ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/02/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

هل عجزنا عن نصرة الرسول الكريم؟ .. 

قراءة من العهد المكي

وليد نور

Noor1425@hotmail.com

في يوم الأربعاء 13 فبراير 2008، أقدمت 17 صحيفة دانماركية على إعادة نشر الصور المسيئة بحق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي سبق أن قامت صحيفة دانماركية بنشرها لأول مرة في سبتمبر 2005.

هذه الخطوة من الصحف الدانماركية صاحبتها دعوات تهدئة صدرت من داخل الجالية المسلمة في الدانمارك، هذه التهدئة والتي يبدو أنها حققت أهدافها، حتى أن المسلمين لم يغضبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما غضبوا في المرة الأولى.

هذه الخطوة وتلك التهدئة، تجعلنا نتساءل: هل عجزنا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تعيد تلك الصحف نشر هذه الصور المسيئة غير عابئة بغضب المسلمين؟.

هل صار جل ما يستطيع المسلمون فعله هو الخطب والكلام؟، وهل طريق الحرائق والمظاهرات هو الطريق الصائب لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

قبل أن نبدأ:

أسئلة كثيرة ترد عند التفكر في الأمر، كلها تدور حول السبيل لنصرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، نقدم للمقال بعدة نقاط نرى أنها من الأهمية بمكان لوضعها في الاعتبار:

1-        هذه الإساءات الموجهة للإسلام ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم هي في حقيقة الأمر حصيلة تاريخ طويل من التصور الإدراكي المشوه عن الإسلام منذ القرون الأولى.

2-        هذه الإساءات ليست نتيجة مباشرة، كما يتصور البعض، بسبب الحرب على "الإرهاب"، وما شابه، ولكنها نتيجة العداء المستحكم لدى الكنيسة الغربية تجاه الإسلام، ومن يراجع كتاب "دفاع عن الرسول ضد منتقديه" للدكتور عبد الرحمن بدوي، يدرك كيف أن الإساءات تمثل تعبيرًا عن الذاكرة الجماعية للشعوب الأوروبية تجاه الإسلام والتي عملت الكنيسة الغربية على غرسها في العقلية الأوروبية.

3-        هذه الإساءات ليست بالضرورة ناجمة عن جهل بالإسلام وبمبادئه، فكعب بن الأشرف كان يعلم بصدق نبوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبحسن أخلاقه حيث ساكنه وعاهده في المدينة ومع ذلك تطاول عليه وعلى أصحابه، وحيي بن أخطب كان يعلم بصدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولكن مع ذلك كان قراره معاداة الرسول ما بقي، فهذه الإساءات ليست ناجمة عن جهل بقدر أنها ناجمة عن عداء مستحكم وحقد مبطن.

4-        هناك قصور بلا شك لدى المسلمين في تبليغ هذا الدين ونشر مبادئه، غير أن أكبر صور هذا القصور هو أننا حصرنا معظم جهودنا في التوجه بالحديث إلى فئات وشرائح معينة من العقلية الأوروبية، إما الفئات المثقفة أو المستشرقين، أو حصرنا جهودنا في التحاور مع الكنيسة وهي فئات وأطراف نعلم ما تكنه من عداء للإسلام، وغفلنا بالمقابل عن دعوة فئات عريضة من الشعوب الأوروبية تجهل حقيقة هذا الدين، وقد تكون في معظمها لا تحمل عداءً مستبطنًا تجاهه.

5-        النقطة الأخيرة التي نحب أن نوضحها، هو أن مقالنا هذا ليس مهتمًا بتحليل خطاب النصرة الموجه للغرب، ولكنه مهتم بتحليل الموقف الداخلي من قضية الإساءات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل موقف المسلمين تجاه هذه القضية كان لائقًا، أم أنه شابه قصور كان السبب وراء العجز عن نصرة رسول الله.

إن الانشغال بخطاب الغرب والغفلة عن الجبهة الداخلية من شأنها أن تنشئ موقفًا ضعيفًا لا يستطيع مجابهة تلك الإساءات.

لماذا العهد المكي؟:

في مقالنا هذا نحاول مناقشة موقف الجبهة الداخلية من الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع محاولة مقارنة هذا الموقف بالعهد المكي من السيرة النبوية العطرة، أما لماذا العهد المكي، وليس المدني، فلأننا نرى تشابها كبيرًا بين العجز والضعف الذي يعاني منه المسلمون اليوم، وبين العهد المكي، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري ومسلم: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ".

إن ابن مسعود وهو من نعلم في صدق محبته للرسول الكريم كان عاجزًا عن الدفع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد كان قلبه يحترق وهو يرى تطاول المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يجد سبيلاً لنصرته صلى الله عليه وسلم.

لقد صار حال المسلمين اليوم أشبه بالعهد المكي حيث الضعف عن رد الإساءات المتكررة للإسلام، غير أن المشكلة ليست في تلك الإساءات فقط، ولكن المشكلة أن تنال تلك الإساءات من الجبهة الداخلية فتنال من قوتها ومناعتها.

السبيل القويم لنصرة الرسول الكريم:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعرضون لصور شتى من الاضطهاد والإساءة على أيدي المشركين، غير أن المسلمين في هذا الحال كانوا في حال من الضعف تمنعهم من الدخول في مواجهة مع المشركين لرفع هذه الإساءات، فكان الأمر الرباني للمسلمين بكف أيديهم عن القتال حتى يأذن الله بذلك.

عندما نتفكر في هذا الأمر، ندرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمام واقع تربوي خطير للغاية، فهو يأمر أصحابه بكف أيديهم، ولكن هذا الأمر قد يكون له آثار بالتأكيد غير مرضية، من أهمها هذه الآثار:

1-        إلف المهانة وتحمل الذل:

لقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة عشر عامًا يتعرضون للأذى من قريش فما كان جوابهم إلا الصبر وكف الأيدي، غير أن هذه الفترة الطويلة من الصبر وتكرار الإساءات قد تربى الشعوب على إلف المهانة والقبول بها، ولعل هذا أحد أبعاد تكرار نشر تلك الصور المسيئة وذلك حتى تعتاد الشعوب المسلمة على هذا الأمر وتتآلف معه.

2- السلبية:

ومن الآثار الخطيرة لطول فترة الصبر وكف الأيدي التربية على السلبية، فثلاثة عشر عامًا كفيلة بتربية الإنسان على السلبية ونزع معاني الإيجابية من حياته.

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استطاع أن يواجه هذين الأثرين التربويين وأن يربي المسلمين في ظل تلك الأجواء على الإيجابية، التي لم تضعف عندهم بل زادت مع الهجرة إلى المدينة.

كما أن تلك الأجواء من الضعف والاضطهاد لم تضعف لدى الصحابة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي ظلت متقدة في قلوبهم حتى أنفاسهم الأخيرة، فكان الصحابي إذا جاءه الموت فرح بذلك لأنه سيلحق بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم.

كيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يربى أصحابه على الإيجابية والفعالية في هذا العهد المكي؟.

نستطيع تلخيص الإجابة على هذا السؤال في أربع نقاط، نرى أنها كانت وسائل النبي صلى الله عليه وسلم للحفاظ على إيجابية الصحابة، وقوة إيمانهم، هذه النقاط الأربع هي:

1- التربية الإيمانية:

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريص على رفع مستوى إيمان الصحابة، وذلك لأن الإيمان هو القوة الأساسية لجيش المؤمنين، وهو أعظم الأسلحة.

فالإيمان هو السلاح الأول للمؤمنين، والارتقاء بالإيمان هو إعداد ليوم التمكين، وبغير الإيمان لن يُمكَّن المسلمون.

وقد تنوعت أساليب التربية الإيمانية في العهد المكي، ولكنها كانت كلها تدور حول ثلاثة محاور:

-  الأول: الارتباط بالقرآن الكريم: فكان الصحابة يتلقون ما يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن ويعيشون بها ويعملون، مما كان سببًا في غرس الإيمان في قلوبهم، كما قال الصحابة: "تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن ، فازددنا به إيمانا" (سنن ابن ماجه 61، وصححه الألباني).

-  الثاني: الارتباط برسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان لمعايشة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دور بارز في رفع الإيجابية عند الصحابة، وكيف لا وهم يرون نبيهم يصبر على الأذى والاضطهاد وما تمنعه الإساءات من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.

-  الثالث: الاهتمام بالعبادة: فالعبادة هي التطبيق العملي للتربية الإيمانية، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على الصلاة قبل حتى أن تفرض في رحلة الإسراء.

هذه كانت محاور التربية الإيمانية في العهد المكي، غير أننا عندما ننظر إلى محنة المسلمين في هذا العصر نجد قصورًا شديدًا في هذه التربية الإيمانية، والتي حرص الصحابة على تربية أبنائهم والتابعين عليها، يقول علي بن الحسن: «كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن»، بهذه الصورة حافظ المسلمون الأوائل على الثوابت لدي الأجيال المتعاقبة، لقد كانت دروس السيرة جزءًا لا يتجزأ من المنهج العلمي الإسلامي على مر العصور، ولم يتخلف علم السيرة عن بقية العلوم إلا في العصور الأخيرة إلا عندما أصبح البعض ينظر للسيرة باعتبارها ترفًا زائدًا.

لذلك فإن أول خطوة للدفاع عن الثوابت هي تعبئة الجبهة الداخلية وذلك عن طريق العيش مع القرآن الكريم ومعايشة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال دراسة السيرة النبوية دراسة شاملة.

2-        معرفة الهدف ووضوح الطريق:

من العوامل التي كانت سببًا في التربية الإيجابية للصحابة هو أن الهدف والطريق كان واضحًا لهم، فلم تكن حياتهم ولا حركاتهم مبنية على ردود الأفعال أو الردود الانفعالية التي سرعان ما تخبو جذوتها مع الأيام، مثلما حالنا اليوم.

لقد كان الصحابة يدركون أن الطريق شاق وأن الهدف هو دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهذا عمر رضي الله عنه لما أسلم يخرج على قريش ويعلن إسلامه فيجتمعوا عليه فيضربوه فيقول لهم: "افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لتركناها لكم أو لتركتموها لنا" (الروض الأنف: 3/173).

فلقد كان الهدف واضحًا لدى عمر، لذلك كان صبرهم صبرًا إيجابيًا.

3- الأخوة وتوحيد القوى:

كان أيضا من عوامل الإيجابية في فترة مكة تنمية مشاعر الأخوة في الله وتوحيد قوى المسلمين حتى صاروا كأنهم رجل واحد.

لم نسمع أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى المشركين للتفاوض معه، أو للتقدم بمبادرة جديدة للحوار، لقد كانت رابطة قوية جمعت بين المؤمنين على اختلاف مستوياتهم، إنها الأخوة التي لا تُبْنى إلا على عقيدة، لا فرق بين غني وفقير، ولا سيد وعبد، ولا قبيلة وأخرى، لا فرق بين عربي وأعجمي، فالكل مسلمون والكل مؤمنون.

ونتيجة لهذه الأخوة الصادقة كان المسلمون في مكة قواهم مجتمعة تسير نحو هدف واحد، وكانت إيجابيتهم عالية، وليس كما نرى اليوم من تنافر في الصف الواحد، بل إن أحد الأسباب القوية التي أضعفت حملة النصرة للرسول صلى الله عليه وسلم في المرة السابقة ما فعلته طائفة من الدعاة في الخروج على الصف والتقدم بمبادرة للحوار مع الدانمارك، وما ذلك إلا بسبب من ضعف الأخوة الصادقة المبنية على العقيدة الخالصة.

4- المدافعة قدر المستطاع ووفق المصلحة:

من عوامل الإيجابية في العهد المكي أن مدافعة المشركين لم تكن ممتنعة على الإطلاق بل كان يقوم بها المسلمون قدر المستطاع ووفق المصلحة، ومن صور هذه المدافعة أن الدعوة لم تقف يومًا، فالدعوة لم تعرف التوقف وقد استمر عدد المسلمين في الارتفاع، وقد عمل المسلمون جميعًا في هذا المجال كل بحسب طاقته,

ومن صور المدافعة: الدفاع عن النفس، ومن ذلك أن رجلاً رأى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يصلي ذات يوم في الصحراء، فجعل يسخر منه ومن صلاته، فما كان من سعد إلا أن حمل قطعة عظم كانت بجواره وقذفه بها، فأريق دم الرجل وكان ذلك أول دم أريق في الإسلام.

وهذا الموقف من سعد لم يكن مخالفًا لقاعدة كف الأيدي عن القتال، وذلك لأن سعدًا كان لديه من المنعة والقوة ما يتيح له أن يرد على هذا الرجل، كما أن الرد جاء بصورة فردية، بما حافظ على الهدف من كف المؤمنين على القتال.

وبالتأكيد أن مثل هذه الأمور تقدر وفقًا لقاعدة المصالح والمفاسد.

بهذه الوسائل الأربع ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإيجابية، وبهذه الوسائل لم تخبو جذوة العقيدة في قلوبهم.

فيا كل خطيب:

ويا كل داعية:

عليكم المسلمين اغرسوا في قلوبهم الإيمان، وعلموهم سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وربوهم على الإيجابية حتى يتحقق السبيل لنصرة الدين.

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ