ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  07/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فصول من كتاب التاريخ اليهودي

الدين اليهودي ثقل ثلاثة آلاف سنة (1)

تأليف : إسرائيل شاحاك Israël Shahak

ترجمة وتلخيص : أ. رشيد أبو ثور

الناشر : VIEILLE TAUPE  ، 1996.

مقدمة المترجم:

وأخيرا كشف العدوان الصهيوني الوحشي على غزة هاشم ، التي لا تتجاوز مساحتها (300) كلم مربع ، والذي لم يسلم من بطشه بشر ولا حجر وضرع و لا زرع ،، للعالم أجمع ،   الوجه الإجرامي الحقيقي لهذا الكيان العنصري الدموي ؛ و إن كان تاريخ اليهود حافل بالدم ، منذ قتلهم الأنبياء ، إلى  مجازر القرن الماضي والمجازر الحالية ؛ فلقد ارتكبت إسرائيل حوالي 70 مذبحة في حقِّ الفلسطينيين كان أفظعها ، مذابح  دير ياسين، وقبية، واللد، وعيلوط، والطنطورة، والصفصاف، وصبارين وغيرها. بل وامتدت يد القتل الصهيونية إلى  خارج فلسطين ، حيث نفّذ الجيش الإسرائيلي في الحادي عشر من فبراير 1967 مجزرة أبو زعبل بمنطقة القاهرة ، أودت بحياة 69 عامل  مصري ، وجرحت مائة آخرين. وفي الثامن من أبريل 1970 نفذ الصهاينة مذبحة مدرسة بحر البقر بمنطقة بور سعيد ،  قتل خلالها 46 طالباً وجرح 16 آخرون. وفي عام 1982 نفذت قوات الكتائب والقوات الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع وقتذاك أرييل شارون مجزرتي صبرا وشاتيلا اللتين قتل فيهما نحو 1600 شخص. وفي 18 أبريل عام 1996 نفذت مجزرة مدينة قانا،  وقتل يومها 109 مدنيا لبنانيا، أغلبهم من الأطفال والنساء الذين احتموا داخل مقر لقوات الأمم المتحدة, وأُصيب 351 شخصاً آخرين.

ولم تستثن يد الإجرام الصهيوني ضرعا ولا زرعا ولا حجرا ،  ففي سنة 2006 وحدها ، وقبل أي يقضي العدوان الأخير على غزة ، على كثير مما تبقي ، بلغ عدد الأشجار التي تم اقتلاعها 13572896 شجرة، وثم هدم 784 مخزناً زراعياً، و788 مزرعة دواجن وحظائر حيوانات بمعداتها، وقد نفق 14829 رأس ماعز وأغنام، وقتلت 12151 بقرة وحيوان داجن ، وتم إتلاف 16549 خلية نحل، وهدم 425 بئراً، كما دمر 207 منزلا للمزارعين بأثاثها .

فلا يمكن أن يسرف في القتل بهذا الشكل الوحشي، إلا نفس غير سوية ومريضة ، يتوارث إجرامها شر خلف عن شر سلف.

ولقد القرآن بإسهاب أوصافهم الخسيسة ، من تكذيب الأنبياء وقتلهم، وتحريف للكتاب ، ونقض المواثيق ، وأكال السحت ، وتعاطي الربا ، وعناد ولجاجة ، وقسوة القلب ،وجبن ، وإثارة الفتن ، والفساد في الأرض بالفساد ، و كذب وخداع ، وما إلى  ذلك. غير أنه إذا ما تحدث مسلم عن خسة اليهود وخبثهم وإجرامهم، قد يوصف بالمبالغة والتحامل، بل وبمعاداة السامية، لأن لا أحد باستطاعته أن يتصور نفسية تنطوي على ذلك المخزون الهائل من الوقاحة والحقد والكراهية والعدوانية تجاه الجنس البشري، من غير اليهود.

ولهذا يكتسي كتاب " التاريخ اليهودي، الدين اليهودي، ثقل ثلاثة ألف سنة" لمؤلفه إسرائيل شاحاك، قيمة كبيرة ، باعتباره شهادة من الداخل على طبيعة هذه النفسية المنحرفة والمعقدة، التي أوصدت الباب في وجه كل خير، وانطوت على مورد لا ينضب من العنصرية والنفاق والاحتيال والمكر، وما لا يمكن أن يخطر على بال أحد من ضروب الفجور والشرور والمنكرات، والتي لا يمكن أن تنتج في النهاية إلا دمارا لا يبقي ولا يدر ، كما سبق ذكره.

مولف هذا الكتاب هو إسرائيل شاحاك، وهو يهودي مقيم في مدينة القدس، ومطلع على مختلف المصادر المعرفية التوجيهية التي تحدد سلوك اليهودي. ولقد كشف من خلال هذا الكتاب، وبالتفصيل غير الممل، ما تنطوي عليه التعاليم التلمودية من كراهية وعدوانية مفرطة تجاه الجنس البشري. ولعل هذه الشهادة تجد أذانا صاغية وقلوب واعية، لدى كل من يتعامل مع اليهود، ليدرك أن ما ذكره القرآن من أوصافهم الذميمة وجرائمهم الوحشية، لا تزيدها الأيام إلا تأكيدا ووضوحا. والكتاب يكشف جذور هذه النفسية المنحرفة ، التي لم ولن تتغير ، ولن تزداد إلا إمعانا في عدوانيتها ووحشيتها ، وتعطشها للنيل من غير اليهود.

ولقد قدم للكتاب كل من كور فيدال Gore Vidal وإدوارد سعيد.

 

تقديم كور فيدال

تحدث لي عند نهاية الخمسينيات جون كينيدي John Kennedy عن المراحل الأولى لجولة ترومان الانتخابية سنة 1948، قائلا: "بينما كانت الحملة الانتخابية تسير من سيئ إلى أسوء، سلم صهيوني أمريكي لترومان، في قطاره الانتخابي حقيبة تحتوي على مليوني دولار؛ وهذا ما جعلنا نعترف بإسرائيل بتلك السرعة."

ولقد أدى، مع الأسف، عن هذا الاعتراف المتسرع الذي سمم الحياة السياسية والثقافية للولايات المتحدة، إلى 45 سنة من الفوضى والاضطرابات القاتلة، كما قضى على ما كان يحلم به رفاق الطريق للصهيونية، من إقامة دولة تعددية، ستظل وطنا لسكانها الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود وستصير في نفس الوقت وطنا للمهاجرين من يهود أوروبا وأمريكا المسالمين، وحتى لأولائك الذين يُظهرون أن الله قد منحهم إلى الأبد أراضي يهودا والسامرة ـ وهي الضفة الغربية اليوم.

 من كان يتوقع أن بلادنا ستتحول إلى أكبر حامي لإسرائيل؟ فلم يسبق في تاريخ الولايات المتحدة أن تمكنت أقلية دينية (أقل من 2 % ) من سلب تلك المبالغ المالية الهائلة لاستثمارها في "وطنها القومي".

وإذا كانت هذه الملايير من الدولارات قد أدت إلى بناء جدار في وجه الشيوعية، التي لم تتمكن في الحقيقة من فرض ذاتها بالمنطقة، فإنها قد حطمت الصداقة القديمة التي كانت تجمعنا بالعالم العربي. ولقد تعددت الأخبار والمعلومات المضللة حول ما يحدث في الشرق الأوسط، وكانت الضحية، بالإضافة إلى دافع الضرائب الأمريكي، مجموع يهود الولايات المتحدة الذين يتعرضون لتوبيخ متواصل من طرف أناس على شاكلة بيغين وشامير، وغيرهم من الإرهابيين المحترفين.

والأدهى والأمر أن يتخلى المثقفون الأمريكيون عن مواقفهم التحررية مقابل تحالفات شيطانية مع اليمين المسيحي والمركب العسكري الصناعي.

 غير أن ما يبعث عن الارتياح أن صوت التعقل لازال حيا، وفي إسرائيل على الخصوص. فبالقدس، لم يفتأ إسرائيل شاحاك عن تحليل، ليس فقط السياسة الإسرائيلية الرهيبة اليوم، وإنما التلمود نفسه، وتأثير كل تقاليد الحاخامات على هذه الدولة الصغيرة التي يسعى اليمين المتدين إلى تحويلها إلى دولة دينية خاصة باليهود.

 إنني من الذين يقدرون ما يقوم به شاحاك في وجه التفاهات التي تتخبط فيها ديانة تريد أن تعقلن اللامعقول. من البديهي أن السلطات الإسرائيلية لا تحب شاحاك، لكن ماذا بوسعها أن تفعل ضد دكتور، أستاذ للكيمياء متقاعد، ولد في فارسوفيا سنة 1933 و قضى طفولته في محتشد بيلسن Belsen، وأتي إلى إسرائيل سنة 1945، وعمل كذلك في صفوف الجيش. لقد ظل كل حياته ذا نزعة إنسانية واضحة وعدوا لدودا للإمبريالية أيا كان نوعها. إنه آخر الأنبياء العظام.

 

تقديم : إدوارد سعيد. Edward W. Saïd

يعتبر إسرائيل شاحاك، الأستاذ الشرفي للكيمياء العضوية في الجامعة العبرية بالقدس، من أبرز شخصيات الشرق الأوسط الحديث. وكان من الذين يشعرون بعمق بالآلام والحرمان التي تذيقها الصهيونية وممارسات دولة إسرائيل، ليس لفلسطينيي قطاع غزة فحسب، بل حتى للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

أنشأ إسرائيل شاحاك الرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي تنادي بمساواة الجميع في الحقوق، وكان الشخص الوحيد الذي يصدع بكلمة الحق دون أن يأبه بالموقف الإسرائيلي؛ مما جعله منبوذا في الأوساط الإسرائيلية. وكان من الذين وافقوا على استعمال عبارة "يهودية نازية" لوصف الأساليب المستعملة لاستعباد وقهر الفلسطينيين.

والذي ميزه عن غيره، هو ربطه بين الصهيونية واليهودية والإجراءات القمعية المتخذة ضد "غير اليهود"، أو "الأغيار"، مما أوصله إلى كثير من الاستنتاجات. وكثير مما كتب، مكرس لفضح ما تطلقه اليهودية من دعاية مغرضة وأكاذيب مضللة. ورغم أنه من الناجين من عمليات الإبادة التي تعرض لها اليهود في أوروبا، فإنه يرفض أن يتخذ ذلك ذريعة لاضطهاد الفلسطينيين.

وكان دائما من منتقدي منظمة التحرير الفلسطينية، لعدم معرفتها بإسرائيل، ولعدم قدرتها على مواجهتها بشكل جاد؛ كما كان ينتقد تسوياتها البائسة وقلة جديتها.

ولما ظهرت، خلال الثمانينات، عند المثقفين الفلسطينيين، وبعض مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية، "موضة" السعي إلى الحوار مع حمائم "السلام الآن" التابع لحزبي "العمال" و"ميريتز" الإسرائيليين، تم إقصاء إسرائيل شاحاك ابتداء، لأنه كان، من جهة، ناقما على معسكر السلام الذي لم يكن يضغط إلا على الفلسطينيين للحصول على تنازلات سياسية، ولأن الفلسطينيين كانوا من جهة ثانية، يعتبرونه راديكاليا أكثر من اللازم، جد هامشي بالنسبة للسلطة الرسمية في إسرائيل؛ أو لأنهم كانوا يتخوفون من أن يكون حادا كذلك في انتقاد السياسة الفلسطينية.

وكان شاحاك أول من ندد باتفاقية أوسلو، التي كان يدافع عنها معسكر الحمائم الإسرائيلي.

إنه من الدارسين بعمق للتقاليد الحاخامية والتلمودية. وبالتالي، يعتبر فضحه للعقلية والممارسات الإسرائيلية، تكذيبا للأساطير التي تعج بها وسائل الإعلام الغربية حول ديمقراطية إسرائيل، وفضحا غير مباشر لجهل الساسة والمثقفين العرب بحقيقة هذه الدولة، وخاصة عندما يعلنون أمام شعوبهم بأن إسرائيل قد تغيرت فعلا، وأنها تريد الآن فعلا ، السلام مع الفلسطينيين والعرب الآخرين.

 

الفصل الأول

بعد أن عكفت على دراسة القوانين التلمودية التي تنظم علاقة اليهود بغيرهم، تبين لي أنه لا يمكن فهم الصهيونية، ولو في صيغتها الأكثر علمانية، ولا فهم السياسة الإسرائيلية منذ قيام دولة إسرائيل، ولا سلوك مناصري إسرائيل في الخارج، من دون الأخذ بعين الاعتبار، التأثير العميق لهذه القوانين وما تشكله من تصور على العالم. وازداد اقتناعي بذلك بعد الاتجاه السياسي الذي اعتمدته إسرائيل عقب حرب الأيام الستة، وخاصة ما فرضته من نظام عنصري في الأراضي المحتلة، إضافة إلى موقف أغلبية اليهود من حقوق الفلسطينيين.

والذي أريد قوله ببساطة أن السياسة المتبعة على أرض الواقع، ناتجة عن تفاعل بين الاعتبارات الواقعية من جهة، والتأثير الأيديولوجي من جهة ثانية، وإن كان التأثير الأيديولوجي يزداد قوة باطراد، خاصة أنه ناذرا ما تتم مناقشته وإلقاء الأضواء الكاشفة عليه. ومما لا شك فيه أن ما أنتجه هذا التأثير من عنصرية أو تمييز أو كراهية، يزداد قوة مع الزمن، وتأثيرا حاسما في المجال السياسي، وخاصة عندما يعتقد المجتمع بأن هذه الممارسات عادية، ويمنع إما رسميا، أو ضمنيا، أي نقاش حولها.

وأعتقد أن إسرائيل، تمثل باعتبارها دولة يهودية، خطراً ليس على نفسها وعلى سكانها فحسب، بل على اليهود كافة، وعلى كل الشعوب والدول الأخرى.

في سنة 1985، اعتمد الكنيست بأغلبية ساحقة، قانونا دستوريا، يحذر المشاركة في الانتخابات البرلمانية على كل حزب يعارض صراحة في برنامجه مبدأ "يهودية الدولة"، أو يقترح تعديله بطرق ديمقراطية. فإسرائيل لليهود؛ ولهم فقط، حيثما وجدوا. وبالمقابل لا حق لسكانها من غير اليهود، الذين يعتبرون من الناحية الرسمية، من درجة دنيا. ومنع الاستفادة من هذه الأراضي ينطبق على كل العرب الإسرائيليين، بما فيهم العاملين في الجيش الإسرائيلي، بل وحتى الذين ارتقوا منهم إلى رتبة عالية.

وتمنح، حسب القانون اليهودي، صفة اليهودي لمن كانت أمه و جدته وأم جدته، وأم هذه الأخيرة، يهوديات؛ أو لمن اعتنق اليهودية بطريقة ترضي السلطات الإسرائيلية، شريطة طبعا ألا يكون قد تحول من اليهودية إلى ديانة أخرى.

وتمنح دولة إسرائيل الأفضلية لليهودي على غيره، في عدة مجالات، أهمها ثلاثة : حق الإقامة وحق العمل والحق في المساواة أمام القانون.

تستند الإجراءات التفضيلية المتعلقة بالإقامة إلى اعتبار أن الدولة تملك 92 % من الأرض. وتمنع هذه القوانين غير اليهود من الإقامة على هذه الأرض أو ممارسة التجارة بها، أو أي عمل آخر، وإن كان قانون العمل لا يحترم دائما. ولهذا تقوم السلطات الإسرائيلية بين الفينة والأخرى بتحركات لحمل المشغلين على احترام هذه القوانين، كأن تشن مثلا وزارة الزراعة حربا مفاجئة على تشغيل العمال العرب، وحتى ولو كانوا مواطنين إسرائيليين، الذين يشتغلون في قطف الفواكه بمزارع لليهود.

و لا يتمتع مواطنو إسرائيل من غير اليهود بحق المساواة أمام القانون. وبناء على قانون "العودة"، يحق لكل يهودي قرر الإقامة في إسرائيل أن يتمتع مباشرة بحق التصويت والترشح للكنيست، ولو كان لا ينطق حرفا واحدا بالعبرية.

وأحسن وسيلة تمكن من ممارسة العنصرية، هي بطاقة الهوية، التي لا تنص على الجنسية الإسرائيلية، وإنما تشير فقط إلى كون حاملها : "يهوديا" أو "عربيا "أو "درزيا"، أو غير ذلك من الصفات.

وكل يهودي يغادر إسرائيل، يتمتع عند عودته، بتسهيلات جمركية هامة، ويمكنه بمجرد تقديم طلب بذلك، أن يحصل على منحة دراسية لأبنائه، وعلى مساعدة للحصول على السكن، وعلى كثير من الامتيازات؛ أما غير اليهود، فلا حظ لهم في هذه الامتيازات ولو كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية.

 

إديولوجية تحرير أو انقاد الأرض :

يلقن للأطفال اليهود، منذ مرحلة التعليم الابتدائي، أن كل الأرض التي يملكها الأغيار (غير اليهود)، والتابعة لـ "أرض إسرائيل"، تعتبر أرضا محتلة، ويجب تحريرها. والنتيجة المنطقية لهذا الاعتبار، هي التهجير القسري لكل الأغيار الذين يعيشون على هذه الأراضي.

وإديولوجية التهجير هذه، وليست "الاعتبارات الأمنية"، كما تروج لذلك الدعاية الإسرائيلية، هي التي كانت وراء الاستحواذ على كثير من الأراضي في منتصف الخمسينات، ثم في منتصف الستينات داخل إسرائيل؛ وبعد 1967، في الأراضي المحتلة، كما كانت وراء المشروع الرسمي لتهويد الجليل.

 

التوسع الإسرائيلي:

يتزايد يوما عن يوم اعتماد الإديولوجية اليهودية، منطلقا للسياسة الفعلية الإسرائيلية، بدلا من محددات موضوعية وعقلانية. ومن منطلق هذه الإديولوجية، تعمل إسرائيل دائبة على توسيع أراضيها، مما يجعلها، باعتبارها دولة يهودية، تشكل خطرا على شعبها، وعلى جيرانها.

ولقد صرح بن غوريون الملحد، بهذا البعد الإديولوجي، بشكل واضح، سنة 1956، بعد ثلاثة أيام من اندلاع حرب السويس، عندما قال أمام الكنيست بأن الهدف الحقيقي من الحرب هو "إعادة إقامة مملكة داوود وسليمان في حدودها التوراتية".

وحسب الإديولوجية اليهودية، يجب أن تعود كل البلاد التي حكمها الملوك اليهود قبل ميلاد المسيح، أو التي وعد بها الرب اليهود، إلى إسرائيل بصفتها دولة يهودية. ولا ينحصر الإيمان بهذا المبدإ في "الصقور"، بل يشمل عددا كبيرا من يهود حزب الحمائم. ولا ينازع في مبدإ الحدود التوراتية إلا فئة قليلة من يهود الداخل أو الشتات، الذين يعترضون على فكرة الدولة اليهودية من الأساس.

هناك عدة صيغ للحدود التوراتية لأرض إسرائيل، التي يفترض أن تعود، بحق إلهي حسب التفسير الحاخامي، لدولة إسرائيل. وأوسع هذه الحدود، تضم البلاد التالية : سناء كلها وقسم من مصر السفلى، إلى ضواحي القاهرة، جنوبا؛ والأردن كلها، وجزء كبير من المملكة العربية السعودية، والكويت، والجنوب الغربي لنهر الفرات بالعراق، شرقا؛ وسوريا ولبنان وجزء كبير من تركيا، شمالا؛ وقبرص، غربا.

ويعتقد أتباع كهانا، وكثير من المنظمات المؤثرة، مثل غوش إيمونيم، بأن احتلال هذه الأراضي أمر إلهي، وبالتالي فإن النجاح في تحقيق هذا الهدف، مضمون. ولهذا يعتبر كثير من المتدينين أن إسرائيل قد ارتكبت خطيئة وطنية بإعادتها سيناء إلى لمصر، وأن فشلها في احتلال لبنان بين سنتي 1982 و 1985، ليس إلا عقابا من الله على ذلك.

وهذا ما جعل أرييل شارون يقترح بشكل واضح، خلال مؤتمر حزب المحافظين، في شهر مايو 1993، أن تقيم إسرائيل سياستها رسميا على فكرة الحدود التوراتية. ولم يلق إلا معارضة بسيطة ـ ولاعتبارات عملية ـ سواء داخل حزبه أم خارجه؛ بل ولم يطلب منه أحد، حتى تحديدا دقيقا لترسيم هذه الحدود التي يطالب إسرائيلَ بالوصل إليها.

 وبموازاة مع الاستراتيجية القائمة على مبادئ الإديولوجية الدينية، تطورت كذلك، منذ البداية، إستراتيجية شاملة تقوم على اعتبارات إستراتيجية وإمبريالية؛ ولقد عرض معالم هذه الاستراتيجية الجنرال شلومو كازيت، المسؤول السابق عن المخابرات العسكرية، بقوله :" لم تتغير الوظيفة الأساسية لإسرائيل منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ولا تزال إلى الآن حاسمة. إن الموقع الجغرافي لإسرائيل في قلب الشرق الأوسط، يرشحها لتقوم بدور الساهر على الاستقرار في البلاد المجاورة. ويتمثل دورها في حماية الأنظمة القائمة، والحيلولة دون اتساع التطرف، وإيقاف تمدد التعصب الأصولي والديني.

ويرى هذا الجنرال أن إسرائيل، بحمايتها لحكام الشرق الأوسط، تقدم خدمة حيوية للدول المصنعة المتقدمة، الحريصة على الاستقرار في المنطقة. "

غير أن الخط السياسي المعتمد من طرف بن غوريون أو شارون، استنادا إلى الإديولوجية الدينية، أخطر بكثير من الاستراتيجيات الامبريالية الصرفة، ولو بلغت هذه الأخيرة في جرمها ما بلغت. وذلك لأن المنحى الأول يعتبر رؤى الإديولوجية اليهودية، واجبات سياسية؛ ثم إن هذه الإديولوجية تستند بدورها إلى موقف اليهودية التاريخية من الأغيار. وهذه المواقف تؤثر حتما على كثير من اليهود، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه. ودور هذا الكتاب يتمثل في دراسة وتحليل حقيقة هذه اليهودية التاريخية.

لا شك أن تأثير الإديولوجية اليهودية على كثير من اليهود، سيزداد قوة كلما ظلت هذه الإديولوجية بعيدة عن النقاش العام. ونتمنى أن يدفع هذا النقاش إلى اتخاذ موقف من التعصب الوطني اليهودي والكراهية الواضحة التي يكنها اليهود لغيرهم، مماثل للموقف المتخذ من معاداة السامية، ومن أشكال العنصرية وكراهية الأجانب، والتعصب القومي.

 

طوبى منغلقة :

يعتبر دعاة الطوبى المسماة "الدولة اليهودية" التي تهدف إلى إقامة الحدود التوراتية، أكثر خطورة من الاستراتيجيين الكبار على شاكلة شلومو كازيت؛ وذلك لأن سياسة الفئة الأولى تحاط بهالة من القداسة الدينية. والأفظع، أنها تعتمد لهذا الأمر، مبادئ دينية معلمنة نظريا، غير أن مفعولها الديني لا زال حيا، وبشكل مطلق.

وتتمثل الصبغة المميزة للنظام الأفلاطوني المعتمد من طرف اليهودية، في خضوع كل السلوكيات الإنسانية لرقابة الديانة اليهودية وعقابها، والتي ليست في واقع الأمر، إلا وسيلة يسخرها الزعماء السياسيون لخدمة مصالحهم.

ـ يتبع ـ

ــــــــ

المصدر : الدار الإسلامية للإعلام

http://www.iid-alraid.com

----------------------

الكتب المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ