ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 15/04/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإخوان المسلمون المعتدلون

بقلم: روبرت لايكن* & ستيفين بروك**

مجلة فورن أفيرز / 2007

ترجمة : قسم الترجمة / مركز الشرق العربي

*عدو أم صديق؟

تعد جماعة الإخوان المسلمين من أقدم و أكبر الجماعات الإسلامية و أكثرها تأثيراً.  وهي من أكثر الجماعات التي يدور حولها الجدل و الخلاف سواء في الفكر الغربي أو الفكر المتطرف في الشرق الأوسط. فقد وصف المعلقون الأمريكيون هذه الجماعة بأنها "جماعة متطرفة" ومن العناصر الأساسية لقوى العدوان على الولايات المتحدة. وقد سخر أيمن الظواهري القيادي في القاعدة من هذه الجماعة لأنهم "حشدوا الشباب المسلم في صفوف الانتخابات عوضاً عن حشدهم في صفوف الجهاد".

وقد تخلى أصحاب الفكر الجهادي عن هذه الجماعة ووجهوا الانتقادات لها بسبب تخليها عن فكرة الجهاد العالمي وانخراطها في العملية الديمقراطية حسب قولهم.  ويبدو أن هذه الأمور تجعل منهم جماعة معتدلة, وهو الأمر ذاته الذي تبحث عنه الولايات المتحدة قليلة الحلفاء في العالم العربي,. ولكن الإخوان في نفس الوقت يهاجمون السياسات الأمريكية في المنطقة, وخصوصاً الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل, ويبقى التساؤل قائماً حول الالتزام الفعلي لأمريكا في نشر الديمقراطية في المنطقة.

وخلال السنوات السابقة, قمنا بلقاء العديد من قيادات  و نشطاء الإخوان المسلمين في مصر و فرنسا و الأردن و اسبانيا وسوريا و تونس و المملكة المتحدة  ودخلنا في نقاشات طويلة بل و حادة في بعض المرات, وقد استكشفنا موقف الاخوان من الديمقراطية والجهاد و العراق و الولايات المتحدة ونوعية المجتمع الذي تسعى الجماعة لإقامته. ان جماعة الاخوان المسلمين عبارة عن مجموعات وطنية تعمل برؤى مختلفة, وتتباين مواقف الجماعة حول الطريقة الأفضل لتطوير وتحقيق مهماتهم. و لكن مع هذا الاختلاف فان الجماعة بشكل عام ترفض فكرة الجهاد العالمي على طريقة القاعدة و تتبنى الدخول في العملية السياسية والديمقراطية بما فيها الانتخابات. وهناك تيار داخل الاخوان المسلمين لا يمانع في العمل مع الولايات المتحدة , وهذا التيار بالتحديد وبسبب تبنيه للعمل السياسي فقد دفع الاخوان وبشكل كبير نحو مزيد من الاعتدال.

ان صناع القرار مقيدون بميل واشنطن الى وضع  الاخوان المسلمين و الحركات الإسلامية جميعها في سلة واحدة. وعوضاً عن ذلك يجب على صناع القرار أن يقوموا بدراسة وتحليل كل مجموعة وطنية و محلية بشكل مستقل وأن يدرسوا من من هذه الجماعات يمكن العمل معه ومن يجب الامتناع عن التواصل معه ,و  يجب على  صناع القرار الذين خاضوا جولات من البحث ، المضني و غير المثمر في كثير من المرات، عن الجماعات الإسلامية المعتدلة أن يدركوا أن جماعة الاخوان المسلمين تقدم فرصة بارزة ومهمة عما يبحثون عنه.  

*الإخوة الكبار

منذ تأسيسها عام 1928 سعت الجماعة الى النهوض بمشروع ديني ضد الإمبريالية ورفض الهيمنة الأجنبية من خلال نهضة إسلامية شاملة. ومنذ البداية فقد اختلفت الجماعة عن المصلحين الذين سبقوها عبر جمعها ما بين الأيدلوجية الإسلامية مع النشاط السياسي المعاصر لها. وقد خطت الجماعة طريقها و فكرها في المجتمعات من خلال التركيز على مفهوم "التربية", وذلك من خلال العمل على تغيير منظور ووجهة نظر الفرد أولاً ومن ثم العائلة ويلي ذلك المجتمعات. وعلى الرغم من أن الجماعة في أصولها كانت تتكون من الطبقات المتوسطة والدنيا إلا أنها قامت بدفع الفكرة الإسلامية الى الطبقات البرجوازية ومن ثم الى القصر. وفي نفس الوقت, قامت الجماعة بعمل نظام عسكري خاص بها, حاكت به بعض مجموعات الشباب التي كانت تتبع للأحزاب الأخرى مثل مجموعة أصحاب القمصان الزرق في حزب الوفد و الكثير من الجماعات الأخرى التي كانت منتشرة بكثرة في الشرق الأوسط في  ذلك الوقت.

وفي عام 1948 و مع وجود حرب أهلية تلوح في الأفق المصري, قامت الحكومة بحل جماعة الإخوان. وفي وقت لاحق من تلك السنة تورط عدد من عناصر الإخوان في عملية اغتيال رئيس الوزراء المصري.  وعلى الرغم من الرفض الشعبي لعمليات الاغتيال و وسفك الدماء, فقد تم اغتيال حسن البنا مؤسس الجماعة في وقت قريب من ذلك, وحصل نزاع وشقاق داخل الجماعة على القيادة بعد حسن البنا.

وفي بادرة من الاخوان لمصالحة القصر (ولمنع فصيل واحد من السيطرة على قيادة الجماعة) فقد تم اختيار قيادي من خارج الجماعة ليتولى دور القائد للجماعة بعد حسن البنا وهو القاضي المعروف "حسن الهضيبي". وقد تزامن اختيار الهضيبي مع الضربة التي وجهت للحكم الملكي في مصر. وقد عملت حركة الضباط الأحرار التي كان يقودها جمال عبد الناصر بمساعدة أنور السادات بشكل وثيق مع الاخوان المسلمين الذين جذبتهم مواقف الجنود الوطنية و الخطاب الإسلامي.  ولكن وعود الضباط الأحرار للإخوان سرعان ما تلاشت وأصبحت أوهاماً. ودفع الغيظ من تصرفات ناصر أحد أعضاء النظام الخاص التابع للإخوان المسلمين بأن يقوم بمحاولة لاغتياله بمسدسه خلال إلقائه أحدى خطبه, الأمر الذي دفع النظام الجديد إلى زج الآلاف من أتباع الاخوان في السجون, وقد اعتبر العديد من أعضاء الجماعة هذه المحاولة بمثابة أمر غير مقبول , فعبد الناصر لم يتأذ ولم يصب بل وعلى العكس من ذلك فقد تم اعتباره بطلاً جديداً للعرب. واكتسب النظام الخاص للإخوان سمعة غير جيدة.

وفي السجون المصرية قام الحراس بممارسة أبشع أنواع التعذيب ضد أفراد الجماعة الأمر الذي اكسب القومية العربية سمعة غير جيدة في مصر وكذلك في العراق وسوريا. وقد أدت جروح الاخوان العميقة نتيجة لذلك بان يتساءلوا كيف يستطيع أولئك الذين وقفوا معنا جنباً الى جنب ضد البريطانيين و الملك أن يوجهوا كلابهم نحونا الآن؟ هل من الممكن أن يكون هؤلاء الذين يمارسون التعذيب ضد المسلمين هم أنفسهم مسلمين؟ وقد قام "سيد قطب" المفكر الاخواني العميق بالجواب عن هذا السؤال وجوابه هذا لا يزال يتردد صداه حتى الآن: ان هؤلاء الأشخاص ليسوا سوى مجموعة من "الكافرين" . وتبعاً لذلك فان من يمارسون التعذيب و أنظمتهم أهداف مشروعة للجهاد.

ولكن الهضيبي ومن داخل زنزانته اختلف مع  أفكار سيد قطب و استنتاجاته. و قد قال الهضيبي بان الله وحده هو الذي يحكم على إيمان العبد من عدمه. وقد رفض الهضيبي مبدأ "التكفير", وقال :"ان من يحكم على أي شخص بأنه غير مسلم فانه ينحرف عن الإسلام الحقيقي  ويعتدي على إرادة الله بالحكم على إيمان أي شخص آخر". وقد ساد فكر الهضيبي وحسن البنا المتسامح أفكار الجماعة بشكل عام, مما أدى الى سيادة وتمكين الصف المعتدل في الاخوان. ولكن هذا الأمر أدى الى تخويف أصحاب الفكر التكفيري الذين خرجوا عن صف الجماعة وأفكارها. وقد أصبح سيد قطب الذي لفظ آخر أنفاسه على مشنقة من مشانق عبد الناصر عام 1966 رسول وشهيد الفكر الجهادي. يقول أحد الأعضاء المؤسسين للجماعة الإسلامية  وهي جماعة متطرفة قامت بالعديد من الهجمات الدامية ضد السياح الأجانب في مصر خلال فترة الثمانينات :"ان فكر سيد قطب قد ترك أثراً كبيراً على جميع الأشخاص المهتمين  بفكرة الجهاد العالمي, ولكن وللأسف فان جماعة الاخوان قد تخلت عن أفكار سيد قطب المتعلقة بهذا الموضوع". 

لقد اتبع الاخوان طريق التسامح وقد وجدوا مبتغاهم في نهاية الأمر في الديمقراطية التي تنسجم مع رؤيتهم الأصلية وهي أسلمة المجتمع بشكل هادئ وتدريجي. وحسب فكرهم فان المجتمع الإسلامي سيكون تواقاً الى قادة إسلاميين و سوف تقوم هذه  المجتمعات  بدعم هؤلاء القادة من خلال صناديق الاقتراع. وقد برر الإسلاميون في كثير من المرات تعاملهم مع الديمقراطية على أساس إسلامي وقالوا بأن "الأمة الإسلامية" هي مصدر السلطة. وفي سعيهم للحصول على سلطة شعبية قام الاخوان بتشكيل العديد من التحالفات مع العلمانيين و القوميين و الليبراليين.

وبعد خسارة المتطرفين لمعركتهم داخل الجماعة فقد تم إقصائهم خارج الجماعة, وتأسست جماعات تسعى للصراع مع الأنظمة في العالم الإسلامي جميعه. (ومن هذه الجماعات , الجماعة الإسلامية المصرية التي تتلاقى في أفكارها الرئيسية مع القاعدة) . وقد رأى أفراد هذه الجماعات أن الاخوان المسلمون يخالفون أوامر الله بانخراطهم في العملية الديمقراطية. وحسب أفكار سيد قطب فان  أي حكومة لا تحكم بما أنزل الله ما هي إلا حكومة كافرة, , ان الديمقراطية ليست خطأ فحسب و لكنها خطيئة لا تغتفر لأنها تضع إرادة المخلوق فوق إرادة الخالق  وقد سمى أيمن الظواهري المساعد الرئيسي لابن لادن هذا الأمر بـ "تأليه البشر" . أما أبوحمز المصري إمام مسجد فينسبيوري في لندن فقد اعتبر الديمقراطية "نداء مجلجل وواضح لتأليه الذات و هي تعطي الحق لمجموعة من الناس الذين لديهم الحق في التصويت بأن يضعوا أفكارهم وقراراتهم فوق إرادة الله". و قد اعتبر أبو محمد المقدسي (صاحب الفكر الأكثر تأثيراً على الجهاديين في العالم حسب دراسة غربية جديدة)  أن الديمقراطية "ما هي إلا إشراك واضح بالله وهي نوع من أنواع الإلحاد والكفر التي حذر الله منها عباده في القرآن الكريم".

وفي هذا الوقت فان المحللين يتساءلون ما  إذا كانت مشاركة الاخوان في العملية الديمقراطية أمراً تكتيكياً سرعان ما سيزول. وبكلمات المؤرخ بيرنارد لويس "رجل واحد, صوت واحد, وقت واحد" . خلف هذا تكمن العديد من التحذيرات لشواهد تاريخية حول منظمات مشابهة وعدت بالديمقراطية ولكنها تخلت عن هذا الأمر فور وصولها للسلطة مثل الثورة البلشفية و النازية و حزب البعث في كل من العراق وسوريا وحتى الناصريون. وهناك إثباتات قليلة وضعيفة حول ما ينوي الاخوان فعله عند وصولهم للسلطة. وعلى الرغم من الشعار الذي يتبنونه في الانتخابات "الإسلام هو الحل" فان خطط عمل الحكومات الإسلامية  المرتقبة شحيحة جداً .

ولكن على الأقل فان الشخص يحترم أسلوب عمل الإخوان المسلمين المختلف عن غيرهم, فطريقهم الى السلطة لا يتبع الأساليب الثورية؛ وهو يعتمد على الفوز بقلوب الناس من خلال نظرية أسلمة المجتمع التدريجية التي يتبنونها. وكما أخبرنا احد الأعضاء المرموقين في الجماعة: "انه لمن الظلم أن يستلم الاخوان السلطة قبل أن يكون المجتمع على استعداد لتقديم الدعم لهم". و أخبرنا عضو قيادي آخر أنه إذا حكم الاخوان برعونة أو بطريقة غير عادلة ومن ثم واجهوا فشلاً في الانتخابات فإنهم " سيكونوا قد خذلوا الناس ومن ثم فانه من حق أي حزب آخر أن يستلم السلطة. ونحن لن نسلب حقوق الآخرين". ومن خلال حواراتنا المكثفة مع الاخوان على امتداد الشرق الأوسط, فقد سمعنا كثيرا من عبارات الثقة التي ُتشرف العملية الديمقراطية.

*الجدل الداخلي:

إن وجود السجون في الشرق الأوسط ووجود  الدول النفطية و التنوع الجغرافي والسياسي و الصحوة الإسلامية قد أعطت تجربة الحركات الإسلامية تنوعاً كبيراً في الشرق الأوسط. ولكن للأسف فان كثيراً من الأمور قد فقدت في الخطاب الغربي الحالي. فهذا الخطاب يضع جميع هذه الحركات في حظيرة واحدة ويطلق عليها اسم "السلفية" أو "الوهابية" متجاهلاً الفوارق و الانقسامات الموجودة بين هذه الحركات. مما أدى الى فشل التفكير الاستراتيجي الغربي نتيجة لذلك. 

وعندما نسال الاخوان المسلمين في الشرق الأوسط و أوروبا عما اذا كانوا يعتبرون أنفسهم سلفيين (كما يتم وصفهم في الغرب), فإنهم في العادة يواجهون سؤالنا هذا بقولهم :"ان هذا الأمر يعتمد على تعريفكم أنتم للسلفية". فإذا كان التعريف هو الاعتدال و النهضة الإسلامية التي قامت على يد رجال مثل  جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده (وهم مصلحون إسلاميون من القرن العشرين تأثر بهم حسن البنا) فان الجواب هو نعم. هؤلاء الناس سلفيون. وعلى الرغم من ذلك فان هناك موقعاً على الانترنت يدار من قبل السلفيين يعتقد بأن الدين لا يجب أن يتم خلطه مع السياسة أبداً ويجب ان تحظى السلطة الحاكمة بدعم واسع وغير مشروط من قبل الناس, وهم يهاجمون الأفغاني وعبدو لأنهم وحسب الموقع "بعيدون كل البعد عن العقيدة السلفية" (ان هذه النظرة و لأسباب واضحة هي النظرة التي تتبناها المؤسسة الدينية السعودية الرسمية). ان رجال الدين هؤلاء الذين تربوا في المعاهد السعودية الرسمية يقولون بأن دخول الاخوان المسلمين في العملية السياسية قد حولهم الى "إخوان مفلسون" . وحسب قول أحدهم :"ان لدى الاخوان المسلمين أهدافاً سياسية واستراتيجيات  تدفعهم لتقديم تنازلات للغرب. أما بالنسبة لنا كسلفيين فان هدفنا ديني بحت".

ولكن نقاداً آخرين يقولون بأن الاخوان المسلمين قاموا بتقديم المساعدة للإسلاميين المتطرفين في  الشرق الأوسط وأوروبا. ولكن الحقيقة على ما يبدو بأن الاخوان قد عملوا على إقناع المسلمين بالتخلي عن فكرة العنف, والعمل على تحويل المسلمين بشكل عام إلى العمل السياسي و الأنشطة الخيرية. أخبرنا عضو قيادي من الاخوان في مصر ما يلي :"لولا وجود جماعة الاخوان لتوجه معظم الشباب في وقتنا الحاضر الى طريق العنف. لقد أصبح الاخوان عبارة عن صمام أمان للإسلام المعتدل". ويقول قائد في حزب جبهة العمل الإسلامي وهي الجناح السياسي للإخوان في الأردن بأنهم أقدر من الحكومة على كبح جماح الجهاديين :"نحن نستطيع التعامل مع قوى التطرف والتعصب بشكل ثقافي وحضاري دون الحاجة الى المواجهة الأمنية". وفي لندن فان قادة الاخوان يمايزون بين أسلوبهم في العمل و بين أساليب المجموعات المتطرفة الأخرى مثل حزب التحرير الذي يسعى الى "إيصال المجتمع الى نقطة الغليان".

ويدعي الاخوان أنهم نجحوا في غربلة صفهم الداخلي من العناصر المتطرفة من خلال الانضباط التنظيمي و المناهج الدراسية الصارمة. (احد أعضاء الاخوان أشار الى أن شعار الاخوان الرئيسي هو "السمع والطاعة"). و إذا أراد أحد أعضاء الاخوان اللجوء الى العنف فانه وبشكل عام سيضطر لترك الجماعة لعمل ذلك. إن هناك  العديد من  المسلحين الذين مروا من خلال الجماعة منذ تأسيسها وقد كانت الجماعة ممراً للجهاد وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه أبد. إن الارتداد عن فكر الجماعة تاريخياً حدث عندما تعرضت الجماعة لمجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية , كما حدث عندما انبثق عن الجماعة مجموعة من أصحاب الفكر التكفيري نتيجة للقمع الذي تعرضت له الجماعة و الذين سموا فيما بعد "حركة الجهاد" . و لكن الأمور بشكل عام قد تغيرت هذه الأيام فالأخ الذي يغادر الجماعة ينضم في الغالب الى حركات إسلامية معتدلة أخرى و لا يتوجه الى الحركات الجهادية. ففي منتصف التسعينات حدث انشقاق داخل الجماعة في سياق التوجه  الحكومي الى تضييق الخناق على الحركات الجهادية. و هذه الضغوطات أدت الى خروج مجموعة من الاخوان خارج الصف الاخواني و أسسوا نواة لحزب ليبرالي إسلامي "حركة الوسطية", تضمنت المعتدلين من حزب الوسط.

مسألة واحدة لا تزال تثير القلق في جماعة الاخوان المسلمين وهي ارث سيد قطب الغامض.  ان نقد فكر الشهيد "كما يعرف سيد قطب بحاجة الى لمسة جراح: فلقد توفي قطب وهو لا يزال في خدمة الاخوان وقد كان لديه رؤية بعيدة بعض الشئ عن رؤية المؤسس. حتى كتاب الهضيبي "دعاة لا قضاة" فند بشكل غير مباشر أفكار سيد قطب, ولكنه لم يذكره في كتابه أبداً. و اليوم فان الاخوان المسلمين يحتفون بسيد قطب و يعتبرون أن أفكاره لا يمكن اختزالها بالجهاد فقط. ويقولون بأن أفكار سيد قطب قد أخرجت عن سياقها الأصلي. ترى ما هي الدروس التي ستغري الأعضاء الأصغر سناً في التوجه نحو الأعمال المتطرفة؟

و بينما تحول الجهاديون الى قتلة دوليين فقد اتجه الاخوان الى تحقيق أهداف وطنية ومحلية.  ففي الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2005 في مصر نجح الاخوان في الحصول على 20% من نسبة المقاعد في مجلس الشعب المصري عن طريق مرشحين مستقلين محسوبين على حركة الاخوان التي لا تزال محظورة في مصر ولكن هناك تغاضياً عن بعض أنشطتها التي تمارسها هناك.وذلك  على الرغم من الحيل والألاعيب التي مارستها الحكومة المصرية و بالرغم من الخوف الذي كان موجوداً عند المصوتين.   وفي المجلس النيابي نسقت جماعة الاخوان جهودها التشريعية من خلال تشكيل لجنة خبراء داخلية, تحت اسم حركي هو "المطبخ البرلماني" و هذه اللجنة تقوم بفرز أعضاء الجماعة حسب تخصصاتهم .وبدلاً من الدخول في أمور دينية أو أجندة ثقافية فقد انتقدت الجماعة الحكومة المصرية في أمور تتعلق بالبيت المصري مثل تعامل الحكومة مع أنفلونزا الطيور, و الحاجة الى المحاسبة في سلسلة حوادث الباصات والقطارات التي حدثت أخيراً ومشاكل غرق العبارات المصرية. 

ان هذه الخطوات المتقدمة في مجال الانتخابات و هذا الاعتدال أدى الى حدوث انتقادات وتوترات في العلاقة ما بين الإخوان و الحكومة. وأكمل الإخوان فيما بعد طريقهم للفوز في الانتخابات عبر دعمهم لإصلاح القضاء و استقلاليته. و يعتقد بان الرئيس حسني مبارك يحضر لتسليم السلطة الى ابنه جمال و هذا الأمر أدى الى تزايد كبير في الاحتجاجات من قبل المعارضة.

ان مثل هذه الضغوط تؤدي الى تفاقم الاختلاف في الاتجاهات المتنوعة داخل الاخوان. ومنذ فترة الثمانينات تقوم الطبقة الوسطى بدفع الجماعة الى مزيد من الشفافية و المرونة في التوجهات. ومن خلال العمل في الاتحادات العمالية و النقابات المهنية تعلم هؤلاء الاصلاحيون عقد التحالفات مع غيرهم وتقديم الخدمات لقواعدهم الانتخابية. و قد قال لي أحد القادة الإصلاحيين بان :"الإصلاح يمكن أن يحدث اذا استطاع الإسلاميون أن يعملوا مع القوى الأخرى, بما فيها القوى العلمانية والليبرالية". وهذا التيار يجد مكاناً مناسباً له تحت مظلة حركة "كفاية المصرية", وهذه الحركة تجمع الكثير من الأطياف المصرية كالإخوان و الحركات العلمانية و الليبرالية والوطنية و اليسارية. لقد كان مولد حركة كفاية أيام الحرب على العراق كحركة شعبية معارضة بشدة لهذه الحرب, وهي اليوم تشكل نواة لمعارضة ديمقراطية مصرية.(انه لمن المفارقات أن تكون الحرب التي شنتها الولايات المتحدة  تحت غطاء نشر الديمقراطية قد أدت الى ولادة جبهة ديمقراطية معارضة في مصر تناقض أهداف الولايات المتحدة و حربها).

يخوض الجناح الإصلاحي في الجماعة مناقشات عميقة مع المحافظين في الجماعة الذين يحملون آثار القمع والتعذيب من الأيام السابقة. ويقوم الجدل الحاسم بينهم حول قضية تشكيل حزب سياسي للجماعة,  وهو من البنود الرئيسة في جدول أعمال الإصلاحيين. ويقول الاصلاحيون أنه ومن خلال إنشاء حزب سياسي للجماعة فان ذلك سيساعد في  ترويج أهداف و رسالة الجماعة بشكل أوسع بسبب وجود برنامج سياسي واضح سيسمعه جمهور كبير كان الوصول إليه متعذراً في الفترات الماضية. ولكن المحافظين يقولون أن هذا الحزب يجب أن يتبع للجماعة ويكرس للعمل السياسي, و في هذه الأثناء كما يقول المحافظون فان حركة الاخوان الاجتماعية سوف تقوم بأداء مهام خارجة عن العمل السياسي كالعمل الخيري و التعليمي و الصحي. 

*حب أخوي أم تنافس؟

على الرغم من أن فرع جماعة الاخوان في مصر هو الفرع الأكثر تأثيرا, الا أن هناك فروعاً أخرى للإخوان قد نمت و ازدهرت في جميع أنحاء الوطن العربي و أوروبا. و لكن ليس هناك اتحاد قوي يجمع كل هذه الفروع. ان التنظيم العالمي للجماعة هو في الحقيقة تجمع ضعيف بالكاد يستطيع أن يجمع أعضاءه. وفي الواقع فان هذا الضعف للتنظيم العالمي هو نتاج لنجاحات محلية ووطنية, و تكييف الأمور حسب الحاجات و الظروف الداخلية لكل بلد ودولة. ان الروابط الايدولوجية التي تجمع بين فروع الاخوان عالمياً خاضعة للأولويات المحلية التي تشكل شخصية وهوية كل فرع بمفرده.

ان القمع الذي يمارس في معظم أنحاء الوطن العربي قد أدى الى انتشار جماعة الاخوان في جميع أنحاء الوطن العربي ومن خلال الطلاب و المنفيين الى أوروبا. وفي بداية الثمانينات سعى الاخوان الى تركيز العمل و تنسيقه من خلال الاخوان في القاهرة. و لكن المعارضة على هذه الخطوة كان لها أصداء عالمية. فقد احتج حسن الترابي الاخواني ااسوداني على ذلك بقوله :"إنكم لا تستطيعوا أن تديروا العالم كله من القاهرة". و عند ما غزا العراق الكويت عام 1990 عارض إخوان الكويت موافقة التنظيم العالمي للجماعة على هذا الغزو و انسحبوا من الجماعة آخذين معهم محفظتهم المالية الداعمة للإخوان. وكان تشكيل الحكومة العراقية من قبل أمريكا مجالاً آخر للخلاف داخل الجماعة. فبينما عارض الاخوان على امتداد الشرق الأوسط وأوروبا هذه الحكومة العراقية التي وصفوها "بالدمية", الا أن فرع الجماعة في العراق شارك في الحكومة والبرلمان. و في الفترة الأخيرة فان التحالف الذي حدث بين جماعة الاخوان في سوريا وبين نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام كان هدفاً لهجوم ومعارضة الاخوان في العالم. وقد عمقت الحرب الأخيرة في لبنان هذا النزاع والشقاق داخل الجماعة, فقد شجبت جماعة الاخوان السورية تدخل الرئيس بشار في الشأن اللبناني, بينما دعمت باقي فروع الجماعة حزب الله –حليف سوريا في لبنان- في حربه مع إسرائيل

وكذلك فان للفروع المختلفة للإخوان وجهات نظر متباينة حول الولايات المتحدة.  ففي الأردن ومصر وعلى الرغم من وجود وجهات نظر مشتركة حول الإرهاب و الاستبداد, فان الاخوان يوجهون انتقادات حادة جداً الى الولايات المتحدة. في حين ان الاخوان السوريين يؤيدون و بشدة جهود إدارة بوش لعزل النظام السوري؛ وهكذا نجد أن البيانات المعارضة لأمريكا في الأردن ومصر نادرة الوجود في المثال السوري.  

حتى بالنسبة للقضية المركزية في الوطن العربي وهي "إسرائيل", فان كل فرع وطني للإخوان يعزف على وتره  المنفرد. فكل قيادي في جماعة الاخوان من الذين قابلناهم يقول أنه من الممكن أن تعترف حماس (فرع الاخوان في الأراضي الفلسطينية) بالدولة العبرية بشروط معينة.  ولكن هذا الموقف يتناقض تماماً مع موقف الجهاديين. و الظواهري قام بالتعبير عن وجهة نظرهم :"ليس لدى أي شخص الحق سواء أكان فلسطينيا أو غير ذلك بأن يتخلى عن ذرة رمل من أرض فلسطين, والتي نعتبرها أرضاً مسلمة تم احتلالها من قبل الكفار".

ان جماعة الاخوان تعطي الحق بالجهاد في البلاد و المناطق التي تقع تحت الاحتلال الأجنبي. مثل أفغانستان أيام الغزو السوفيتي, ويرى الإخوان أن الصراع في العراق و ضد إسرائيل إنما هو "جهاد دفاعي" ضد المعتدين, وهي كلمة مرادفة للكلمة التي يستعملها المسيحيون "الحرب العادلة". على أي حال فان فشل الاخوان في إضفاء البعد الديني على الجهاد أثار الجهاديين, الذين سخروا من الاخوان (من ضمنهم حماس) بسبب توجيههم للجهاد في سبيل الأرض بدلاً من أن يكون في سبيل الله. ولتوضيح ذلك نقارن بين البيان الذي أصدره يوسف القرضاوي وقال فيه "ان العداوة بيننا وبين اليهود هي عداوة على الأرض فقط" و بينما ما قاله الظواهري:" لقد جعل الله تعالى أساس العداوة بين المسلمين وغيرهم في الدين وعلى هذا الأساس يقوم القتال". 

ويعبر الاخوان المسلمون صراحة عن إنكارهم الصريح بان تكون منظمتهم معادية للسامية. ويقول المرشد العام للإخوان المسلمين "محمد مهدي عاكف" أنه لا يوجد أي صراع ما بين الاخوان المسلمين و اليهود , إنما العداوة هي بين الاخوان و بين المنظمة الصهيونية (وهم ليسوا يهوداً حسب كلام عاكف). وعلى الرغم من هذه الانكارات  المتكررة فان أدبيات الإخوان تعبر عن كره شديد لليهود كلهم وليس للصهاينة فقط, ففي مجلة الدعوة عام 1980  التي تصدر عن الاخوان وفي ملحق الأطفال على سبيل المثال, كانت هناك مقالة لتعليم وإرشاد الصغار عن عدوهم :"إن أعداء الدين مثل اليهود هم أعداؤك و أعداء الله يا عزيزي الشبل الصغير ويجب ان يتم محوهم من الوجود". ولكن وفي خطبة في مسجد صومالي في لندن قال كمال الهلباوي –الأخ الأكثر تأثيراً في لندن- أنه ولكي تكون مسلماً جيداً فان ا لعبادة وحدها لا تكفي. اذ يجب أن تتحلى بحسن الجوار أيضاً, وسرد الهلباوي القصة التالية :" كان لدى عبدالله ابن المبارك التابعي الجليل جار يهودي , وأراد هذا اليهودي ان يبيع بيته فطلب فيه ألفي درهم, وجاء المشتري ليشتري البيت وسأله عن الثمن فقال له ان ثمن البيت هو ألفا درهم فقال المشتري لكن البيت لا يساوي أكثر من ألف درهم, فقال اليهودي نعم ثمن البيت ألف درهم و ثمن جار البيت ألف درهم أخرى". وبعد ذلك سألنا الهلباوي ما إذا كانت التقارير الإخبارية حول معاداة المسلمين للسامية في وسط بريطانيا هي التي ألهمته موضوع الخطبة, فقال لنا "بالضبط" .

وقد اتهم الإسلاميون بأنهم يستخدمون التضليل في خطابهم (أي أن لديهم خطابين): خطاب معتدل وجيد بالإنجليزية, و خطاب متطرف بالعربية. وفي مقالة نشرت مؤخراً بعنوان "اتجاهات معاصرة في الأيدلوجية الإسلامية" وجد من خلالها أن هناك تناقضاً مقلقاً ما بين النسخة العربية والنسخة الانجليزية من نفس الخطاب على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان على الانترنت. و لكن خطبة الهلباوي كانت قد ألقيت باللغة الانجليزية بشكل حصري, دون أن تحول الى العربية. وهذه الخطبة التي سجلت كانت أكثر إقناعا من الخطابات السابقة التي كان يغزل عليها الإخوان كلامهم في التفريق مابين معاداة  الصهيونية ومعاداة السامية.

*الإخوان في الخارج:

يمثل الاخوان المسلمون أقليات في الدول الأوروبية العلمانية و الديمقراطية و يدرك الاخوان أنهم سيبقون كذلك  في المستقبل المنظور. و ليس لدى الاخوان هدف يتعلق بتحويل الناس الى الإسلام هناك. وبدل من ذلك فان التركيز ينصب على حقوق الأقليات الدينية. (ومن المثير للسخرية أن الاخوان استوحوا من منظمات أخرى الاستفادة الكاملة من التسامح الديني الموجود في الغرب, وذلك من وحي التجربة النازية المعادية للسامية)

 

وأحد الأمثلة على منهج الاخوان في أوروبا جاء بعد ما قامت إحدى المجلات الدنمركية بنشر رسوم مسيئة للنبي محمد السنة الماضية. فعلى الرغم من أن شبكات الاخوان المنتشرة في العالم ساهمت في نشر هذا الموضوع في العالم, إلا أن جميع فروع الاخوان في العالم دعت الى الاحتجاج السلمي على تلك الرسوم. وقد أدان اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا- و هو من أهم المنظمات التي تجمع الهياكل الرئيسة للإخوان في الغرب – ما فعلته الصحيفة من رسمها ونشرها لهذه الصور ولكن بصورة غير لاذعة. وعلى الرغم من أنه أدان هذه الرسوم لأنها "تجرح مشاعر المسلمين" الا أنه كرس معظم مساحة بيانه للدعوة الى زيادة التنسيق و التعاون بين المسلمين وغير المسلمين. و بالمقابل فان الجهاديين عرضوا مكافأة لمن يأتي برأس الرسام الذي قام برسم هذه الصور وشجعوا على إحراق السفارات التابعة للدول التي نشرت الرسوم.  

وفي فرنسا, فانه وبسبب زيادة عدد المسلمين فان ذلك أدى الى أن تقوم الصحافة بالإنذار عن ذلك وقامت الحكومة بكتابة التقارير عن أسلمة المدارس وعن المساجد التي تستعمل من قبل المتطرفين الإسلاميين و الاحتجاجات الصاخبة التي يقوم بها المسلمون ضد إسرائيل وتدنيس حرمة المقابر اليهودية, و الهجوم على النساء غير المحجبات وإحباط العديد من الهجمات التي كان يخطط لها المتطرفون داخل فرنسا. كل ذلك  أدى الى خلق انطباع عام داخل و خارج فرنسا بان نجم الإسلاميين في صعود. ولهذا السبب قام المراقبون و الصحفيون بوصف أحداث العنف ورشق الحجارة التي جرت في العام 2005 في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة بالانتفاضة الفرنسية. ولكن وخلال ثلاثة أسابيع من العنف فشل الإسلاميون في الإشعار بوجودهم. وكما ذكرت المخابرات الفرنسية المحلية فان "الإسلاميين لم يكن لهم أي دور في إشعال أو نشر أعمال العنف هذه, بل و على العكس من ذلك فقد حاول الإسلاميون تهدئة الأمور لكي لا يتهموا بأنهم هم المحرضون على هذا العنف" , وقد أخبرنا المسئول عن المخابرات الفرنسية المحلية بأن هناك 3000 عنصر مثير للشغب قد تم إلقاء  القبض عليهم في باريس و لم يكن أي واحد منهم معروفاً بأي انتماء  لجماعة إسلامية, وقد تمت مراقبتهم عن قرب".

في الواقع فان ظهور الإسلاميين كان لتهدئة الجماهير الغاضبة, ولكنهم قوبلوا بوابل من الحجارة تنهمر عليهم. وقد قامت منظمة المسلمين في فرنسا المتصلة بجماعة الإخوان برفض هذه الفوضى عن طريق إصدار فتوى. وقد عبرت تلك الفتوى عن إستراتيجية هذه المنظمة, وتوجت جهودها التي قامت بها طيلة 15 عاماً لتثبت للحكومة الفرنسية بأنها شريك يمكن الاعتماد عليه. و قد قال لنا أرفع مسئول عن المراقبة الداخلية بان المنظمة بحاجة الى أن تثبت أنها لا تشكل أي خطر. 

وبالمثل فانه عندما قامت الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء الحجاب, فقد اتسم موقف المنظمة الإسلامية بالهدوء. وقد خيب الحذر الذي اتبعته المنظمة الفروع الأخرى للإخوان في أوروبا. فقد تمنوا بأن يكون موقف زملائهم الفرنسيين أكثر حزماً وان يجعلوا الحكومة الفرنسية تدرك أن السابقة التي قامت بها قد تؤدي الى إثارة جماعات إسلامية أخرى ذات ميول متطرفة.

وكجزء من إستراتيجية المنظمة في فرنسا فقد عملت على أن تبقى مسافة ما بينها وبين القرضاوي, المشهور بتبريره للجهاد في فلسطين والعراق بين الغربيين. وقد حضر القرضاوي مؤتمر المنظمة الأخير دون أن توجه له الدعوة, (إن القرضاوي يعرف باعتداله بين الإخوان المسلمين؛ وكما قال المنظر الجهادي أبو بصير الطرطوسي فان القرضاوي يستحق الطرد بسبب اعتداله المفرط).

حتى ان المجلة التابعة للمنظمة تتعامل مع المسألة الفلسطينية بكل حذر, وتقوم بدعم العمل الخيري وجمع التبرعات للاجئين الفلسطينيين وتقدم الفلسطينيين على أنهم ضحايا و ليسوا محاربين. وهذه المنظمة الإسلامية الفرنسية لا تشارك بأي مسيرات احتجاج مؤيدة للفلسطينيين وتتجنب الدخول في الجدل حول الصراع العربي الإسرائيلي المشحون. و لم يكن لها دور يذكر في المظاهرات التي جرت عام 2003 احتجاجاً على حرب العراق, و لا في المسيرات الضخمة التي جرت في ربيع عام 2006. ان غياب هذه المنظمة عن أعمال العنف و المظاهرات في بلد أوروبي فيه جالية إسلامية  كثيرة يجب أن يساعد في تهدئة المخاوف الأوروبية من سيطرة الإسلاميين على الغرب.

ويختلف أسلوب عمل المنظمة الفرنسية عن نظيرتها البريطانية, فرابطة مسلمي بريطانيا ترحب بشخصيات مثل القرضاوي. وعلى الرغم من أن حجم المسلمين في فرنسا كبير إلا أن المسلمين في بريطانيا أكثر عنفاً وحزماً و لديهم نزعة أكبر للإرهاب. ان المنظمة الفرنسية أكثر تأثيراً من البريطانية ولكن المنظمة البريطانية الأصغر حجماً تخوض في بحر عاصف وزاخر. وعندما قام الإخوان بتأسيس هذه الجمعية فقد كانت واحدة من بين كثير من الجمعيات و المنظمات الموجودة في بريطانيا . و الكثير من هذه المنظمات كان متطرفاً ويرفض الاعتدال, وقد وجد في بريطانيا منذ فترة طويلة فرع لمسلمي باكستان وهي جزء من الحركة الإسلامية التي أسسها أبو الأعلى المودودي. و الحقيقة ان صوت المنظمة الفرنسية كان يتردد في الغرف الصغيرة والضيقة لمسلمي فرنسا بشكل واضح. بينما تردد صوت الجمعية البريطانية الصغيرة في قاعات كبيرة حيث كانت الأجيال الجديدة ترشق جيل الآباء بالبيض الفاسد.

لقد بدأت المنظمة البريطانية بالظهور, وقد باشرت العمل مع الحكومة البريطانية. وقد بدا هذا التعاون جلياً في مسجد فينسبيوري بارك في لندن. حيث كان لدى هذا المسجد سمعة غير جيدة بسبب الدعاة والأشخاص الذين كانوا يرتادونه.  وعلى الرغم من الاعتقالات والطرد الذي جرى للجالية المصرية التي كانت ترتاد المسجد, فان الأتباع تداركوا الوضع وعادوا بسرعة للسيطرة على المسجد. وقد ترددت الشرطة البريطانية في التدخل في بيت العبادة هذا, وقد عرضت الشرطة على رابطة مسلمي بريطانيا السيطرة على هذا المسجد مقابل التخلص من العناصر المتطرفة التي كانت تؤمه. وقد حصلت الجمعية على الأغلبية في هذا المسجد وتجمع أعضاؤها للسيطرة على الوضع هناك. وعلى الرغم من أن أعضاء من الجالية المصرية حاولوا اقتحام المسجد, إلا أن أتباع الجمعية تمكنوا من صدهم. وقد أخبرتنا شرطة سكوتلنديارد بأن "شركاءهم فعالون ويمكن الاعتماد عليهم" وقد نجحوا في إقناع بعض أعضاء الجالية المصرية الذين كانوا يحملون الفكر المتطرف في تغيير أفكارهم الى الفكر المعتدل.

إن التعاون الذي أبدته هذه المنظمة مع السلطات الرسمية في بريطانيا وضعها على خطوط المواجهة مع الحركات المتطرفة. ان الخلاف ما بين جمعية مسلمي بريطانيا وما بين بعض الجمعيات الأخرى مثل حزب التحرير يعود في كثير منه الى أمور أثنية أو أمور تتعلق بالأجيال: ان الشباب من أصول باكستانية ينتمون الى منظمات متطرفة أكثر مثل حزب التحرير بينما ينتمي أصحاب العمر الأكبر و ذوي الأصول العربية الى رابطة مسلمي بريطانيا. أخبرنا أحد القادة السابقين لحزب التحرير بأن منظمته تسيطر على المشهد في بريطانيا. ويقدر أن عدد أعضاء منظمته يقارب  8500 عضو في بريطانيا. بينما يقدر عدد أعضاء رابطة مسلمي بريطانيا ب 1000 عضو على الأكثر. ان حزب التحرير يبتعد بنفسه عن الأمور الداخلية البريطانية . وحسب تقديرات رئيس جهاز الأمن الداخلي الأخيرة :"فان هناك 200 مجموعة أو شبكة, عدد أعضائها بالمجمل حوالي 1600 شخص (وهناك الكثير ممن لا نعرفهم لحد الآن) من الذين يشاركون أو يسهلون الأعمال الإرهابية في بريطانيا و خارجها". وعلى ضوء هذه الأرقام فليس من المستغرب أن يخبرنا المسؤلون عن رابطة مسلمي بريطانيا أن جمعيتهم لا تزال متأخرة عن تلك الجماعات الأصولية من حيث العدد ,كما و أنهم لا يربحون كثيراً في مواجهة هذه الجماعات الأصولية.

*قسِم وحاور:

لقد ولدت جماعة الاخوان المسلمين كمنظمة مضادة للامبريالية بقدر ما هي حركة للصحوة الإسلامية, فالإخوان المسلمون و كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة سوف يتبعون طريقهم الخاص. وإذا كانت فروع الجماعة تقاوم وتختلف مع بعضها البعض, فما هو احتمال أن تقوم الجماعة بالقبول بالوصاية الأمريكية؟ ولكن التعاون في مناطق محددة متبادلة الاهتمام كمعارضة القاعدة و دعم الديمقراطية و مقاومة محاولات التوسع الإيرانية, قد تكون مجدية أكثر بالنسبة للطرفين.

 لقد فقدت الولايات المتحدة الفرصة للسماع والتحاور مع أحد أولئك الإصلاحيين في أكتوبر الماضي وذلك عندما منع الهلباوي _صاحب الخطبة التي سمعناها عن التسامح مع اليهود-  من الذهاب الى مؤتمر في جامعة نيويورك. ان هذا التصرف مع شخص معروف بمواقفه الشجاعة ضد الإسلام الراديكالي و بدعمه للحوار مع الولايات المتحدة, تصرف محير من قسم الأمن الداخلي, الذي لم يقدم أي شرح أو توضيح عن ما حصل. ان لندن هي أرض المعجبين ب شكسبير و برونتي و التي يفترض أن تكون أرضاً للتواصل بين الحضارات, ولكن بدلاً من ذلك فان الإذلال الذي تمارسه في العلن يُقدم كهدية للمتطرفين, حيث ستجعلهم مثل هذه الأمور أكثر شجاعة على أن يقولوا للمعتدلين :"لقد أخبرناكم أن هذا ما سيحدث لكم" اذا أردتم التحاور مع أمريكا.

ان السياسة الأمريكية تجاه الاخوان المسلمين مقسمة بين من يرون أن جماعة الاخوان ما هي إلا جزء  حيوي من شبكة الجهاديين العالمية وبين من يرون أن الدعم الشعبي الذي يحظى به الاخوان في بلدان إسلامية رئيسة و الاعتدال الموجود في فكرهم يتطلب درجة من الحوار والدخول في حديث معهم. ولكن يبدو أن الرأي الأول هو الرأي المسيطر في أمريكا وهذا يوضح لماذا تقوم الولايات المتحدة بزيادة جهودها لعزل الإخوان مثل منع الهلباوي ومعتدلين آخرين من الاخوان من الدخول الى أراضيها, ومنع أفراد حكوميين أمريكيين من الدخول في أي حديث مع الاخوان المسلمين أينما كانوا.

ولكن اذا أرادت أمريكا مواجهة الصحوة الإسلامية بينما تسعى الى دعم مصالحها الوطنية الرئيسة, فان على صناع القرار أن يدركوا أنهم أمام توجهات سياسية وغير سياسية لا محدودة . وعندما يأتي الأمر بالنسبة لصانعي القرار الأمريكيين الى الاخوان المسلمين فان الحكمة تقتضي أن نميز منذ البداية بينهم وبين الراديكاليين وان نعرف الاختلافات الرئيسة التي تميز فروع الاخوان الوطنية في العالم. وهذا التنوع يفرض على واشنطن أن تدرس تلك الفروع حالة بحالة, ويجب عليها أن تدع الوضع  في كل دولة أن يحدد إمكانية فتح  الحوار والوقت المناسب له  أو حتى إمكانية العمل مع فرع الجماعة في تلك الدولة وهل هو أمر عملي او مناسب بالنسبة للمصالح الأمريكية. ان على الولايات المتحدة ان تعمل جرداً لمصالحها وقدراتها في العالم الإسلامي. ان الحوار مع الاخوان المسلمين يؤدي الى إيجاد حس استراتيجي قوي لدى صانع القرار الأمريكي.

*روبرت ليكين مديرُ برامجِ الأمن القومي والهجرةَ في مركزِ نيكسون ومُؤلف كتاب "غضب مسلمي أوروبا".

**ستيفن بروك :باحث في مركز نيكسون

http://www.realclearpolitics.com/articles/2007/03/the_moderate_muslim_brotherhoo.html

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ