ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/03/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

النظام السوري ... وأجهزته الأمنية القمعية ...

إطلاق يد أم انفلات عقال ؟

*د . علي حسين

لم يكن حال الأجهزة الأمنية قبل إنقلاب 23 شباط من العام 1966 أحسن حالاً  مما هي عليه الآن ، مع بعض الفوارق البسيطة من حيث المضمون ، والكبيرة من حيث الجوهر ، ففي السابق أي قبل الثالث والعشرين من شباط كان ولاء الأجهزة الأمنية بمختلف فروعها " لحزب البعث الحاكم " ، وكانت تأتمر بأمر قيادة الحزب ، بينما الآن وبعد استيلاء العناصر المستهترة على مقاليد السلطة في سوريا ، وسيطرتها على جميع الأجهزة الأمنية ، تم تحويل ولاءها من حماية أمن الوطن والمواطنيين ، الى حماية أمن وديمومة وبقاء النظام ، ولم ينتهي بها المطاف عند هذا الحد بل تحولت مع مرور الزمن الى مؤسسات شبه خاصة تتبع كل منها لشخص ما ولدائرة ما ، والصراع بينهما دائم ومستمر وجميعهم يتودد ويقدم المعلومات والخدمات لينال رضى آل الأسد ، وتاريخ الصراع بين أجنحة الأجهزة الأمنية يعود للأيام الأولى من استيلاء الثلاثي( حافظ  أسد  ، سليم حاطوم وصلاح جديد ) ، على مقاليد السلطة بعد الإطاحة برفاق الدرب صبيحة 23 من شباط عام 1966 ، عندما كان في حينها  عبد الكريم الجندي متحالفاً مع صديقه صلاح جديد ، في شبكة التوازنات الحزبية التي كانت سائدة ، وقد ظل صلاح جديد مسيطراً على الأمن والمخابرات العامة بواسطة صديقه عبد الكريم الجندي ، على الرغم من بدء تقلص نفوذه في الجيش ، أمام تصاعد قوة رفيقه اللدود حافظ الأسد .

 

وقد قام الجندي بتوسيع أجهزة الدولة القمعية توسيعاً كبيراً، فجند جيشاً من المخبرين الصغار، وتفنن في ابتداع أساليب التعذيب النفسي والجسدي، على نحو لم تعرفه سورية من قبل، كما كانت الأجهزة التي يرأسها تعتقل الناس على الشبهة حتى عم الخوف أوساط المجتمع السوري، فحدثت اعتقالات تعسفية كثيرة، ومظالم شديدة . وقد التصقت كل هذه المظالم باسم عبد الكريم الجندي . وكان الجندي من بين أعضاء لجنة التحقيق التي كشفت عن مؤامرة بعض الضباط الدروز بقيادة سليم حاطوم للانقلاب على حكم صلاح جديد ، حيث ألقى القبض على سليم حاطوم وقام عبد الكريم الجندي بنفسه بتكسير أضلاع رفيق دربه السابق (سليم حاطوم) قبل إرساله لتطلق عليه النار وهو بين الحياة والموت.

 

وبدءاً من شباط 1969 اشتد التنافس والصراع بين جديد والأسد ، وراح مؤيدوهما يتصارعون وعلى مستوى (الفتوات والقبضايات) بالمسدس والقبضة، وكان العقيد عبد الكريم الجندي مدير قوى الأمن التابع لجديد يدير الصراع من ناحية وشقيق حافظ الأسد الأصغر رفعت يديره من ناحية أخرى ... وانفجر الصراع عندما اعتقد رفعت بأن ( صلاح جديد) يخطط لاغتيال شقيقه ، فقد أوقفت سيارة كانت تحوم قرب منزل حافظ الأسد ، واعترف سائقها بعد الاستجواب بأن الجندي أرسله لاغتياله ، فقرر رفعت الأسد نزع سلاح عبد الكريم الجندي لأنه ما لم يتم ذلك فلسوف يكون هو وأخوته عرضة للخطر.

 

وفي الأيام الأربعة ما بين 25ـ 28 شباط 1969، قام الأخوان الطامحان والطامعان بالسلطة : حافظ ورفعت بانقلاب مصغر ، فحركا الدبابات إلى النقاط الهامة في العاصمة ، واستبدلا الضباط والمدراء الأمنيين الموالين لصلاح جديد بآخرين موالين لهما. لكن الحادثة الحاسمة كانت بقيام رفعت بتضييق الخناق على الجندي في دمشق، وذلك باعتقاله سائقي سيارات الأمن الداخلي من محطة تزودهم بالوقود من مبنى الأركان ، وهكذا تم التقاط سائقِي الجندي واحداً بعد الآخر ، فحرم الجندي بذلك من أسطول سياراته وعندما أُخذ سائق الجندي نفسه أدرك الجندي أن وقته قد حان ، ونظراً لحدة مزاجه ، و عصبيته لم يستطع الجندي أن يتحمل تبعات الموقف، ولا أن يتصور متتالياته فأقدم في ليلة 1ـ 2آذار 1969، وبعد مشادة كلامية بالهاتف مع مدير المخابرات العسكرية علي ظاظا ، على قتل نفسه بإطلاق الرصاص على رأسه .  لأنه كان لا يطيق أن يرى نفسه أسيراً بين يدي خصمه رفعت لما يعلمه من قسوته وعنفه ، كما لم يستطع أن يتصور بسهولة فكرة مواجهة التحقيق والمحاكمة وصدور الحكم عليه ، ولا شك في أنه كان يعلم أنه سوف يُعتبر مسؤولاً عن جرائم كثيرة ، فخشي أن يتعرض لمصير كمصير سليم حاطوم الذي عذبه بوحشية بالغة قبل أن يبعث به إلى الإعدام قبل ذلك بعامين .

 

أما الآن وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً على حكم آل الأسد لسوريا ، فلم يعد بالإمكان معرفة ما إذا كانت أجهزة الأمن السورية تسير وفق خطة سياسية محددة قررتها اللجنة الأمنية العليا في البلاد بالتنسيق مع رئيس الجمهورية وقائد الحرس الجمهوري العقيد ماهر الأسد أو اللواء آصفت شوكت مدير المخابرات العسكرية ، أم أن كل مسئول فرع أمن يتصرف كالإقطاعي في إقطاعيته ويأخذ القرار الذي يريد بحق من يريد .

 

ففي الآونة الأخيرة ، وقع  في سورية عدة أحداث جسيمة من أبرزها وفاة المواطن أحمد المسالمة في المعتقل في ظروف لم تسمح السلطة لأي طرف مستقل بالتحقيق فيها ، وتم رفض إعطاء جوازات سفر لعدد ممن طلب في المنفى واعتقال عدد من الأشخاص الذين عادوا وتهديد أكثر من رمز حقوقي ومدني ، كذلك في منع السفر لعدد من المعارضين . الأمر الذي دعا أكثر من منظمة سورية وعربية للمطالبة بضمانات قانونية وإلغاء القوانين الاستثنائية المتعلقة بحرية الانتماء السياسي والمدني . ثم جاءت حادثة خطف وقتل الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي  والإعتقالات التعسفية والقمعية التي طالت الأخوة أعضاء ربيع دمشق ، وكذلك تجريد النائبان في البرلمان السوري رياض سيف ومأمون الحمصي من حصانتهم  وزجهم في السجن ، وإعتقال الدكتور عارف دليلة عميد كلية الإدارة والإقتصاد ، والدكتور كمال اللبواني بعد عودته من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية  . ولم تتوان  أجهزة الأمن السورية عن اعتقال الكاتب والصحفي علي العبد الله الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الإنسان في سورية والمحامي محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية ، ثم تلتها إعتقالات طالت المثقفين السوريين الموقعين على وثيقة دمشق - بيروت  إضافة إلى توقيفات جماعية للتحقيق والتهديد في عدة مدن ومحافظات سورية .

 

 لقد جاءت هذه الاعتقالات في ربيع عام 2005 لتقضي على كل الآمال والأحلام الربيعية المشروعة للشعب السوري ونخبة التواقة إلى تغيير ديمقراطي سلمي هادىء على طريق بناء دولة الحق والدستور والقانون . هذه الإعتقالات غير المبررة ، تشكل برهاناً خطيراً على استمرار العمل بالنهج العنفي والتعسفي للسلطة في سوريا ويزيد من الأخطار التي تهدد مجتمعاتنا بالانفجار والفوضى . وفي نهاية العام 2007 وبداية العام 2008 أقدمت الأجهزة الأمنية على إعتقال الأخوة رئيسة وأعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق وزجهم في السجن بحجج واهية ، ولم تتوقف عند هذا الحد من إنتهاك حقوق المواطن السوري ، فقد أقدمت على ممارسة الضغط على عوائل المعتقلين وتسفير زوج الدكتورة فداء الحوراني غازي عليان خارج سوريا . وقبل أقل من شهر تقريباً توفي النائب السابق عثمان سليمان بعد أن استفحل المرض ولم تسمح له السلطات القمعية من الخروج والعلاج في أحد مشافي سوريا ، ناهيك عن منع النائب رياض سيف من السفر للعلاج من مرض السرطان ، كما وأن حالة الدكتور عارف دليلة الصحية تحتاج لنقله للعلاج خارج سوريا .

 

لقد كان من المتوقع، بعد فشل النهج الأمني في لبنان ، أن تسعى أجهزة الأمن للعب دور المخيف لإخفاء حالة الخوف التي تعيشها ، نتيجة إتهامها وبشكل مباشر بجريمة إغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ، وقرب البدء بجلسات المحكمة الدولية الخاصة بإغتيال الشهيد الحريري ،  إلا أن التصرفات التي تجري تعود بنا إلى حقبة العنجهية الأمنية التي لا ضابط  لها نتيجة فقدان توازن وسيطرة النظام على مجريات الأحداث ، والضغط الإقليمي والدولي الذي يتعرض له النظام لتعطيله عملية إتمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان  ، والسؤال الكبير ، هل تصرفات وسلوكيات الأجهزة الأمنية مستند لقرار أمني تتحمل القيادة السياسية مسئوليته ؟ ، أم أن حالة الخوف والهلع التي تنتاب النظام من المحكمة الدولية هي التي  جعلت أجهزة الأمن تتخبط  بهذا الشكل ؟  ، إن تصفية الحسابات ونحر اللواء غازي كنعان ، وتقدم عماد مغنية عربون للغرب وإسرائيل علهم يخلصونهم من مصيرهم المحتوم أمام المحكمة الدولية  لخير دليل على تخبط القيادات الأمنية وفقدانها السيطرة على مجريات الأحداث وخاصة بعيد القمة العربية المقرر عقدها في دمشق نهاية مارس 2008 .

 

مهما تكن الأجوبة ، فإننا نتساءل ويتساءل معنا الشعب السوري لماذا أحرار الشعب السوري في السجون ؟! ومتى يتم الإفراج عنهم؟! ولماذا هذه السياسة الحمقاء والرعناء بحق الشعب السوري ؟ ، وماذا بعد هذه العقود من الملاحقات والاعتقالات والتعذيب المستمر ، التي اعتقد الشعب أنها لن تستمر في عهد بشار الأسد ، خاصة وأن عائدها السياسي والوطني كان مدمراً إلى أبعد حد  في عهد حافظ الأسد ؟ ، ورغم الخطاب السياسي والإعلامي لنظام بشار الأسد عن الإصلاح والتطوير والتحديث استأنفت السلطة  وأجهزتها القمعية  عمليات الاعتقال والملاحقة والمراقبة والاستدعاء والتخويف ،لأبناء الشعبين السوري واللبناني ، وحولت القضاء إلى أداة قمع إضافية تصدر أحكامها التسفية الجائرة  بأوامر من جهات أمنية أوغير قضائية ، مثلما فعلت مع كافة المعتقلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني ، مع أنهم دعاة مصالحة وطنية وحوار وطني ، عملوا للتغيير الديمقراطي رغم عدم ممارسة النظام لها ، في إطار القانون وثوابت الوحدة الوطنية ، وكرسوا وقتهم وجهدهم لإصلاح أحوال وطنهم ، الذي أرادوه حراً وقوياً وديمقراطيا ً.

 

إلى جانب هؤلاء وقبلهم وبعدهم ، هناك المئات من المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي من مختلف الاتجاهات السياسية المعارضة ، ما زال النظام  يحتفظ بهم وراء القضبان ، رغم مضي أكثر من ربع قرن على وجود بعضهم في السجن أمثال الضابط  فرحان الزعبي ، وبعد التطورات التي جرت وتجري في المنطقة ، وبعد صدور قانون العفو العام الواهي ، الذي تجاهل تماماً معتقلي الرأي ، لم يعد مقبولاً بأي حال من الأحوال أن تستمر عمليات الاضطهاد السياسي ، وقد تراجعت وانتهت في معظم بلاد الدنيا ومنها بلاد العرب ، فإننا والشعب السوري وكل الأحرار في العالم ومعنا القوى المحبة للحرية والسلام والوئام ،  نطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ، وبتسوية أوضاعهم ورد حقوقهم إليهم ، وإغلاق ملف الاضطهاد السياسي ، ومعاقبة قادة الأجهزة الأمنية الفاسدة ، فاستمراره سمّم الحياة العامة ، وألزم نظام بشار الأسد بسياسات ، تتعارض مع وعوده وأدى إلى إدامة نفوذ وسطوة قوى الفساد ، في المجتمع والدولة ، كما نطالب بعودة جميع المبعدين خارج القطر ، وأولئك الذين منعوا من الدخول بعد احتلال العراق.

 

إن الإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وعودة جميع المبعدين كرهاً وطوعاً ، يضعنا على طريق "حرية الوطن والمواطن" فالدولة تقوى بحرية مواطنيها ، لا بسياسة القمع والإستبداد والإضطهاد ، وبهم وحدهم تتعزز الوحدة الوطنية ، ويتعزز صمود الوطن أمام التهديدات والتحديات الخارجية . ونؤكد للنظام القمعي أن نظام الملالي في قم وطهران لن ولن يحميكم ويحمي سوريا الوطن والشعب ، ولن يمحيكم من ثورة الشعب السوري الجائع ، المضطهد والمسلوب للحرية والديمقراطية والمنهوبة ثرواته ولقمة عيشه .

*كاتب سوري

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ