ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 25/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ما لم أستطع أن أقوله ... (1-3)

تأليف: جان لويس بروغيير

ترجمة وعرض: بشير البكر

19/11/2009

أصدر القاضي الفرنسي جان لويس بروغيير، منذ أيام قليلة كتاباً عن دار “روبرت لافون” الباريسية، بالتعاون مع جان ماري بونتو، بعنوان “ما لم أستطع أن أقوله” “ثلاثون سنة من مكافحة الإرهاب”، والكتاب الحوار يمتد على 493 صفحة، ويتشعب وتكثر فيه التفاصيل، وهو أمر معقول،طالما أننا أمام مسألة قضائية، وبالتالي فكل التفاصيل ضرورية ويمكن أن تلعب دوراً حاسما.ولذا يحتشد الكتاب بكم هائل من المعلومات التي يمكن أن تشتت بال القارئ، إن لم يكن يعرف الشرق الأوسط وتداعيات الصراعات الدولية والطائفية والإثنية والدينية وغيرها.

 

بروغيير قاض منذ سنة ،1973 وهو يحقق في قضايا الإرهاب منذ أكثر من خمس وعشرين سنة. ويعتبر على المستوى العالمي، من أفضل العارفين بهذا الشأن. ليس مجرد قاض، هو نجم، ويعرف كيف يحرّك الصحافة، وقد التحق مؤخراً باليمين الفرنسي وترشح على لائحته في الانتخابات التشريعية.

 

هكذا كان الإرهاب يضرب في أوروبا

يعود بروغيير إلى البدايات قبل أن يصل إلى هذا المستوى من الشهرة العالمية، حيث يستدعى ويشارك في كثير من الاجتماعات الدولية، وحتى من قبل لجان في الكونغرس الأمريكي لأخذ رأيه في ما يعتبر نجاحات، حققها طوال اشتغاله بموضوع الإرهاب. وهو يعترف “وصوله إلى محكمة باريس سنة 1976 قاده إلى التحقيق في مختلف القضايا.ومثل كلّ قاضٍ شابّ كان عليه أن يمرّ على مراحل قبل أن يحقق ما حققه الآن، وهو متقاعد”.

 

في البداية، كان عليه أن يحقق في مسائل النشل والسطو والدعارة.في هذه الفترة لم تكن القضايا الإرهابية معروفة، كان الزمن زمن القضايا الإجرامية والاغتيالات الغامضة، من قبيل اغتيال أمير “بروغلي” أو خطف البارون “أومبين” والبحث عن “جاك مسرين” “عدو الشعب رقم واحد” كما كانت تكتب الصحافة. “بل وكان القضاة المُهمون المكلفون بقضايا الإرهاب يظلون في أماكن خلفية مقارنة مع شعبية رجال الشرطة”.

 

يتحدث القاضي بروغيير عن كثير من القضايا التي تصدى لها، وكانت تهمّ الشأن الإجرامي. وبشكل خاص آخر متهم محكوم عليه بالإعدام في فرنسا وهو فيليب موريس. ويعترف أن القضية كانت صعبة وبالغة التعقيد: “أعترف أن الأمر لم يكن سهلاً، الضغوط كانت تنهال من كل صوب. البعض يلحّ عليّ كي أسرع وآخرون يلحون عليّ كي آخذ الوقت اللازم. وأنا لم أكن أريد أن ألعب السباق ضد الساعة. وزارة العدل كانت تريد محاكمة سريعة. بينما كان الدفاع يريد تأخير المحاكمة عن طريق كثير من المناورات. ولا أزال أتذكر محامي الدفاع الثلاثة وهم يتهمونني بأني ألعب لعبة الاتهام من خلال التسريع في المحاكمة. كانت الأجواء صعبة ومختلفة. إن قضية “فيليب موريس”، وبعيداً عن طابعها القضائي، كانت تطرح، مرة أخرى، وبتعابير حادة، مشكلة الحكم بالإعدام. كان محامو فيليب موريس يريدون، على ما يبدو، وفي منطق الدفاع، أن يقتنصوني في هذا الجدل. كانوا يعتبرون أن محاكمة سريعة ستؤدي إلى الحكم على مُوكّلهم بالإعدام. فهل كان عليّ، في هذا السياق البالغ الحساسية، والخضوع لتأنيبات الدفاع وإبطاء سير المحاكمة؟ وهل كان من مسؤوليتي كقاضي تحقيق أن ألقي بنفسي في مرحلة المحاكمة، بينما نظامنا الجزائي يميّز، بشكل واضح، بين فترة البحث والتحقيق وفترة الحكم؟ في هذه الأجواء الثقيلة والصراعية، بدا فيليب موريس غائباً، في مكان متأخر مقارنةً بِرِهان إجراءات المحاكمة التي كان موضوعَها. أو على الأقل أمامي انطباع غريب وأقول إنه قاسٍ، لأني أتصور أني قمت بعملي كقاض، من دون أن أستنتج حُكما ما كان من اختصاصي، والذي ما كان لي، على الرغم من ما قيل أن أؤثّر فيه”، لكن الوقائع كانت تنطق من تلقاء ذاتها، ف”ما كان عليّ ألا أبعث المتهم أمام العدالة في قضية قُتل فيها أربعة أشخاص، منهم رجال شرطة”.

 

ومن بين القضايا التي عالجها القاضي بروغيير، قضية الطالب الياباني “إيسيي سيكاوا” الذي قتل طالبة هولندية وبدأ يلتهمها. “الياباني ساكاوا حقق تخيله الذي رافقه طول حياته، كما سيعترف لاحقا، وهو التهام اللحم البشري.”،كما أنه كلّف بقضية الدكتورة فولامور. وهي ما يرى فيها القاضي بروغيير: “رواية حقيقية، لكن، لسوء الحظ، بشخوص حقيقية، رشيقة وبالغة الخطورة في آن”.

 

سنوات الرصاص

يتعلق الأمر باعتداء جرى في قلب باريس في الحي اليهودي، شارع روزيير، في 9 أغسطس/آب سنة ،1982 وكان هو أول ملف إرهابي يتصدى له القاضي بروغيير. وهو ما شكل سابقة في فرنسا، التي تتعرض لأول اعتداء بعد الحرب العالمية الثانية.

 

قال الشهود إن منفذ العملية من أصول عربية.وسيعهد الأمر عن طريق الصدفة إلى بروغيير.وهنا سيبدأ المراقبون في تذكر اسم هذا القاضي، إذ تم اكتشاف سلاح العملية، وهو من صنع بولوني، فتوجه مباشرة إلى تمثيلية هذا البلد، طالبا لقاء مع السفير البولوني، وكانت الحرب الباردة في أوجها.وسيلعب القاضي لعبة قذرة من أجل توريط السفير البولوني في شباكه من أجل الحصول على المعلومات. فالسفير التقى بالقاضي من دون إذن من حكومته: “لقد أدخلته في أرضيتي. أي أرضية القانون”، وبعد أشهر، أرسل القاضي رسالة إلى السفير البولوني يقول له فيها: “إذا لم أتلق من سلطاتكم جواباً، سأقوم بكتابة تقرير رسمي أفسر فيه أن بولونيا ترفض، من خلالكم، التعاون مع العدالة الفرنسية”.

 

ويصف وضعية السفير البولوني وهو في حالة يرثى لها. ثم بعد انتظار آخر يحذره قائلاً: “سأسلّم تقريري إلى المدّعين بالحق المدنيّ وإلى عائلات الضحايا والجرحى (...) أعلنت للسفير أن رفض تجاوب السلطات البولونية مع ملف اعتداء معاد للسامية سيكون له وقعٌ سيئ. ولم أتطرق لعلاقات بلاده السابقة مع الجالية اليهودية، لكنه فهم الخطاب بشكل كامل”، لكنه يذكر أن المسؤولين البولونيين أجابوه، في نهاية الأمر بما لم يكن ينتظره: “في 5 يوليو/تموز من سنة 1983 تلقيت أخيراً جواباً دبلوماسياً يؤكد أن السلاح من صنع بولوني، لكن، لَكَمْ كانت دهشتي كبيرة، حين قرأتُ في التقرير أن السلاح مسجل باعتباره مفقوداً في الوثائق الحسابية الرسمية،وسأعرف لاحقا أن السلاح سُلّم إلى الجيش البولوني”.

 

ويبرر القاضي طرق عمله، ويقول: “يجب ألا نعتبر، بصفة مسبقة، أن طلب تعاون دولي “مستحيل”. التحقيقات في قضايا مكافحة الإرهاب الدولي تستلزم البراغماتية والخيال، وبشكل خاص التصميم. ومهما قال مُنتقدي في تلك الفترة فإن مذاق الخطر ليس هو الميزة الأكثر شيوعاً بين القضاة...”.

 

نكتشف أن تنظيم فتح المجلس الثوري، التابع لأبي نضال هو المسؤول عن تفجير باريس. ويرى فيه القاضي بروغيير: “التنظيم الفلسطيني الأكثر تنظيماً، والأكثر عنفاً من بين كل الفصائل الفلسطينية. وهو يتحمل، ما بين سنتي 1970 و،1989 مسؤولية ما يقرب من مائة اعتداء في العالم”، ويقدم القاضي معلومات وافية عن هذا التنظيم الفلسطيني: “تنظيم أسسه صبري خليل البنا، كان يمثل عرفات في بغداد، وانشق عنه سنة ،1974 متهماً عرفات بأنه منخرط في مسلسل سلام مع “إسرائيل”، وقد حاول اغتيال عرفات. ويعتبر أول انشقاق في منظمة التحرير الفلسطينية (...) وهدف هذه الحركة المنشقة واضح: تدمير “إسرائيل”. وبالتالي رفض كل أنواع التفاوض أو أي حل تفاوضي”، ويمنحنا معلومات وافرة عن ارتباطات الرجل وتنوع تحالفاته وتغيرها وعملياته. ولكن وصفه كان صائباً: “خلق أبو نضال تنظيماً إرهابياً قوياً ومنظماً بشكل جيد، على منوال جهاز سري. وهي تقنية ألهمت، لاحقاً، معظم المجموعات الثورية”، ونعرف أن التنظيم قام بالكثير من العمليات ضد الدول العربية التي كان يعتبرها “خائنة” ومن بينها اعتداء في باريس على موظفي السفارة السعودية. وأن السلطات الفرنسية استجابت لمعظم طلبات المعتدين، ومن بينها طائرة إلى الكويت. وهذه الموافقة على طلبات الكوماندوس “من الصعب جداً تصوُّرُها، اليوم”.

 

بعد ذلك ضرب أبو نضال في باريس أيضا فاغتال عز الدين القلق، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، وأيضا يوسف مبارك وآخرين...

 

كيف استطاع القاضي أن يكتشف كل الأشياء؟ يعترف أن فرنسا، في تلك الفترة، لم تكن تمتلك الوسائل التي بحوزتها الآن، للتحقيق في الإرهاب الدولي. “كنت أشتغل حينها، بشكل جوهري، مع فرقة مكافحة الجريمة ومع الشرطة القضائية الباريسية، وهو جهاز جيد ولكنه كان يكتشف ويتعلم في نفس الوقت معي. لاحقاً اعتمدت على جهاز الاستخبارات الخاصة الذي كان يرتبط بعلاقات خاصة مع العديد من الأجهزة الأجنبية”.

 

اتصالات جانبية

لم يكن بالإمكان الوصول إلى الطرف المنفذ للاعتداء، أي جماعة أبي نضال، من دون أخذ الاعتداءات والاغتيالات التي طالت جسم منظمة التحرير في أوروبا بعين الاعتبار، ومن ضمنها اغتيال عصام السرطاوي في البرتغال وغيره. ويقول إن الكثير من هذه القضايا لم تؤدّ إلى اعتقالات وإنما فقط إلى أحكام غيابية. ولكن القاضي يستخلص نتائج من الأمر: “أتاحت لنا أن نعرف بشكل عميق طرق اشتغال فصيل فتح  المجلس الثوري”، ويتطرق القاضي بروغيير إلى ما يسميه الديبلوماسية الموازية، باعتبارها ملجأ الحكومات الجديدة في فرنسا، إلى معالجة القضايا بطريق مباشرة أو عبر محاولات سرية، وخاصة مع وصول اليسار الفرنسي إلى الحكم سنة 1981.

 

ولم يكن اليسار الفرنسي محظوظا، حيث إنه ابتداء من سنتي 1981 و1982 عرفت فرنسا إحدى أسوأ فترات حياتها مع الإرهاب. “عنف غير مشهود يَسّاقطُ من كل جهة”. في البداية كان التهديد الداخلي مع حركة “العمل المباشر” التي تسبب في اغتيال الجنرال “أودران” و”فرانسوا بيس”. لكن هذا التنظيم الفرنسي لم يكن معزولاً عن سياقه الأوروبي. “ألمانيا عرفت الأمر في سنوات السبعينات مع الجيش الأحمر، إيطاليا مع الألوية الحمراء، وإسبانيا مع “غرابو”، ولاحقاً، عرفت بلجيكا الأمر مع الخلايا الشيوعية المقاتلة، ومنظمات أخرى غير معروفة كثيرا. وقد كانت هذه التنظيمات تتواصل كي تخلق جبهة أوروبية معادية للإمبريالية. وخلف هذه الجبهة الأوروبية لمحاربة الإمبريالية كان يوجد، بشكل واضح، ظلّ بلدان شرق أوروبا وبشكل خاص ألمانيا الشرقية، والدول التابعة للاتحاد السوفييتي”.

 

ويضيف بروغيير “أن فرنسا، في نفس الوقت، تعرضت لهجمات من منظمات فلسطينية، وقد رأينا الأمر مع أبو نضال وشارع روزيير. من دون الحديث عن عمليات أخرى لم أحقق فيها وقام بها تنظيم الخلايا المسلحة الثورية اللبنانية، والحملة الأكثر عنفاً التي قامت بها “لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين العرب”، وقد انتهت هذه الحملة، كما تعرفون، بالاعتداء في شارع رين، في سبتمبر/أيلول 1986”.

 

يصوّر بروغيير، الذي انضم مؤخرًا لحزب الأغلبية اليميني الفرنسي، هلع اليسار الواصل للتو إلى السلطة والعمليات التفجيرية والتهديات تستقبله. ويذكر اعتقال الفرنسيين في يناير من سنة 1982 لعضوين من جماعة كارلوس، ماغدالينا كوب وبرونو بريغي، وما تبعه من رسالة تحذير أرسلها كارلوس ويطالب فيها بإطلاق سراح رفيقيه، و”يهدد فيها فرنسا بأسوأ انتقام إذا لم يطلق سراح رفيقه”.

 

وحين جاء تفجير أبو نضال في شارع روزيير، “ليرعب اليسار الذي وصل للتو إلى الحكم، والذي لم تكن لديه تجربة في مكافحة الإرهاب ولا في اشتغال جهازي الشرطة والعدالة القمعيين. وكان لليسار نزوعٌ، بعد سنوات من المعارضة، إلى الحذر منهما. ولهذا السبب قام مقرّبون من الرئيس ميتران بالعمل في الظلّ، في الكواليس، على أمل تهدئة الأوضاع عبر مفاوضات “موازية”،ويذكر القاضي أسماء بعض المقربين من الرئيس فرانسوا ميتران الذين تفاوضوا سراً مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية ومن بينهم فرانسوا غروسوفر، مستشار خاص لرئيس الجمهورية لقضايا الأمن، وجوزيف فرانسيتشي، سكرتير الدولة للأمن.

 

وينتقد بروغيير، بل ويُدين هذه اللقاءات السرية بين المسؤولين الفرنسيين ونظرائهم الفلسطينيين، على الرغم من أن الهدف الفرنسي المرجو كان هو محاولة إقناع عرفات بتحييد أبي نضال من أجل وقف الاعتداءات، ويبرر رفضه بالقول: “لأن الأمر يتعلق بردود فعل ساخنة، وبمسعى يتم إنجازه في عجلة وذعر شديد ومن دون أخذ مسافة لا من أسباب عمليات القتل في قلب باريس والتي تستهدف الجالية اليهودية ولا من السياق الجيو  سياسي التي تندرج ضمنه هذه العمليات”.

 

ويبدو هنا أن القاضي يخلط الأوراق. فهو لا ينظر بعين الثقة إلى الزعيم الفلسطيني أبو إياد، ويعترف لأنه زعيم قيادي في منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه يرى أن حركة فتح “كانت لا تزال، في هذه الحقبة، متورطة في عمليات إرهابية ضد المصالح الغربية، بما فيها المصالح الأوروبية، على الرغم من أن فرنسا تبدو وكأنها غير مستهدفة بشكل مباشر”، ويرى القاضي أن حركة فتح تورطت بعد ذلك بثلاث سنوات، يوم 26 مارس/آذار 1985 في اعتداءين بالمتفجرات في سويسرا، أحدهما في مدينة لوزان والآخر في جنيف، ضد أهداف ليبية وسورية، ويوم 13 مارس/آذار ،1984 في محاولة اغتيال المكلف بالشؤون “الإسرائيلية” في أثينا. ويذهب الأمر بالقاضي بروغيير إلى درجة الحديث عن “التصاقات أو التحامات، وعلى الخصوص على مستوى القاعدة، بين رجال منظمة فتح ورجال أبي نضال”، وكي يؤكد القاضي بروغيير أقواله واتهاماته يورد أنّ “كوماندوس جبهة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها أبو العباس، المسؤول عن اختطاف السفينة الإيطالية أكيلي لاورو، في 7 أكتوبر/تشرين الأول من سنة ،1985 كان على اتصال مع أعضاء من مجموعة أبو نضال ومن حركة فتح واستخدم جوازات سفر مغربية مزورة قادمة من مخزن كانت تمتلكه منذ سنة 1982 منظمة التحرير الفلسطينية. وأحد هذه الجوازات سيتم العثور عليه مع أحد النشطاء من فتح المجلس الثوري الذين ظهروا أثناء تفجير شاعر روزيير”.

 

ويورد القاضي بروغيير أن وسطاء يظهرون بشكل دائم في القضايا الحساسية، وهو ما رآه من جديد أثناء التحقيق في قضية “دي سي 10” حين “قدم عندي متدخلون عديدون من آفاق مختلفة يمنحنوني خدماتهم، مُدَّعين أنهم في وضعية أفضل للتدخل لدى العقيد معمر القذافي، لكن بنيات تجارية. ففضلتُ أن أضرب الصفح عن هذه “الخدمات” للوسطاء المشبوهين و”المُلوِّثين” كي أًفضّل الطريق الرسمي مرورا بالعدالة وإدارة الأمن الوطني. وهي قناة دستورية فيها ثقة مع مُحاوَرين مُحدَّدين”.

 

أحياناً يمنح القاضي بروغيير نفسه مكانة بالغة الأهمية مقارنة بالقرار السياسي. ونحن هنا، في زمن حكم الرئيس ميتران. وهو يبدو كما لو أنه يهدد الساسة “ حين يتعلق الأمر بشؤون الإرهاب وبشكل خاص بتفجير شارع روزيير، يوجد خط أحمر لا يجب تخطيه: وهو قبول التفاوض مع الإرهابيين. مع الدول وممثليها نعم، مع المنظمات الإرهابية أو مع أشخاص أو كيانات تمثلهم وتدعم حركتهم، لا. أبو إياد ليس إرهابيا، ولا منظمة التحرير الفلسطينية ولا ياسر عرفات. ولكن الأمر في سنة ،1982 كان أكثر غموضا وأكثر خطورة من الآن. حركة فتح، الذراع المسلحة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي بهذه الصفة كانت منخرطة في عمليات إرهابية، حتى في أوروبا. كما أن التحقيقات كشفت بشكل واسع وجود علاقات عملياتية ما بين حركة فتح ومنظمات إرهابية ل”جبهة الرفض” وبشكل خاص فتح المجلس الثوري لأبي نضال”.

 

دسائس الكرملين

يتحدث القاضي عن الدعم الذي كانت تتلقاه في نظره التنظيمات والمجموعات الإرهابية من قبل الاتحاد السوفييتي. ويرى أنه بعد أزمة صواريخ كوبا، تراجعت موسكو عن الاقتراب من الأراضي الأمريكية “ولكن المواجهات بين القطبين لم تختف. بل اتخذت أشكالاً واستراتيجيات جديدة، استراتيجيات صراع غير مباشر والتفاف. في هذا السياق، بدا الإرهابُ سلاحاً مفضلاً لزعزعة المعسكر الغربي. وعلى عكس الإسلاموية الراديكالية فإن التنظيمات الإرهابية  وبشكل خاص المنظمات الفلسطينية التي ضربت أوروبا وبشكل خاص في فرنسا في سنوات الثمانينات كانت سياسياً وتقنياً مرتبطة بدول (أو بأجهزة استخباراتها) تنتمي إلى المعسكر الاشتراكي”.

 

ويرى بروغيير ان موسكو كانت تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ثورية، وكي تساعدها قامت موسكو، بالفعل، بتوزيع الأدوار.هكذا بدت بلغاريا كذراع الاتحاد السوفييتي المسلح. كان بلدا تحت المراقبة من الناحية الأيديولوجية. كما أنه كان البلد الأكثر قربا جغرافياً وثقافياً كما أن لغته كانت تشبه الروسية كثيراً. وكانت توجد في بلغاريا قاعدة تدريب للأجانب في فيليكو تيرنيفو. كما أنها أسست شركات للتغطية على الأمر. “وقد اكتشفنا في فرنسا شركة اقتصاد مختلط، دانوبيكس، تستخدم لبيع الماشية، وكانت تحت مراقبة جهاز الاستخبارات البلغارية”.

 

لا شك أن الاتحاد السوفييتي، والدول التابعة له، كان مؤيداً للتنظيمات الإرهابية، ولكن هل يعني أن انهيار الاتحاد السوفييتي هو انهيارٌ لهذه التنطيمات الإرهابية وعودة للأمن والهدوء في أوروبا؟

 

يرى بروغيير أنّ “أجهزة الاستخبارات الغربية كانت تركز جهودها على أنشطة مكافحة تجسس وتجسس موسكو ودول حلف وارسو. مكافحة الإرهاب كانت هامشية خصوصاً أن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تُضرب، أو ضربت بشكل نادر، من طرف “الإرهاب الفلسطيني”. في حين أن الجيش الجمهوري الإيرلندي كان يشكل، بشكل جوهري، تهديداً داخلياً لبريطانيا العظمى. وكان يُنظر للإرهاب باعتباره منتوجاً من الحرب الباردة، واستراتيجية أرستها موسكو في صراعها ضد الغرب. هكذا سقطنا في خطأ الملائكية: انهيار الشيوعية وانتصار الغرب الليبرالي لم ينجحا في الإطلال على فترة حرية وازدهار من دون عنف إرهابي. إن هذا اللااستعداد، الذي يعود في قسم كبير منه إلى قساوة ثقافية، كبح تغيرات ضرورية جدا وسط الاستخبارات الغربية. وهي وضعيةٌ تفسّر الفشل الذي جرى في العشرية التالية في الوقاية من المخاطر الإرهابية التي تستوحي تنظيم القاعدة”.

 

يورد القاضي شرحاً وافياً لتفاصيل الطائرة الفرنسية التي اتهمت فيها الجماهيرية الليبية، والتي ستعترف بالأمر لاحقاً وتدفع التعويضات المجزية، من دون تسليم المسؤولين (كما فعلت مع طائرة لوكربي) الذين دانتهم العدالة الفرنسية، وعلى رأسها القاضي المثابر بروغيير. ولكن القاضي استفاد من سياقات سياسية ودولية، ما سهل عليه المأمورية. “في سنة ،1991 قررتُ توجيه مذكرات توقيف في حق أربعة مسوؤلين ليبيين ومنهم عبد الله سنوسي، رقم اثنين في الاستخبارات الليبية. وقد منحت الضغوط الدولية بالإضافة إلى ضغوط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لهذا النزاع القضائي بُعداً جديداً. وابتداء من سنة 1992 أتاحت الإجراءات التي قامت بها، في بداية الأمر، السلطات القضائية الأمريكية والبريطانية، بعد الاعتداء على طائرة بانام وتوجيه مذكرات التوقيف الدولية في إطار التحقيق جول “دي سي 10” للقوانين الوطنية أن تحظى بدعم من قبل الحق الدولي، في مساعيها”. وكانت النتيحة معروفة كما يوردها القاضي بروغيير، وكما لاحظها الكثيرون، “وانتهى الأمر بالعقيد القذافي أن يتخلى عن دعمه للإرهاب الدولي وعن طموحه في امتلاك السلاح النووي، يوماً ما. ولكن في سنة ،1991 لم يكن في وارده الخضوع للغرب. وأما فرنسا، فمن جهتها، لم تكن معارضة له، وعرف كيف يمكنه الاعتماد على دعائم تأييد في بلادنا، وسط مجالات قيادية..”.

 

الكل يعرف نتائج الحكم وقبول الليبيين بنتائجه ودفعهم للتعويضات من دون تسليم ولا واحد من المطلوبين الليبيين الستة، على الرغم من أنهم سيعتقلون فور مغادرتهم للجماهيرية، ولكن ما هو التفسير للعملية الليبية؟ لأن التفسير قد يقنع بسلامة التحقيق وعدالة الحكم.

*       *       *       *

ما لم أستطع أن أقوله .. (2-3)

تأليف: جان لويس بروغيير

ترجمة وعرض: بشير البكر

20/11/2009

أصدر القاضي الفرنسي جان  لويس بروغيير، منذ أيام قليلة كتاباً عن دار “روبرت لافون” الباريسية، بالتعاون مع جان ماري بونتو، بعنوان “ما لم أستطع أن أقوله” “ثلاثون سنة من مكافحة الإرهاب”، والكتاب الحوار يمتد على 493 صفحة، ويتشعب وتكثر فيه التفاصيل، وهو أمر معقول،طالما أننا أمام مسألة قضائية، وبالتالي فكل التفاصيل ضرورية ويمكن أن تلعب دوراً حاسما.ولذا يحتشد الكتاب بكم هائل من المعلومات التي يمكن أن تشتت بال القارئ، إن لم يكن يعرف الشرق الأوسط وتداعيات الصراعات الدولية والطائفية والإثنية والدينية وغيرها.

 

بروغيير قاض منذ سنة ،1973 وهو يحقق في قضايا الإرهاب منذ أكثر من خمس وعشرين سنة. ويعتبر على المستوى العالمي، من أفضل العارفين بهذا الشأن. ليس مجرد قاض، هو نجم، ويعرف كيف يحرّك الصحافة، وقد التحق مؤخراً باليمين الفرنسي وترشح على لائحته في الانتخابات التشريعية.

 

عندما وصل جورج حبش للعلاج سراً في باريس

 

يكتب القاضي بروغيير: “هو بالفعل سؤال عميق. سؤال يثير جدلا. فاللوبي الموالي لليبيا، مثلا، أراد اقناعنا بأن القذافي لا مصلحة له في ارتكاب هذه الجريمة. توجد، من دون شك، أجوبة عديدة عن هذا السؤال. في البداية يجب الإشارة إلى أن العلاقات الليبية الفرنسية كانت على الدوام صعبة ومتعارضة في إطار سياسة إفريقيا الفرنسية، وبشكل خاص، فيما يخص التشاد. وقد عرف البلدان الإفريقيان صراعات وحروبا حول منطقة تيبيستي. وقد قدمت خلاله فرنسا دعماً سياسياً وعسكرياً لتشاد في عصر الرئيس حسين حبري”، كما أن القاضي يذهب بعيدا، حين يتهم ليبيا بسعيها لإلحاق التشاد بها، واعتبارها جزءاً من التراب الليبي.

 

هل كان العقيد معمر القذافي ضالعا في الأمر (حادث طائرة “دي.سي10”؟ يرى بروغيير أنه لا يمتلك أدلة على الأمر. و”شعوري هو أن القائد الليبي لم يكن بالضرورة ضالعا في هذه العملية، ولكنه كان خلف الأوامر المعادية لفرنسا”، ويفسح القاضي لخياله العنان فيفسر للقارئ الفرنسي كتاب القذافي “الأخضر”. ويربطه بالطموح الليبي والصراع مع الغرب “يريد القذافي من خلال كتابه “الكتاب الأخضر” أن يكون ندّا لكتاب الزعيم الصيني الكبير ماو تسي تونغ، الكتاب الأحمر. ويقدم فيه القذافي رؤية كونية شاملة عن عالم مثالي تكون فيه ليبيا قطب الرحى. إلا أن فرنسا، بالنسبة له، تلعب دورا في إفريقيا الوسطى، وتمنع التوسع الليبي. كان القذافي يريد أن يحوّل هذا البلد إلى قاعدة خلفية عسكرية. يجب أن نفهم إرادة قائد الثورة الليبية، والتي تتمثل في فتح مجموع إفريقيا السوداء. “المثابة” هي وسيلة هذا التطور وهذا الطموح. (...) يوجد سلسلة متصلةٌ لا شك فيها بين أنشطة المثابة تحت مسؤولية موسى كوسة والعمليات التي تقوم الاستخبارات الليبية الخارجية التي يسيّرها السنوسي، صهر قائد الثورة”، ويواصل القاضي بروغيير أنه “في هذا السياق العام والجيو- استراتيجي والمهم جدا كي نفهم ما حدث. إنه يخفي عمليات خاصة تم التخطيط لها من قبل الاستخبارات الخاصة تحت مسؤوليتها. أشدّدُ على هذه السلسلة المتصلة ما بين الاستراتيجية الشاملة للمثابة وهذه العمليات، وأشدد على الرباط شبه العضوي بين المثابة، وهي مؤسسة على حدة، وأجهزة الاستخبارات”.

 

ولا بد أن القاضي، وهو يتحددث عن الأمر، يخلط ما بين بزة القاضي، الذي كانه، قبل أن يتقاعد، وبين بزّة السياسيّ اليميني الذي أصبحه بعد وصول نيكولا ساركوزي إلى السلطة. ويتحدث عن الليبيين وتغييرهم لمواقفهم واستراتيجيتهم “الليبيون طوروا، بطبيعة الحال، استراتيجيتهم. بعد سنة 1989 تم تنويم “المثابة”. وأما المسؤولون الذين كانوا يظهرون بشكل كبير فقد تم نقلهم إلى مسؤوليات أخرى في جهاز الاستخبارات. (...) من حقنا الآن أن نتساءل: هل لا تزال سياسة التوسع الليبية موجودة، اليوم؟ بالتأكيد، طورت ليبيا استراتيجيتها في اتجاه النشاطية والإرهاب. قدمت في سنوات الثمانينات دعما مسلحا لعمليات تستهدف دولا عربية: دعم مجموعة أبو نضال أو المجموعات الفلسطينية المتواجدة على التراب الليبي. كما أن منظمات أخرى من مثل تنظيم كارلوس، كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع السنوسي، وهو لم يُخْفِ الأمر. واليوم، قلَبَ الزعيم الليبي صفحة الإرهاب. الأمر لا يقبل الشك. كما أن أجهزته السرية كانت فعالة وموثوقة في حربها ضد الإرهاب الإسلامي المرتبط بتنظيم القاعدة”.

 

ويضيف القاضي وكأنه يريد أن يُغدق بعض المديح للقذافي، الذي أصبح صديقا لفرنسا، على طريقته “في المقابل فإن الديبلوماسية الليبية، التي وُلِدت من “الكتاب الأخضر” التي تدعو إلى “النظرية العالمية الثالثة” تبدو كأنها لم تفقد من بريقها وأهميتها. كما أن طموح القذافي في لعب دور المقام الأول في إفريقيا جنوب الصحراء، ولكن أيضا في إفريقيا الوسطى وفي غرب افريقيا، لم يختف”، ولكن القذافي هو رجل سياسي لا يمكن أن تكون للمرء، أو المراقب السياسي، معرفةٌ مسبقةٌ بما يمكن أن يفعله. والدليل هو أن فرنسا رحبت في زيارة تاريخية إلى فرنسا، في حين أنه رفض حضور مؤتمر قمة “الاتحاد من اجل المتوسط” في 13 يوليو/ تموز سنة 2008 في باريس.

 

يعتبر القاضي أن الموقف الليبي هو نوع من الإهانة، تتميز بها ليبيا، وهي جزءٌ من طباع العقيد الليبي، وكأنما القذافي حقق ما كان يصبو إليه: “كانت لليبيا مصلحة في اعتراف دولي من قبل دولة عضو دائم في مجلس الأمن، من قبل بلد كبير”.

 

ويستنجد بالرأي العام الفرنسي، على عادة الساسة الفرنسيين: “لم يتقبل الرأي العام الفرنسي هذه الزيارة بقبول حسن. وخصوصا عائلات ضحايا دي سي ،10 الذين لم يحصلوا لحد الساعة على الرضى. فالمسؤولون الليبيون الستة يعيشون في سكينة في طرابلس. صحيح أن موقف العقيد الليبي يسمح لنا أن نتساءل عن إرادته الحقيقية في تجاوز نظرته القومية الإفريقية التي تنسجم بشكل سيئ مع عودة حقيقية إلى محفل الأمم. إن رفضه المشاركة في تنفيذ شراكة أوروبية متوسطية لا يمكنه سوى أن يثير القلق. أتصور أنه يفضّل أجندة سياسية الهدف منها فقط خدمة رؤيته السياسية عن العالم”، ويعود ليضيف، وكأنه نوع من اعتراف بالفشل، بعد أن انتظروا من القذافي أن يخلع لباسه، تقريبا: “يجب أن تؤخذ طموحاته الحقيقية، في نظري، بالحسبان في تطوير العلاقات المستقبلية مع ليبيا”.

 

اغتيال شهبور بختيار

يتطرق الكتاب أيضا لمسألة اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شهبور بختيار في العاصمة الفرنسية “وكانت عملية خططت لها إيران بشكل مباشر، وهي قوة دولتية تنخرط وتقود عمليات إرهابية مستخدمة جهاز استخباراتها”.

 

يقوم “الإسرائيليون” بالأشياء نفسها، وهو سؤال طرحه الصحافي على القاضي، ولكن القاضي لا يبدو أنه يلتفت له، لأنه كان مستغرقا بالشأن الإيراني “إنه تصور غير مقبول، فيما يخص إيران. إنه يروم بشكل حصري أهدافا سياسية. من أجل إدامة السلطة الإيرانية”.

 

لم يكن اغتيال شهبور بخيتار أول اغتيال سياسي إيراني، بل سبقته وتبعته جرائم أخرى في نظر القاضي: “بختيار ليس الوحيد. في 7 ديسمبر/ كانون الأول من سنة ،1991 تم اغتيال مصطفى شفيق، وهو عضو من العائلة الملكية الإيرانية في المنفى، في باريس. ليس فقط العائلة الملكية من كانت تُستَهْدَف بل حتى الذين شكلوا أحزابا معارضة. ومن طهران أعلن آية الله خلخالي تهديده للمعارضين. وأضاف أن فدائيي الاسلام سيواصلون أنشطتهم في أوروبا والولايات المتحدة من أجل رصد الأشراء ومعاقبتهم على أفعالهم”.

 

يقول القاضي “يوجد لدينا، بالفعل، انطباع بأن هذه الاغتيالات المبرمجة تأتي استجابة لنوع من الفتاوى، غير المكتوبة في نظام ذي وجهين. الباسدران- قلب النظام- أو أجهزة الاستخبارات المرتبطة بالباسدران، تبدو، ظاهريا، وكأنها غير مرتبطة بالحكومة الإيرانية أو بالجهاز السياسي المرئي. السلطات الأجنبية تتحدث إذاً مع نظيراتها، أي البنية السياسية، من دون أن يكون لها منفذ حقيقي إلى قلب السلطة. القرارات تغيب عن الساسة حين تتهم النظام أو مصالحه الاستراتيجية. الدليل، هو أن قراراً يتخذ من قبل الاستخبارات يمكنه أن يتعارض مع المصالح الموضوعية لإيران - وهو ما وقع في قضية شهبور بختيار- وتسبب في خسائر جانبية”.

 

ويمنح القاضي نفسه موقعاً كبيراً ومُؤثّراً: “الضغوط القوية جداً التي مارستها الدبلوماسية الإيرانية والتي جعلتني مسؤولا عن تأزم العلاقات الإيرانية الفرنسية، في حين أنها كانت نتيجة لاشتغال سيّئ لجهاز الدولة الإيرانية. وهذه الديبلوماسية (الإيرانية) لم تكن قادرة على التحكم في مجموع الجهاز، وبشكل مؤكد الاستخبارات السرية، التي كانت تتْبَع منطقا آخر..”.

 

هل تغيرّت إيران، اليوم، كما تغيّر القذافي، على طريقته؟، لا يرى القاضي أي تغيير في السياسة الإيرانية، بل يعبر عن القلق. “ما يثير القلق هو أن هذا النظام ما زال مستمرا. والدليل الأكبر هو إعادة، مشكوكة فيها، لانتخاب الرئيس أحمدي نجاد في يونيو/ حزيران 2009. مدينة قُم (مقر السلطة الدينية) سمحت بإجراء الانتخابات، بل وسمحت حتى ببداية الاحتجاج الذي بدأه أنصار موسوي. ولكن حين تقوى الاحتجاج، واتخذ صبغة وطنية، تدخل آية الله خامنئي بشكل مباشر من أجل وقف الحركة ومن أجل منح شرعية للقمع. وهو بهذه الطريقة كشف عن الوجه الحقيقي لإيران رجال الدين”، ويستنتج “إذاً فإن النظام الإيراني لم يتغير بشكل جوهري. ونرى الأمر أيضاً في العراق حيث يستخدم الإيرانيون بصفة سرية قوة القدس، وهي قوة نخبة عسكرية خاصة، لها تبعية للباسدران وليس للجيش النظامي. وقد انخرطت هذه الوحدات في دعم التمرد ضد الأمريكيين”.

 

للقاضي موقف في كل الأشياء، ويحاول أن يظهر بأنه يعرف كل الملفات. ويمنح إيران قوة استثنائية “من يعرف الأوساط الإيرانية جيدا يمكنه أن يعرف قدرة الإيرانيين على التمويه والإخفاء. ويمكننا أن نخشى أنه في حالة مواجهة أزمة نووية أو أزمة جيو سياسية أو سياسية كبيرة، يمكن لإيران أن تلجأ إلى استراتيجيات غير مباشرة من خلال الالتجاء إلى عمليات من نوع إرهابي.

 

ويرى بروغيير ان إيران تخيف الغرب، كما أن رئيسها الحالي يثير الكثير من سوء الفهم الغربي، أيضا “الرئيس أحمدي نجاد يريد في سياق سياسي وجيو سياسي آخر، وهو سياق الحرب في العراق، أن يجمع تحت راية إسلام متحد ومحارب للغرب الكافر، الإسلام السني من خلال تخصيص إندونيسيا، السنية، بأول زيارة له. يتعلق الأمر باستمرارية سياسية ملفتة، بعيدا عن المظاهر والإعلانات، يجب على القوى الغربية أن تتأملها. خصوصا وأنّ إعادة انتخاب الرئيس الإيراني كشفت الخط المتشدد للنظام. والبرنامج النووي الإيراني يندرج في استراتيجية القوة هذه”.

 

جورج حبش في فرنسا

علم القاضي بروغيير عن طريق الإذاعة، يوم 30 يناير/ كانون الثاني ،1992 بوجود القائد الفلسطيني الراحل جورج حبش في باريس، كان في حالة خطيرة وكان يتلقى الإسعافات. تساءل القاضي مع نفسه: هل يتعلق الأمرُ بهذا المسؤول من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الفصيل المنشق عن منظمة التحرير الفلسطينية، والمنخرط، مثل المنظمات الفلسطينية في جبهة الرفض، في مسار إرهابي؟ قاس القاضي خطورة الأشياء “إن استقبال زعيم منظمة مسؤولة عن العديد من الاعتداءات على أرضنا يهمني شخصيا. وكنت بصدد التحقيق في قضية العثور على مخبأ أسلحة في غابة فونتينبلو، منسوبة إلى تنظيمه”.

 

يستعرض القاضي حياة القائد الفلسطيني بكثير من التفاصيل، ولا يفوته أن يصل إلى هذه النتيجة التي لا تروق الغربيين: “بينما يعتبره الغربُ إرهابيا بالغ القسوة، فإن الفلسطينيين يرون فيه وجهاً تاريخياً لحركة المقاومة”.

 

وأول فكرة راودت القاضي الذي تحقق، عن طريق مسؤول في إدارة الأمن الوطني، من أنه بالفعل جورج حبش، هي التحقيق معه حول مسألة السلاح الذي عثر عليه في غابة فونتينبلو. ولا بد من التأكيد على أن مَقْدم جورج حبش إلى باريس تم بناء على قرار اتخذته جيورجينا دوفوا، وكانت مستشارة لرئيس الدولة (مسؤولة الصليب الاحمر الفرنسي في حينه ووزيرة سابقة). والغريب أن لا أحد أخبر الرئيس الفرنسي بالأمر، وكان حينها في زيارة إلى بلد خليجي. كل السلسلة التي يعود إليها القرار لم تقم بواجبها. وحين أخبر قائد شرطة باريس الرئيس فرانسوا ميتران بمقدم حبش، “كانت المحاورة قاسية ووجد قائد شرطة باريس صعوبة في تبرير القرار”. ما الذي كان عليه موقف القاضي، خصوصاً وأن صيداً ثميناً أصبح تقريباً بين يديه؟

 

“أصدرتُ إنابة قضائية من أجل الاستماع إلى جورج حبش في المستشفى بخصوص قضية أسلحة غابة فونتينبلو. سيتم الأمر تحت نظام حراسة. موقفي لم يتغير: لستُ مسؤولا عن وصول حبش، ولا أعرف شيئا عن العلاقات السياسية أو الإنسانية التي قادت إلى استضافته على أرضنا؛ الأجندة القضائية مستقلة عن الأجندة السياسية. لكنه ما دام في باريس فعليّ أن أتلقى شهادته. لحد اللحظة، لا يتعلق بإدانته، كما قيل حينها، ولكن باعتقاله، وبالاستماع إليه كأي كائن متهم بأفعال إرهاب. حول هذه النقطة أنا صارم ولا أحد يستطيع أن يمنعني من فعل ذلك”.

 

حين يستعرض القاضي الأمور والتفاصيل لا يمكن سوى أن يشكك في بعض الأشياء التي يذكرها، أحيانا يحكيها على شكل رواية مشوقة، ومن ضمنها أن حبش كان مريضاً جداً (كان أحيانا يغمى عليه) وأن السوريين خافوا أن يموت في بلدهم: “فكروا (أي المسؤولين السوريين)، وقالوا: “إذا كان سيموت، فليَمُت في بلد آخر”. إذْ بسبب أهمية الرجل، لا أحد يريد أن يُتهَم بأنه وراء موته. وفجأة، ما أن استعاد حبش وعيه حتى نصحه السوريون بالذهاب إلى تونس مقر منظمة التحرير الفلسطينية - لاستشارة طبيبه الشخصي، وأرسلوه في طائرة عسكرية. (...) طبيبه هو الآخر خاف أن يموت جورج حبش بين يديه. بحث عن بلد قادر على استقباله وعلاجه، فوجد أذنا صاغية في شخص جورجينا دوفوا”.

 

من سرّب خبر مجيء جورج حبش إلى فرنسا؟ يرى القاضي بروغيير “أن الأمر متعمدٌ لوضع فرنسا في وضعية حرجة. تحدث البعض عن مناورة “إسرائيلية” لمعاقبة فرنسا على علاقاتها الجيدة مع الفلسطينيين.. لا أحد يعرف. الكثير من الناس كانوا بالضرورة على علم بوصوله”، ولكن القاضي كان يعرف أن توقيف جورج حبش لن يمر من دون عقاب”. نستطيع أن نخشى من ردات فعل عنيفة جدا، بل وتفجيرات منظمة من قبل تنظيمات فلسطينية راديكالية. لو أن جورج حبش تم توقيفه في فرنسا فإن خطّا أصفر تم اجتيازه في نظرهم، معاهدة عدم الاعتداء تم نقضها. استجوابه كان سيعتبر “خيانة”. كان الفلسطينيون مقتنعين بأن قدوم حبش إلى فرنسا تم بموافقة من الرئيس ميتران. فضلا عن ان حبش كان يفكر بنفس الطريقة. وقد قدم إلى باريس كما سنرى- مع وثائقه البالغة السرية، وهي وثائق رفض أن يتركها في تونس. كان واثقا، ومقتنعا من أنه سيستفيد من حق اللجوء”. أما القاضي فقد كان عليه أن “يطبق القانون”، كما يحلو أن يقول. لم يكن قائد شرطة باريس من أنصار الاستماع إلى حبش.

 

نحن في 30 يناير/ كانون الثاني، الوقت ظهراً، ويسود المستشفى جو من التوتر والتهيج. وأول ما فكّر فيه القاضي بروغيير هو تجريد حرس حبش من أسلحتهم”. زوجة حبش هي الأخرى أرادت أن تؤخر حركتنا. أكثر من مائة صحافي يتكدسون أمام باب المستشفى. كان ثمة عائق آخر وهو الطبيب، رئيس القسم، ومن أجل أن يغطي نفسه، سلم بحذر شهادة تعتبر أننا نضع حياة مريضه موضع الخطر إذا وضع تحت المراقبة”، وهنا يُصعّد القاضي من جرأته وعنترياته:

 

“حينها قمتُ بتعيين خبيرين، متخصص في القلب وآخر اختصاصي في علم الأعصاب، للتأكد من أن حالة جورج حبش الصحية متوافقة مع وضعه تحت المراقبة في مكان صحيّ، وقررتُ، على الرغم من كل شيء، مع تبليغه بالأمر، في انتظار رأي مختلف من اختصاصيين”.

 

نحن إزاء وضعية كافكاوية حقيقية: “وجدت نفسي وحدي المسؤول في وضعية بالغة التوتر: رجل، من الناحية الموضوعية، مريض جداً، ويوجد في مكان استشفائي، وعلى الرغم من وضعه تحت المراقبة فإنه لا تأثير على العلاج الذي يُقدّم إليه. رئيس الأطباء يبدو كأنما الأوضاع تجاوزته، مناخ سياسي ثقيل جدا وضغط إعلامي لا سابق له. وفي نظام الأولويات، فإن حالة صحة جورج حبش هي الأساس. لكن حول هذه النقطة طمأنني بعض الخبراء. ومن هنا فإن تحريراً سريعاً لجورج حبش يمكن أن يوافق الجميع، وخصوصا الذين عرّضوا بلادنا من خلال السماح له بالمجيء. ولكن العدالة لا يجب أن تعطي الانطباع بأنها تراجعت أمام ضغوط سياسية أو لوبيات أجنبية. الطريق الوحيدة التي يجب اتباعها، في هذا السياق المرئي، تتمثل في تطبيق القانون. ولكن خط حركتي يبدو ضيقاً جداً.. إمّا أن الأطبّاء يعلنون أن وضعه تحت المراقبة غير متلائمة مع حالتها، وفي هذه الحالة فيتوجب رفع المراقبة، أو يعتبرون الأمر ممكنا فحينها سأواصل تحقيقي. على كل حال يتوجب صدور رأي مسموح به. لا أريد أن أعطي الانطباع بتحرير حبش لأسباب سياسية. قراري يجب أن يكون، من الناحية القضائية، لا غبار عليه”. وفي مبالغة كبرى من القاضي، لم يكتف القاضي بتعيين خبيرين، بل ستة خبراء. ويصف صعوبة الموقف والمسؤولية: “عدتُ إلى بيتي وفي رأسي الخشية من عمليات عنيفة تطلقها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انتقاما من استجواب جورج حبش. وللمفارقة، فإن القاضي سيُتهَم بكونه وضع فرنسا في حالة صعبة في حين أن الأمر يتعلق بالاستماع إلى شخص سمح السياسيون له بالدخول إلى فرنسا”. تدخل الرئيس ميتران الذي كان في زيارة إلى سلطنة عمان، في الموضوع، من خلال تشديده على أن تواجد حبش يجب أن يكون قصيرا على التراب الفرنسي، وأضاف بأنه إذا طالبت العدالة الفرنسية بمعلومات فستمنح لها، أرضى القاضي بروغيير الذي لم ير فيه أي دعم له أو مد اليد، وإنما “الرئيس يُذكّر ببساطة بالقانون”.

 

يتحدث القاضي بروغيير، المعروف بتوجهاته اليمينية، عن الرئيس فرانسوا ميتران: “لمْ ألتقِ أبدا بالرئيس فرانسوا ميتران، ولكن بمناسبة قضيتين أو ثلاث قضايا حاسمة - ومن بينها قضية “دي سي 10” جاءني منه دعمٌ حاسمٌ. كان ميتران يعرف أني لم أكُن من القريبين منه ولكنه كان يعتبرني خادما كبيرا لبلدي. البعض، من المهووسين، تساءلوا إن كان يوجد نوع من صفقة أو عقد سري بين الرئيس وبيني، إنْ لم أكُن جزءاً من هذه الدوائر المتحّدة المركز بالغة التعقيد من العلاقات التي تحيط برئيس الدولة، لم يكن أي شيء من كل هذا، لقد فهم ميتران أن العمل القضائي وحده يمكن أن يتيح لفرنسا الخروج، بكرامة، من هذه الخطوة السيئة.

 

جاء قرار الخبراء الستة ليعلن، بوضوح، أن “زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في وضعية لا تسمح له بالتحدث وتحمل استنطاق”.

 

بمرارة أوقف القاضي بروغيير وضع جورج حبش تحت المراقبة، بعد ستة وثلاثين ساعة”. ستة وثلاثون ساعة سوف أتذكّرها طول حياتي”، صار “الزعيم الفلسطيني حرّاً طليقاً، ولكني أحرص، فقط، ألا يستفيد من دعم الدولة الفرنسية كي يغادر أراضينا. ستأتي طائرة أجنبية لتحمله إلى تونس”.

 

هل يتعلق الأمر بطرد؟

بمرارة يرد القاضي المتهيج: “لا، لا نطرده. هو حر في تحركاته. هو الذي اختار العودة إلى تونس لمواصلة العلاج فيها”.

 

يتصور القاضي بروغيير نفسه وكأنما انتصر في هذا التحدي. الانتصار على رجل مريض جدا، أتى إلى فرنسا، لأن مسوؤلين كباراً سمحوا له بالمجيء، وها هو يرحل قبل أن يستكمل العلاج. أن يكون ميتران على علم أم لا، فهذا شيء آخر. ثم من قال إنه ليس على علم، خصوصا حين نعرف أن فرانسوا ميتران قادر على تغيير وضعية بأخرى، ماكيافيلي حقيقي، وقد أثبت ذلك طول حياته، أليس هو الذي أطلق النار على نفسه، حين كان لا يزال مُعارضا عنيدا للجنرال ديغول، وصوّر الأمر بمثابة محاولة اغتيال هو ضحيتها؟

 

“العدالة اشتغلت في شفافية ووضوح. وغادر حبش بلادنا بحرية وعبر طريق قانونية”، ويحاول القاضي أن يسبغ نوعا من التشويق البوليسي على استيلاء الشرطة الفرنسية على بضائع حبش، أو وثائقه السرية جدا، في باريس. وقد تطلب الأمر، كما يقول القاضي، تجريد حارس شخصي فلسطيني من سلاحه. وهكذا أتيح للقضاء الفرنسي الاستيلاء على وثائق رفض حبش تركها في تونس حتى في عهدة أقرب المقربين منه. ولأن الحكيم جورج حبش في عهدة ربه، الآن، فإن القاضي بروغيير يسمح لنفسه بذكر محتويات “صيده الثمين”، في حوائج حبش السرية: “اكتشفنا قائمة طويلة جدا من الأسماء ومن أرقام الهواتف وعناوين كل المراسلين وأيضا اتصالات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العالم. كما حصلنا على دفتر عناوينه لسنة ،1991 وقائمة مواعيده. وكذا اتصالات مع مبعوثي العديد من دول الخليج والدول العربية وهي مسألة منطقية-، وأيضا العديد من دول أوروبا الشرقية: يوغسلافيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية والاتحاد السوفييتي.. وحتى بعض الشخصيات الكوبية”.

*       *       *       *

ما لم أستطع أن أقوله ... (3-3)

تأليف: جان لويس بروغيير

ترجمة وعرض: بشير البكر

21/11/2009

أصدر القاضي الفرنسي جان  لويس بروغيير، منذ أيام قليلة كتاباً عن دار “روبرت لافون” الباريسية، بالتعاون مع جان ماري بونتو، بعنوان “ما لم أستطع أن أقوله” “ثلاثون سنة من مكافحة الإرهاب”، والكتاب الحوار يمتد على 493 صفحة، ويتشعب وتكثر فيه التفاصيل، وهو أمر معقول،طالما أننا أمام مسألة قضائية، وبالتالي فكل التفاصيل ضرورية ويمكن أن تلعب دوراً حاسما .ولذا يحتشد الكتاب بكم هائل من المعلومات التي يمكن أن تشتت بال القارئ، إن لم يكن يعرف الشرق الأوسط وتداعيات الصراعات الدولية والطائفية والإثنية والدينية وغيرها .بروغيير قاض منذ سنة ،1973 وهو يحقق في قضايا الإرهاب منذ أكثر من خمس وعشرين سنة . ويعتبر على المستوى العالمي، من أفضل العارفين بهذا الشأن . ليس مجرد قاض، هو نجم، ويعرف كيف يحرّك الصحافة، وقد التحق مؤخراً باليمين الفرنسي وترشح على لائحته في الانتخابات التشريعية .

 

انهيار سور برلين كان إيذاناً بدخول العالم مرحلة الإرهاب

ما هي فوائد الحصول على أوراق شخصية للدكتور جورج حبش؟ يرد المؤلف: “أتاحت لنا فهم التحالفات حتى في داخل تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذاتها . كان حبش يلتقي بالعديد من المسؤولين: أبو نضال، وأبو العباس، مسؤول اختطاف سفينة أكيلي لاورو، في إيطاليا . كما يمكن تتبع زياراته في المخيمات الفلسطينية واكتشاف اتصالاته مع الصحافيين الغربيين . . . كما أننا أُحِطنا علما بالعديد من النصوص السياسية وبكتاباته الإيديولوجية أو الاستراتيجية . وفيها يعرض جورج حبش موقفه مقارنة بموقف منظمة التحرير الفلسطينية، وأيضا أسباب قطيعته مع عرفات، كانت ثمة أيضا قائمة أخرى تضم شخصيات فلسطينية مقربة من منظمة التحرير الفلسطينية، وفيها كثير من الألغاز . من الممكن أن الأمر يتعلق بشخصيات استمالتها الجبهة الشعبية، مخبرين، بصيغة ما، تستخدمهم كجواسيس” .

 

يضخم القاضي، الذي فشل في استجواب الحكيم حبش، من أهمية سرقته لوثائق الضيف المريض . ويكتب، بكثير من الغرور والمبالغة: “إن خسائر هذه الوثائق شكّلت ضربة قوية جدا للتنظيم ولرئيسه، والكثير من العملاء (الفلسطينيين) احترقوا . وحسب إدارة الأمن الوطني الفرنسي فإن الكثيرين منهم اختفوا . وبالفعل فإن نشاط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصابها وهنٌ بعد هذه المرحلة، ولم تستطع قطّ أن تقوم من هذه الكبوة” .

 

اغتيال عاطف بسيسو

لفلسطين وللنضال الفلسطيني حصة كبيرة في كتاب القاضي بروغيير، وكأنما القاضي أصبح متخصصاً في المعضلة الفلسطينية وتداعياتها . وبعد استعراض قصة جورج حبش ها هو الآن مع قصة اغتيال عاطف بسيسو، يوم 28 يونيو/ حزيران ،1992 وهو مسؤول كبيرٌ من حركة فتح، التابعة لياسر عرفات، في فندق ميريديان في منطقة مونبارناس الباريسية .وقد كان في زيارة خاطفة للعاصمة الفرنسية، ليلة واحدة في باريس .

 

من هو عاطف بسيسو؟

يكتب بروغيير: “هو عضو مهم جدا في منظمة ياسر عرفات، وحلّ محلّ أبو إياد، رقم اثنين في الاستخبارات الفلسطينية، الذي تم اغتياله في تونس سنة 1991 وهو مكلف، رسمياً، بحماية الزعماء الفلسطينيين في الخارج . وبشكل أكثر سرية، كان مكلفاً بالاتصال مع أجهزة استخبارات أجنبية، وبشكل خاص الاستخبارات الفرنسية” .

 

كان بالإمكان اغتيال هذا الزعيم الفلسطيني في أمكنة أخرى خصوصا في ألمانيا، ولكن الأمر كان “رسالة موجهة إلى سلطات بلدنا . فكان علينا أن نتساءل عمن يعرف حضور هذا المسؤول الفلسطيني في فرنسا” .

 

كان موظفو شركة العال للطيران “الإسرائيلي” يرتادون أيضا هذا الفندق الفخم . ولكن المسؤولين عن هذا الاغتيال كشفوا عن أنفسهم، بسرعة، من بيروت . فقد أعلنت فتح، المجلس الثوري، مسؤوليتها عن اغتيال ما تسميه “الخائن عاطف بسيسو”، الذي يتعاون مع استخبارات غربية ويسلمها معلومات يمكنها شلّ العمليات “البطولية” للتنظيمات الفلسطينية .

 

ويبدو أن القاضي الذي كان خبيراً في فتح حقائب ضحاياه، يوافق تصريح فتح أبو نضال، فهو يقول “في حقيبة عاطف بسيسو عثرنا على وثائق تبثت أطروحة تصفيته على يد مجموعة أبو نضال . وهكذا كان بسيسو يمتلك معلومات عن فلسطيني، يدعى إبراهيم بسّام، يمتلك قائمة مخازن سلاح مخبأة من قبل تنظيم أبو نضال في أوروبا، وبشكل خاص في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وحتى في بلغاريا . ( . . .) وهكذا فعاطف بسيسو منح الاستخبارات الفرنسية معلومات استراتيجية تخص مجموعة فتح أبو نضال” .

 

لكن في العاشر من يونيو/ حزيران تنفي مجموعة أبو نضال مسؤوليتها عن اغتيال عاطف بسيسو . لكن هذا التكذيب لم يؤخذ في البداية على مأخذ الجد، واعتبر تمويها من أبو نضال . “لكنه كان صحيحا” . بينما البيان الأول هو الذي كان مونتاجا بالغ الذكاء . ولكن اكتشاف الحقيقة تطلّب سنة ونصف سنة من البحث . حين اكتشفت المخابرات الألمانية والفرنسية عميلاً للموساد في قلب الجهاز الفلسطيني في تونس . وهو “عميل” تسبب في “كوارث” ويمكن أن يكون، بدرجة ما، مسؤولا عن اغتيال عاطف بسيسو .

 

كان القاضي قد طرح سؤالا ضروريا: من كان على علم بزيارة المسؤول الفلسطيني لفرنسا؟: “من بين المتهمين عدنان ياسين، أحد الأعضاء المهمين في الممثلية الفلسطينية في تونس . وهو شخص مقرب من ياسر عرفات، ويهتم بتنقلات المسؤولين الفلسطينيين، وهو الذي يقوم بحجز بطاقات الطائرات والفنادق . وهو الذي ينظم كل الاجتماعات المهمة للقيادة الفلسطينية . كما أنه يدير نقل الأموال ويحرص على سرية تنقلات عرفات . يعرف الجميع في تونس ويمكنه أن يتصل في أي لحظة بأي زعيم فلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية في العالم . باختصار، هو شخص ضروري جدا ولا يمكن الشك في صدقيته . وقد اهتم بصفة شخصية بسفر بسيسو الطويل، من كوبا إلى باريس، مرورا بألمانيا . هو وحده الذي يعرف كل التفاصيل . إلا أنّ الاستخبارات الألمانية اكتشفت أن ابنه، هاني، اشترى كاراجا في فرانكفورت ويعيش في بحبوحة . وأصول الأموال مشبوهةٌ” .

 

في أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 1993 أخبرت الاستخبارات الألمانية نظيرتها الفرنسية أن الشاب هاني اشترى سيارة “رينو 25” ويستعد لحملها إلى تونس . والسيارة موجهة لوالده . واستجابة لنصيحة الألمان، اكتشفت الاستخبارات الفرنسية أن السيارة مليئة بآلات التنصت والإرسال عن طريق الساتالايت، وهي أجهزة بالغة التطور والتعقيد، سلَّمها ووضعها من دون شك، الموساد “الإسرائيلي” .

 

على الفور أبلغت المخابرات الفرنسية نظيرتيها التونسية والفلسطينية . وهنا يصر القاضي على التذكير على أن “فرنسا ترتبط بعلاقات وثيقة مع ياسر عرفات” . وكأن القاضي يكتشف أن كرامة الفرنسيين ديست خلال هذا الاغتيال، من قبل “الإسرائيليين”: “أجهزة استخباراتنا ما كان لها أن تقبل “الطريقة السيئة” التي قامت بها الاستخبارت “الإسرائيلية” من خلال اغتيال بسيسو في باريس . وهو عمل غير مقبول وتستهجنه جماعة الاستخبارات .

 

تأكد ياسر عرفات من خيانة “صديقه” ياسين . سحب منه حصانته الدبلوماسية قبل أن يسمح للتونسيين باستجوابه يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1993 تم توقيف ياسين، بينما هو متوجه كالمعتاد إلى موعده مع وزير الداخلية التونسي “وحسب الاستخبارات الفرنسية فإنه انهار على الفور، واعترف بتعاونه مع الموساد منذ سنوات عديدة . وحسب اعترافاته فإن الموساد استدرجه في باريس، سنة ،1989 وكانت زوجته حينها مريضة بالسرطان وتعالج في فرنسا . وخلال هذه الزيارة الفرنسية التقى برجل أعمال مصري مؤثر جداً ومقرب من الفلسطينيين وقادر على مساعدة القضية الفلسطينية اقتصاديا . وكان هذا المصري، حسب ما يبدو، يتمنى الاستثمار في الفندقة السياحية في تونس وطلب من ياسين مساعدته على تحقيق مشاريعه . أصبح الرجلان صديقين، وقدم المصري خدمات عديدة صغيرة للفلسطيني . وتكفل بعلاج الزوجة ودفع ثمن الفندق في باريس . وبما أن ابن ياسين عاطل عن العمل في ألمانيا، فقد اقترح الصديق المصري الممتلئ عطفا، أن يعهد له بإدارة كاراج اشتراه للتو في فرانكفورت . ثم إن رجل الأعمال المصري، وهو بالضرورة عميل “إسرائيلي”، قدم لياسين، في مايو/ أيار ،1992 صديقا آخر، اسمه أبو جورج؛ هذا الأخير عبر عن رغبته في التعرّف عن قرب إلى مسؤولين فلسطينيين”، وبعد اغتيال بسيسو أدرك ياسين أن الموساد استدرجه . وعلى الفور هددته الاستخبارات “الإسرائيلية” بكشف كل شيء إذا لم يشتغل معها . “وهذا ما اعترف به للشرطة التونسية” .

 

في هذه الأثناء كان أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، في الفترة الراهنة، منخرطا في مفاوضات مع “الإسرائيليين” . وقد طلب عدنان ياسين أن تُصنَع له في باريس كنبة خاصة بمسؤول فلسطيني يعاني من آلام في الفقرات وأيضا مصباح . وقبل حملها إلى تونس قام الموساد بوضع أجهزة تجسس بالغة التعقيد ونظام تنصت عن بعد لا يمكن اكتشافه من أي “سكانر” لمنظمة التحرير الفلسطينية . “هذا النظام يسمح ل”الإسرائيليين” أن يعرفوا مواقف فتح أثناء مفاوضات أوسلو، وأيضا مفاوضات أخرى في واشنطن ومدريد . كابوس حقيقي للاستخبارات الفلسطينية وفائدة استثنائية للمفاوضين “الإسرائيليين” .

 

اكتشف القاضي بروغيير، بعد عمل استخباراتي بالغ التعقيد مسؤولية “إسرائيل” في تصفية القيادي الفلسطيني، على الرغم من أن “الإسرائيليين” لا يتركون وراءهم أدلة يمكنها أن تفضحهم “وتفاجأ لأن “الإسرائيليين” أخلوا باتفاق بين الطرفين، يقتضي عدم تنفيذ عمليات على التراب الفرنسي” .

 

حاول القاضي بكل وسيلة استجواب الفلسطيني ياسين ولكن التونسيين رفضوا، كما أن الاستخبارات الفلسطينية لم تتعاون، وحتى لقاءه مع عرفات وقبول عرفات لمساعدته لم يؤت أكله . “اصطدمت بحائط من الصمت” .

 

لماذا هذا الرفض؟

يعزوه القاضي لعدة أسباب منها “توجد عدة فرضيات لتفسير هذا السلوك, من الممكن أن عدنان ياسين تمت تصفيته . وعلى كل حال لم يظهر له أثرٌ . ثمة فرضية أخرى، وتبدو ربما مفاجِئة، وهي وجود نوع من الميثاق، أو التزام سري، بين الفلسطينيين والموساد . كلا الطرفين ربما لا فائدة له في اتهام رسمي بدور للاستخبارات “الإسرائيلية” في هذه القضية . من أجل “الإسرائيليين” الأمر مفهوم وواضحٌ لكن بالنسبة للفلسطينيين فهم ربما لم يريدوا تجاوز هذه الخطوة - كشف اعترافات عدنان ياسين - وهو ما يمكن أن تعتبره “إسرائيل” فعلا حربيا ويجرّ انتقاما” .

 

نوع من عدم الرضى يعبر عنه القاضي . ربما يسبب عدم تعاون الفلسطينيين . ولكن يبدو أن الأمر مريح أيضا حتى للفرنسيين فهم لم يكونوا راغبين في فضح “إسرائيل” “من دون تصريحات  عدنان ياسين، تم توقيف تحرياتي . لم يكن لديّ ما يكفي من المعلومات من أجل إطلاق مذكرة توقيف ضده” .

 

بعد هذا يتطرق القاضي للحرب الشعواء التي شنتها الاستخبارات الداخلية الفرنسية على “العمل المباشر” وهي حركة ثورية فوضوية و”معادية للامبريالية” ودور القاضي في تفكيكها وووضع زعمائها وراء القضبان .

 

عهد جديد

ها هو سور برلين، الذي يحتفل الألمان والأوروبيون بسقوطه، هذه الأيام، قد انهار . وها هو العالم الشيوعي قد انهار واختفى، “ولكننا دخلنا بالفعل في عهد مختلف، بشل جذري، ولم تكن فرنسا ولا الدول الأخرى الأخرة مهياة لاستقبال أنواع جديدة من العنف”، وهنا يستعرض بروغيير صعود الكتائب الدولية الإرهابية .وهناك تفاصيل كثيرة عن انعكاس الحرب الأهلية الدامية في الجزائر على فرنسا . ولا ينسى الهجوم على فرنسا باستخدام طائرة استطاع الفرنسيون إيقافها قبل أن تتسبب في كارثة .

 

وفي هذا الجزء أيضاً قراءة في “أراضي الجهاد”، وخصوصا أفغانستان، باعتبارها “أرض اختيار الجهاد، ومهد القاعدة”،ثم ينتقل إلى موضوع “تصدير الرعب” . ويهيئ القارئ لتفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الدامية فيتناول ما يراه قضيتين تبشران، قبل الأوان، ب 11 سبتمبر/ أيلول: وهما اغتيال القائد مسعود، وهو ما يكشف نشاط وحركية شبكات تنظيم القاعدة الإرهابية الأوروبية . والقضية الثانية، التي يبدو أن الغربيين والأمريكيين، لم يولوها الأهمية التي تستحقها، والتي ربما كانت ستمنع حدوث اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول، وهي توقيف “الطيار الإرهابي المتعلم”، ويقصد به هذا الفرنسي زكريا موساوي الذي كان يريد أن يكون من ضمن الطيارين الذين أطاحوا بالبرجين .

 

ويرى بروغيير أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أراد بتفجير البُرْجين أن يثبت للعالم أن ردّ فعل الولايات المتحدة الأمريكية لن يضعف من القدرات العملياتية لمنظمته . يريد أن يثبت أن القاعدة تستطيع أن تشتغل أينما تشاء، إما لوحدها، وإما عن طريق تنظيمات من الدائرة “الثانية” المرتبطة بها مثل الجماعة الإسلامية الأندونيسية، أو عن طريق منظمات باكستانية من قبيل جيش طيبة، أو حركة المجاهدين العالمية، وكلاهما من مُوقّعي فتوى أسامة بن لادن، لتاريخ 23 فبراير/ شباط ،1998 التي تؤسس الجبهة الإسلامية العالمية من أجل الجهاد ضد اليهود والصليبيين . كما أن ابن لادن خطط لسلسلة من العمليات في أنحاء العالم منذ 2002 .

 

ويعترف أنه، أي القاضي بروغيير، حقق في أربع عمليات بالغة الرمزية: تفجير “كنيس جربة” في تونس، في ابريل/ نيسان، وبعدها بعدة شهور، سلسلة من التفجيرات في باكستان ضد المصالح الفرنسية . كما أنه تسلم قضية الهجوم في 6 أكتوبر/ تشرين الأول على ناقلة نفط تحمل العلم الفرنسي في اليمن . وأخيرا شنت منظمة مرتبطة بالقاعدة عمليات ضد ملاهٍ ليلية في بالي بأندونيسيا يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول . وقبل هذه العمليات فشلت القاعدة في تفجير طائرة أمريكية في الجو، وكانت من تخطيط ريشارد ريد، صاحب الحذاءين المُلغمّين .

 

وعن القيمة الرمزية لهجوم “جربة”، يرى المؤلف أن أسامة بن لادن قلّل من تقدير حجم الرد الأمريكي . حيث إن أفغانستان تعرضت لغارات واسعة كما تم طرد حركة طالبان من السلطة .

 

الخاتمة

عرفت جهود وتصرفات القاضي بروغيير أحياناً انتقادات عديدة من الصحافة ومن الرافضين لأسلوب الرجل الذي يبدو أحيانا وكأنه متعجرف . ولعل الكثيرين يعرفون أن الليبيين رفضوا استقباله حين زار ليبيا على متن مدمرة فرنسية، فاعتبرها الليبيون إهانة لبلدهم، وردّوه على عقبيه . ولكنه في حوار أجرته معه صحيفة “لافوا دو نورد” الفرنسية يقول: لقد كنا نتعامل مع الإرهاب كما نتعامل مع الحق العام . ولكننا نجحنا في خلق الفضاء القضائي الأوروبي قبل الوقت، مع كل من إيطاليا وألمانيا وبلجيكا .

من الضروري أن يرى القاضي في عمله نجاحا كبيرا في وقف الإرهاب، أو القضاء عليه، ولو أن السياق الدولي ساهم أيضا في نجاحاته، وخصوصا الموقف السياسي الفرنسي “المحايد” .

 

بروغيير: قاضٍ ثوري و”كوبوي”

قاضي ملفات الإرهاب كما يسميه الفرنسيون فرنسي كورسيكي كان يفكر بالاستقالة من الملفات الثقيلة ولكن اعتقال كارلوس جعله يصرف النظر عن الموضوع لكي يختم حياته في القضاء بأهم ملف في تاريخ العالم الحديث .

 

فعلى الرغم من عدم إدلائه بتصريحات للإعلام فهو تصدر نشرات الاخبار وعناوين الصفحات الاولى في الصحف، بسبب متابعته عن كثب لأخطر القضايا الدولية في العقود الثلاثة الأخيرة .

 

خطا نحو الشهرة من خلال قضية اثارت الرعب في فرنسا وهي جريمة الياباني الذي قطع رأس صديقته الفرنسية وجسدها ثم التهمها عبر عدة وجبات، وقد ذهب بروغيير اثناء التحقيق في هذه الجريمة الى اليابان للتعرف إلى عالم ذلك القاتل .

 

ومن الجرائم العادية خطا بروغيير خطوة واسعة نحو القضايا التي يصفها الغرب بالإرهاب فهو الذي تولى التحقيق في قضية مجموعة “العمل المباشر” الفرنسية التي كانت على علاقة مع كارلوس وقضية اغتيال شهبور بختيار رئيس وزراء ايران سابقا وكذلك قضية “لوكربي”، التي اتهمت بها ليبيا وفرض عليها الحظر .

 

تعرض بروغيير للتهديد اكثر من مرة ونجا من محاولة اغتيال عندما زرع له تنظيم “العمل المباشر” قنبلة على باب مسكنه وانفجرت مخلفة وراءها قتيلا والتي علق عليها بالقول: انها متاعب المهنة . وهو منذ تلك الحادثة يستقل سيارة مصفحة ويسير ضمن مواكبة أمنية ويتسلح بمسدس “ماغنوم 347” شهره في احدى المرات في وجه سائق سيارة هدده في مرآب احدى البنايات .

 

والمعروف عن بروغيير عشقه للاستفزاز والتحدي، فعندما ذهب الى ليبيا بهدف التعاون مع القضاء الليبي فضل السفر على ظهر بارجة فرنسية مزودة بالمدافع وراجمات الصواريخ .

 

قام بالتحقيق عبر عشرات الجلسات مع كارلوس، واللافت في الامر ان بروغيير نفسه قد اعجب بشخصية كارلوس حتى قال عنه ذات مرة: انه فعلا “جاكال” .

 

ولعل المثير في هذه الجلسات انها لا تخلو اطلاقا من الدعابة .ففي احداها قال كارلوس لبروغيير انه يعلم الكثير عن القضاء الفرنسي، وقدم له امثلة ادهشته كما يروي احد محاميه ويضيف: ان كارلوس قال لبروغيير: انا اعرف انك ثوري مثلي، ووجه اليه دعوة الى الغداء في فندق “لوتيسيا” الفخم ليحدثه عن عملياته ومغامراته مع النساء، ولكن بروغيير اعتذر بالقول: سأحدد لك موعداً هذا الشهر ولكن للاستجواب .

------------------

هذا الكتاب يعبر عن رأي كاتبه

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ