ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الحرية والعدالة

في الشرق الأوسط الجديد

(5)

عن الشؤون الخارجية

أيار/ حزيران 2005

برنارد لويس

ترجمة : قسم الترجمة / مركز الشرق العربي

مخاطر أصولية:

إن المهدد الأكبر لتطور الديموقراطية في العراق وبالتالي في الدول العربية والإسلامية الأخرى لا تكمن في النوعية الاجتماعية المتأصلة، ولا في السمات، في المساعي بالغة الإصرار التي يتم بذلها لضمان فشل الديموقراطية. يأتي خصوم الديموقراطية في العالم العربي من مصادر مختلقة تماماً، ذات ايديولوجيات متعارضة بقوة. تحالف مصلحة يتواجد بين جماعات مختلفة ذات مصالح متشعبة.

وعندما تدمج جماعات كهذه المصلحتين اللتين تتأثران بشكل مباشر بانتهاك الديموقراطية، طغيان صدام في العراق، الطغاة الآخرون المهددون في المنطقة، تتابع هذه المخاوف المتشابهة، محاولة استعادة الأولى وحفظ الأخيرة. وفي هذا تتمتع المجموعة كذلك على الأقل ببعض التأييد الضمني من القوى الخارجية، حكومية، وتجارية، وايديولوجية، وقوى أخرى، في كل من أوربا وآسيا وأماكن أخرى، باهتمام عملي أو عاطفي بنجاحها.

وأكثرها خطورة هي تلك المدعوة بالأصوليين الإسلاميين. وبالنسبة إليهم فإن الديموقراطية هي جزء من الشر الأعظم المنبعث من الغرب، سواء في شكله القديم المتمثل في الهيمنة الامبريالية أو في شكله الأحدث المتمثل في الاختراق الثقافي. (الشيطان) في القرآن هو (المغوي الداخلي الذي يوسوس في قلوب الرجال). والحداثيون، بفتنتهم للمرأة، وللشباب عموماً، فإنهم ينظر إليهم على أنهم يضربون في صميم النظام الإسلامي، الدولة، وغرفة الدرس، والسوق، وحتى العائلة. وينظر الأصوليون إلى الغربيين وأدواتهم ومؤيديهم المستغربين لا على أنهم يعوقون تقدم الإسلام المحتوم إلى نصره النهائي في العالم وحسب، بل كذلك على أنهم يهددونه في مواطنه. وخلافاً للإصلاحيين، يرى الأصوليون أن مشكلة العالم الإسلامي ليست التحديث غير الفعال، بل الإفراط في التحديث، بل وحتى التحديث نفسه. بالنسبة لهم، فإن الديموقراطية هي اقتحام غريب وكافر. جزء من التأثير الأكبر والأكثر ضرراً للشيطان الأكبر وجماعته.

إن رد الأصوليين على الحكم الغربي، وبدرجة أكبر للتأثير الاجتماعي والثقافي الغربيين كان يجمع قواه منذ وقت طويل، وقد وجدت تعبيراً لها في أدب مؤثر بازدياد وفي سلسلة من الحركات الناشطة، أجدرها بالذكر حركة (الإخوان المسلمين)، والتي أنشئت في مصر عام 1928. لقد أصبح الإسلام السياسي عاملاً دولياً أساسياً لأول مرة مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وقد أسيء استخدام كلمة (ثورة) كثيراً في الشرق الأوسط حيث استخدمت لتوصيف وتبرير أي انتقال بالقوة للسلطة العليا. ولكن ما حدث في إيران كان ثورة حقيقية، تغيراً كبيراً بتحدي ايديولوجي بالغ الأهمية، تغيراً في أسس المجتمع كان له تأثير هائل على العالم الإسلامي بأكمله، ثقافياً وأخلاقياً، وسياسياً. لقد كانت العملية التي بدأت في إيران عام 1979 ثورة بنفس معناها في كل من الثورتين الفرنسية والروسية. وكسابقيتها، فإن الثورة الإيرانية قد مرت عبر مراحل مختلفة من الصراع والتغيير الداخليين والخارجيين. ويبدو الآن أنها تدخل المرحلة النابوليونية أو ربما بشكل أدق المرحلة الستالينية.

لقد اكتسح النظام الديني في إيران السلطة على موجة من التأييد الشعبي الذي غذاه الاستياء ضد النظام القديم، سياساته ومؤسساته. منذ ذلك الوقت، أصبح النظام غير شعبي بازدياد بينما كان رجال الدين يظهرون أنفسهم على أنهم فاسدون ومستبدون بنفس قدر العصب الحاكمة في الدول الأخرى في المنطقة. إن هناك إشارات عديدة في إيران على صعود مد الاستياء. ويسعى البعض إلى تغيير راديكلي في شكل العودة إلى الماضي. في حين يضع آخرون، وهم الكثرة الغالبة، آمالهم في مجيء ديموقراطية حقيقية. لذلك فإن حكام إيران متوجسون للغاية من التغيير الديموقراطي في العراق، وبدرجة أكبر لأن غالبية العراقيين هم من الشيعة، مثل الإيرانيين. بوجودها المحض، فإن ديموقراطية شيعية على الحدود الغربية الإيرانية ستشكل تحدياً، في الواقع، تهديداً رهيباً، لنظام رجال الدين، لذلك فإنهم يقومون بما يستطيعون لمنعه أو حرفه عن مساره.

ما هو ذو أهمية أعظم بكثير في الوقت الحاضر هم الأصوليون السنة. ما يعد عنصراً هاماً في الحرب السنية المقدسة هو صعود وانتشار، وفي بعض المناطق هيمنة، الوهابية. والوهابية هي مدرسة إسلامية نشأت في نجد، في وسط السعودية العربية، في القرن الثامن عشر. وقد تسببت ببعض المتاعب لحكام العالم الإسلامي في ذلك الوقت ولكنها قمعت وتم احتواؤها في النهاية. ثم عادت إلى الظهور في القرن العشرين واكتسبت أهمية جديدة عندما سيطر آل سعود، رؤساء القبائل المحليون الملتزمون بها، على المدينتين المقدستين مكة والمدينة، وأنشأوا حكماً ملكياً. وقد جمع هذا بين عنصرين بالغي الأهمية سوية؛ الأول السعوديون الوهابيون الذين يحكمون الآن المدن المقدسة، ويسيطرون بالتالي على حج المسلمين السنوي، مما يمنحهم هيبة وتأثيراً كبيرين في العالم الإسلامي. والثاني، هو اكتشاف النفط واستغلاله، والذي وضع ثروة هائلة تحت تصرفهم. وما كان ليكون جماعة ثانوية متطرفة في دولة هامشية أصبح بالتالي ذا تأثير على مستوى العالم. والآن، فإن القوى التي غذيت وربيت، وأطلق لها العنان أصبحت تهدد حتى آل سعود أنفسهم.

لقد كان أول انتصار عظيم للأصوليين السنة انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي كانوا يرونه، وليس عن غير مبرر، انتصاراً لهم. فبالنسبة إليهم لم يهزم الاتحاد السوفياتي بسبب الحرب الباردة التي شنها الغرب، بل في الجهاد الإسلامي الذي شنه مقاتلو العصابات في أفغانستان. وكما وصف أسامة بن لادن وصحبه الأمر، فقد دمروا إحدى الوقتين العظميين الباقيتين من الكفار، أكثرها صعوبة وخطورة. إن التعامل مع الأمريكيين المتخمين والمنحلين سيكون، كما يعتقدون، أسهل بكثير. وقد أضعفت التحركات والخطاب الأمريكيين في بعض الأحيان هذا الاعتقادج، وعززته في أحيان أخرى.

في انتخابات حرة حقيقية، سيكون لدى الأصوليين عدة تميزات ملموسة على الحداثيين والإصلاحيين. إحداها أنهم يتكلمون لغة مألوفة للمسلمين. يشجع الحزب الديموقراطية ايديولوجية ويستخدمون مصطلحات غريبة غالباً على الشارع الإسلامي. بالمقابل تستخدم الأحزاب الأصولية كلمات مألوفة ويستثيرون قيماً معروفة لكل من انتقاد العلمانيين الموجودين، والنظام السلطوي ولتقديم البديل. لإذاعة هذه الرسالة، ينتفع الأصوليون بشبكة مؤثرة بشكل كبير والتي تلتقي وتتواصل في المسجد، وتتحدث من منبر الوعظ. وليس لدى الأحزاب العلمانية إمكانية الوصول إلى أي شيء مماثل. يكسب الثوريون الدينيون وحتى الإرهابيون، الدعم بسبب جهودهم الحقيقية والمتكررة لتخفيف معاناة الناس العاديين. هذا القلق غالباً ما يقف في مقارنة ملحوظة مع اللامبالاة المتحجرة والجشعة لممارسي السلطة وذوي النفوذ في الشرق الأوسط. إن نموذج الثورة الإيرانية سيبدو أنه يشير إلى أنهم عندما يصبحون في السلطة فإن هذه الميليشيات المتدينة ليست أفضل، وهم في بعض الأحيان أسوأ حتى، من أولئك الذين أطاحوا بهم وحلوا مكانهم. ولكن حتى ذلك الوقت، فإن كلاً من المدركات الحالية والآمال المستقبلية للشعوب قد تعمل لصالحهم.

أخيراً ربما يكون الأهم من الجميع، أن جميع الأحزاب الديموقراطية معنية ايديولوجياً بالسماح للأصوليين بحرية التحرك. فإن الأصوليين لا يعانون من عجز كهذا، بل على العكس، فإن مهمتهم عندما يكونون في السلطة أن يقمعوا العصيان والكفر.

ورغم هذه الصعوبات، إلا أن هناك إشارت أمل، أبرزها الانتخابات العراقية في كانون الثاني، حيث ذهب ملايين العراقيين إلى مركز الاستفتاء واصطفوا في طوابير، وأدلوا بأصواتهم، وهم يعلمون أنهم كانوا يخاطرون بحياتهم في كل لحظة من العملية. لقد كان حتماً انجازاً بالغ الأهمية، ويمكن أن يرى تأثيره فعلاً في الدول العربية المجاورة وفي غيرها. لقد ربحت الديموقراطية معركة لا حربا، وماتزال تواجه الكثير من الأخطار، من قبل كل من أعدائها القساة الحازمين ومن قبل أصدقائها المتقاعسين والذين لا يعتمد عليهم. ولكنها كانت معركة رئيسية، وقد تثبت الانتخابات العراقية أنها نقطة تحول في التاريخ الشرق أوسطي بدرجة لا تقل أهمية عن وصول الجنرال بونابرت والثورة الفرنسية إلى مصر منذ أكثر من قرنين.

الخوف نفسه:

إن إنشاء نظام ديموقراطي واجتماعي في العراق أو في أي مكان آخر في الشرق الأوسط لن يكون سهلاً. ولكنه ممكن، وهناك علامات متزايدة على أنه قد بدأ فعلاً. في الوقت الحالي هناك نوعان من المخاوف يتعلقان بإمكانية تأسيس ديموقراطية في العراق. أحدها الخوف من أنها لن تعمل، وهو خوف معبر عنه من قبل العديد في الولايات المتحدة وأحدها يكاد يكون عقيدة في أوربا، والخوف الآخر، وهو أكثر إلحاحاً بدرجة كبيرة في الدوائر الحاكمة في الشرق الأوسط، هو أنها ستنجح. من الواضح أن مجتمعاً حراً حقيقياً في العراق سيشكل تهديداً كبيراً للكثيرين في الحكومات في المنطقة، بما في ذلك عدوي واشنطن وبعض أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم حلفاء واشنطن.

لقد منحت نهاية الحرب العالمية الثانية الطريق للديموقراطية لدى قوى المحور السابقة. وقد جلبت نهاية الحرب الباردة درجة من الحرية والتحرك باتجاه الديموقراطية في كثير من مناطق نفوذ الولايات المتحدة. مع الثبات والصبر، فإنها قد تصبح ممكنة أخيراً الآن لنشر كل من العدل والحرية في شعوب الشرق الأوسط الذين طال عذابهم.

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ