ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 11/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المجتمع المدني العالمي والعراقي

نظرة تاريخية و قراءة نقدية إسلامية

كتاب في حلقات

الحلقة الأولى والثانية

اثير الخاقاني*

يعرف المجتمع المدني:

 بأنه جملة " المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية  التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لأغرض متعددة منها :

أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها غايات نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف الى نشر الوعي وفقا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها اغراض اجتماعية للاسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية.ومنها مؤسسات دينية تقوم على تهذيب وتنمية البعد الروحي والاخلاقي في الذات الانسانية  وبالتالي، يمكن القول إن العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي : الاحزاب السياسية، النقابات العمالية، الاتحادات المهنية، الجمعيات الثقافية والاجتماعية " والمؤسسات الدينية . ولايخفى ان هناك في التعريف بعد اقصائي يلغي الدور الديني من المجتمع المدني وهذا من جملة الاخطاء في توجيه المصطلح لان المجتمع متنوع الاتجاهات وتحكمه العديد من العوامل المهمة والبعد الديني احد هذه العوامل ان لم يكن أهمها في بلدان  الشرق الاوسط تحديدا .

 

سمات المجتمع المدني :

1. المدنية ونعني بها الصفة السلمية والتسامحية والحوارية بعيدا عن لغة التسلط او الاستبداد بالرأي او القرار .

2.   التعاونية : وهي استعمال مفهوم الجماعة بدلا عن قدرة الفرد وهذا ما يناسب المجتمع المدني الذي يدل على جهود مشتركه وليس فروقا فردية .

3. المؤسساتية : العمل التعاوني قد يفقد قدرته على الحركة خصوصا اذا تعددت المشاركة فيه ويحتاج حينذ الى تأسيس منظم يجمع أشتاته وهو المعبر عنه بالعمل المؤسساتي  وهو كفيل بجمع الجهود باتجاه غاية محددة ويحصنها من الفوضوية في الأداء .

4. تحديد الأدوار وتخصيص القدرات : الدور هو اثبات وجود الفرد في داخل المجتمع والتخصص في ماعند الفرد من ابداعات هو تنمية للتنوع واستثماره فعندما ننمي دور المعلم ونعزز فيه تخصصه هذا فاننا نحصل في النتيجة على معلم ناجح وكفوء في المجتمع في حين يحدث العكس المدمر وهو تغيير المعلم الى مهنة اخرى فنخسر قدراته التخصصية ودوره الفعال .

5. الأهداف والنتائج : لابد من هدف لحركة المجتمع المدني المؤسساتي وإلا فان الحركة فوضوية بحته والأهداف تقاس بنتائجها هل تحقق الهدف بنتيجة تلائم تلك الجهود المشتركة لآلاف من العقول والأيدي العاملة ام كانت النتيجة هدف ضئيل لجهد كبير .

 

وظائف المجتمع المدني

وتلخص في هذه النقاط الاتية :

1. تعزيز دور العمل المدني بازاء العسكرة او العشائرية السلبية وهي التي تعني اهمال استصلاح الارض والاستفادة من الثروات الاخرى والرجوع الى قوانين القوة والغلبة والانتقام والكراهية دون التراث العشائري المشرف من النخوة والغيرة على الجار والحقوق ومساعدة المحتاج وإكرام الضيف فإنها مدنية بحد ذاتها مهما اختلفت الجغرافية .

2. إنماء طاقات الشباب والمبدعين بعيدا عن تسخيرها سلبا للفئوية او الجهوية وجعلها طاقة حرة يتمع بفوائدها المجتمع عموما .

3. المشاركة في صنع القرار العام كقوة أساسية في البلد .

4. افراز القيادات الجديدة،

5. إشاعة ثقافة ديمقراطية.

6. الحث على العمل الخيري وكسر طوق لاشي الا بثمن حتى يعيش المجتمع دفء حب الخير للناس بلا دوافع ومصالح مباشرة وضيقة .(يراجع اكثر بحث المجتمع المدني في الوطن العربي معالم التغير منذ حرب الخليج الثانية وملاحظات حول أدواره المتعددة . مصطفى كامل السيد/ أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز دراسات وبحوث الدول النامية بجامعة القاهرة )

 

نظرة تاريخية على

مراحل المجتمع المدني

يذهب بعض الكتاب – الدكتور صالح ياسر في كتاب المجتمع المدني والديمقراطية ص11 _29  -  الى ان مشروع " المجتمع المدني " وليس المفهوم ذاته قادم الينا من فترات تاريخية سابقة مرتبطة بنشوء وتطور الرأسمالية، وما ارتبط بها من صراعات فكرية. ونعثر على ذلك المشروع عند سانت سيمون، وفي بيانات الثورة الفرنسية، في كتابات الموسوعيين (الانسكلوبيدين) التي تمحورت حول المعرفة واستخداماتها التقنية وحول نقد الدين المسيحي والكنيسة. كما نعثر على هذا المشروع في اشكالية العقد الاجتماعي الذي صاغه جان جاك روسو.

 

انطلاقا من ذلك يذهب هذا الكاتب الى  أن التعريف (المجتمع المدني) خضع منذ ظهوره الى الحدود التاريخية لوعي المفكرين والى الشكل الذي رأوا من خلاله علاقة السلطة السياسية بالأفراد. يكفي على سبيل المقارنة رؤية (هوبز) للمجتمع المدني كمخلوق اصطناعي للدولة (القرن 17) برؤية (لوك) له في القرن 18 باعتباره يشمل دائرة الملكية وعلاقات التجارة والتبادل على الضد من الدولة والمجتمع السياسي التي تضمن حماية المصالح الجماعية.

 

ويتعقب الكاتب مراحل تطور هذا المفهوم عبر المراحل التالية :

المرحلة الاولى (القرنين السابع عشر والثامن عشر) وفيها يظهر مفهوم المجتمع المدني كنقيض لمفهوم الطبيعة والمجتمع الطبيعي، الذي هو بالنسبة للبعض المجتمع الحيواني أو المجتمع الأبوي أو المجتمع التقليدي أو مجتمع الحرية الأولى. ونستطيع، إذن، أن نستنتج من الاطروحة اعلاه، وهي اطروحة خام، لا يمكن الارتكان اليها كتعريف جامع، بأن عبارة " المجتمع المدني " تعني ذلك المجتمع الذي ينشأ كيانه الذاتي ويحافظ على قوانينه ويصوغ مبادئ تنظيمه واشتغاله، ويقيم قانونه أو عقده الاجتماعي الخاص به والمميز له .

 

لقد تم ارساء الأسس والمكونات المعرفية والنظرية للمجتمع المدني في عصر النهضة الأوروبية. ذلك أن تاريخ مفهوم المجتمع المدني يعود إلى تطور الفكر السياسي الليبرالي على مدى القرنين السابع عشر والثامن عشر، المرتبط بالمذاهب الاجتماعية والاقتصادية، والذي بلور النظرية السياسية الليبراليه الكلاسيكية الغربية، منذ بداية انهيار "النظام القديم"، أي عهد انهيار الحكم المطلق وسلطان البابا الديني والدنيوي المتحكم في ملوك أوروبا باسم سلطة الكنيسة المسيحية، وبداية الهجوم الكاسح عبر الثورات على حكم الملوك، الذين يحكمون بمقتضى الحق الإلهي، الذي يبيح لهم بأن لا يحاسبوا عن سياستهم إلا أمام الله، وإلى بداية سلطان القانون الطبيعي، الذي يقر بحرية الفرد الإنسان باسم العقل والمنطق. فإلى سيادة الشعب، والسيادة القومية، وحقوق الإنسان، التي فجرتها الثورة البرجوازية الانكليزية، وتدعمت بشكل جذري قوى مع اندلاع الثورة البرجوازية الفرنسية، التي أصبحت منذ ذلك ثورة عالمية بالمعنى التاريخي والإنساني، تفصل بين العالم القديم والعالم الحديث والعصري، ودشنت عهداً جديداً في تاريخ الإنسانية جمعاء، بحكم ما أعلنته من حريات ومساواة قانونية وسياسية للإنسان الفرد .

 

وقد نشأ استخدام هذا المفهوم في هذه المرحلة ضمن سياق تحلل النمط التقليدي للمجتمع الاقطاعي أو الدولة ما بعد الاقطاعية القائمة على البديهة الدينية أو العرفية ونمو الشعور بأن السياسة صناعة أي نشاطا عقليا وتابعا لعمل الانسان والمجتمع، ومن خلف ذلك ظهور النظرية السياسية الحديثة. وكانت الحاجة ضرورية لمفهوم جديد يعكس النزوع المتزايد لاكتشاف ما سوف يسمى بالسياسة المدنية، أي السياسة التي تعبر عن حقيقة الانسان وخصوصيته مقابل ما كان سائدا في الحقبة الوسيطة من انعدام السياسة كمجال عام ومشترك ومن ارتباط السياسة بالدين أو بالإرث الارستقراطي أو بالاثنين معا. فبنية المجتمعات ما قبل الحديثة كانت تقتصر على ثلاث مراتب أساسية من الوجهة السياسية، رجال الدين والكنيسة، طبقة النبلاء أو ملاكين الأرض والإقطاعيين، ثم عامة الشعب. ولم يكن لعامة الشعب أي اعتبار في أي موضوع يخص ما نسميه اليوم موضوعات سياسية.

 

ويمكن استخلاص المرحلة الاولى بهذه المستويات التالية :

أولاً : الليبرالية الكلاسيكية :

1) نظرية العقد الاجتماعي :

رغم اتفاق منظري العقد الاجتماعي (توماس هوبز، جون لوك، جان جاك روسو) على نقطة الانطلاق وهي الحالة الطبيعية ، إلا أن نتائج تنظيرهم للظاهرة وللوجود السياسي كانت مختلفة ، فارتبط لديهم بروز المجتمع المدني ببروز المجتمع السياسي المنظم حيث ينظم الأفراد بعضهم إلى البعض الآخر ، لتحقيق مطالب معينة من النظام السياسي القائم .

 

أ) توماس هوبز (1588 – 1679) :

يعتبر المؤسس الفعلي لنظرية العقد الاجتماعي حيث رفض نظريات الحق الإلهي ورأى أن السلطة انعكاس لأصل دنيوي مجتمعي (1) ، فالمجتمع المدني أو المجتمع السياسي تكوّن نتيجة خوف الإنسان على حياته وممتلكاته ، وهو بذلك (أي الإنسان) اضطر إلى التعاقد مع الآخرين والتعامل معهم حتى يضمن حياته وسلامته ، وبهذا ظهر المجتمع المدني الذي يكفل تحقيق الأمن والسلام للأفراد ، ولا يتم هذا – عند هوبز – إلا بالتعاقد بين الأفراد وبين سلطة مطلقة أو حاكم مطلق يمنحونه الحرية المطلقة في فعل ما يريد فعله ، وذلك من أجل توفير الأمن والسلام .

وهكذا يتحقق الأمن والسلام بتنازل الأفراد المتبادل عن حقوقهم ، حيث يظهر المجتمع المدني أو المجتمع السياسي (2) . فغاية الإنسان في المجتمع المدني هي " البحث عن السلام والسعي إليه " (3) .

 

ب) جون لوك (1632 – 1704) :

وإذا كانت الحالة الطبيعية عند " هوبز " هي حالة الحرب ، وكل فرد بمثابة عدو للآخر لعدم وجود سلطة تفصل في المنازعات بين الأفراد فإن (جون لوك) يرى أن كل فرد يملك حق الدفاع عن نفسه ورد الاعتداء الذي يقع عليه من إنسان آخر ، حيث يمتلك كل فرد في الدولة الطبيعية السلطة التنفيذية (4) .

فالدولة – حسب لوك – هي حالة أمن وعدالة ومساواة وليست حالة حرب ونزاع كما يقول (هوبز) . ولكن حالة الحرية والمساواة والمحافظة على حقوق الأفراد في المجتمع الطبيعي كانت تتعرض للخطر من قِبل بعض الذين يحاولون الاعتداء على حقوق الأفراد الآخرين واغتصابها ، مما جعل الأفراد يقلقون على حياتهم وممتلكاتهم ، السبب الذي جعلهم يتخلون عن حريتهم المطلقة التي كان الأفراد يتمتعون بها وبذلك ظهرت الحاجة إلى تكوين المجتمع السياسي وخضوع الأفراد لسلطة عامة ، وهذا الخضوع يكون بموجب اتفاق مشترك يقوم على التراضي والمساواة بين الأفراد ، لأن الأفراد متساوون في حقوقهم وواجباتهم ، فإذا ما حاول الحاكم تجاوز سلطته وإهمال الحقوق الطبيعية للأفراد ، ففي مثل هذه الحالة يلزم على الأفراد فسخ العقد الذي أبرم بينهم وبينه ، وهذا عكس ما يرى " هوبز " الذي جعل الأفراد يخضعون خضوعاً مطلقاً للحاكم بدون أية معارضة .

ج) جان جاك روسو (1712 – 1778) :

يكفل العقد الاجتماعي عند (روسو) حرية الفرد وحقوقه الطبيعية في المجتمع ، وعلى الفرد ألا يبخل عن تقديم ما يطلبه منه الحاكم من عمل لصالح الجماعة لأن على " من يريد أن يؤمن حياته على حساب الآخرين أن يكون هو كذلك مستعداً لبذلها من أجلها (5) . فالمجتمع المدني عند روسو يقوم على التنازل التبادلي حيث يتنازل الفرد عن بعض حقوقه في سبيل أمنه وحريته . ولا يتم هذا إلا عندما يكون الآخرون مستعدين لذلك أيضاً ، كما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده لأنه لا يطيق مواجهة الطبيعة وأخطارها المحيطة به ، الأمر الذي اضطره إلى الاجتماع بغيره حتى يؤمن حياته " فالاجتماع المدني من الأعمال الإرادية في الطبيعة " (6) .

إذاً فالمجتمع المدني عند روسو قام على " أنقاض المجتمع الطبيعي في محاولة الإنسان التعويض عن النظام الطبيعي ، الذي أخذ يتلاشى لأسباب عدة ، بنظام من صنع الإنسان ، نظام وضعي متفق عليه بين أعضاء الجماعة " (7) .

ومن خلال هذا العرض الموجز لرؤية مؤسسي نظرية العقد الاجتماعي يظهر ارتباط مفهوم المجتمع المدني بنظرية العقد الاجتماعي تأسيساً لفلسفة حقوقية تتجاوز نظرية (الحق الإلهي) التي صاغتها الكنيسة وانتفعت منها ، كما انتفع منها الملوك لتبرير سلطتهم ، لذلك كانت نظريات " العقد الاجتماعي " نقداً لنظرية الحق الإلهي للملوك كما للكنيسة الحق في التصرف المطلق في الأملاك والخيرات كما في المصائر الفردية والجماعية لشعوب أوروبا ، حيث تتجاوز  الفلسفات الحقوقية والسياسية " العقد الاجتماعي " الأساس الثيوقراطي للحكم الفردي المستبد لتدشن الزمن الاجتماعي للحكم الديمقراطي المؤسس على التعاقد بين الحاكم والمحكومين ، وإن كان ثمة اختلاف بين من يشرعن احتمال فسخ العقد إذا ثبت جنوح وشطط من قِبل الحاكم – عند روسو – ومن يجعله عقداً أبدياً غير قابل للفسخ كما عند هوبز " (8).

وهكذا قدم أصحاب نظرية العقد الاجتماعي تصوراً لمفهوم المجتمع المدني بوصفه كل تجمع بشري انتقل من حالة الطبيعية الفطرية إلى الحالة المدنية التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي ، وبهذا المعنى يتضح أن مصطلح مدني في الفلسفات الحقوقية ظهرت لتتجاوز المرحلة الطبيعية ، مرحلة المجتمع الهمجي البدائي الفاقد للأمن والاستقرار إلى مرحلة استقرار ووجود مجتمع منظم يستند إلى القانون ويحقق السلم ، أي مجتمع مدني قامع للغريزة والعنف ، ومهذب للسلوك .

 

استخلاص النتائج :

يظهر ان المرحلة الاولى التي مرت بها اوربا والتي كانت نظرية العقد الاجتماعي الاساس لها قد نمت على انقاض حروب الشعار الفولتيري الشهير اسحقوا العار "قصة الفلسفة " ول ديورانت  والذي مثل ضربة جريئة للكنيسة الكاثوليكية الحاكمة انذاك والتي كانت بمثابة الممثل للحق الالهي على الارض فهي ردة فعل لانهيار الدين بوصفه سلطة حاكمة في اوربا وما ادى ذلك من فراغ سياسي واجتماعي وعقائدي وحتى امني جاءت هذه المرحلة لتلبي سد الفراغ من خلال العقد بين الامة والفرد والحاكم والأمة وهكذا أصبحت الأمور تسير على مقايضة صناعية حلت محل النظام الطبيعي الذي كانت قائمة عليه الأمور سابقا من علاقة الارض والفلاح الى علاقة الفرد بالفرد او المعمل بالفرد .. لقد كانت المدنية تمثل نقلة في ضمير الفرد الأوربي من عقلية الهمجي الى عقلية الباحث عن الهدوء والسلام ولو في حدود قريته او مدينته .! ومن الغريب ان تنمط هذه المرحلة كمبدأ لنشوء المجتمع المدني على الاطلاق في حين سبقت مدنية الاسلام هذه المرحلة المتدنية من التمدن قرون عديدة ولعلنا اذا اخذنا جانبا من سلوكيات أصحاب نظرية العقد الاجتماعي يتضح لنا بجلاء ان المجتمع المدني هناك كان تاسيسا قهريا لم ينتج كاندفاع طبيعي للنفس البشرية بل جاء بفعل سيطرة الخوف نتيجة للحروب او من انفجار الكبت للإرادة الطبيعية  فعند هوبز – العقد الاجتماعي -  لايكون الا بالتعاقد بين الأفراد وبين سلطة مطلقة أو حاكم مطلق يمنحونه الحرية المطلقة في فعل ما يريد فعله ، وذلك من أجل توفير الأمن والسلام .وهذا مثالي جدا لتكوين واقع دكتاتوري يخلف نظرية الحق الالهي الذي رفضه اصحاب العقد الاجتماعي لانه وبكل بساطة منح أي حرية مطلقة لعامل المجاري او فلاح فانه يولد فيه اختلاجات التفرد والاستبداد كيف وهوبز يفترض منحها لسلطة مطلقة ومن يضمن ان تمنح المجتمع مثل هذه السلطة المطلقة الامن والسلام انه هوبز غير دقيق في وضع المعاني فالسلطة المطلقة والحرية المطلقة غير موجودة الا في السلطة الالهية المدبرة للكون ومادون ذلك فالكل يستمد من المجتمع والمحيط الطبيعي حاجاته يلبي ويستوفي فالعامل في البلدية يقدم خدمة التنظيف فيمنحه المجتمع عبر الحكومة راتب وفي ذات الوقت فان العامل يلبي اوامر الحكومة لانه يراها تحقق منفعة المجتمع ولكن العامل والحكومة يعطي كلاهما للاخر مقدارا محددا للاخر فان زاد عن حده تحول الى دكتاتورية واسعباد فالاولى في حق الحكومة والثانية للعامل وهذا مماثبت بحكم التجربة البشرية وهو غير قابل للتفاوض عليه .

اما عند جون لوك فان دوافعه للعقد الاجتماعي هي حالة البحث عن الحقوق والامتيازات لان لوك بخلاف هوبز لايرى المجتمع المدني قائم على الخوف من أسباب الحرب والضياع لذلك يعمد الى عقد اجتماعي بل يرى ان المجتمع في امن وسلام لكنه يريد الحفاظ على حقوقه واكتساب الامتيازات من اعماله ومشاريعه ومكتسباته لذا يحقق مع الحاكم عقد اجتماعي يسهل له نيل هذه الحقوق مع خضوع لأمر هذه السلطة وهذا الخضوع يكون بموجب اتفاق مشترك يقوم على التراضي والمساواة بين الأفراد ، لأن الأفراد متساوون في حقوقهم وواجباتهم ، فإذا ما حاول الحاكم تجاوز سلطته وإهمال الحقوق الطبيعية للأفراد ، ففي مثل هذه الحالة يلزم على الأفراد فسخ العقد الذي أبرم بينهم وبينه ، وهذا عكس ما يرى " هوبز " الذي جعل الأفراد يخضعون خضوعاً مطلقاً للحاكم بدون أية معارضة .ولوك موفق - نوعا ما – في تفسيره للعقد الاجتماعي بالرغم من كون هوبز هو المؤسس الفعلي لها الا انها وفق لوك غير ناهظة وذلك لان هذا التفسير يفرض ان هناك سلطتان متكافئتان في المجتمع سلطة المجتمع ذاته وسلطة الحاكم ولكن الحقيقة في زمان لوك لم تكن ديمقراطية حقيقة تسود اوربا تجعل الحاكم ياتي الى العرش من خلال الاقتراع وصندوق الانتخابات حتى يكون المجتمع هناك صاحب زمام المبادرة ومن له حق العزل او التنصيب بل كانت السلطة واحدة محصورة بالعرش والمجتمع واقع تكراري لارادة البلاط ..ربما يغفل القارئ ويدعي ان اوربا اليوم تقوم على ديمقراطية وسلطة حقيقية للمجتمع ولكن ليضع في حساباته اني اتحدث عن نشاة هذه المجتمع في زمن لوك وليس مجتمع اوربا في زمن العولمة .

اما روسو فيكفل العقد الاجتماعي عنده حرية الفرد وحقوقه الطبيعية في المجتمع ، وعلى الفرد ألا يبخل عن تقديم ما يطلبه منه الحاكم من عمل لصالح الجماعة لأن على " من يريد أن يؤمن حياته على حساب الآخرين أن يكون هو كذلك مستعداً لبذلها من أجلها  . فالمجتمع المدني عند روسو يقوم على التنازل التبادلي حيث يتنازل الفرد عن بعض حقوقه في سبيل أمنه وحريته . ولا يتم هذا إلا عندما يكون الآخرون مستعدين لذلك أيضاً ، كما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده لأنه لا يطيق مواجهة الطبيعة وأخطارها المحيطة به ، الأمر الذي اضطره إلى الاجتماع بغيره حتى يؤمن حياته " فالاجتماع المدني من الأعمال الإرادية في الطبيعة وهذا التفسير يلم بالتفسيرين السابقين وهو اشمل التفاسير في حينه للعقد الاجتماعي ولكنه ايضا نظري لايضع آليات لتطبيقه فالانسان اجتماعي بطبعه ولكن ليس مدني كذلك لان الاجتماع من الطبيعة ولايحتاج الى اكتساب لتعلمه بل هو في دواخل الهوية البشرية ولذا ياتي الانطواء نتيجة اسباب في حين لايسال الاجتماعي عن الاساب ! اما المدنية فهي خصلة كمابينا فيها من خواص الطبيعة ومن خواص الثقافة التي ترقق النفس البشرية لتقبل الافكار  والثقافة اكتسابية ولاتاتي بالفطرة ولا بالإرادة الطبيعية بل تحتاج الى بذل الجهد بالمطالعة والفهم والتقصي والوعي والاسترشاد

ـــــــ

الموضوع القادم (البرجوازية كمرحلة تالية في تطور المجتمع المدني ...)

.............

المصادر:

1. نادية بن يوسف ، نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني في العصر الحديث ، مجلة دراسات ، تصدر عن المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر ، العدد 24 ، الربيع 2006 م ، ص 83 .

2.المجتمع المدني والمجتمع الجماهيري د هنية القماطي  جامعة قارنيوس

نفس المصدر

نفس المصدر

نفس المصدر

رومان رولان ، أفكار روسو الحية ، ترجمة : محمد يوسف زيدان ، (بيروت 1961) ، ص 79 . نقلا عن المصدر السابق

رجب بو دبوس، المجتمع المدني ... لماذا ؟، مجلة دراسات، تصدر عن المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، العدد 23، 2004 م، ص 10 .

محمد سلام شكري، المجتمع المدني بين الواقع والأيديولوجيا، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 4، مجلد 36، أبريل – نوفمبر 2008، ص 27 .

ــــــ

*باحث إسلامي

--------------------

هذا الكتاب يعبر عن رأي كاتبه

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ