشر بقواته ومدرعاته أمرا غير مقبول ولا مستساغ حتى من بعض قياداته , وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بدلا من إلقاء اللائمة على الجيش ووضعه دائما في قفص الاتهام يجب التنبيه أولا إلى وجود طبقة سياسية وجهات إعلامية لم تفتا تدعوه وتحرضه وتحضه على التدخل في الحياة السياسة بين الفينة والأخرى خاصة عندما لا تكون نتائج الانتخابات في صالحها ..

وقد ابتكرت القوى الحاكمة و النافذة آلية استغنت من خلالها عن إنزال الدبابات إلى الشوارع  أو بتعبير أدق تخلت عن استعمال الذراع العسكري إلى استخدام وسائل وآليات أخرى لا تثير حفيظة الرأي العام , وتبقي الأمور تحت السيطرة !. فالانقلاب الأبيض ضد نجم الدين أربكان _أو ما سمي بحركة 28 شباط _ حمل رايته نقابات العمال وبعض منظمات المجتمع المدني وطبعا كان للإعلام دوره الرائد في ما سمي بالانقلاب العصري الحديث .. ثم تبع ذلك تعقب وإغلاق الأحزاب الغير مرضي عنها خاصة تلك التي توصم بأنها أحزاب إسلامية !. مثل حزب الرفاه وحزب الفضيلة .. وهنا ننبه أن الدستور التركي يحظر تشكيل الأحزاب السياسية على أسس دينية أو عرقية .

لقد خلفت الانقلابات في كل مرة أزمات سياسية واقتصادية حادة , استغرق الخروج منها أعواما طويلة .. هذا ما حدث بعد حركة 28 شباط حيث توالت النكسات والأزمات وتعاقب على إدارة البلاد حكومات أقلية برلمانية ثم حكومات ائتلاف بين شركاء متشاكسين متنازعين , وانخفضت قيمة العملة التركية إلى النصف خلال أقل من أسبوع جراء نزاع الحكومة مع رئيس الجمهورية آنذاك . ثم أجريت الانتخابات العامة  وفاز حزب العدالة والتنمية الحديث الولادة بنسبة لم يكن يتوقعها الكثيرون !.واستطاع قيادة البلاد بحكمة وعقلانية متجنبا الاحتقان السياسي والصدام مع أي طرف من الأطراف مستفيدا من أخطاء من سبقه !. فحقق نجاحات على كافة الأصعدة تقريبا , ولم يترك لأحزاب المعارضة سوى مجالا ضيقا جدا للحركة .. ثم جاءت الانتخابات الأخيرة ليحقق نتيجة لم يتوقعها إلا قلة من المراقبين السياسيين إذ حصل على تأييد 47 بالمائة من أصوات الناخبين وفاز على ممثلي حزب العمال الكردستاني في عقر دارهم في جنوب شرق تركيا وبذلك تمكن من إبطال زعم هذا الحزب بأنه الممثل الوحيد للأكراد في تركيا المدافع عن حقوقهم ..

هذه المكاسب كلها جعلت حزب العدالة والتنمية قريبا من الجيش الذي يخوض حربا ضروسا ضد حزب العمال الكردستاني منذ مطلع الثمانينات .. وفي مقابلة جرت في لندن مع الصحفيين كان رد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على سؤال حول حقوق الأكراد واضحا ومفحما عندما قال :(هناك 174 نائب من أصل كردي في حزبي وسبعة وزراء في حكومتي , وحزبي تقدم على ممثلي حزب العمال بنسبة الأصوات في الجنوب فأنا وحزبي نمثل الأكراد وليس الذين يدعمون الإرهاب وينتظرون المدد منه) .. هذه الفرصة السياسية الذهبية أفحمت بعض القوى في الغرب وسحبت منه أقوى ذرائعه التي يتدخل من خلالها في صلب السياسة الداخلية التركية لم يحظ بها أحد قبل حزب العدالة والتنمية , وهذا سبب آخر يقربه من الجيش أكثر !. كما كان رئيس الوزراء قد عقد الاجتماع المشهور مع قائد الجيش في قصر (دولما بهجا ) في استانبول , واتفقا يومها على تجنب الصدام بين المؤسستين السياسية والعسكرية كما اتفقا على سرية ما جرى في هذا اللقاء والتزما بذلك الأمر الذي أزعج الكثيرين !..

 

إذن من هي الجهة الحريصة على إغلاق حزب العدالة والتنمية ؟

 

ذكرنا أعلاه أن نقاط الوفاق بين الحكومة وقيادة الجيش أكثر من نقاط الخلاف بينهما , خصوصا بعد انتقاد المعارضة لتوقيت انسحاب الجيش من شمال العراق وأنها جاءت تنفيذا لأوامر الأمريكان والتي اعتبرها الجيش طعنة له في الظهر عقب النجاح الباهر الذي نتجت عنه العملية والتي كان للحكومة دورا هاما في تهيئة الأجواء السياسية المناسبة لها .

هناك قول بأن حزب الحركة القومي نجح في جر حزب العدالة والتنمية إلى مطب قضية الحجاب المعقد الشائك , وبذلك يكون قد أعطى المتربصين به ذريعة للنيل منه !.

كذلك هناك عامل الصراع داخل حزب الشعب الجمهوري الذي خسر الانتخابات مرتين أمام حزب العدالة والتنمية رغم اصطفاف اليسار خلفه , كما خسر معركة انتخاب رئيس الجمهورية بالرغم من دعم المحكمة الدستورية له, حيث ألقى بكل ثقله من أجل منع عبد الله جول من الترشح والفوز برئاسة الجمهورية ولم يفلح . فأرادت قيادة هذا الحزب - الذي يملك جذورا عميقة في الدولة وينصب نفسه أبا للعلمانية - نقل الصراع وتفادي الانقسام الداخلي الذي ظهرت بوادره بتوجيه الأنظار نحو عدو خارجي عن طريق خلق ظروف سياسية استثنائية !. كما أن هناك دوائر أخرى لا يروق لها وجود حكومة قوية سيبقون مضطرين لاستجدائها في كل شارة وواردة خاصة الإمبراطوريات الإعلامية التي تملك البنوك والشركات العملاقة ..

 

في الحلقة التالية سنتناول إن شاء الله قضية إغلاق حزب العدالة والتنمية وهل هي ممكنة ؟ وما هي الأوراق التي يملكها للحيلولة دون إغلاقه ؟ وما هي العوامل المؤثرة سلبا و إيجابا في هذه القضية ؟

*كاتب سوري

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ