ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 20/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام والغرب.. صراع المشاريع

الحلقة السابعة عشر

عماد الدين زنكي وافتراءات المستشرقين

د. علي محمد الصلابي

نواصل الحديث في هذه الحلقة عن فتح إمارة الرها وتحريرها من أيدي الصليبيين، على يد القائد المجاهد عماد الدين زنكي، حيث نتطرق إلى بعض الافتراءات التي رددها بعض المستشرقين بشأن القائد زنكي، والرد عليها من خلال الحقائق التي وردت في كتب المؤرخين ممن عاصروا تلك الفترة.

يعد المستشرق جون لامونت من أبرز المؤرخين الأمريكيين خلال النصف الأول من القرن الماضي، وتعددت مؤلفاته في مجال الصليبيات، ولاسيما دراسته الوافية عن الملكية الإقطاعية في مملكة بيت المقدس، غير أن له دراسة أخرى عنوانها الحرب الصليبية والجهاد ضمن كتاب "التراث الإسلامي" الذي نشره نبيه فارس.

وفي هذه الدراسة؛ اتجه لامونت إلى تفنيد فكرة الجهاد عند المسلمين حينذاك، وصور تحرك قادة الجهاد الإسلامي حينذاك على أنه جاء من خلال دوافع سياسية واقتصادية، وذكر أن عماد الدين زنكي لا يعتبر بأي حال من الأحوال بطل الجهاد، وإنه وإن كان يطمع في استرجاع الرها منُذ وقت طويل كما يقول كمال الدين بن العديم، لم يقم بهذا العمل بوضوح إلا متأخراً، وبعدما حثه على ذلك أميـر حران جمـال الدين أبو المعالي فضل الله بن ماهان الذي بين له سهولة احتلال المدينة (1).

ويستمر لامونت في تصوره قائلاً: الظاهر أنه هو نفسه كان يعتبر احتلال الرها خروجاً عن سياسته وعملاً قام به بناء على تحريض الآخرين (2) وذكر أيضاً: أن استيلاء زنكي على حماه، وحلب وحروبه ضد الأرتقيين أعظم أهمية عنده من حرب النصارى، وما كان ليكره التحالف مع اللاتين إذا رأى في ذلك مصلحته (3).

ومن الممكن تفنيد تلك الآراء على النحو التالي:

- كان اتجاه عماد الدين زنكي لمهاجمة الرها متأخراً وذلك أمر لا يقلل البتة من دوره الجهادي خاصة أنه كان يرى أن يستهلك طاقات تلك الإمارة الصليبية في صراعاته وحروبه معها ضد حصونها ومعاقلها، تم يتجه بعد ذلك إلى مهاجمة الإمارة نفسها بعد أن يتمكن من سبر غور دفاعاتها، ومعرفة نقاط الضعف فيها، وكذلك نقاط القوة.

ومن ناحية أخرى من الطبيعي تصور أن نصيحة أمير حران لزنكي بإسقاط الرها لم تكن لتغير من الموقف شيئاً ما لم يكن زنكي قد خطط مسبقاً لذلك، بل أغلب الظن أن سقوط تلك الإمارة من الصعب تصور حدوثه على النحو الذي يصوره لامونت، بل أنها في الأغلب كانت من مخططات الزنكيين منُذ أمد بعيد.

أما تعليل عدم تبكير زنكي، بالاستيلاء عليها، فذلك مرجعه إلى عدم رغبته في إجهاض قوته الحربية في صدام مبكر مع الصليبيين غير مضمون النتائج خلال مرحلة حكمه المبكرة، ولذا فمن الممكن اعتبار توقيت الاستيلاء على الرها - على نحو ما فصلته المصادر اللاتينية والسريانية والعربية، يعتبر بحق من أبرز دلائل حنكة زنكي السياسية، ويبدو أن إدعاء لامونت بأن إسقاط الرها كان بعيدا عن سياسة عماد الدين زنكي هو أكبر الإدعاءات التي لا تجد سنداً تاريخياً يدعمها.

ومن المعروف أن زنكي كان مشتركاً في جيش مودود، وبنص عبارة ابن الأثير: شهد معه حروبه (4) ، ولا ريب في أنه أدرك أهمية إسقاط الرها، بل إن ذلك الحلم ترسب في ذهنه منُذ زمن بعيد والمتصور أنه أراد النجاح فيما أخفق فيه مودود من قبل، وقد أعتقد أن إسقاطها أمر ضروري على اعتبار أنها الهدف الصليبي الأقرب إلى الموصل، كما أن تحقيق مثل ذلك الهدف من شأنه تيسير اتصاله بشمال الشام، وخاصة من خلال رؤيته التوحيدية الثاقبة (5).

- إن افتراض جون لامونت بأن زنكي كان يمكن أن يتحالف مع اللاتين من أجل مصلحته السياسية، افتراض يدعم حنكة عماد الدين زنكي السياسية، فقد لجأ إلى عقد الاتفاقيات مع الصليبيين أحياناً من أجل التقاط الأنفاس، وعدم الوقوع في آتون جبهتين: جبهة الشرق بصراعه مع قواه السياسية، وجبهة الصراع مع الصليبيين ثم أنه أراد أن يبعث الطمأنينة في نفوس الأخيرين من خلال مثل تلك الاتفاقات، في حين كان يبطن النية للإجهاز على الرها، ولذا جاءت عمليات الحصار من جانبه نحوها أمراً مفاجئاً لأهلها (6).

- أما القول بأن زنكي لم يكن هدفه الوحيد إسقاط الرها، بل إنه كان سعى أيضاً إلى بناء دولته على حساب جيرانه سواء المسلمين أو الصليبيين فينبغي ملاحظة أن كافة القيادات الإسلامية التي ظهرت خلال عصر الحروب الصليبية على امتداد القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي/السادس والسابع الهجري، وساهمت في قضية الجهاد، كان لديها طابع ما من الطموح السياسي وكانت تسعى بالفعل إلى توطيد أركان دولها على حساب القوى السياسية المجاورة لها، غير أن العبرة هنا بأن الطموح السياسي - كما أشرت من قبل - يتم تفجيره في قضية الأمة بأسرها وهي الجهاد، لأن مثل تلك القيادات كان من الممكن أن ترضى العيش في ذلة وإنكسار مع الصليبيين ولا تتوسع على حسابهم تجنباً لإثارة المشكلات السياسية معهم ولسقوط القتلى والجرحى بل وتعرض مناطق نفوذها الأصلية لاعتداءات الغزاة غير أنها رفضت ذلك وقبلت التحدي الصليبي وأظهرت قدرتها على تغيير الجغرافية السياسية للمنطقة من خلال تبنيها لمشاريع الجهاد (7).

- من المهم أن تعرف أنه لا يخفى على دراسي تاريخ العلاقات الإسلامية مع القوى المسيحية في مرحلة الحروب الصليبية، كيف أن قطاعاً من المستشرقين حرص على سلب المسلمين إنجازاتهم، وشككوا في المراحل الناصعة من تاريخهم، كما أن هناك ثأراً ملازماً ذلك القطاع منهم لاسيما مع فكرة الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، ولذلك حرصوا الحرص أجمعه على إنكارها، والتشكيك فيها، والإساءة إلى كافة التجارب الجهادية الماضية للمسلمين حتى لا يتبنوها في الحاضر والمستقبل.

وهكذا من الممكن التقرير - بموضوعية ودون اعتساف في الأحكام - أن عصر الحروب الصليبية شهد نقلة نوعية في تطوير فكرة الجهاد في الإسلام، حيث أن الجهاد هذه المرة ضد عدو استقر على الأرض الإسلامية، بعد ضعف المسلمين من جراء صراعاتهم مع بعضهم البعض، فإذا ما أدركنا أن هويتهم الدينية كانت في خطر أمام مشاريع التنصير التي علقت عليها البابوية آمالاً كباراً، أدركنا كم كانت فكرة الجهاد فكرة محورية في عصر الحروب الصليبية (8).

إن المراجع الغربية حاولت تشويه صورة هذا المجاهد الكبير قديماً وحديثاً ومن أشهر الكتب المعاصرة، كتاب الحرب المقدسة، الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم، حيث قالت صاحبة الكتاب كارين ارمسترونغ عن عماد الدين زنكي: لم يكن هذا بأي حال قدوة تحتذى، بل كان سكيراً عربيداً قلما يفيق من سكره، كما كان قاسياً بطاشاً مثل معظم رجال الحرب في عصره (9).

وسيرة الرجل تكذب ما يقولون ووصفه مؤرخونا بالشهيد وهو وسام عالي الرتبة والمقام لا يعطي إلا لمن هو أهلاً لهذا الوصف الكبير، فقد قالوا في سيرته: من أحسن سير الملوك وأكثرها حزماً للأمور وكانت رعيته في أمن شامل يعجز القوي عن التعدي على الضعيف (10) ، وكان معظماً للشريعة ومقيماً لحدودها في دولته وقد كلف بذلك القضاة".

إن من أهداف بعض المستشرقين من ذلك، هي:

  تشويه رموز الجهاد لكي تبقى أجيالنا بدون قدوة تقوي العزائم وتنهض بالهمم.

  إضعاف روح الفداء والتضحية والشهادة والجهاد في الأمة حتى يستطيعوا سوقها كالبهائم.

  محاولة فصل الأمة عن تاريخها بالأكاذيب والتشويه حتى لا ترجع إلى تاريخها الحافل فتستخرج منه الدروس والعبر.

  كانت كتابتهم تنبثق من روح صليبية حاقدة على الأبطال الذين ساهموا في إفشال المشروع الصليبي وذلك حاول المستشرقون تشويه صورة عماد الدين زنكي.

  إن سيرة عماد الدين ومن حوله من أعوانه المخلصين كالقاضي الشهرزوري تقطع بدون شك بكذب أولئك المستشرقين الذين حاولوا طمس الحقائق وإلصاق التهم الباطلة بذلك الرجل العظيم، فتجربته الجهادية تستحق الدراسة والتحليل العميق مع ربط ما وصلنا إليه من دروس وعبر بواقعنا المعاصر، لكي نستفيد منها في السعي الجاد لنهضة الأمة.

________________

1- الحروب الصليبية، العلاقات بين الشرق والغرب ص 166.

2- المصدر نفسه ص 166.

3- المصدر نفسه ص 166.

4- الباهر ص 17 الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 167.

5- الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 167.

6- المصدر نفسه ص 167.

7- الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق الغرب ص 168.

8- المصدر نفسه ص 168.

9- الحرب المقدسة الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم ص 245.

10- كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/157).

يتبع بإذن الله ..

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ