ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عرض كتاب

ضحايا العولمة

تأليف :  جوزيف ستجليتز*

ترجمة لبنى الريدى وتقديم  دكتور جلال أمين

دار النشر : مكتبة الأسرة بالقاهرة

سنة النشر : طبعة أولى 2007

عدد الصفحات : 340 صفحة

عرض : أحمد حسين الشيمي

لا تزال أسرار ونتائج وتفاعلات العولمة تمثل محور اهتمام العديد من الحكومات العربية والغربية على حد سواء، نظرا لما يعتريها من تشابك للمصالح وتباين في التوجهات والرؤى المالية والاقتصادية, في ظل ارتفاع وتيرة الصراعات المالية والإنعكاسات المصرفية بالأسواق بجانب تأثيراتها على القنوات الاستثمارية,هذا بالإضافة لانتشار الموجات الرأسمالية وصراعات الطبقات في المجتمعات المعاصرة, التي تبتغى تعظيم مواردها وملاحقة ركب التنمية في النظام العالمي الحالى . ولعل السياسات المالية للدول ليست ببعيدة عن التوجهات المصرفية متعددة الأقطاب مع ظهور كيانات اقتصادية عملاقة فى آسيا والشرق الأوسط, وانتقال النهضة الصناعية من أوروبا الغربية للشرقية, وتزامنها مع تحركات الاتحاد الأوروبي التى جعلت عملته اليورو في الصدارة ليخطف الاستثمارات مع صعوده السريع, وتحقيقه لمكاسب سحب بها بساط التعاملات الدولية فى البورصات الكبرى من الدولار الأمريكي. إنها دوامات العولمة السوقية والمصرفية, التي تصبغ العالم بألوان شتى من المعادلات المالية والمضاربات الرأسمالية ذات الروافد العديدة, في ضوء دوران عجلة الاقتصاد العالمي, وسير المؤسسات العربية الكبرى خاصة الخليجية بنجاح في فلكه برؤوس أموال ضخمة, نتيجة الفوائض النفطية الهائلة.

قوانين السوق

يستهل المؤلف كتابه بالحديث عن آليات العولمة التي تبدو نتيجة طبيعية للتطورات التكنولوجية والتقنية, التى غيرت تعاملات البنوك والبورصات وأسواق العملات ومعظم الشعوب, رغم معاناتها من كثرة متطلبات الحياة وارتفاعات الأسعار, فقد كسبت نواحى إيجابية من فكر العولمة وخططها, وكأنها بلا هوية تخدم الدول لفترة وتعصف باقتصادياتها فى مرحلة أخرى, حتى أن بعض الحكومات تعانى من تناقض عميق بين ما هو مطلوب فى ظل الانفتاح التجاري للتسويق والتصدير, بينما أسواقها المحلية تتعرض للإغراق بسلع مستوردة قد لا تقدر على إنتاجها, وفى هذا الصدد تعرضت دول الخليج العربي فى الثمانينيات من القرن الماضى, قبل دخولها بقوة فى هذا القرن، نحو تنويع مجالاتها الإنتاجية والتنموية, وعدم التركيز على استهلاك الموارد النقدية للنفط فى شراء السلع الغذائية, حتى لا يضيع هباء منثورا دون فائدة خلال عقدين أو ثلاثة على الأكثر.

وتعتبر تلك الإستراتيجية الخليجية الواعدة نتيجة تطبيق سياسات واقعية من قبل حكومات الرياض وأبوظبي ومسقط, وكذلك رغبة دول الوفورات الاحتياطية الهائلة في استثمارها فى شتى القنوات الداخلية والخارجية والمضاربة بها فى البورصات العالمية, لدرجة شراء المؤسسات العربية الكبرى لحصص كبيرة من أسهم البورصات الغربية وامتلاك سندات بالبنوك الأجنبية, فضربت شعوب الخليج مثلا يحتذى به فى التعامل السليم مع الثروات وعلاج أخطاء الماضى, حيث كان معظم الدخل القومى يوجه للإستهلاك, أما الآن فالعولمة الخليجية نموذجا متميز للإنفتاح المحسوب, وحماية المكاسب الوطنية ببناء صروح اقتصادية للعمل والإنتاج والصناعات البتروكيماوية, كما فى السلطنة وقطر والبحرين.

لكن تلك الإيجابيات واكبتها بعض السلبيات نتيجة التغيرات فى أسعار السلع والخدمات وصعودها عالميا, وتعرض مؤسسات غربية وثيقة الصلة بشركات عربية كبرى لهزات اقتصادية فى أعقاب تضاعف تكاليف الإنتاج, خاصة فى صناعات التعدين, والسيارات ووسائل النقل, والمقاولات, ففشلت شركات متعددة الجنسيات فى الإستمرار بنجاح فى توريد السلع والخدمات بمنطقة الشرق الأوسط, لتخرج مجبرة من أسواقها بعد خسائرها الكبيرة.

ورغم حرص أوروبا على دوران عجلة ثورتها الصناعية بلا توقف لعقود طويلة فقد كشرت العولمة عن أنيابها لحكومات الإتحاد الأوروبى التى احتمت بقوة اليورو من الإرتفاعات المستمرة فى تكاليف الإنتاج, خاصة موارد الطاقة, وفى مقدمتها النفط والغاز الطبيعى, وحتى الفحم الذى كان وقودا للفقراء صار يحصد بمحاجره فروقات سعرية تكاد تضاعف تكاليفه بشكل هز أسواقه فى الصين وروسيا.

تسييس المؤسسات الدولية   

وينتقل المؤلف ساردا مجموعة من سلبيات العولمة وانعكاساتها التى أضرت بالكثير من شعوب العالم النامى, وفى مقدمتها تحول المنظمات الدولية التى من المفترض أن يتم التعامل فيها على أسس من العدالة والشفافية لمؤسسات مقادة من الغرب والإدارة الأمريكية وحتى إسرائيل, لتدور فى كواليسها مطالب واطروحات سياسية لم ولن تنجح بها ماليا واقتصاديا فكيف يمكنها تحقيق التنمية العالمية المنشودة ؟؟.

وفى مقدمة تلك المؤسسات صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين فشلا فى الإبتعاد عن أفلاك السياسة وتوجهات الغرب بعد استحواذه عليهما حتى أن بعض الدول الفقيرة تتضور جوعا فى العالم النامى, وترفض مد يدها لمسئولى البنك الدولى نظرا لمساومات أجنبية لها على مواقفها السياسية، مقابل دفع منح ومساعدات لها. إنها استراتيجية المصالح التى جعلتها العولمة تطفو على سطح التعاملات, وتحتكر بها اتفاقيات وبروتوكولات لن يتم تنفيذها إلا فى إطار من التمييز والتفرقة بين العالمين النامى والمتقدم.

 لكن يجدر الإشارة لناحية أخرى وهى بزوغ شمس دول أخرى يمكن درجها تحت مسمى ( بلدان عدم الانحياز الاقتصادي ) كمجموعة تتوسط الأوضاع المالية الراهنة, وفى مقدمتها معظم الدول الخليجية وجنوب إفريقيا والهند, والتى تصعد سلم التنمية بخطوات متتابعة فوق مستوى الفقر, وأقل مما وصلت إليه مجموعة الثماني الكبار الصناعية, والتى تحاول هى الأخرى حاليا جذب الإستثمارات الخارجية لها, حتى لا تهرب مقاليد قيادة الإقتصاد العالمى من بين أيديها.    

ولعل أخطر ما لجأ إليه صندوق النقد الدولى هو التغيير الجوهرى فى استراتيجيات بعض الحكومات النامية طبقا لأهواء الغرب, باستخدام سلاح المعونات والمنح للسيطرة على مستقبل شعوب معينة, وفرض اطروحات عليها قد لا تناسب واقعها وثقافتها. وقد يخطأ فى وضع رو شتة لعلاج اختلالاتها النقدية والتجارية بشكل يضاعف مشاكلها, وأزماتها الإقتصادية, ووصل الحال لدرجة توريط قوى أجنبية لصندوق النقد والبنك الدوليين لخوض غمار الصراعات التجارية بين العالمين النامي والمتقدم, لنصرة الغرب فى الغالب, بجانب احتلال المؤسستين لاقتصاديات بعض الدول, ونشر منظوماتهما الخططية بهياكلها ومؤسساتها لدرجة أخلت بمعادلات إجتماعية كثيرة.

ويصر مسئولو صندوق النقد الدولي على تطبيق خطط تتعلق بتحرير السوق وتعويم العملات على الجميع, وتدفعه الولايات المتحدة والغرب الأوروبى لفرض الخصخصة لصالح الفكر الرأسمالي, وللقضاء على بقايا الشيوعية بالأنظمة المالية العالمية, مما جعل دول فى مقدمتها روسيا والصين وحلفائهما تشعر بالقلق, لتعود للظهور الحروب المالية الباردة, ولكن على الصعيد الإقتصادى بفكر معولم.       

وانتقل العجز التجارى المرحلى فى السنوات الأخيرة من الدول النامية للمتقدمة, بسبب نهم الشعوب بالإستهلاك الترفى غير الهادف, فى عصر لا يرحم ولا يلوح به آفاق للتغيير سوى للدول, التى تدرك أين تسير وإلى أين تقودها خططها وموازاناتها العامة, حتى الولايات المتحدة خسرت الكثير نظرا للفظ شعبها سياسات حكومته, فالفوارق كبيرة بين الشعارات البراقة الكاذبة, ولغة البنكنوت والدولارات الأمريكية التي كانت تتوارى خجلا مع ارتفاع حجم الخسائر فى بلاد الرافدين, ورغم بحث واشنطن عن مخرج لنهب ثروات النفط العراقية لتعويض المليارات التى فقدتها فى حروبها, فيبدو أن الإقتصاد الأمريكى الذى كان حلما للحكومات تريد تقليده وملاحقته, لن يعود طالما سياساته الخارجية احتلالية, فقد ارتفعت البطالة وشاع الفساد و الكساد التضخمي عصف بمعظم المنتجات الأمريكية.             

عصر التكتلات  

ويؤكد الكاتب على أن الصين والهند وروسيا أصبحوا تكتلات جغرافية لدول شاسعة المساحة, نجحت حاليا في وضع أقدامها على طريق التصحيح الهيكلي للإختلالات التي شابت اقتصادياتها، بسبب عوامل مالية وسياسية, كان في مقدمتها تعرض الصادرات الصينية لموجات من التقارير الدولية المدمرة لها, وتتعلق بسوء المواد الخام وضررها بالصحة, أما الهند فكانت حروبها المستمرة ونزاعها مع باكستان جارتها اللدود محجما لها عن تخطى مراحل هذا الصراع المرير وتجاوز فترات اقتصاديات الحروب, التى تجرعت فيها خسائر تقدر بمليارات الدولارات سنويا, كسبتها بعد فتح المجالات التجارية والتعاون الإقتصادى مع جيرانها وتسيير خطوط السكك الحديدية بشبه القارة الهندية, عبر بوابة إسلام آباد.

وعلى الجانب الآخر استطاع الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين وضع حجر الأساس لفكر جديد قد يكون مقتبسا من التجربة الصينية بعض ملامحه, فالشيوعية الجديدة التى وافق عليها شعبه, وصاغها الكرملين كانت سياسية لمحاولة البحث عن رفاة الإتحاد السوفيتى السابق, لإحياء دوره ومكانته ونقلها لروسيا كعملاق مستنسخ منه, أما اقتصاديا فإن بوتين سار فى التحرر الكامل, وملاحقة منطقة اليورو, ومن يخلفه سيسير على نهجه بالتنمية الرأسمالية فى ظل كرملين شيوعى, كما نجحت موسكو فى تعديل مؤسساتها لتظهر فى تكتل مع الكومنولث ومنطقة بحر قزوين للسيطرة على مناطق النفط الهادئة هناك, رغم التحركات العسكرية الأمريكية صوبه, ومحاولة حلف شمال الأطلنطى نصرة الإتحاد الأوروبى فى صراع الرأسمالية الغربية مع الشيوعية الروسية فى مناطق عديدة من أبرزها الجمهوريات السوفيتية المستقلة وشرق أوروبا.

أما إفريقيا فقد فشلت حتى الآن فى إيجاد معادلات خاصة لها رغم تحركات منظمات كالكوميسا, وتجمعات دول غرب القارة, والقرن الإفريقى, والصحراء الكبرى, ودول الجنوب, وأفريقيا الوسطى, وحتى دول الفرانكوفونية, فليس هناك تخطيط مالي واضح وحقيقي يستند على وضع سياسي هادئ ينعش الإستثمارات ويجذب المشروعات العملاقة.

وأكملت العولمة مراحل الهيمنة الأجنبية على الإقتصاديات الإفريقية التى تمتلك أعلى موارد نفطية ومعدنية وطبيعية فى العالم, إلا أنها تفتقر للسلام والامن والتعايش بين شعوبها وعرقياتها, لتطيح الصراعات الداخلية بآمال البحث عن المستقبل.

وحتى الموارد الإفريقية صارت منهباً للقوى الكبرى وإسرائيل, وأرض القارة السمراء تهرب منها ثروات الماس والذهب واليورانيوم المشع, فى حين يدفن بها نفايات الوقود النووي بعد معالجته وتوليد الطاقة به فى المفاعلات الغربية, فى مفارقة تكشف مدى ظلم العولمة لشعوب أفريقيا, التى تعتصرها مجاعات لا حصر لها, وحروب طاحنة صنعتها قوى الإستعمار الإقتصادى الجديدة بأياديها الخفية لدعم الحركات المتمردة والنزعات الإنفصالية. 

مواجهة العولمة  

ويشدد المؤلف على ضرورة مواجهة التأثيرات غير المرغوبة للعولمة من الناحية الإقتصادية, خاصة مع اتساع ظواهر البطالة والتضخم والكساد فى بلدان العالم النامى, وانقسام الساحة الدولية إلى تكتلات قوية غزت واحتلت أسواق وموارد الشعوب الفقرية, حيث يجب تضافر الدول الأقل تقدما ونموا وتعاونها مع دول الوسط, خاصة الخليجية التى صعدت بقوة مؤخرا, حتى يتم تبادل المصالح وتنفيذ شراكات مالية إيجابية فى كافة المجالات خاصة الصناعية.

ومن المهم امتلاك عوامل الإنتاج من مواد خام وموارد بشرية, مع جلب التقنيات الحديثة من الخارج لإصلاح عجلة الإنتاج القومى, والتصدى لموجات أمركة الأسواق, والغزو والإغراق الخارجى من قبل المنتجات الآسيوية والغربية, حتى تتوازن التعاملات التجارية, ويتم علاج القصور فى معادلات الصادرات والواردات.

وليس هذا قاصرا على شعوب العالم الفقيرة فقط, فمن الضروري تحرك المنظمات الإنسانية فى الولايات المتحدة وأوروبا لنجدة البلدان النامية من غول العولمة, الذى أذاقها مرارة الفقر والمجاعات بعدما سلبها الكثير من ثرواتها, لتطوى صفحات المعادلات الرأسمالية لدول عدم الإنحياز التى صارت ضربا من الماضي, فمشاعر التضامن الإنساني قد تكون أقوى من المعادلات والتوازنات المختلة ماليا.

كما يجب علاج التشوهات التي تعترى النظام الدولي من جراء ارتفاع فواتير الطاقة, ودخول مراحل الغذاء الغالي والوقود الباهظ الثمن, فتكاتف المنظمات والتجمعات يحل أزمات كثيرة بشرط صفاء النوايا, وابتعاد المسئولين الحكوميين عن تصفية المعادلات السياسية على الساحة الاقتصادية, ومن المهم لإرساء السلام المالي بالقنوات المصرفية والاستثمارية الدولية للتصدى لخروقات المؤسسات الغربية المشوهة للأسواق, والتى تتعامل فى تجارة المخدرات والسلاح ونشاط المافيا وغسيل الأموال, والتى صارت ألوانا لقصور النظام الرأسمالي بالمجتمع الدولى.

ــــــــــــــــ

*حاصل على جائزة نويل في الاقتصاد عام 2001، وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ