ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 21/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ظواهر الفوضى والعنف

واشكالية التخلف في المجتمع الفلسطيني

 ومجتمعات المشرق العربي

دراسة حالة فينومينولوجية ونفس اجتماع  

(3)


بقلم : علي نجم الدين

الفصل الثالث

مفهوم الزمن وعلاقته بالفوضى والتخلف الاجتماعي

1:3 – التخلف الاجتماعي وعلاقته بالفوضى : -

 

إن اعترافنا بالآخر -كشرط لحصولنا على إنسانيتنا - هو اعتراف الأخر بنا كقيمة إنسانية تتضمن المساواة والعدالة والاحترام ، ولما كان التخلف مبنيا من تراكم انبنائي تاريخي بسبب الحالة الذهنية العربية من جهة ، وهذا ما يؤكده سليمان العسكري في مقالته حول اسباب التخلف واننا بحاجة الى معجزة ، فهو لا يعزو اسباب التخلف الى " التركة الاستعمارية او الى اسرائيل او لقلة الموارد المتاحة وهجرة العقول "  ( العربي ، العدد/ 470 ) ... بل من القهر والتسلط والعنف والإذلال من قبل الأب والسيد والحاكم تجاه الإنسان ( الفرد ) ، وخنق كل انتفاضة له في سبيل وقف التسلط والاستبداد واستمرار التبخيس ( Depreciation ) في الحط من قيمة نفسه او من قيمة الأخر في حقه بالحياة ، مما ادى الى تبرير العدوانية المشوبة بالقلق وانعدام الأمن من جهة اخرى ، ولهذا فان التخلف الاجتماعي ( Social Underdevelopment or Lag ) يعني العجز والفشل والقصور في تبني أنماط  جديدة من الفكر والسلوك ، والذي يقود المجتمع إلى وضع افضل من حيث استغلال الإمكانيات والموارد المادية والمعنوية والسياسية والإنتاجية والعلمية والتكنولوجية وعدم توفير الرفاهية للمواطن ، ويمكن إجماله بأنه .. وراثة الأمراض والعلل الاجتماعية ..(معن خليل عمر ، 1999 ، ص/22)  ... ويقول محمد الرميحي في مقال له بعنوان (متى تنتهي حيرتنا العقلية وتبدأ معجزتنا الاقتصادية… ؟ ) .. لماذا تقدّموا هم وتأخرنا نحن … فالعربي ما زال يواصل التردّي منذ عقود … ورغم تشخيصنا لأسباب التخلف… إلا أن المسألة تبدو متعلقة بالذهنية العربية وهي حالة مزمنة لا علاج لها…إننا بحاجة إلى معجزة… (عقلية)…لأن التقدم يأتي أولا من خلال تلافيف العقل قبل أن يأتي من نقل التقنيات واستيراد أدوات التقدم " (الرميحي ، 1998 ، ص / 18)  وهذا ما يؤكده ايضا سليمان العسكري في مقالته في ( العربي ، العدد / 537) . حول فوضى استخدامنا لمنتجات الثورة التكنولوجية والتي تتمثل بالهواتف الجوالة والحواسب الآلية والمحمولة والمحطات الفضائية والاقمار الصناعية التي امتلكناها ... فلم نحصل من البائع على الكاتلوج الاخلاقي والعلمي الذي ينظم حياتنا .. في صحراء العقل " ...العربي- التشديد من عندنا -   

 

إن الفرد العربي يسعى باتباع كافة السبل للحصول على الحد الأدنى لمتطلباته بأتباع أسلوب فوضوي يبدأ من البيت ويمر بالمدرسة وينتهي بمجتمعه ، حيث يتصرف ضمن سلسلة من الحلقات التي لا تنتهي ، الأمر الذي يخلق واقع ينتظم في .. أنماط ثلاثة تتمثل في الرضوخ والتمرد ثم الثورة ، وهذه الأنماط تخلق في النهاية صورة إعجاب بالسيد المستبد المتفوق أمام استكانته وإذلاله ..( حجازي، 1998 ، ص / 38 ) ...وهذا ما اشرنا اليه خاصة في الفصلين الثاني والخامس .

 

إن ( مظاهر ) ومقاييس التخلف الاجتماعي ( نسبيا وذاتيا ) تختلف من مجتمع لأخر ، فهي متعددة ومتنوعة ، فمنها ضيق الولاءات وتأصل الفردية والعشائرية والنفاق الاجتماعي – Social Flattery والاستمتاع المادي (الاستهلاك – Consumption ) الذي يعكس أثر الاستعراض (الادلال- Demostration ) ، وعدم استثمار الوقت وتفشي الأمية وانخفاض مستوى الدخل الفردي وانتشار الفقر ، بالإضافة للتخلف التقني ، ويعدد حليم بركات ومعن خليل عمر اكثر من( 18 ) مظهرا للتخلف ( معن خليل عمر ، 1998، ص/224-230) فهناك ..الفجوة بين المستوى المادي للعالم الأول ونفسه للعالم الثالث … فهي بازدياد من حيث مستوى الدخل والمعيشة ، وكذلك التقدم الاقتصادي …لا يكون موزعاً بالتساوي عند العالم الثالث… بالإضافة إلى اعتماده على العالم الأول في … تأمين المواد الهامة في الصناعة (التبعية )… ثم إن العالم الأول أقوى بكثير في المجال العسكري والاقتصادي والتكنولوجي والعلمي .. (عبوشي،1980، ص 12- 14 ) ...اذن اسباب التخلف متعددة ومتنوعة منها التخلف المجتمعي والعلمي والاخلاقي وكلها مرتبطة ببعضها البعض ، ولا تقتصر على سبب من الاسباب التي ذكرناها ولكن محمد جابر الانصاري اجملها لنا بعدة انواع وربط تأثيرها في مقالة له في ( العربي ، العدد /514 ) حيث يقول .. ان التخلف المجتمعي يؤدي الى تخلف العمل السياسي وتقليص القدرة الانتاجية ، والتخلف الذهني يؤدي الى تخلف الفكر والثقافة والابداع العلمي ، والتخلف الاخلاقي يؤدي الى تخلف المسلكيات في التعامل العام والقيم المدنية ..  وهذا ما اكدناه في الفصلين الاول والثاني حول تأثير تخلف البنى الاجتماعية التقليدية ونمطها العشائري- القطيعي في الاطر الاجتماعية بسبب تكلس البنية الذهنية( Mental Petrifaction  ) في الاطار العام ، وتغييب دور العقل وخاصة عند بعض النخب المثقفة ( التي تلقت علومها في الخارج المتقدم والمنفتح والمتحضر ) حيث يصابون بأزدواج الشخصية ويعانون بما يسمى (بالاغتراب - Alienation ) عن مجتمعاتهم .. مما ينتج اخلاقيات خارجية وداخلية متناقضة... ( نفس المصدر السابق ) .

 

نلاحظ أن المقارنة في المقاييس بين العالمين هي مقاييس مادية واقتصادية نوعاً ما ، لكن ما هي المقاييس العلمية –Criterion  Scientific... ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تأتي في سياق إظهار الفروق بالمقاييس العلمية ونسب المتعلمين من المجموع الكلي للسكان ( الذين يعرفون القراءة والكتابة ولنأخذ أربع دول عربية كمثال ) .. فنسبة المتعلمين في سوريا ومصر والجزائر والعراق والتي لم تتعد 53% ، 44% ، 35% ، 26%على التوالي عام 1979 ، بالإضافة إلى أن الناتج الإجمالي للفرد الواحد لنفس الأقطار كانت على التوالي   910$ ، 320$ ، 1110$ ، 1550 $ .. (غسان سلامة وآخرون ، ج2 ، 1989 ، ص/682 )  .... والادهى من ذلك ان ما ورد في  تقرير التنمية الانسانية العربية لعام  / 2003 يفقدنا صوابنا فمعطياته اقل ، بل واسوء من النسب المذكورة اعلاه .

 

وهناك مقاييس أخرى سنوردها في سياق البحث بعد استعراض السمات والظواهر المصاحبة للتخلف الاجتماعي في المجتمع ونجملها من حيث .. إن المجتمع العربي يعيد إنتاج نفسه وهو غير متحرك ومعاد للتجديد …(ومقطّع )… ليس فيه انسجام وغير متسامح ، وخاصة فيما يتعلق بالاستقلالية مثلا .. وهو ظلامي وخاضع للوصاية واقتصاده كذلك خاضع للهيمنة ، ويتصف بالهشاشة من حيث الرعاية الصحية والنظافة العامة ، وذو معدلات ولادة عالية ويتمتع بفروقات حادة وصارخة في مستويات الثراء والفقر ، وهو مجتمع تشنّجي في حال التصادم مع السلطة .. ( محمد الرميحي ، 1998 ، ص/ 24 ) .

 

وبما أننا استعرضنا ولو بإيجاز ابرز سمات المجتمع المتخلف ، لنرى ( ولنستعرض ) إنسان هذا المجتمع … فطبيعي أن الإنسان المتخلف هو وليد البيئة (المحيط) الاجتماعية المتخلفة ..ولكنه ليس مجرد أمر مادي قابل للتغير تلقائيا (كيف…؟) …لأنه نشأ تبعا لبنيته الاجتماعية فانه يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها ويعززها ويدعم استقرارها ( ويرسّخها )- التشديد من عندنا- بمقاومة تغييرها بسبب ارتباطها ببنيته النفسية والذهنية ( والمصلحية ) .. التشديد من عندنا (حجازي ، 1998 ، ص / 9 ) … لكنه في لحظة تاريخية ما سوف يصبح في وضعية مأزقية- Critical Point - خاصة في سلوكه وقيمه وتوجهاته ومواقفه خاصة عند مجابهة بيئته من جهة ، وعدم السيطرة على قيمه وسلوكه وتوجهاته ونزعاته بشكل يحفظ له التوازن النفسي من جهة أخرى ( لكنه) التشديد من عندنا يعيش في مأزق … جراء تعجّنه (ومأسسته) ضمن تشكيل سلوكي يشخّص الانكفاء نحو الذات ومتداخل مع نزوع مستنبط ومحافظ ، ذي قدرة وسمات عقلية – ذهنية محدودة ومغلقة…تتناسب مع الفعل الاجتماعي التعبيري الذي يتصف (بالعضلي)…لأنه أساسا جعل سلوكه وتوجهاته وقيمه نابعة من وضعية القهر والغبن المفروض عليه ... ( من الطبيعة والمجتمع والسلطة )... التي رضخ لها ، وبالتالي حينما يشعر بمأزقه فأنه يصل لحالة التمرد... ( والعصيان ) ... لشعوره بانعدام الأمن…(لربما)…ولكن ماذا سيحل بمصالحه وحاجاته ساعتئذ …؟ مقابل استمراريتها... ( ونعني مصالحه )…؟ حتما سيتجه إلى …الثورة التي لا مفر منها ، وبالتالي سيكون العنف هو ديدنه والذي يعتبر المحرك الأساسي للتخلف الاجتماعي كناتج ، وهو بالتالي المحدد للعلاقات… (الساكنة)…ظاهريا .. (المصدر السابق ، ص / 10- 11 ) .

 

من هنا نعي أسباب سقوط الفرد العربي فريسة للتخلف وتنازعه الدائم بين حاجاته وبيئته الاجتماعية ، لكن هل هي قابعة في الاستعداد الفطري للبشر …؟ أم هي محض قضية ثقافية وتربوية وذهنية …؟ إنها الذهنية  .

 

إن ذلك يجّسده الفرد العربي عندما يكون عاملا فنراه كسولا ، يتحامل على العمل … انه ينتقم من أسياده بطرق خفية أو رمزية ، فنراه فوضويا متمارضا مهملا بطيئا عند قدومه للعمل ، لا يحسب حسابا للوقت ولا يبذل الجهد المطلوب للنجاح ، على اعتبار ان ذلك بنظره ( شطارة وفهلوة ) فهي انعكاس لتداخل العلاقات الاولية بالرسمية ، وكذلك عند البيع والشراء الذي يكتسب صفة القنص والسلب والهروب ، وهذا ما اكده العلامة ابن خلدون قبل سبعة قرون .

 

إن ما حدانا لإيراد هذا المثل هو للولوج في محور نشوء وظهور التخلف ( كآلية ) كيف ...؟

إن التخلف يحدث ..اضطرابات سلوكية وأمراض اجتماعية تتحدد في التوجه المادي للحياة…(والإنسان يتصف بالأنانية والاستغلال والمخادعة والمسايرة الزائدة ، والأتكالية والتمردية والعداوة والشعور بالنقص والانعزال الانفعالي والتعصب)… بالإضافة إلى المعوقات النفسية والتنظيمية والتقنية والاجتماعية والأول (المعوقات النفسية ) أخطرها ، لأنها خفية والثانية تشمل الاتصال بالمجتمع وتتعلق بالعلاقات الشخصية... أما الاثنتان الأخريتان فيعدان ثانويتان " ( شكور ، 1998 ، ص/ 103 109 ) .

إن النمط الاجتماعي الراهن للمجتمع العربي .. هو نمط هجين … ولم يستقر بعد ، مما ولّد الاختلال والازدواجية بين الواقع المتخلف والمستقبل المثالي … والغريب انهما متعايشان الأضداد تتلاحق فيهما العقلية والخرافية والغيبية واللاتجانسية .. (زيعور ، 1987، ص/ 79) .

 

لنأخذ الإنسان العربي في مرحلة القهر والرضوخ التي تتميز .. باستحالة التخلص منها لما تحويه من جمود وتخلف وانحطاط ، وتظهر عقد النقص والعار … العار الذي يكشف بؤسه وعجزه ويشكّل فضيحة بالنسبة له وخاصة ما يمس الشرف والكرامة والعزة…( وهكذا يتصور )… مع انه في الحقيقة...يعاني من خواء مرضي داخلي وفوضى ، وما الكرامة والشرف إلا قشرته الخارجية التي يحاول أن يتجّمل بها أمام الناس خوفا من كلامهم وحرصا على سمعته ، وخير مثال على ذلك المرأة ( الحرمة) على اعتبار أنها من المحرّمات وممنوع الاقتراب منها ، أنها صمته لستر عاره .. (المصدر السابق ، ص/ 88 ) 0

 

ورغم اهمية دور العلم ومساهمته في تطور البنى الاجتماعية إلا أن العمل سبقه وكسر البنى المحافظة خاصة في المجتمع الريفي والبدوي الراكد ، كانتقال المرأة إلى نوع جديد من العمل  (وخاصة في المستوطنات الاسرائيلية ) فارتفع دورها وتحسنّت مكانتها ، وبرزت أعراف وقيم جديدة … فبعد أن ( ذاق ) أبيها اوزوجها (طعم النعمة ) وتحسّنت أحوالهما المادية ، الأمر الذي جعله يبقيها في عملها…وهي بدورها أجبرته على القبول بمنحها بعض الحرية والخروج وحرية اللباس ... ولكن أمام عقدة العار أين يذهب كل ذلك… أمام الجرح النرجسيالمرتبط بالجنس ..(زيعور، 1987 ، ص/ 71 ) و( شكور ، 1998 ، ص/42 ) ...

 

بالإضافة إلى ذلك فهناك اضطراب الديمومة وهو العجز عن التحكم في المصير والزمن ، فآلام الماضي تؤثر في الحاضر ، وتجعل المستقبل اشد قلقا ويقع الفرد العربي أسير الاجترار السوداوي – الاكتئابي ( Melancholia Ruminatiom ) وهو مرض عقلي يدفع الفرد الى ادانة نفسه بسبب مآسيه ، من هنا نرى أن الطابع الغالب على حياته هو طابع الحزن وخاصة في الأغاني ( كالطابع العراقي ) مثلا ، ولهذا فان أمتع لحظات الإنسان العربي هو حضوره لفيلم هندي طويل لإفراغ ( وتنفيس وتصريف) ما بداخله من أحزان ومعاناة ، فيخرج بعد انتهاء الفيلم وكأنه إنسان جديد ، أما مرحلة الاضطهاد ( Persection ) فتكون نفسية الفرد قد بلغت حدا من التوتر والانفعال والغليان ، لذا فانه يسقطها على الغير ... وأخيرا مرحلة التمرد والثورة ( Mutiny & Commotion ) وهي مرحلة العنف الذي يخدم الفرد المضطهد للتخلص من سموم القهر والاستغلال والنقص كالانتفاضة مثلا عام 1987 ردا على سياسة الاحتلال الاسرائيلي المذلة ، والدليل على ذلك ان الانتفاضة جاءت للتخلص والتخفيف من سموم القهر والاستغلال وعقد النقص ، لان العمال الفلسطينيين استمروا بالعمل بل وازدادت اعدادهم خلال فترة الانتفاضة من جهة ، وفي ظل انعدام الإمكانيات المتاحة للهروب والنجاة من وطأة التعسف والظلم ومحاولة تقليد القائد أو الزعيم في مواقع البطولة من جهة اخرى .. حيث ستصبح شخصية الفرد العربي لاحقا صورة طبق الأصل لديكتاتورية سيده حيث يمارس استعلائه وغروره وتعسفه ، فيحدث الانشطار بين مختلف القطاعات الحياتية والشخصية .. (حجازي ، 1998 ، ص/ 52 ) ...( وهذا ما لمسناه خلال فترة الانتفاضة الاولى عام 1987 ، وحاليا بعد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية ولحد الآن ، إلا أن انتفاضة الأقصى عام/ 2000 تداركت الموقف) الا ان الانتفاضة الثانية ايضا وقعت بنفس ظروف واسباب الاولى .

 

أما الطبقية والفوضى التي يعانيها ( المجتمع ) فسببها .. التحول عن قيم المساواة والحكم البيروقراطي العسكري المركزي وتوسع التجارة ونشوء المدن وتداخلها…( الطبقية)… مع الانتماءات الطائفية وتلاحم علماء الدين مع الملاك والحكام ..  (بركات ، 1996، ص /132) .

2:3- التخلف في استغلال الزمن والنظرة للحياة :-

 

إن عدم استثمار واستغلال الزمن ( Exploitation Time) في حياة المجتمع العربي يعني عجز الفرد والمجتمع عن التحكم بمصيره واضطراب ديمومته ( بمعنى أن الزمن جدلي وليس تسلسلي ) ، على اعتبار كما أسلفنا أن الماضي يحدد الحاضر ، والحاضر والمستقبل يمنحان الإنسان القدرة على استشراف المستقبل والذي بدوره يؤثر على تجربتنا الحاضرة .. لذا فالأبعاد الثلاثة مترابطة مع بعضها البعض وكل منهما يحّدد البعدين الباقيين ويتحدّد بهما معا ، الأمر الذي يجعلنا نعيش الزمن كوحدة واحدة كلية .. (زيعور ، 1987 ، ص/ 44) .

 

وعليه فالإنسان العربي المتخلف والمقهور يعيش في دوامة الفوضى واللامبالاة أيضا كسلسلة لا متناهية ، ويعاني من أشكال مختلفة من القسوة والقمع والكبت والتسلّط في ماضيه  ، وحاضره أيضا متأزم وآفاق مستقبله مظلمة ومجهولة ، مما يشعره بالعجز وانعدام الشعور بالأمن والأمان وفقدان الإحساس في السيطرة على يومه وغده ، فهّمه الوحيد أن يعيش ليومه ويحصل على قوته بشتى الوسائل ( ويكتفي بعيشة الكفافDay Bread -  ) فلا يدري ماذا يحمل له الغد..؟ هل يعمل .. وهل يضمن رزقه .. وماذا لو مرض أو مات ..؟ فهو مصاب بالعمى المطبق أو ما يطلق عليه بنزوة الحياة – Life Instinct التي تولّد نزوة السطوة ( السعار ) من جهة ونزوة الموت -  Death  Instinc وتعني الفناء والتدمير وهما في صراع  دائم ،  لذا فالإنسان العربي المتخلف والمقهور يعيش في دوامة الفوضى والقهر ، ونظرته للحياة كلها هواجس وتشاؤم وإحباط ويأس وقلق متواصل وشرود مستمر ، لذا نراه متوترا  فاغرا فاههه يسير بشكل غير متزن وهائم متحفز ولا ينظر إلى ساعته ، وان نظر فهو يود لو تنقضي الساعات بسرعة ليرى ماذا سيحدث له غدا عله يهدأ من قلقه وانفعاله ، ولا يدري أن غده كسابقه وهكذا نراه أحيانا يطلب السلامة ، ويهوى بشغف قراءة الأبراج والكف وكشف الطالع والفنجان ، وان طال يومه فهو يقطّعه بالثرثرة والغيبة ، تماما كما نلاحظ أغلب الصائمين - Fastings في شهر رمضان حيث تنفرج أساريرهم عند طعام الإفطار ويتوقفوا عن الثرثرة والنميمة .

 

إن الديانات السماوية وخاصة الإسلام قد حض على التقيد بالمواعيد والعهود وخاصة مواقيت الصلاة والحج والزكاة والصوم ، أي أن أركان الإسلام لها ارتباط وثيق وهادف بالزمن لحكمة ، وهي أن حياة الإنسان وزمنه وبقائه غير مضمون ، فجعل الله له مواعيد معينة في العام أو في السنة الواحدة كمواقيت محددة تقبل فيها عبادته ، كالحج والصوم والزكاة مرة كل عام ، والصلاة خمس مرات في اليوم والشهادتين في كل لحظة ، إذن هناك برنامج زمني مرتبط بسنين وبعمر الإنسان وحياته ، إذن الإنسان مخلوق زمني لكنه منتهي ، وخالقه غير منتهي ولا متناهي ، لهذا فالزمان أو الزمن أيضا مرتبط بالخالق الواحد الاحد الذي لا حد له ولا انتهاء ، ومن هنا يأتي عدم احترامنا للمواعيد فنقول دائما ( إن شاء الله) لكن مشيئة الله لا متناهيه ، ولا نعلم كنهها ولأننا عاجزين عن ذلك فأننا نبرر نكثنا بوعودنا ونقول بان الله لم يشأ ، والحقيقة ان الله شاء ويشاء في كل حين ، ولكن الانسان هو الذي لا يشاء فيلصق نكثه بوعده ( بالله عز وجل ) بل ويكذب ويدعي انه قد حدث له مكروه أو حادث منعه من الوفاء بالوعد وطبعا هو كاذب .. كما يقول ( الكواكبي ، طبائع الاستبداد ، ص/ 96 ) " ... تموهون عن جهلكم الاسباب بقضاء الله وتدفعون عار المسببات بعطفها على القدر ، لا والله ما هذا شأن البشر "…!

 

ومن شروط الإيمان ايضا ، الإيمان بالغيب ولكن حب الحياة والتمسك بالحياة الدنيا هو الطاغي قال تعالى : "ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما تعلمون " سورة البقرة ، الآية /96 . إننا نتصف بالقدرية والاستسلام والتواكل والتهرب وعدم تحمل المسؤولية مخالفين الحديث النبوي (اعقل وتوكل) .

 

إن ذلك له علاقة بوجودنا على الأرض ونظن بأننا مركز العالم – Centrality ولا نعلم بان الإنسان الغربي مختلف عنا بـ180درجه من حيث النظرة والمفاهيم والهدف الذي يحققه كل منا في حياته .. فنحن أصحاب نظرة سوداوية مشبعين بالحسد والغيرة ولا نحب النعمة بيد الغير، متشائمين بائسين ومحبطين عدوانيين وفوضويين ، أما ذاك الغربي… ولو انه يشعر بخواء عاطفي وجامد الحس وغير اجتماعي… فهو متقدم ومتطور ومتعلم وهادئ وجريء وصريح وغير شخصي ومستقل ومتفائل ، نحن وسيلتنا الغيبيات والروحانيات والتمني والحظ والشعوذة… وحفلات الزار والدخان الأزرق والأبيض (المخدرات)…والمال والجنس ، والثاني ... وسيلته العلم والعقل والواقع والتقدم التكنولوجي والجهد المبذول وعدم إضاعة الوقت والجد والنجاح وتحقيق مصلحته وسعادته .. ( قباني ، 1992 ، زيعور ، 1987، عبوشي ، 1980 ، شرابي ، 1991) .

 

إننا نحب الحياة بشدة… وهذا ليس خطأ ولكننا نحبها كما عاشها قارون غير قنوعين ، يقتلنا الجشع ، وكذلك ننافق على الله ولا نحب الآخرة لاننا لم نراها بعد ولاننا سنصلها عندما نموت لكننا نكره الموت ، والدليل قال تعالى : "ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما تعلمون " سورة البقرة ، الآية /96 ...لكننا نطمع بالجنة والخلود ، لنشبع نهمنا من الخيرات والثروات والحور العين ، لأننا سنفتقد متع ونعم الحياة عندما يداهمنا الموت ويحرمنا من تحقيق أطماعنا ، ولهذا فأننا نكره الموت وكأن الدنيا لنا وحدنا ، لننظر مثلا إلى ذلك الإنسان المسلم الذي يشرب الخمر والذي يتظاهر بالصلاة يوم الجمعة فقط...لماذا....؟ خجلا من الناس ، وخوفا من أن لا يصلى عليه عند موته ، فهذا الإنسان وموته متعلق بالناس والعيب ولا يتعلق بحريته وعقله وقناعته وايمانه ،  ولا يتعلق حتى بمخافة الله ، حتى الجلوس في المقاهي لفترات طويلة بين الثرثرة ولعب الزهر أو الورق إن الهدف الأساسي للجلوس على المقاهي هو لقضاء الوقت وقتله- Time Killer او لمواعدة صديق منعا من حضوره إلى البيت ...لماذا ...؟ لئلا يفترس المرأة أو البنت ، يعني هاجسه الجنس فيفضل مواعدته على المقهى ، ناهيك عن النميمة والنظر إلى سيقان النساء وقفاهن ...إن المقهى أداة تفريغ وتنفيس .. لما يعتري نفسية الإنسان العربي من أمراض وعقد وكبت وخوف ونكوص واجترار سوداوي وتشّفي من الذات المتوترة ..(زيعور،1987، ص/ 106)  إن الحياة في نظر العربي هي غاية وليست وسيلة ، فهو يرجو منها الصحة والمال والجنس والنفوذ ، لكنها بعيدة عن أسس المادية وغارقة بالروحانيات ، فلا توازن ولا عصرية والتي من شانها أن تخلق " مدرحية " (عبوشي، 1980 ، ص/ 115 ) ...اي ان يكون روحانيا وماديا .

 

إن الأمثلة على ما سبق كثيرة ولنأخذ مثلا ظاهرة التسكع والتجمهر على مفترقات الشوارع أو المنعطفات أو في الحدائق العامة أو أمام محلات بيع الأشرطة والأغاني ومحلات بيع الملابس النسائية ، فالناظر لنوعية المتسكعين يلاحظ انهم من فئة عمريه متشابهة ( قطعان مراهقين وبالغين بل وكبار سن – Herd-Rout ) ذوي تصرفات وسلوكيات قطيعية ، كالألفاظ التي يسمعونها للفتاة مثل " شو هالطعجة يا نعجة " و " يا ريتني صدرية أو بلوزة أو قميص على صدرك " و "يا ريتني بنطلون أو فيزون أو … كندرة تلبسيني "…والغريب أن لدى هذه الفئة القطيعية قدرة واستمرارية للوقوف ساعات طويلة يقضونها في هذه الأماكن ، ولا يحتملون قضاء ساعتين أو ثلاثة في مدارسهم أو في أماكن عملهم أو حتى في مواقفهم الجدية ، فليس لهم إلا التسكع والتعليق الساقط والبذيء على الناس .. لا شغله لهم ولا مشغلة …إلا التحرش بالفتيات …وقلة الحياء والزعرنة …ناهيك عن شذوذهم العضوي أو الجنسي  ومظهرهم وسلوكهم المنفّر … كاغتصاب الأخت أو ابنة الأخت أو الأخ أو زوجة الأخ .. ( البيادر السياسي ، 29/8/1998،العدد / 710، ص/39) .

 

وهناك ظواهر السير والوقوف على الأرصفة كالقطعان ومسالة البيع والشراء ، فهي بحد ذاتها الطريقة المخزية للعربي في قضاء وقت طويل يتذلل ويتوسل ويبخس التاجر ويفاصل في السعر ويكذب أحدهما على الأخر ، فقط في محاولة لسلب كل منهما الأخر قدر ما يستطيع من الثمن ، هذا بالتمسك بالثمن وذاك بتوفير قدر الإمكان من السرقة ، وكذلك الاستهتار بعدم الاصطفاف حسب الدور أمام دور السينما أو المسرح أو موقف السيارات أو حتى في المدارس ، وان صادف وارشدت احدهم ليقف بالصف او بالدور وخاصة في البنوك ، ينظر اليك شزرا ويظل صامتا او يسمعك الفاظا نابية .. لنسأل القارئ : هل اخطأت عندما ترشده ليلتزم بالقانون والانتظام كالبقية ...؟ ثم لماذا غضب منك وكأنك اسأت اليه...لكن لنفترض ان احدا اخر قال له : دبّر حالك وانت وشطارتك ، فبماذا سيجيبه ...؟ حتما بالشكر والامتنان بل وبالابتسام ...بل وسيصبحون اصدقاء بل وسيتفاخرون امام الآخرين كيف تصادقوا ...واين .....؟

 

انت ارشدته ليلتزم بالدور والنظام فأحرج ورد فعله انه غضب منك ، والآخر شجعه على الفوضى فشكر وابتسم ...ماذا يعني ذلك ....؟ .. إن حياته كلها استلاب يعيشها ويطبّقها على الآخرين .. (زيعور ، 1987 ، ص/115 ) ...هذه ظاهرة من ظواهر الفوضى في مجتمعاتنا العربية وقس على الباقي ...والجواب ستجده عزيزي القارئ في الصفحات التالية مباشرة .

 

 

3:3 - أسباب إهدار الوقت والنظرة للحياة والموت (القضاء والقدر- Fate-Destiny) :-

 

إن من ابرز ملامح التخلف الأساسية في المجتمع العربي هي التنميط الذهني والفوضى والعشوائية وسوء التخطيط والارتجال ونمط التفكير ، حيث يكون من نتائجها ما يسمى .. برد الفعل الحرج .. (حجازي ، 1998 ، ص/ 440 ) الذي يتسم بالخضوع والاستسلام- Servility - Submission من جهة ، والاستعلاء والتفوق والاستعراض  Demonstration- Superiority من جهة أخرى ، نتيجة بروز مزاج نفاجي ( وتضخم ذاتي واستنفاخ وتخريف) نحو التعويضية بالتقليد والسلوك المدفوع بالعصبية والجهل ، والممزوج بانشطار بين واقع الحياة والحياة الشخصية التي تتصف بصعوبة السيطرة الذهنية والعجز عن تحليل الواقع ، وهذا طبيعي في ظل بيئة اجتماعية متخلفة لا تعي أهمية السنين والزمن في حياتها ، وخاصة إذا كانت محكومة بالتقاليد وسيطرة الطبيعة والتاريخ ، ناهيك عن الخصاء الفكري – Mental Castration والفقر الاقتصادي وانخفاض مستوى المعيشة وسوء توزيع الإنتاج والدخل ، فيلجأ الفرد حينها إلى الصبر والتمني والتخيل لإشباع خيالاته وحاجاته بالأحلام ، وينم ذلك عن ضعف عقلي وعدم القدرة على التركيز والاستيعاب وعدم السيطرة على الفكر ، على عكس الإنسان الغربي الذي يقتحم المستقبل ويتحكم بالوقت ويعطيه قيمته ويعيش حاضره بما فيه من سعادة ، وحتى الهموم لا تخطر بباله ، بينما العربي يعيش الهموم بيومه آملا في غيره وحامل لهمومه .. دون الالتزام بالزمن .. (دويري ، 1997، ص/ 30 ) .

 

فالأمريكيين رغم ما وصلوا اليه من تقدم وعلم وتكنولوجيا مثلا وفي ظروف الكفاح المتواصل مع الطبيعة والسباق اللاهث مع المتنافسين ومع الزمن ..  لم يكن لديهم متسع من الوقت لصوغ ووضع الأفكار أو الأشعار أو الإسراف في الحديث أو إضاعة الفرص أو قتل الوقت والدخول في تجارب غير نافعة ، لقد كان الوقت عند الأمريكي هو المال وقد يكون هو العمر وبذلك كانت اللحظة عنده هي الأساس ، والهدف لم يكن مرتبطا بالماضي ولم يكن مشدودا إلى المستقبل إلا بقدر ضئيل .. ( محمد سعيد العشماوي ، 1998، ص/40 ) اما الانسان العربي فعكس ذلك تماما ، فلا غرابة انه تابع لأمريكا .

 

ومن ابرز ملامح المجتمع العربي الانكفاء على الذات - Retroversion  كوسيلة دفاعية في مجابهة تحديات الحاضر والمستقبل ، فالماضي عنده أمر مفروغ منه لا يحمل همه ، لذا فهو يفضّله ويتعمّق في التفكير به ويجّسده في خيالاته وأحلامه ، وان اصطدم بالحاضر فهو يلجأ إلى العصبية (القبلية) كضمانة للغد ويدخل في متاهات .. العدم والزهد والتسليم بالقدر والمكتوب والقسمة والنصيب ..  (حجازي ، 1998، ص/ 90 ) .

 

إن أسباب ذلك تعود لقلة الحيلة وانعدام الوسيلة وخاصة عندما تسيطر عليه خرافة المصير الأبدي واقتراب الموت ، لأنه لا يعرف من شؤون الغد شيئا ولأن المستقبل بيد الله ، يصف المنفلوطي هذه اللحظات فيقول .. لبست أثوابي ولا أزال البسها حتى الآن ، ولكني لا اعلم متى اخلعها بيدي أو تخلّصها يد الغاسل ، فالغد شبح مبهم…غمض عن العقول وصورة مملوءة بالأسرار تحوم حوله البصائر وتتسقطه العقول … ومع أن الإنسان قد ذلل كل عقبة في هذا العالم ، إلا انه سقط أمام الغد عاجزا مقهورا … لأنه باب الله لا يطلع على غيبه أحد ، أيها الغد صن سرك وابق لثامك على وجهك حتى لا تفجعنا في أرواحنا فإنما نحن أحياء بالأمل سعداء بالأماني وان كانت كاذبة .. ( المنفلوطي ، النظرات ، 1983 ، ص/46) .

 

إن أهمية الزمن لا تلعب دورا هاما في عملية التفاعل الاجتماعي للفرد العربي ، وذلك بسبب استباق العلاقة القرابية وتفضيلها على تفاعل الأفراد والعيش في عالم من الرموز بدءا من الآن واليوم والأمس والغد والساعة والدقيقة والأسبوع والشهر والسنة ، ثم لماذا يتعب نفسه بالغد فهو لا يعلم ان هذه  .. الرموز تساعد في تسلسل الزمن ، وهذا له أهمية من حيث التفاعل الاجتماعي واستمراره أو تقطيعه بتفاعل جزئي معه .. ( معن خليل عمر ، 1997 ، ص/ 83-84 ) .

 

فالزمن وسيلة وإعادة بناء للذات لتأخذ معنى جديد من حيث .. انه ( الزمن ) قدرات وإمكان وإحداث وإبداع… وجسر الانتقال إلى الطور الإيجابي وتحقيق الأفضل للإنسان ...( زيعور ، 1987 ، ص/ 39 ) فهو غير فعال لانه يعد بالعودة .. إلى الفردوس (الجنة أو النعيم ) لا يضمنها ولا يعلم عنها لانها من علم الغيب  ، او يعود به الى عصر ذهبي قصير …(مضى)… قرأ عنه فترتاح نفسه فيعود الى الحنين للايام الخوالي ويتمنى ان تعود وهنا لا يسير صوب الأمام ، بل الى الخلف ، لذا فالعربي يضع نفسه وتاريخه فوق الزمن وخارج التاريخ ويطويه ( ويقضيه بالكرامات كطريقة للخلاص والاستعانة بالجن والعفاريت والإيمان بالسحر والتعاويذ وقراءة الفنجان ومتابعة الابراج  - وخاصة المرأة في مجتمع القرية والبادية وحتى في المدينة  والادهى - المرأة المثقفة والمتعلمة بل والمسؤولة – والانسان العربي يتعامل مع الزمن .. بالحيلة ( للاقتناص ) والقطع… فالزمن يصبح سكوني ، والعلاقة بينهما غير سوية ومضطربة ، وهذا هو المرض النفسي للذات العربية التي تعتمد المشيئة الإلهية والصدفة .. ( زيعور ، 1987 ، ص/ 40 ) .

 

يروي أحد الكتّاب حادثة لأحد مرافقي بعض الأمراء العرب النفطيين تعكس مدى إهدار الوقت فيقول :_ " يأتي موعد إقلاع الطائرة… وهو( الأمير ) غارق في حديثه عن صيد الحبارى بالصقور ، غير مبال بما يدور حوله … وهولا يبالي بالمواعيد … لذا فالوقت يستعمل بشكل فضفاض ، بحيث يشير تصرفه (الأمير ) إلى أنه هو المسيطر والآخرون مسيطر عليهم … فيدع الآخرين ينتظرونه طويلا من أجل الإذلال والسيطرة " ( فؤاد إسحاق الخوري ، 1993 ، ص/99 ) .

 

إن الحياة خط زماني تسير عليه الذات نحو الموت والذي هو هاجسها وهزيمتها ونهاية زمانها وحاضرها وإرادتها وفعلها وحركتها ، فالحركة تلتهم السأم والملل وهي بذلك تلتهم الزمن ، ولكن هل العربي فعلا يتحرك…؟ إن العربي يميل إلى التزّمن أي يعيد الزمن المستقبل حاضرا (استحضار) وهو بهذا يقع خارج الزمن ( كما أشار زيعور) ولأنه…  أمنية وأمل وتصور وأوهام .. (حجازي ، 1997 ، ص/ 23-26 )… لذا فأننا نراهم يشتمون الزمن الغدار والقاسي والغريب في الأحاديث والأغاني والروايات وفي الحياة اليومية، لعجزهم عن تطويعه لمصلحتهم وتخليقه لإرادتهم .

 

لنرى شعور وإحساس العربي عندما يغزوه الشيب ماذا يعني له ذلك ... ؟ إن ذلك يعكس التشبث بالحياة والشباب والاستزادة من السعادة ، لكن الشيب يعني الاقتراب من الموت فانه يستسلم له ويبدأ بتبرير الموت على انه خلاص له من الآلام والشقاء والغدر والمرض ، وفي النهاية يسلّم أمره لله ، انظر للمنفلوطي ماذا يقول " رأيت الشعرة البيضاء في مفرقي فارتعت لمرآها … كأنه سيف جرد للقضاء على رأسي أو رسول جاء من عالم الغيب ينذرني باقتراب الأجل … أو خيط من خيوط الكفن لجثتي … لقد أبغضت من أجلك كل بياض أحببت سواد الغربان وكل ظلام حتى ظلام الوجدان … فأنت رسول الموت فلا احمل لك الحقد والموجدة لأني لم انعم بشبابي ولم أذق حلاوة الحياة ولم استنشق نسمات السعادة … لا انقم عليك … لأنك طليعة الموت الذي يخلصني من شرور العالم وآثامه وآلامه وأسقامه وغدر الصديق وخيانة الأخ … فأنت الطريق إلى الغرفة التي أخلو بها بربي وآنس بنفسي " ( المنفلوطي ، النظرات ، 1983 ، ص/ 144-148 ) .

 

ولكن كيف يعيش الفرد العربي يومه وكيف تكون حياته ومعيشته إنها تتصف ..بالبساطة والعيش كل يوم بيومه ..( بركات ، 1996 ، ص/87 )…وهذا ما قلناه سابقا ، فالقروي شديد الإحساس بالزمن وخاصة الفصول الاربعة … حيث يتصارع معه ويعتبره معه أو ضده كما يحتفل به ويصبر عليه أو يستفيد من فرصه .. ( المصدر السابق ، ص/101 )… فمن خصائص الإنسان في ذلك المجتمع الراكد ، القدرية والاستسلام للأمر الواقع وللقادم والتواكلية ، التي تعكس الاتجاهات النفسية والعقلية لبعض الأقوال مثل " إن شاء الله ، إن راد الله" ، فهذه كلها يراد منها الكذب والتملص من الوعد أو العهد مع عدم إنكارنا للإرادة والمشيئة الآلهية ، وهذا دليل على إن قائلها كاذب سلفا ويتعمد اختلاق الكذب وشتى اصناف الحيل ويلقي اسباب اهماله وعدم احترامه للوقت والزمن والاخرين على القضاء والقدر وعلى الله ..  إن هكذا مجتمع مولع بحب الدنيا ويحب .. الآخرة بنفس الدرجة بل ويعطي الأولى ( الحياة الدنيا )  أهمية اكبر ، لاعتقاده بأن الحياة الآخرة لم يعشها بعد ولم يتذوق حلاوتها بعد ، فذلك يجعله يؤجل عمله للمستقبل ، ناهيك عن النظرة للحياة والزمن هي نظرة دينية .. لكن لماذا يستسلم الانسان لله عند إحساسه باقتراب اجله ...؟ ثم هناك…التعلق الزمني المساير للتعلق الجغرافي… وخاصة في حالة الوفاة والدفن … في مقبرة الأهل والأقارب والأجداد نظرا لان ذلك …(بتصوره)…يشعره ويؤنسه في وحدته واندماجه معهم ، وذلك ادعى للطمأنينة تمهيدا لحياة ثانية بعد الموت .. ( زيعور ، 1981 ، ص/ 102 ) .

 

وهناك حالات غريبة وعجيبة وهي مؤانسة الميت يوم الخميس وخاصة في أول خميس يلي وفاته، والمؤانسة كما هو معروف تكون مع الأحياء وليست مع الأموات ، والحقيقة إن ذهابنا للمقبرة ليست لمؤانسة الميت وتسليته وإنما على أمل العودة به حيا ، أو للتأكد من انه مات أو أن هناك بعض حياة بقيت له ، أو لربما يكون الموت قد اخطأ.. وان الله قد يعيده مرة أخرى حيا ، وهذا يعكس مدى حب الإنسان للحياة من جهة ، ومن جهة أخرى انه بتلك الطقوس يترجى (يأمل ويتمنى) أن يطول بقائه ، والدليل عندما نقدّم واجب العزاء في الصحف نختم العزاء بقولنا " لا أراكم الله مكروها بعزيز " وهذا مستحيل لأن الموت مستمر ويأخذ الأعزاء باستمرار ، وكذلك نكذب كذبا كبيرا عندما نقول لأحدهم في العزاء "ولكم من بعده طول البقاء " أو " البقية في حياتك" فهنا لم نحدّد مدة البقاء وطوله ، وثانيا لم يحدث أن خلّد أحدهم وأبقاه الله إلى ما شاء ، وثالثا وهذا هو الجوهر أن المعزّي يأمل بصاحب العزاء أن يطيل الله في عمره ويبقيه، وهو في الحقيقة فأل حسن له( للمعزّي) ولبقية أفراد أسرته وإبعاد الموت ورده عنه وعن أسرته طمعا في الخلود الأبدي وطول البقاء وطلب السلامة ، كقولنا "يسلم رأسك"…ممن يسلم الرأس ...من الموت ام من السيف ام من العقل ام من الجنون ...؟  وغالبا ما نلاحظ ونسمع من المعزّي يقول الحمد لله…! ويقصد بها أن الموت لم يختاره هو أو أحد من أعزائه بل اختار آخرين غيره فيحمد الله على ذلك ، ولهذا نلحظه يتصّنع الحزن ومشاركة أهل الميت العبوس والقنوط ولأنهم بنظره دفعوا عنه بلاء ومصيبة ولوعة الموت بدلا عنه ،  لذا نسمعه يقول الحمد لله … "ويسلم رأسك يا جار أو يا فلان من أبو فلان فالله أعطاك عمره" …انظر هنا مدى الجشع والطمع في الحياة الدنيا وحب البقاء ، فهو يقرر أن الله قد أعطى ما تبقى من عمر أبو فلان الميت لأبو فلان الحي … "وقولنا يارب ادفع عنا البلاء "… يدفعه لمن…؟ إننا بقولنا هذا نريد دفعه ونتمناه للآخرين …ولا يعلم قائله ان الابتلاء اختبار للمؤمن ، اذن في قوله هذا لا يريد ان يكون من المؤمنين بقضاء الله ، وللعلم إن مثل هذه الألفاظ والمقولات الطقوسية مكروهة وغير محببة في الإسلام حيث استبدلت بـ عظّم الله أجركم ..وان هذه المقولات اصلها دخيل على الاسلام والثقافة العربية ، فهي قادمة من ثقافة الفرس والترك والمماليك ودويلات الخدم والعبيد التي حكمتنا ما يقرب من 1000عام ، ودليل اخر فقد كانت تقال لدفع قطع الرأس والقتل والبطش الذي عانى منه المجتمع العربي في السنين الغابرة بسبب انتشار الفوضى والهرطقات والبدع والملل والنحل والمذاهب الحلولية والتقمصية والوثنية او الجاهلية الجديدة التي احضرها المتأسلمون الجدد في ذاك الوقت ، واستمرت الى وقتنا الحاضر ... ( انظر الفصل الثاني ) .  

 

ان العصبيةtribalism – Clanish  هي إحدى مظاهر التخلف الاجتماعي والتي تسميها العرب ( السؤدد او العزوة ) ومن أهم سماتها .. أن لا قيمة للإنسان لديها فلا تحترم حياته ولا شخصه ولا كرامته أو حريته وحقه ولا تولي مواعيده وعهوده أي اعتبار أو أهمية أو احترام… فالمسكون بالعصبية لا يقدّر الزمن ونادرا ما تكون مواعيده محترمة… والسبب لأنه لا يقدّر ولا يحترم الإنسان ، حيث يصعب عليه الاعتراف بحق وذات الأخر، لانتفاء الاحترام والمساواة ، والشعور الشديد بتمّلك الأخر ووجوب ذوبانه فيه ، بوجوب استيعابه في السيطرة والهيمنة عليه ..( قباني ، 1997، ص /47 )… كما يشعر هو بذوبانه في عصبيته وهذه هي قمة الاستخفاف والعنجهية والاستعلاء الفارغة .

 

إن سيطرة العصبيات في المجتمع العربي هو واقع حقيقي حتى أننا لا نستطيع فهم .. الأحداث السياسية أو التحولات الجارية ، بدون أن نفهم تأثير العصبيات وجذورها العميقة…وانتماءاتها العرقية والطائفية والقبلية والمناطقية …والمحلية ، حتى أنها أدت إلى فشل …الكثير من تحقيق برامج وأهداف المجتمع والنظام العربي… وخاصة المشروع القومي منه …إذ ما إن يبدأ المشروع حتى يفشل ويتبخر ..( الحياة الجديدة ، 3/7/2000 ، ص/15)… أمام الولاءات والمصالح العصبية … وبالتالي يتبخر كل اثر للثقافة والتعليم والفكر الحر ومفاهيم العصرنة والتمدن ، نتيجة فشل النظام العربي في إنجاز ( الاندماج الاجتماعي- Social Integraion ) وارتداد الفرد العربي إلى انتمائه الطائفي والقبلي والعرقي في الوقت الحاضر ، الذي يتميز بالأزمات والاضطرابات ( والفوضات ) الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وخاصة أمام تراجع سطوة القانون والنظام والمفاهيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .  

 

لو عشنا لحظات في إحدى أروقة الدوائر الحكومية أو الرسمية العربية ورأينا ماذا يحدث…انه مولد أو (زيطة - Messiness) كما يسميها المصريين فنرى .. إن الفقير نتبّينه من ملابسه … ولا ترى ميسور الحال ( الباشا او البيك )  يقف في الصف إلا نادرا… فعادةً ما يكون بانتظاره أحد الأصدقاء أو المعارف أو الوسطاء ، فتسمع صياح وتلاحظ المعاملة السيئة… ولا تستطيع أن تحدد مصدره سواء أكان من الموظف أم من المواطن ، فالمواطن يشعر بالضعف ولذلك لا تجده يسير بالنظام ، إما لأنه غير معتاد عليه … أو لأنه لا يثق به ويظن انه موجود لمصلحة …(وخدمة)…القوي ، والنظام والحالة هذه ... يعيق المواطن العادي فلا يلتزم به ولا يخضع للتعليمات ، إما لأنه أهوج وجاهل ومعاند أو لأنه يشعر بالعصبية طيلة نهاره وكأن الدائرة ملك لعائلته أو لقبيلته ، وكذلك الموظف -  -Beadledomيشعر بنفس الشعور فنرى الاثنان يتصايحان والشرطي يجذب المواطن ويضربه ، فقد اعتاد الناس على ذلك في سبيل منافسة بعضهم البعض بسبب أو بدون سبب …فنرى الفوضى هنا عارمة وتأخذ شكلا دائريا بين الموظف والمواطن والشرطي ..( عبوشي ، 1980 ، ص / 252) .. فلا يعرف الفرق بين العمل للصالح العام والمصلحة الخاصة … فالأول يتجه بنفعه نحو الذات والغير… والثاني يتجه نفعه نحو الذات … ولأنه يعمل للثاني فهو يتخبط بالفوضى ويتذمر…لأنه يتحرك دون تكامل معها ( أو مع الغير ).. (قباني 1997 ، ص/ 93 )  .

 

لنأخذ مثلا زيارات المرضى خاصة في المستشفيات الحكومية ، نلاحظ المراجعين يخالفون إرشادات ومواعيد الزيارة ولا يتقيدون بألانظمة أو القوانين ، فهم يختارون أوقات الزيارة حسب وقت فراغهم أو بما يتماشى مع مصالحهم او بالواسطة او لأن الزائر يعمل مخبر للسلطة ان لم يكن مندوب ( مندس بين الناس يعمل بالقطعة او على الرأس ) ، ناهيك عن إدخال الأطعمة والمشروبات الممنوعة والتدخين داخل غرف المرضى أو بين أروقة المستشفى ، بالإضافة إلى الصراخ المستمر بينهم وبين أطقم المستشفى بهذا الخصوص مما يؤدي إلى تدخل قوات الشرطة والأمن .

 

أما ما يتعلق بالإنتاجية وخاصة لدى الموظفين فتكاد تكون منخفضة وتكاد تتركز واجباتهم في الدوام في مقر العمل ، لمجرد الحضور والانصراف بصرف النظر عن نوع وحجم الخدمة التي يؤدونها ، لان عقليتهم مبنية على الريع وهو ( أجر بلا تعب أو كد ) غير المرتبط بالجهد ، فيؤدي ذلك إلى رسوخ عقلية المضاربة التي تسعى إلى تحقيق فرص للربح دون جهد ، انه التهرّب والكذب والقنص وأسلوب النصب والاحتيال على الآخرين وكأنه يغرف من إقطاعياته وخاصة اذا كان حزبيا اوجبهويا او مندوبا لاحدى الاجهرة الامنية في السلطة الحاكمة ، وهي في حقيقتها إتاوة وخاوة . 

 

وهناك ظاهرة المزاح الشخصي وخاصة عادة ( الاستلام - Mockery ) كما يسميها مروان دويري والذي .. يكثر بين الأفراد في المجتمع العربي وخاصة بين المختلفين طبقياً واجتماعياً … بدو وقرويين ومدنيين … إن حقيقة المزاح في الوطن العربي يعني الانتقام والثأر الصامت أو …البارد … وتنفيس للكبت والطاقة العنيفة ، ناهيك عن إهدار الوقت وتعطيلا للمصالح وللنظام وإثارة العداء والعدوان ( المحبب أو الملطف)… والغريب أن الطرفين يستحليان ويرتاحان له لسبب … لأنه مصدر تفريغ لشحنة الضغينة واثبات الاسترجال –Virilism  والتفوق والاستعظام ..( قباني ، 1997 ، ص / 159 ) .

 

ولنأخذ الأغاني مثلا ونتعمق بكلماتها… فكلماتها جوفاء غير هادفة ومعانيها خالية خاوية تنم عن التذلل والشك والكذب والمبالغة والحزن والنواح وطلب السماح ، وحتى أننا قلنا للبنت في إحدى الأغاني (زتي عنك هالمريول ) وللعلم هذه الأغنية تذاع بالإذاعات العربية وهي لمطرب مغمور ، ناهيك عن المقاطع التافهة التي تعكس ضحالة معنى الكلمات وهو .. انعكاس للإطار العقلي المتخلف والاتجاه النفسي الدوني وقيم الروح المريضة .. ( زيعور ، 1987 ، ص/ 9) .

 

أما الأمثال فهي تعكس أسلوب وواقع العيش وطريقة حياة الإنسان العربي فغدت متناقضة تبريريه ومتعاكسة الربط مثل " حط رأسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس " وتعني منتهى اللامبالاة وعدم الانتماء مثل " البلد اللي ما بتعرف حد فيها شّمر  و …  فيها " وبعضها يعني الذلة والخنوع والاستسلام مثل " اربط الحمار محل ما بقلك صاحبه ناهيك عن الأمثال التي تعني .. الأتكالية والالتواء والمسايرة والانحناء وقتل روح المبادرة والذلة والمسكنة .. ( زيعور ، 1987 ، ص/100) و( شرابي ، 1991 ، ص/51) .

 

لنأخذ ظاهرة الأعراس والولائم ( العزايم )  وما يصاحبها من جهل وتخلف وإهدار للوقت في طقوس تبدو وكأنك تشاهد مجموعات من القرود ( الراقصة) ملطخة بالمكاييج وبملابسها المضحكة ، تتمايل طربا على صوت شريط أغاني او( C.D ) بعيد كل البعد عن حركاتهم التي يؤدونها (الرقص) إلى ما بعد منتصف الليل ، حيث يصاحب هذه المشاهد الهزلية إطلاق الرصاص من مختلف الأسلحة كتحية للعرسان وللعرس ككل ، رغم تنبيهات إدارات الشرطة إلى .. جميع المواطنين ومنتسبي الأجهزة الأمنية بالامتناع عن إطلاق النار في الأفراح …إذ يعتبر ذلك ظاهرة سيئة …تخلق المنازعات …وتخلق جوا من عدم الاستقرار والفوضى ... الحياة الجديدة ، 11/7/2000، ص/1) و ( البيادر السياسي ، 15/8/1998، العدد/709، ص/33، 68) .

 

تتجلى فوضويتنا في قيادة السيارات والحديث مع بعضنا البعض في الطريق أو الحديث بالتلفون أو بالبلفون وخلفنا السيارات تطلق أبواقها ، ناهيك عن سيل الشتائم والسباب ، إن ذلك ينم عن سلوك جانح وعدم إدراكنا لآداب التربية والثقافة .. نتيجة اتجاه إنصافي والذي يسبب انشطار نفسي منتج للاهتياج .. حيث يستحيل التفاهم والحوار والوصول إلى تجاوب مع الأخر وان وصلت فهي متناقضة .. ( عبد الكريم غلاب ، 1998 ، ص/8 ) .

 

حتى انتمائنا للوطن وإحساسنا بالحياة وتحقيق سعادتنا ينم عن شعور قلق ولا مبالاة ، وخير تصوير لذلك ما كتبه الدكتور فؤاد مغربي في مجلة السياسة الفلسطينية ، العدد/30 ، 1997 ، ص/3-17 حيث يصف ويصور النموذج الفلسطيني كجزء من .. الكل العربي من حيث القيم والمعايير الاجتماعية والثقافية والمعتقدات والسلوك ، ويتطرق إلى حالة اللامبالاة والفوضى والتخلف وعدم استثمار الوقت من خلال عدم التمييز بين المكان العام والخاص والمحل والرصيف والشارع ( والمنزل الذي تتكدس أمامه أكوام القمامة ) رغم الإجراءات الرادعة ، فتنظيف شارعه ورصيفه ليس من اختصاصه ، ومثال ذلك الإعلان الذي نشرته بلدية أريحا والصادر عن دائرة الصحة والبيئة إلى جميع المواطنين الذين قاموا بوضع .. سيارات غير صالحة  مشطوبة … أي أنها سكراب … على الأرصفة والطرقات العامة أو في قطع أراضي مجاورة …حيث ستقوم البلية باتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين … علما بأن البلدية قامت بتخصيص ارض لتجميع يلك السيارات .. ( الحياة الجديدة ، 10/6/2000، ص/2) … !

 

فوطنه وعالمه فقط هي داخل حدود منزله ، وما تبقى فليذهب إلى الجحيم ، وهنا تبرز روعة المقالة بإظهار حقيقة الانتماء بين المكان والوطن أو الأرض ، بالإضافة إلى سلوك الطلاب والناس في الطرق والأرصفة أثناء السير ، وكيف يتعامل وينظر الناس للقانون ، وأروع ما صوره الدكتور مغربي هو أن كل إنسان يعتبر نفسه قائدا وزعيما سياسيا ، ويفهم في حل قضايا وطنه ( ويتقمص شخصية المستبد الزعيم ) وهذا ناتج عن اجترار سوداوي وأفكار منمطة وتعليم تشريطي ، نتيجة غرس نظرة معينة لدى الفرد عن الآخرين ، فتقولبه وتطّبعه بتصرفات وتوجهات منفصلة في الحياة الاجتماعية ، حتى نمط ونهج حياة الناس فهي تنم عن ملل وتعب وفراغ ، وذلك ما شعر به الكاتب لحقيقة العلاقات الاجتماعية التي تقوم على المصلحة النفاق والنفعية والنميمة والكذب ، ويصل الدكتور في نهاية مقالته إلى أن الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب العربية منغلق ومتخلف ومحصّن بالعائلة والقبيلة في سبيل المحافظة على النفس .

 

4:3- الفوضى مرض مجتمع ... أم مرض دولة…أم قضية عقلية ...؟

 

1:4:3- الفوضى مرض مجتمع : -

 

بداية يجب الاتفاق على مفهوم وتعريف الفوضى وتحديد معناها ، فقد قلنا سابقا بأنها عكس النظام والانتظام واستعرضّناها كمشكلة أو أزمة ، علما بان كلتاهما مرضا قابلا للعلاج أو الشفاء أو للاستئصال ، فهل الفوضى كذلك.. وهل تم او سيتم علاجنا أو شفائنا منها… وهل يمكننا استئصالها …؟ لا نعتقد ذلك ، إذن هي أزمة ومرض مزمن اجتماعي الطابع … وهي سلوك سالب هدّام تهدد المجتمع وأمن الفرد وتخل بالتوازن وتحدث الاضطراب ، فحسب تصنيفات علماء النفس والاجتماع أمكن تصنيف الأمراض الاجتماعية إلى أمراض مجتمع وأمراض دولة ، فأمراض المجتمع تتميز بالانحراف عن القيم والأخلاق والعرف السائد والطبيعي ، وبالتالي يصبح المجتمع مريضا ، أما المجتمع الذي تظهر فيه الفوضى والرشاوى وبيع وشراء المناصب ( Barratry ) والمحسوبيات والواسطات فهو محكوم بدولة مريضة ( وهذه امراض دولة ) ...وهكذا يصبح الانهيار اجتماعيا حتميا ..وبالتالي هناك علاقة وطيدة ووثيقة بين أمراض المجتمع وأمراض الدولة .. ( شكور ،1998، ص/ 12 )… فهل المجتمع العربي ودوله كذلك  ..؟ 

من المعروف إن الدولة تنبثق من رحم المجتمع وتحمل ( أو تعكس ) سماته وطبيعته وتركيبته الاجتماعية والطبقية ، وهي بمثابة مرآة عاكسة له ، ففي هذه الحالة للمجتمع لمسات أو بصمات في خلق الدولة وبشكل أوضح هو صانع الدولة ، لكن في حالة مجتمعنا العربي لا نعتقد ذلك ، فالاستعمار هو الذي أوجد وصنع الدولة ( منذ 1920) وبالتالي أوجد جماعات ( بجمع ولملمة شتات أناس وأفراد وصنع نخب ومجتمعات وأنظمة) في جميع الأقطار العربية وحتى تلك التي لم تستعمر ، ومع هذا فقد أوجدها الاستعمار كذلك ( كالسعودية مثلا) ، فان أضفنا .. سوء الأحوال الاقتصادية والكوارث الطبيعية والحروب وسوء التوجيه وعدم التوافق المهني وتدهور نظام القيم المعنوية والدينية والخلقية والتفاوت الطبقي داخل المجتمع ..(المصدر السابق ، ص/ 37-47)… كلها عوامل تؤدي إلى الانحراف وظهور الأمراض الاجتماعية في المجتمع ، فلماذا… ومن المسؤول عنها .. وكيف سمح المجتمع لمثل هذه العوامل أو (الأمراض ) أن تصيبه… وما الذي منعه من التصدي لها… ؟

 

 نعلم أن أساس التكوينات الاجتماعية القديمة منها والحديثة هو .. الأساس الإنتاجي المهني… أما أساس التكوينات الاجتماعية …(التقليدية- العربية)… فهي المعايير القرابية…(الأسرة والعشيرة والقبيلة )… أو الدينية…( المذهب والطائفة والطريقة )… أو العرقية… ( السلالة والأصل والعنصر )… ولهذا فالمعيار هنا الإرث الاجتماعي .. ( والتاريخي) – التشديد من عندنا – المفروض على الفرد فلا يمكن تغييره .. علما بان المجتمعات العربية لا تزال في طور الانتقال من التقليدية إلى المرحلة الحديثة .. (سعد الدين إبراهيم وآخرون، 1996 ، ص/ 232- 233 ) …

إذن الآن وضحت الرؤية ، إنها التقليدية الموروثة والموروث الاجتماعي والتاريخي هي السبب ، لأنها سابقة على الدولة العربية الحديثة ، وهذا له علاقة مباشرة بفوضى الانتماء حيث .. يوجد انتماء عربي عام وانتماء خاص وطني محلي وديني وطائفي ومعيشي وقبلي واثني ، وهذا يحدد مصير الاندماج الاجتماعي والسياسي ، لذا فالمجتمع لا يزال يعيش فوضى التناقضات..(رغم وجود الدولة ) – التشديد من عندنا -.. (بركات ، 1996 ، ص/111 ) .

 

فالقيم والسلوك هما انعكاس لأخلاق المجتمع ولا دخل للدولة فيها ، ولنأخذ مثلا قضية أو ظاهرة الواسطة .. فطبيعة الجماعات الوسيطة بين الأفراد والمجتمع سببها الولاءات الاجتماعية المرتبطة بتنوع أنماط المعيشة… ويلعب لوبي (الجماعات الوسيطة ) مركزا مرموقا في حياة العرب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فرغم توسع المدن والهجرة والتعليم وازدياد التوظيف في بيروقراطية الدولة ، التي استغلت هذا (اللوبي) وهي الجماعات الوسيطة وغذّتها (لترسيخ وتثبيت دعائم النظام وإضفاء الشرعية عليه وحشد التأييد له) ، الأمر الذي جعل الواسطة تستمر لحد الآن وتلعب دورا هاما في حياة الأفراد والجماعات ، من ... خلال المختار وشيخ الحارة والعمدة ورئيس الجمعية الخيرية أو التعاونية أو روابط القرى أو عميد العائلة الفلانية ... ومن يطالع الصحف اليومية يرى مشاهد التعيين والتأييد والتهاني والمبايعة والولاء والطاعة للشيخ الفلاني والعميد العلاني ...وكل هذا يجري بمباركة وموافقة أجهزة الحاكم ، بل وبتعيين وبتوصية من أجهزة المخابرات ووزارة الداخلية والحكم المحلي ومن رئيس الدولة ، وذلك لإعطائه ولائها من جهة… ولتحقيق مصالحها القبلية -الفئوية ضمن سلم الصراع الاجتماعي في المجتمع الغابي من جهة أخرى .. المصدر السابق، ص/ 63-64 ) .

 

ولا يقتصر الأمر على ذلك بل هناك ما يسمى بفوضى الكسب والذي .. تشدّد عليه العائلات البرجوازية الصغيرة القديمة منها و…(الحديثة النعمة)…والتي تنزع إلى تقليد البرجوازية الكبرى والحلول محلها إذا أمكن مهما كان نشاطها وبما يطعم خبزا … وهذه الطبقات شديدة الولع بلعبة تحسين أوضاعها... مهما كانت السبل وبأسرع وقت ممكن وتحقيق أحلامها… فتلجأ للواسطة لتدبير أمورها اليومية .. (المصدر السابق ، ص/101 ) .

 

وتلعب المؤسسة الدينية كذلك دورا هاما في تبرير هذه الأعمال .. وتسوغها لتحقيق طموحها ونفوذها ... ثم يأتي دور الطبقات المتوسطة السفلى والكادحة ، فهي أيضا تسعى مأخوذة بحلم النجاح المادي ونادرا ما يحالفها الحظ وتحقق بعض النجاح ، إلا أن اغلبها ينشد إلى اسفل ويصبح مصيرها محتوم و(محسوم ).. فتلجأ إلى التلاحم مع الآخرين.. ( العائلة مثلا ) والتضحية في سبيلها، حيث يستمد الأفراد منها...عزاء ومنعة وإحساس بالسعادة في علاقاتهم وتأمين حاجاتهم الشخصية .. (المصدر السابق ، ص/102)… كعزاء لهم ونتيجة الاحتماء الدمجي ( Fusional Protection ) وحاجة الفرد للأمن النفسي والسكينة نتيجة الاحساس بالعجز .

إذن أمام الفرد أحد خيارين ، اما اتباع وسائل غير مشروعة لتحقيق أهدافه وإشباع رغباته ، وأما الانسحاب من الحياة العامة والهروب من الواقع ، وفي كلا الحالين هناك انحراف في السلوك وخللا في أداء المجتمع ، وفي ظل دولة مريضة تتفشى في جسمها مثل هذه الآفات والأمراض الاجتماعية ، إذن هكذا مجتمع سوف ينجب ويماهي دولة مريضة لا مفر ..كيف ..؟  لنأخذ المرأة وانتشار ظاهرة القانون العشائري كل على انفراد واقتحامهما لحياة المدن ، فالمرأة مثلا كما هو معروف تمثّل شرف وكرامة و(عرض ) العائلة والعشيرة بأكملها ، وهي بنظر المجتمع العربي ككل ذات حرمة..فهي تروح وتجئ بحرية ولم تمنع من الاختلاط وخاصة في المجتمع القبلي … ولكن في حالة ضياع شرف العائلة لا يتم اللجوء إلى السلطة الرسمية ، لان ذلك يعتبر عملا معيبا ينقص من اعتبار العشيرة …إذن المرأة محترمة في أشياء وممتهنة في أشياء أخرى بتناقض صارخ وفوضى نفاجية مزاجية لم يحصل لها مثيل .. ( التل ، 1999 ، ص/ 98-101 ) .

 

نعود ثانية للمرأة ولنمط الطبقية في المجتمع العربي ، فعقوبة الخيانة الزوجية في الدين أخف مما هي في التقاليد الشديدة القسوة وخاصة جرائم الشرف والقتل العمد … هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فللتغلب على الغيرة ( الشك - Doubtful ) عند الزوج .. يقوم بإشباع المرأة جنسيا إلى حد غير معقول ، أو بفرض الحجاب عليها أو بفرض التدين كحماية لها …إن ذلك سببه يعود للفضول والرغبة المتأصّلة في لا شعوره وهو صغير في ألتنصت واستراق السمع والنظر خلسة لوالديه وهما نائمين ، أو أثناء ممارستهما للجنس رغم احترازهما وما يفرضانه من قيود ، وليس هذا فحسب بل انه يرفض عملها… كل ذلك بسبب الخوف عليها من تهورها واندفاعها نحو ممارستها للجنس … إنها عقلية متحجرة ( Petrificaon Mental ) وميتة لا أمل فيها.. (زيعور ، 1987، ص / 83-89) .

 

من العار على المرأة أن تبدي إعجابها أو تحب شابا وتتزوجه باختيارها ، فليس لها رأي في زوجها أو زواجها ، وتحرم من الإرث ولا تتصرف في مهرها ، وتمتهن رعي الغنم والإبل وحلبها وتنظيف الزريبة ، وإذا ذكرت أمام أو في مجالس الرجال يقال للسامعين ( أعزكم الله ، أوحشاكم الله ، أو بعيد عنكم ) وكأنها بهيمة أو شئ نجس ( كالبراز مثلا ) ، وتعتبر في حكم ممتلكات الرجل مثل سيارتي ، بيتي ، زوجتي ومثل ( بقايا التركة ) بعد وفاة زوجها، وهي أيضا ممنوعة من الشهادة ، وحتى .. ان غضب عليها زوجها اجبرها على النوم في الزريبة مع البهائم ولا تأكل مع الرجال أو مع زوجها ، بل عار عليها أن تأكل مع أولادها الكبار ، ويباح قتلها من قبل ابن عمها بلا نقاش إذا رفضت الزواج منه ..(المصدر السابق ، ص/110 ) … ومع هذا فحينما تعمل المرأة وتصبح عضوا منتجا - ولكونها معالة من قبل الرجل اصلا – فإنها ترى ما حصلت عليه من عملها وكأنه شئ كثير ومهم ، بل وتعاير الرجل ( الأخ أو الزوج مثلا) وانه يكفيه فخرا بأنها تساعده بمالها ، وهذا دليل على تخلّفها وضيق افقها ، إذ أصبحت تعيل بدل أن تعال من قبل الرجل ، وهذا بسبب المطالبة لها بحرية العمل والمساواة في بيئة متخلفة لا تصلح لعمل أو المطالبة للمرأة فيها بالمساواة ، خاصة في ذهنية امرأة نتاج مجتمع متخلف . لنرى كم من حالات طلاق تعرض في المحاكم الشرعية وكم من حالات عنف وقتل جراء ذلك .

 

يقول المنفلوطي في النظرات :- " زرت حاكم بلدة فرأيت بين يديه فتاة في الثانية عشرة من عمرها بائسة عليلة تشكو ألما في عنقها وجرحا في ذراعيها… فعلمت أن أهلها زوجوها مبكرا لرجل وحش الخلق ( بشع وقبيح ) والخلق ، فحاول أن يفترشها فامتنعت عليه فأراد اغتصابها فعجز فضربها ففرت إلى منزل أهلها فنقموا عليها ففرت إلى الحاكم … ثم سمعت قصة أخرى مشابهة إلا أن الزوج في هذه المرة سقى زوجته مخدرا وعقرها... (اي اغتصبها)  " ( المنفلوطي ، ج 1-3 ، 1983 ، ص/ 240).

 

إن العائلة العربية تستثقل وجود البنت في البيت عند بلوغها فيحاسبوها على المضغة واللقمة وشربة الماء والقومة والقعدة ، ويظلون ينتظرون عريس الغفلة على أحر من الجمر ليقتلعها من عندهم ، أين دور الدولة في مثل هذه الحالة وغيرها … ؟ طبعا غائب وحجتها إن عادات الناس هكذا من جهة ، ولأنها غير مسؤولة عن المواطن أي ليست ( دولة رعاية – Welfare State ) بتاتا من جهة اخرى … إنها دولة ريعية / تسلطية – محورية ، وسوف نتناول أمراض الدولة ونوضح دورها في صناعة المجتمع لاحقا !

 

إن ما يدفع المرء إلى اتباع سلوك اجتماعي معين سواء سلبا أو إيجابا يتلخص بـ .. الرغبة في الأمن ضمن بيئته الاجتماعية وليس ضمن بيئة الدولة ... والرغبة في التحصيل والتفوق لما يراه مناسبا في بيئته ، ويفسرها على أنها سلوك ومعيار اجتماعي سائد…والتوحد بالجماعة لتبرير السلوك وتقوية وتعزيز انحرافه…عدم توازن الأنا والأنا الأعلى…كقيمة وكضمير… وتكون ضوابط المجتمع وقتها بمثابة قيود يجب التخلص منها .. ( عبد العلي الجسماني ، 1994 ، ص/ 14-44 ) .

 

فأنساق البناء الاجتماعي المتنوعة لا تتساوى في نضجها أو أدائها لوظائفها وغير متوازنة في نفوذها .. فالمجتمعات المتخلفة لا تملك انساقا ناضجة وأداء" ملتزما ، والسبب حداثة نشوئها…(كدول)… وعدم وجود أشخاص متخصصين لأشغال مواقع التخصص ، فالنسق المتبع عادة في مثل هذه الحالة هو (القرابسياسي )…الأمر الذي يزيد من تخلف باقي الأنساق…بالإضافة إلى (القرابعسكري) …وكلاهما يتمتع بالقوة والنفوذ والمال والسلطة …فتظهر المشكلات والاضطرابات وتنتشر الفوضى داخل المجتمع .. ( معن خليل عمر ، 1997 ، ص / 16-17 ) .

 

2:4:3 - أمراض الدولة- State Diseases  :-

 

ان التربية اليوم هي من مسؤولية الدول والحكومات كأداة ضابطة ولازمة لاستقرار المجتمع وتدعيم السلطة السياسية .. التي تعمل على تشكيل وقولبة عقول الناس على نحو يلائم تقبلهم وحماسهم وولائهم للنظام  السياسي ... ( ابراهيم ناصر ، 1994 ، ص/99-100)  ونحن نخالف د. ابرهيم ناصر في ذلك ، لان النظام السياسي العربي لم يعطي قدرا ولو بسيطا للناس لتشكل عقولها على نحو يلائم تقبلهم وحماسهم وولائهم للنظام السياسي هذا من جهة ، ومن جهة اخرى يقول د. ابراهيم ناصر ان النظام السياسي يلجأ لغرس مبادئ جديدة في نفوس الاطفال وعقول النشئ عن طريق المناهج المدرسية وعن طريق الشعارات والافكار ، على مستوى المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية بدءا من البيت ومرورا بالمدرسة واماكن العبادة وانتهاءا بالاندية والاحزاب ... هنا نتساءل مرة اخرى ...هل شكّل الناس عقولهم على حسب ما يلائمهم .. ام فرضت المبادئ عليهم فرض من قبل النظام السياسي ... ؟ 

 

هناك العديد من الكتاب من وصف جبروت الدولة  - كصانعة مجتمع وشعب - لكننا استرشدنا ببعض منهم كخلدون النقيب في مؤلفه المعنون بـ " الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية العام/ 1996 وكذلك مؤلف " ديمقراطية من دون ديمقراطيين " لغسان سلامة الصادر عن نفس المركز العام 1995 وكذلك برهان غليون في مؤلفه " المحنة العربية000الدولة ضد الأمة " أيضا الصادر عن نفس المركز عام 1994 وكذلك مؤلف حليم بركات " المجتمع العربي المعاصر " الصادر عن نفس المركز السابق عام 1996 ، لذا فقد أجملنا أراء هؤلاء الكتاب وغيرهم ، فمنهم من هاجم الدولة ووضع اللائمة عليها ، ومنهم من اتهمها بالتواطؤ والموافقة عما أصاب المجتمع من أمراض لخدمة مصالحها وترسيخ شرعيتها ، ومنهم من يضع اللائمة على المجتمع ولا دخل للدولة بأمراضه لأنها تشّكلت (الدولة) بعد استفحال الأمراض والآفات ، ولكن ما يحدد أيهما اكثر أهمية في الحد من انتشار المرض الاجتماعي أو علاجه المجتمع أم الدولة…فنقول الدولة ، لأنها تملك السلطة والنفوذ والمال ووسائل الإنتاج وسلطة القانون والسلطات التنفيذية والتشريعية والقوة (الأمنية والعسكرية والوقائية والصحية ) ، بمعنى أنها تملك ثروات المجتمع والأرض وهذه تقع ضمن مسؤولياتها – فالمجتمع وحده لا يمكن أن يكافح أمراضه ، بل ربما يساعد في التصدي لها، أما الدولة فتلعب العامل الرئيسي والاهم في العلاج أو في الإهمال .

 

مع افتراضنا أن الدولة ( بنت ) المجتمع وأتت من رحمه وحملت سماته ،  فكيف يتم الوصول أو الاستيلاء على السلطة ...؟ في الأغلب عن طريق الاستلاب أو الانقلاب ( (Coup detat أو الأصطراع والعنف وبالقوة ، تماما كما يعيش الفرد والطبقات والجماعات في صراعاتهم الاجتماعية في المجتمع  وخاصة ذي الطابع العصبوي… كيف …؟

 

إن جميع دول العالم العربي كما قلنا هي كيانات مصطنعة بمعنى أن حدودها مصطنعة تمخضّت عقب هزيمة الدولة العثمانية وتقهقرها إلى موطنها ( تركيا حاليا ) في عام 1916 ، وكان إجماع العرب آنذاك هو تحقيق مطالبهم في الاستقلال والوحدة والديمقراطية والتنمية كأهداف عليا … ولكنها لم تتحقق ، بل نتج عنها كوارث ونكبات ونكسات وانكسارات وهزائم وانقلابات رغم التبريرات الفارغة ، لذلك فالخلل لم يكن عسكري أو حضاري أو سياسي …بل في علاقة المجتمع العربي بالدولة… فالمشرق العربي مخترقا اختراقا كاملا ..( خلدون النقيب ، 1996 ، ص / 41-45) …وهذا ما قصدناه منذ البداية ، بأن دول ومجتمعات الوطن العربي لم تتشكل بفعل عامل داخلي كالمجتمعات الاوروبية ، بل بفضل عوامل خارجية والاختراق احدها ، ولما تشكّلت الدول العربية وضعت تحت تصرفها معظم مصادر الثروة الوطنية وأصبحت وظيفتهاتوزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع … وانعكس ذلك على تشكيل علاقات المجتمع وهذا دليل آخر على ان الدولة العربية هي صانعة المجتمع … بحيث انتظم المجتمع في هيكل أشبه بهرم من الشرائح الريعية ..(غسان سلامة وآخرون ، ج1 ، 1989 ، ص / 285)… بمعنى أن الحال بقي على ما هو عليه منذ ايام ما قبل وبعد الاستعمار ، أي أن ما هو مترسّخ في جسم المجتمع من أدران وأمراض وآفات عبر مئات السنين ورثته الدولة العربية ولم تعالجه أو تقتلعه ، بل استطابته وكرسّته لخدمة أهدافها ، ولهذا اعتمدت معظم الأنظمة العربية للبقاء في الحكم وما زالت على واحد أو اكثر من أساليب ..الابتزاز والقمع وبيع الأحلام وسياسات التأزيم .. (سعد الدين إبراهيم وآخرون ،1996 ، ص/ 324) … وهذه الأخيرة هي التي نقصدها وهي  (التأزيم) فهي لب المشكلة وهي المنقذ السحري للنظام العربي عند الضيق ( كالحرب الايرانية – العراقية عام/ 1980وانتفاصة الاقصى عام/2000).. وخاصة عندما محاولة العسكر تأليف قوى اجتماعية وسياسية ضد بعضها البعض ، فتحولت التكتلات القبلية والطائفية والإقليمية إلى ميليشيات لتنظيم الحياة السياسية من جهة ، والى وسائل لحماية المكاسب لها وللدولة ، وهنا برزت نزعة طغيان المصلحة الأنانية وحب النجاة والسلامة في خضم طوفان إرهاب الدولة ، ومن هنا برز شعار…من يستولي على الدولة يملك مفاتيح السلطة والثروة والجاه والنفوذ والمجتمع أيضا .. ( النقيب ، 1996 ، ص/176) .

 

 وأصبح الانسان العربي يكتفي بلقمة العيش التي تمثل له الهم الرئيسي نتيجة تعويد وتطويع وترويض النظام السياسي له …( وكأن همه بطنه فقط ) فمن هنا بدأ يزداد سخط الأفراد والجماعات (العاملة والفقيرة ) يوما بعد يوم…ويتضاعف استعدادها لتقويض أركان النظام الاجتماعي…( الموروث ) ، حتى تعدى الأمر إلى إسقاط النخب الحاكمة بل... وتجاوز ذلك حتى بلغ وجود الدولة نفسها... (غسان سلامة وآخرون ، 1996، ص/ 329 ) .

 

فعندما قضت الفئات الحاكمة على المعارضة وتنظيماتها وأخضعت مؤسسات المجتمع لخدمتها كانت بذلك تقضي على الأسس المادية لبناء المجتمع المدني وتتيح المجال لعودة التنظيمات المتخلفة واتباع سياسة توزيع الأنصبة والحصص في مجال الحياة السياسية

 

نعود فنقول بان ميلاد الدولة القطرية وتطورها تأثر بحجم وطبيعة المجتمع الذي ورثته وتكوينه وهو اقدم من الدولة واكثر رسوخا… إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة الحديثة هي نتيجة عمليتين مزدوجتين الأولى...هي التطور الطبيعي لإرث الدولة السلطانية ، والثانية هي استعادة بعض القواعد والترتيبات والرموز من نمط الغرب … حيث كان هدفها تقوية سلطانها خارجيا وداخليا … وإضعاف النخب المحلية... وكسب ولاء جماعات اكثر… ( تضررا )… من النظام البائد… ( ولكن لا نعتقد ذلك )…لأن الأمر ظل على حاله بالنسبة للدولة … من خلال المساهمة… ( الأجنبية )… واجهزة الإدارة والسلطة …ونتيجة لذلك .. لم يزل الفرد العربي يربط علاقاته الحقيقية في نطاق الأمة المحلية … خارج جهاز الدولة ..( سعد الدين إبراهيم وآخرون ، 1996 ، ص/ 91-201)… كما حدث في العراق ، حيث وصل الامر الاستعانة بالامريكيين واعادة احتلال العراق .. ، فمن هنا بدأت حركة العصيان والتمرد والتعاون مع الأجنبي في الخارج (حتى ان النخب العراقية الحاكمة اليوم دخلت العراق ممتطية الدبابات الامريكية وكظاهرة العملاء في مناطق السلطة الفلسطينية ) وقل حرص هذه الجماعات على كيان الدولة واستمرار النظام الحاكم الذي استغل علاقاته مع مختلف الطبقات الاجتماعية لمصلحته وتراوحت بين… التحالف والسلام الاجتماعي تارة والقمع تارة أخرى ، ولكن بدون إتاحة الفرص لهذه أو لتلك في أية مشاركة سياسية حقيقيةبالإضافة إلى النكسات والكوارث الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي حلت بالمجتمعات العربية نتيجة سياسات الأنظمة الحاكمة .. فكان المجتمع يصاب بتصلب الشرايين (التشنج ) والتقلص والتجمد وتتضاءل فرص الحراك الاجتماعي والعدالة الاجتماعية…( بل ومعالجة أمراض المجتمع )- التشديد من عندنا- " (سعد الدين إبراهيم وآخرون ، 1996 ، ص/ 270-271) …وما دمنا في هذا السياق فان أنماط الحياة السياسية وأشكال السلطة في حياة المجتمع العربي تنبثق من…الثقافة الاجتماعية وأنواع الأنظمة العائلية المهيمنة … باعتبارها سابقة على وجود الدولة كما أسلفنا.. ( شرابي ، 1999، ص/89) .

 

ويؤكد ذلك غسان سلامة فيما يتعلق باستحداث وإنشاء الكيانات والدول الحديثة ، حيث ساهمت هذه الظاهرة (عربيا ) في زيادة .. حدة الفوضى … لأنها أنشئت بسبب عوامل خارجية وليست داخلية - فليس لأحد فضل على إنشائها وخاصة منذ بداياتها الأولى .. سوى الدول الاستعمارية .. (غسان سلامة ، 1987 ، ص/ 27 ) … وهذا ما نريد الوصول إليه لتفسير استمرارية الفوضى واللامبالاة من قبل الأنظمة العربية تجاه مجتمعاتها المتخلفة وسر ديمومة أمراضها وعللها … حيث دعمت ذلك مثلا باستحداث اكثر من (14) جهازا أمنيا بالسلطة الفلسطينية كما ورد في تقرير مجلة النيوزويك الأمريكية في الربع الأول من العام / 2000.

 

ويؤكد وضاح شرارة نقطة هامة ، بل وتوسع فيها سعد الدين إبراهيم اكثر من حيث .. أن الدولة تحافظ أيضا على تنافر التجمعات القومية وإدارة الصراع بينها ، عن طريق الاستعداء والتفتيت وسلخ فئات اجتماعية من وسطها الطبيعي والطبقي … بالإضافة إلى أن الدولة لا تدرك أنها منفصلة كاملا عن المجتمع وإنها تستعدي كتلا اجتماعية متنافرة فيما بينها .. (سعد الدين إبراهيم وآخرون ، 1996 ، ص/ 94- 96 ) … وان استشعرت ( الدولة ) بخطر المجتمع المدني فإنها .. تعمد إلى بناء قشرة اجتماعية بديلة … فتنشئ نقابات لتمثيل الفلاحين والمهنيين مثل .. تأسيس مجلس نقابة المحامين التأسيسي في فلسطين …بقرار رئاسي قبل ( 5) أعوام لوضع النظام الداخلي للنقابة والتحضير للانتخابات …الأمر الذي احدث خلافات بين نقابيتي الحقوقيين على هذه الخلفية .. ( القدس ، 12/5/2000، ص/ 2)… وتضع على رأسها قيادات من اختيارها ، وتخلق صحافة رسمية ذليلة ( وبائسة) وتحكم سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على بقية المؤسسات الأهلية والتطوعية … فيكون المجتمع بذلك قد صنعته الدولة على مثالها وصورتها … كمجتمع اللاطبقة كدول الخليج النفطية ومناطق السلطة الفلسطينية ونظام الحكم في كل من سوريا والعراق مثلا… فحقوق الفرد السياسية لا نجد لها أثرا في هذا الفكر السياسي ونمط الحكم ..(سعد الدين إبراهيم وآخرون ،1996 ، ص/84- 96) .

 

 وهناك مثال أخر شكل سابقة خطيرة بل ومحرمة وهي تدخل أجهزة الأمن الفلسطيني في الجهاز الأكاديمي الجامعي الأمر الذي أدى إلى .. فصل عدد من المحاضرين الأكاديميين من جامعة الأزهر د. فتحي صبح.. حتى أن الأجهزة الأمنية تجاوزت حدودها وقامت بوقف وسجن د. عبد الستار قاسم من جامعة النجاح الوطنية .. ( حقوق الناس ، العدد/15، 1998، ص/25…وكذلك استعانت جامعة الأزهر ( مدعومة من السلطة الوطنية) بقوات الأمن والشرطة لاعتقال طلابها ( المصدر السابق ، ص/43 ) .

 

بالإضافة إلى ذلك هناك الغموض والفوضى في عمل بعض جهات الاختصاص الرسمية كالوزارات مثل مطالبة النائب عبد الكريم أبو صلاح رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي الفلسطيني .. السلطة الفلسطينية بضرورة المصادقة على القانون الأساسي بهدف تنظيم عمل الوزارات والمؤسسات وتحديد صلاحياتها وترتيب العلاقة بينها وفقا للقانون…إذ أن هناك جهات متنفذة تعرقل إقرار القانون كونه يضر بمصالحها .. ( الحياة الجديدة ، 9/5/2000، ص/3) .

 

ولا تكتفي بذلك بل تتعسف بالاستيلاء على أموال المواطنين بحجة إقامة مرافق خدمية عامة مثل  القرار الصادر م.ت.ف /السلطة الوطنية الفلسطينية – مكتب الرئيس ( بدون رقم) بتاريخ 7/6/2000 بشأن استملاك ارض لغايات المنفعة العامة…وذلك بعد الاطلاع على قانون الأراضي …رقم 34 لسنة 1943 …(قانون الانتداب البريطاني) – التشديد من عندنا -… تنزع مطلقا ملكية 14261 من القسائم رقم ( 7،8،9،10،12،13) من القطعة رقم ( 830) من أراضي غزة …لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية ويتم وضع يد الهيئة العامة للبترول على الأرض المذكورة وذلك لاستخدامها مخازن عامة …على كل من يدعي بأي حق منفعة على الأرض المشار إليها …ويرغب في الحصول على تعويض أن يتقدم بطلب خلال شهر من تاريخ القرار …وعلى أصحاب الأراضي المذكورة والمنتفعين بها أن يمتنعوا من التصرف بها بأي نوع من أنواع التصرف وان يبادروا برفع أيديهم عنها فورا …( الحياة الجديدة ، 20/6/2000، ص/5) .

 

لنأخذ مثلا آخر من إفرازات الدولة العربية وهي توزيع الملكية ( الزراعية ) فسوء التوزيع هو .. في صلب تكون الطبقات الاجتماعية في المجتمع العربي وخاصة في الريف … وكذلك نتيجة لرسوخ المؤسسات السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية نشأت في المدن تركيبات اجتماعية واضحة ( وصارخة) ، والغريب أن الولاءات التقليدية لا تنفصل عن هذه المؤسسات… بسبب رعاية ورضى الدولة .. ( بركات ، 1996، ص/ 81 - 95) .

 

وهناك ظاهرة أخرى وهي إنشاء الروابط والجمعيات العائلية والخيرية والتعاونية بحجة مساعدة المحتاج والفقير على أن .. التصور اللاهرمي للمجتمع يفترض بالضرورة غياب السلطة المتدرجة الصلاحيات ، فيتقرب الناس من بعضهم البعض وكأنهم متساوون في الأصل والقربى والأهل والبيت الواحد والعائلة الواحدة … فالسبب الخفي والحقيقي من وراء تشكيل هذه الروابط والجمعيات تتمثل في أسباب شخصية مصلحيه وسياسية وطائفية ، أو للاستيلاء على أموال الغير أو للبروز القيادي .. (فؤاد إسحاق الخوري ، 1993 ، ص/ 75 -85 ) … والغريب أنها تلقى تشجيعا من الدولة .

 

 وظاهرة أخرى تتصف بالفوضى الصارخة وهي فوضى تخطيط المدن فهي تفتقد للتخطيط الإقليمي المنظم وخاصة ما يتعلق بالحدائق العامة والشوارع والأبنية التي ... تنمو حسب المصالح الخاصة والانتماءات والولاءات الأولية … ولهذا فان الفصل بين المنطقة العامة والخاصة... يتلاشى  وخاصة فيما يتعلق بالأحياء ونشاطاتها التي تشمل الدكاكين والمحلات العامة وورش الصناعة والكارات ( الحرف و الأعمال ) التي يمتهنها السكان … لذا فالمدينة العربية تشترك مع القرية ببعض المظاهر الأساسية .. (بركات ، 1996 ، ص/99 ) …وهذا طبعا يحدث تحت أعين الدولة وبصرها ورضاها …كما حدث في مدينة رفح حيث سقط 3 أطفال في حجرة امتصاصية وماتوا غرقا بتاريخ17/5/2000 رغم علم البلدية بها (الحياة الجديدة ، 27/5/2000، ص/10) .

 

ولا تعتمد الدولة او السلطة على مقدراتها واعوانها ومرتزقتها ، بل وتعمد الى خلق ودعم تنظيمها الخاص ( مليشيا ) لبث الرعب والاستعراض ، مثبتة بذلك نمط حكمها الشمولي واحتكار النفوذ والقوة والثروة ، لكنها تحفظ لنفسها خط الرجعة وتتبرأ من ( فسائلها ) التي استنبتتها عندما تتضارب المصالح او تسبب اوجاع لرأس النظام او السلطة .. ومثالا على ذلك… البيان رقم /5 والصادر عن اللجنة الحركية العليا لفتح في الضفة الغربية بتاريخ 7/10/2000 والذي تطالب فيه الحركة ( برغم الأغلاط والأخطاء الإملائية والصياغة الركيكة الواردة فيه ) بضرورة ( مقاطعة المنتجات الإسرائيلية … وعرقلة ووقف عمل الدوريات المشتركة …وإغلاق الطرق الالتفافية … والتقيد بفتح المحلات التجارية حتى الساعة الواحدة ظهرا) …وجرى تعميم البيان على جميع غرف التجارة والصناعة وعلى جميع المرافق العامة للعمل بما جاء فيه ، تبع ذلك نفي رسمي من قبل السلطة الفلسطينية بما جاء في البيان الصادر عن جهة غير رسمية أو ملزمة …!كذلك دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتاريخ 20/1/2005 الى دمج المطاردين والمطلوبين لأسرائيل وكتائب شهداء الاقصى ( التابعة لحركة فتح ) الى قوات الامن الوطني الفلسطيني ، لحمايتها وحلها وتخليص السلطة من حرجها امام اسرائيل ، والسؤال هنا لماذا لم يدعى باقي المطلوبين والمطاردين  وباقي عناصر الفصائل الاخرى من حركة حماس الجبهتين الشعبية والديمقراطية والجهاد الاسلامي ...؟ ان للنظام السياسي العربي وجهان .

 

وفي النهاية فان الدولة تتبع مسارين في التحكم وخلق مجتمعها كما أسلفنا أعلاه .. أما بالتدخل بطريقة غير مباشرة وخاصة في المسار الاقتصادي ، بإعادة تشكيل علاقات القوة والضبط الاجتماعي والسياسي بأدوات القهر المتاحة لها ، أو أنها تتدخل مباشرة في المسار الاقتصادي من خلال استخدام أدواتها النقدية والمالية ، بحيث تصبح هي نفسها المنتج المباشر وصاحب راس المال .. (سعد الدين إبراهيم وآخرون ، 1996 ، ص/ 294-295 )… وبرأينا أيضا تسهل بعض الإجراءات لزبائنها وتمنحهم بعض الامتيازات كمكافآت لهم ، وخاصة فيما يتعلق بأقطاعهم بعض الأراضي المملوكة لها والتي ورثتها من بقايا الحكم العثماني أو الاستعماري ، فهنا يظهر لنا أن الدولة حريصة على أموالها وعلى عدم الاقتراب من سياستها ومطبخ حكمها السري ، ولكنها متهاونة بالأرض التي لم تتعب في الاستحواذ عليها ، لأننا سبق وقلنا بان الدولة جاءت بفعل عامل خارجي - استعماري أي على البارد ، والدليل استقطاع أراضي عربية من العراق وضمها إلى إيران (عربستان ) ولواء الاسكندرونة من سوريا إلى تركيا وتقاسم فلسطين بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، فقوة الدولة تظهر فقط في الدفاع المستميت عندما تستشعر الخطر على مكاسبها المادية ، وما يهدد نظام حكمها كادعاء نظام البعث في سوريا عقب هزيمة 1967، بأن السبب الرئيسي لحرب حزيران هو لإسقاط النظام ، فالدولة ورثت هذه التركة وحافظت عليها بل ورعتها وكرستّها وقوتها ، واخترعت أخرى غيرها …!

3-4-3- الفوضى وعلاقتها بالصحة النفسية للشخصية العربية

 

" لكل امرئ من دهره ما تعودا " شطر من بيت شعر لأبي الطيب المتنبي يؤيدها اغلب كتاب ومفكري علماء الاجتماع والنفس ، على أن الإنسان وليد بيئته الطبيعية ومحيطه الاجتماعي وفي نمط تربيته وسلوكه وأخلاقه وقيمه ونفسيته وذهنيته وحتى تركيبته الشخصية والنفسية ، ولهذا فالأخيرتان من أهم ركائز بناء الفرد (الإنسان ) من حيث السلوك الذي يعتبر الناتج الحقيقي لهما ، لذا كان من الضروري أن تنموان في بيئة صحيحة وسليمة اجتماعيا وذهنيا وقيميا وأخلاقيا وتربويا ، لان مواصفات الإنسان السوي .. هو الذي يستطيع أن يوفق بين رغباته وغرائزه وبين قيامه بواجباته … وان يكون الإنسان نافعا ومنتجا … وعكس ذلك… فالإنسان عرضة للصراعات النفسية التي تنشا في مراحل نموه المختلفة .. (مروان دويري ، 1997، ص/ 160 ) .

 

فالصحة النفسية ضرورية للإنسان وللمجتمع فهي .. حالة إيجابية توجد لدى الأفراد وتظهر حال قيام وظائفهم النفسية بمهمتها ، وهي مجموع الشروط اللازم توفرها لإحداث التكيف بين الأفراد وذاتهم وبينهم وبين الآخرين .. ( صالح أبو جادو ، 1998 ، ص/309 ) .

 

وقبل الخوض في أهمية الصحة النفسية للفرد والمجتمع ( العربي) وأسباب الأمراض التي تتطلب صحة نفسية ، والتي لا تقتصر على مرض نفسي أو اخر معين ، بل تشتمل على معالجة جميع الأمراض النفسية والانفعالية (السلوكية ) والعصبية والاجتماعية والتربوية والوراثية والجنسية والجسدية والنفس جسدية ، لذا فهي تشمل الإنسان من الداخل والخارج وكذلك المجتمع والبيئة ، فمن هنا تنبع أهميتها وهي ( الصحة النفسية ) ضرورية لجميع الناس .. الأصحاء وغير الأصحاء ، حيث الفارق بين المجموعتين هو في طريق حل الصراع التي تكون لدى المرضى بواسطة حيل دفاعية شديدة ، تبعدهم جدا عن الواقع وتستحوذ على طاقاتهم النفسية وتحول دون قيامهم بواجباتهم .. (دويري ، 1997 ، ص/161 ) .

 

ولسنا هنا بصدد تشخيص الأمراض السالفة الذكر وكيفية استخدام الصحة النفسية لعلاجها ، أولا ليست موضوع بحثنا وثانيا لسنا متخصصين في مجال الطب النفسي ، بل سنتناول الموضوع من جانب اجتماعي - نفسي وعلاقته بصحة الفرد النفسية خاصة ( إنسان المستقبل )…وهل هناك إمكانية تزايد أو تناقص أو استئصال هذه الأمراض … وكيف يمكن معالجتها من وجهة نظر اجتماعية في عالم اليوم ، الذي يشهد تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية هائلة ، ومدى آثارها على عقله وسلوكه ونفسيته وحياته ، فهناك آراء تتوقع…القضاء على جميع الأمراض النفسية والعقلية وحسم أسبابها أو الوقاية منها ، وهناك من يتوقع… أن تتطور وسائل العلاج وتكتشف الوسيلة العلاجية التي تستطيع إزالة الأعراض المرضية فورا أو بتكوين المناعة الكافية لمقاومتها ، وهناك من يتوقع… الوقاية والعلاج بما يقلل أو يمنع الأمراض … وأخيرا هناك من هم اكثر تشاؤما ويتوقعون…أن تلازم الأمراض بني الإنسان مهما طال الزمن ، وان وضع الإنسان في خطر بل وسيزداد خطورة ..وانه سيكون اكثر بؤسا وتعاسة ، وانهيار الإنسان سيكون من واقع عجزه عن التكيف مع محيطه وبيئته ومتطلباته الكثيرة والمعقدة ومواجهة التغيير.. ( علي كمال ، 1983، ص/ 711 ) … فرغم التقدم الحضاري والعلمي ومقدرة العقل البشري المستمرة في الاكتشافات ومواجهة التحديات ، إلا أن اغلب الأطباء النفسيين يميلون إلى القول بان الأمراض ما زالت في ازدياد خاصة في البلدان النامية والمتخلفة كالعالم العربي ، كذلك فهناك إمكانية ازديادها في البلدان المتقدمة لاختلال التوازن بين الفرد وبيئته - محيطه - وتعقيدات الحياة وتلوث البيئة وتفسّخ العائلة والخوف من البطالة وتوقف الآلة في ظل أزمة طاقة متوقعة .

 

والاهم من ذلك أن الاكتشافات العلمية وقبل سنوات قليلة استطاعت أن تحدث ثورة فيما يسمى (بالهندسة الجينية – Genetics Engineering ) وأثمرت عن تجربة الاستنساخ والتلاعب بالجينات وزراعتها في غير أماكنها الطبيعية ، وخلطها بجينات جديدة مختلفة ينتج عنها مسخ غير طبيعي يحدث أزمة وثورة في عالم الغد ، بحيث لن يكون للعلم ولا للإنسان المقدرة على التحكم به لقدرته المحتملة .

 

إن من كان بالأمس في عداد قصص الخيال العلمي اصبح اليوم واقعا علميا ، بل وتجاوز الخيال العلمي ، وما دمنا نبحث بالأمراض المتعلقة بالمجتمع والفرد والتي ذكرناها سالفا فلن نلم بها جميعها لكن .. مرض الكآبة والخوف من المستقبل وعلاقتها بالموت والزمن وانعكاسها على القيم والأخلاق والسلوك ... وهذا ما نلاحظه ونعيشه في حياتنا اليومية وخاصة في الشارع والمؤسسة والمنزل والجيران.. (المصدر السابق ، ص/227) … والتي تسبب انفعالا زائدا أو شرودا وتوترا مستمرا وانعزالا في انتظار شئ ما مجهول وشيك الحدوث ، فلا يمكن تحليل سلوك الأفراد .. إلا بواسطة آليات الضبط النسقية في المؤسسة الأسرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والتربوية … مما تؤثر في بلورة سلوك اجتماعي معين .. ( معن خليل عمر، 1997، ص/15) … والمقصود بالضبط ( Social Control ) هنا إعادة النظر في بناء الفرد والمجتمع وليست مراقبته ومحاسبته في ظل مرض الكابة والخوف والتوتر والانعزال ، فهو بهذه الحالة لا يحتمل ضبطا من نمط المراقبة والمحاسبة وخاصة في مجال الشخصية .. وهي تلك الأنماط المستمرة المتسقة نسبيا من الإدراك والتفكير والإحساس والسلوك التي تبدو وتعطي للناس ذاتيتهم المتميزة ، فهي تكوين اختزالي يتضمن الأفكار والدوافع والانفعالات والميول والاتجاهات والقدرات والظواهر المشابهة .. (محمد صالح آبو جادو ، 1998 ، ص/313) .

 

وقد توسع حليم بركات في وصف شخصية العربي وكذلك هشام شرابي في مقدمات لدراسة المجتمع العربي وعلي زيعور في التحليل النفسي للذات العربية وكذلك مصطفى حجازي في التخلف الاجتماعي ، بحيث اجمعوا على أن الشخصية العربية تتصف بالانطوائية والكآبة والمتقلبة والقلق والسيكوباتية والانفعالية والناقصة والعصبية ، وردوا أسباب ذلك إلى الوراثة والمحيط والمدرسة والثقافة والهجرة والاقتصاد ، والى العوامل الاجتماعية كالتربية والتنشئة الأسرية ، وما دمنا بصدد الشخصية فانفعالاتها النفسية ( العاطفية ) كالقلق والأفكار التسلطية والكآبة النفسية والنحول العصبي والشدة والإرهاق والانهيار ( العصبي ) ، بالإضافة إلى السلوك وانحرافاته ودوافعه سواء الفردية ، كالتلصصية- Voyerism والاستمناء والفتشية- Fetishism ، وحديثا الجنسية المضادة والجنسية المثلية ( ذكر وأنثى –-Pederasty  Sapphism-Lisbianism ) واللواطية والغلمانية والحيوانية والجنسية المحرّمة ، أو انحرافات الأسلوب الذي يلعب دورا رئيسيا في تشكيل أنماط سلوكه وتصرفاته في جميع حالاته ، تكمن خطورتها في أنها مستترة (وخفية) .

 

أما الأمراض العقلية وطبيعتها ومدى انتشارها وأسبابها فهي إما محدودة ، وإما عضوية أو وظيفية ، وأهمها الشيزوفرينيا والأمراض المزاجية والهياج العقلي وجنون السرقة ومشاكل الهوية الشخصية والمكانة الاجتماعية… لذا فإن مجمل الأمراض السالفة وخاصة النفسية .. تعطي المريض شعورا خاصا بعدم الارتياح والاضطراب الشخصي … والشعور بتغيير الواقع من حوله حيث يصاحب ذلك اختلال في الفكر والسلوك ..  ( علي كمال ، 1983 ، ص/ 13 ) … والدليل عند سؤال الفرد العربي أينما كان ، السؤال التقليدي " كيف الحال … أو ( كيف شايفها) …أو كيف الواقع… هل تشعر بارتياح اتجاهه…؟ حتما الإجابة ستكون من خلال فكره وذهنيته وسلوكه والذي سيكون صورة عاكسة لواقعه المعاش (المادي والمعنوي ) ومع ذلك فهناك .. الحياة اللاوعية وهي الوجه الخفي للتجربة الوجودية للإنسان … وما تمارسه من ضغوطات على المكبوتات من ناحية والإفلات من سيطرة الوعي والإرادة من ناحية أخرى ، فهذه بحد ذاتها مرضا … فهو اللاوعي – Unconscious- متغلغل في كل حركة وسكنة وتوجه ونظرة وقيمة تحيط بحياتنا... من خلال.. وأيضا بسبب ما أحدثته التربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية والسلطة السياسية والعلاقة الاجتماعية ، على اعتبار أن اكبر حليف للمرض الاجتماعي هو...المرض النفسي واضطراب الشخصية في المجتمع المتخلف… فيلجأ المريض إلى الحلول التعويضية والإفراط في الذكورية .. ( مصطفى حجازي ، 1996 ، ص/84) … ولهذا يتولد لدى الإنسان المتخلف .. شعورا نفسيا يتجاوز طاقة الاحتمال … فتبرز الحاجة إلى محاولة تغييرها…( ظروف واقعه)…أو أيجاد حلول دفاعية ليس من اجل التغيير... بل من اجل تخفيف وطأتها والتكيف والانسجام معها … فمن هنا يكمن سر تخلف الإنسان العربي لحد الآن ..(المصدر السابق ، ص/ 87-88) .

 

إن بعض الأمراض الجسمية هي انعكاس .. للأمراض النفسية والعكس صحيح … وبما أن الفوضى سلوك مادي ظاهر لحالة ذاتية نفسية يعانيها الفرد ، وهي تنبع من مرض نفسي أصلا تجسّدت بواقعها الملموس ، وتدّعمت ( كما قلنا سابقا بان كل ما حوله متغير ومختلف ) فيكون حينها ( السلوك الفوضوي )… ناتج عن مرض نفسي وليس فقط نتيجة تنشئة أسرية ومجمعية ومحيطية فقط .. ( علي كمال /1983 ، ص/15) .

 

فلا شك أن الأمراض الاجتماعية تبدأ فرديه وتتمثل سيكولوجيا ونفسيا واجتماعيا … الخ ، حيث يظهر ذلك على ..الذاكرة والانتباه والتفكير والإرادة والانفعالات والتعابير اللفظية والمظهر العام الخارجي والأعراف الاجتماعية .. (شكور ، 1998 ، ص/ 49-59 )…بالإضافة إلى الجوهر الباطني (النفس والعقل والأعصاب ) مع أنها خفية ، إلا أن لها تأثير هام من حيث استفحال المرض .

 

إن مسألة الهامشيون – Mob-Ignoble-Trash في المدن العربية تشكّل تراكما ضخما من الأمراض الاجتماعية والنفسية والسلوكية والسادية وجميع ما يعني من دناءة وجنوح ، وسببها .. عدم التجانس الاجتماعي للتحالف بين التركيب الفكري والعالم الروحي … للتعبير عن الذات ، بالإضافة إلى المغالاة في حب الظهور والمعارضة الانفعالية والفوران ( الهيجان ) الهستيري … بسبب وضعها المحتقر والبائس … الناتج عن الجوع واليأس وخيبة الأمل والحرمان والخوف من الفقر والإفلاس والوضاعة… (والضياع )… واسوداد المستقبل… فيميلون إلى بيع النفس والوقاحة المبهرة واللاأخلاقية… وهم نتاج تفكك المجتمع التقليدي… وبعيدين عن التحديث والتطور الثقافي والعلمي والحضاري ، ومرتبطين بالقبيلة كقطيع …(حتى بعد انفصالهم عنها)… حيث يشكّلون جماعات قطيعية أو جمعية سرية أو فرقة أخوية ، بسبب تدني الكفاءة والمكانة اللازمة في البيئة الاجتماعية … لذا نراهم يمتهنون المهن الوضيعة التي لا تحتاج إلى تأهيل عال ..( عصام الخفاجي وآخرون ، 1993 ، ص/ 306 - 307 ) .

 

ولهذا نلاحظ أن الفوضى بذاتيتها الحيوانية ورفضها الأعمى ، رافضة لأي تقيد بالنظم الاجتماعية بالإضافة إلى .. العداء للدولة وعبادة الحرية المطلقة…( الفوضوية )…التي تتحول للعنف والتدمير … لذا فالفوضوية والتقليدية في الشرق ليست مجرد خيبة أمل العناصر التي انسلخت عن طبقتها الاجتماعية وفقدت روابطها ... بل هي رد فعل على عدم الوصول … إلى عدم الحزم في حل المشاكل .. ( الخفاجي ، 1993 ، ص/ 322 ) .

 

إن استعراضا موجزا ( أو مراجعة واستذكار- Revision ) لسمات وطبيعة ونمط المجتمع العربي الذي يتصف إجمالا بالتخلف كما استعرضناه في الفصل السابق ، تدل على انه بيئة نشطة وموّرثة للأمراض خاصة النفسية والعقلية ، بالإضافة إلى ظواهره العامة التي تولد السخط وعدم الرضى لدى الفرد في محيطه بشكل عام ، بالإضافة إلى ذلك استمرار توارث هذه الآفات والعلل عبر الأجيال السابقة واللاحقة أمام الكم الضئيل من العلاجات وخاصة النفسية ، بشكل يوحي وكأن هذه الأمراض لأحد لها أو كأنها نبع لا ينضب ، من هنا برز فريق من البحاثة والكتاب والمعالجين الاجتماعيين والأطباء النفسانيين ذوي نظرة تشاؤمية فيما يتعلق بالأمراض الاجتماعية والصحة النفسية للمجتمع ضمن مسالة .. مقومات المجتمع العربي والثقافة وأنماط المعيشة والتمايز الطبقي وتصنيفاته ، وطبيعة دور العائلة والقرابة والحياة الدينية والصراع بين القيم ومضامينها ، بالإضافة إلى الواقع العربي كنظام اجتماعي-سياسي يعاني من سلطة إرهابية  كلها تمثل بؤر وأمراضا اجتماعية ونفسية ، ونتساءل هنا كغيرنا.. ما العمل وما هو الحل..؟ (بركات ، 1996 ، ص/ 447-450) .

 

خلاصة :- ان مقاييس ونسب التخلف تختلف من مجتمع لأخر ، لكن هناك مقاييس ثابتة تراعى فيها العوامل ( التراكمات ) المادية والروحية ( المعنوية) ، وطبيعة المراحل الزمنية التي مر بها المجتمع ونمط استغلاله للزمن وهدفه من حياته ، فالفراعنة مثلا كان هدفهم الخلود الابدي فاستثمروا حياتهم للوصول الى الهدف ، لذا فالمجتمع يعتبر صانع امراضه والدولة تشكل الدفيئة والاداة الرئيسية في الابقاء او القضاء عليها ان ارادت ، على اننا تطرقنا لموضوع الشخصية العربية في هذا الفصل الا اننا آثرنا الحديث عنها بتوسع طفيف في الفصل الخامس .

يتبع

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ