ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 30/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام والغرب.. صراع المشاريع

الحلقة السابعة:

فقهاء في ساحات الجهاد ضد الصليبيين

د. علي محمد الصلابي

تناولنا في الحلقة السابقة الصدمة التي أحدثها احتلال الصليبيين الفرنجة لبيت المقدس وأجزاء واسعة من الشام، حيث أيقظت صدمة سقوط القدس غفوة العديد من الفقهاء والقضاة والأمراء في بلاد الشام، كما تطرقنا بالتفصيل دور الفقيه الدمشقي علي بن طاهر بن جعفر القيسي السلمي، والذي تحول إلى واعظ ومحرض على الجهاد. وفي هذه الحلقة نتناول نماذج من مشاركة الفقهاء الفعلية في ساحات الجهاد خلال العهد السلجوقي.

- المشاركة الفعلية للفقهاء والقضاة في ساحات الجهاد:

إن من أبرز الأمثلة على مشاركة أولئك الفقهاء للعساكر النظامية في ساحات القتال للتعبير عن حالة الإيمان المثالية بالجهاد، والدفاع عن الأرض والنفس كانت حالة القاضي أبو محمد عبدالله بن منصور المعروف بابن صليحة قاضي حصن جبلة، الذي تولى إمارة وفقهاء ذلك الحصن بعد وفاة أبيه منصور عام 494ه/1100م وكـان ذا خبرة عسكرية جيـدة لأنه أحب الجندية واختار الجند فظهرت شهامته [1] .

وقد برزت مواهب ذلك الأمير القاضي عند محاصرة الفرنجة حصن جبلة للاستيلاء عليه عام [494ه/1100م] واستخدامه لما يسمى اليوم بالحرب النفسية أولا؛ وذلك عندما خطط بدهاء، لنشر الذعر بين صفوف قوات الفرنج، حيث أظهر أن السلطان بركياروق قد توجه إلى الشام [2] ، لمساعدته، مما أثار الفرنج، والقلق بين عسكر الفرنجة، ورحيلهم فيما بعد. وعندما أدرك الفرنجة حقيقة تلك الخدعة، عادوا فحاصروا المدينة مرة أخرى، ولكن كرر ذلك القاضي تلك الحيلة بصورة أخرى، ونشر بين صفوف الصليبيين: أن المصريين قد توجهوا لحربهم ومساعدته هذه المرة ولذلك تركوا محاصرة ذلك الحصن [3].

ويبدو أن الفرنجة لم يكن لديهم المعلومات الكافية عن حالة الحصن، ولا عن عدد قوات ذلك القاضي وإلا لما تركوا محاصرة ذلك الحصن في المرتين السابقتين، ولكن سرعان ما فطن الإفرنجة لتلك الحرب النفسية وأهدافها، فعادوا لمحاصرة الحصن للمرة الثالثة في شهر شعبان عام 494ه، إلا أن ذلك القاضي أدرك أن الفرنجة قد عرفوا أساليبه القديمة ولذلك لجأ إلى أسلوب جديد لمواجهة أولئك الفرنجة بأن : قرر مع النصارى الذين في الحصن، واتفق معهم على إرسال وفد منهم إلى الفرنجة للتفاهم حول تسليم الحصن وإرسال مجموعة من فرسانهم لاستلام الحصن، وأن : يبعثوا ثلاثمائة رجل من أعيانهم وشجعانهم، فوافق الفرنجة على ذلك ويبدو أن القاضي ابن صليحة قد نصب الكمين لهم [4] : فلم يزالوا يرقون في الحبال واحد بعد واحد وكلما صار عند ابن صليحة، وهو على السور رجل منهم قتله إلى أن قتلهم أجمعين، فلما أصبحوا رمى الرؤس إليهم [5]، ورغم ذلك لم يسترح الصليبيون للطعم والفخ الذي نصبه لهم قاضي جبلة، وتحقيق ذلك النجاح. ولذا قرروا أخذه منه بأية وسيلة، ونصبوا على البلد برج خشب، وهدموا أبراجاً من أبراجه. ولكن ما يملكه ذلك القاضي من الدهاء والحيلة جعله يفطن لذلك الخطر المحدق به، حيث لم يركن للهدوء والاستسلام، وإنما بادر إلى وضع خطة ذكية على غرار تلك الخطط الناجحة التي كبدت ذلك الغزو الخسائر والفشل أكثر من مرة.

ولذلك عمل هذه المرة على استدراج الصليبيين إلى كمين آخر وضعه لهم بخطة محكمة حيث أحدث ثقوبا في أسوار المدينة. ويبدو أنه كان السور الخلفي، وذلك لتسهيل مهمة خروج مجموعة من جيشه ونقب في السور نقباً [6] ، وعندما خرج القاضي ابن صليحة وجيشه من الأبواب لقتالهم تظاهر بالهزيمة أمامهم. بحيث انطوت الحيلة على أولئك الغزاة الذين لهم يفطنوا لها، وبادروا إلى مطاردته حتى أبواب المدينة في الوقت الذي استغل فيه جنده الفرصة في الخروج من تلك الثقوب، والتفوا من حوله، فأتوا الفرنج من ظهورهم فولوا منهزمين [7] .

إن القاضي ابن صليحة لابد له وأن أطلع على فنون الحرب، وبعض الأساليب العسكرية الإسلامية، فأسلوب الحرب النفسية ليس جديدا على التراث العسكري الإسلامي، إذ استخدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك الأسلوب في غزوة الخندق من العام الخامس للهجرة عندما حفر الخندق وهزم جيوش الأحزاب، وكذلك معركة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة عندما حول القائد خالد بن الوليد المعركة من الهزيمة إلى النصر على الروم وذلك باستخدامه الحرب النفسية عن طريق تكثيف الغبار بفرسانه حتى ظن أولئك الروم بوصول الإمدادات إلى المسلمين فولوا منهزمين، وانسحب الجيش الإسلامي من أرض المعركة دون أية خسائر أخرى، وقد طبق خالد بن الوليد تلك الحرب النفسية في العديد من المعارك الأخرى، ومن بينها معركة اليرموك عام 13ه عندما عمل على تقسيم قواته، بحيث جعل الميمنة ميسرة والخلف إلى الأمام وبهذا الأسلوب العسـكري التكتيـكي أرهـب جيوش الروم الكبيرة العدد وأوقع بهم الهزائم [8] .

- تحريض الفقهاء والقضاة على القتال في ساحات المعارك:

تبرز شخصية القاضي أبو الفضل بن الخشاب قاضي حلب المعروف في هذا المجال، فعندما اشتد الحصار الصليبي على حلب عام 513ه/1119م] أقبل القاضي ابن الخشاب يحرض الناس على القتال وهو راكب على حجر وبيده رمح حيث ألقى فيهم خطبة بليغة، استنهض بها همهم وألهب مشاعرهم، فأبكى الناس وعظم في أعينهم، حتى أقدموا على قتال الغزاة، [9] ورغم تمكن الحلبيين من تخليص مدينتهم في ذلك العام لم يتردد الصليبيون من محاولة أخرى لأخذ حلب عام 518ه/1124م وذلك عندما قاموا بتخريب كل القرى المجاورة لحلب، حتى لا يقدموا المساعدة لمدينة حلب ونزل الفرنج حران ثم حلب من ناحية مشهد الجف من الشمال، وكان للقاضي ابن الخشاب دورا في التحريض على قتال ذلك الغزو، بل كان له دورا في تحريض الأمير أقسنقر البرسقي أمير الموصل وسيأتي بيان ذلك بإذن الله عند الحديث عن دور أمراء السلاجقة في الموصل ودمشق وغيرها في صد هجمات الصليبيين.

يتبع بمشيئة الله تعالى..

ـــــــــــ

 (1) الكامل في التاريخ نقلاً عن موقف فقهاء الشام.

 (2) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 120.

 (3) الكامل في التاريخ نقلاً عن موقف فقهاء الشام ص 120.

 (4) موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 120.

 (5) المصدر نفسه ص 121.

 (6) المصدر نفسه ص 121.

 (7) الكامل التاريخ (8/425).

 (8) موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 122.

 (9) المصدر نفسه ص 129.

ـــــــــ

المصدر : إسلام أون لاين

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ