ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 20/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


منهجية التعامل مع السنة النبوية

(16)

د. محمد سعيد حوى

القاعدة التاسعة:

وجوب التكامل بين عمل المحدث الناقد البصير والمجتهد الفقيه, وحق الاستنباط مقصور على الفقيه المجتهد, مع كون المحدث قد يكون فقيهاً مجتهداً والعكس.

فلا بد للفقيه قبل ان يستنبط الاحكام من السنة ان يرجع الى المحدث ان لم يكن الفقيه ناقداً بنفسه ليأخذ حكمه على حديث ما.

ومن واجب المحدث اذا ما رأى استنباطاً وتفقهاً في السنة من قبل اهل الاجتهاد ان يقيم لموقفهم الاجتهادي وزنه العلمي اللائق به, اذ استنباط الاحكام عملية اجتهادية متكاملة تقتضي النظر في كتاب الله اولاً ثم ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمل الصحابة ثم القياس ومصادر التشريع الاخرى مسترشدين بالقواعد الشرعية والفقهية المقررة وفق علم اصول الفقه مع المام باللغة والبلاغة والناسخ والمنسوخ وازالة ما قد يقع من اشكالات ومعارضات.

ان الذي يحدث احياناً انك تجد فقيهاً ينتصر لحكم ويتشدد فيه وبعد البحث والتحري تجد ان مستنده في ذلك حديث ضعيف, وكذا العكس, يصحح محدث ما حديثاً وقد يكون حكمه سليماً من حيث دراسة السند لكن الفقيه قد يستنبط خلاف ما هو ظاهر المتن المصحح لما يراه من معارضة فيه للكتاب او شهور السنة او قواعد الشريعة المقررة او لما وقف عليه من ادلة مقابلة.

الذي يحدث عند بعضهم انه اذا رأى فقهياً لم يأخذ بحديث صححه تجده يصوّر المسألة وكأنها اعراض عن السنة او رد للصحيح من الحديث وربما تجاوز الامر الى الطعن والغمز واللمز.

انه لا بد ان يقوم الناقد الحديثي بدوره في نقد الحديث ويحكم عليه بما يهديه علمه وتخصصه بتوفيق الله ثم يدع المجال فسيحاً للفقيه المجتهد ان يستنبط ويرجح وفق علمه مستفيداً كل من الآخر.

 

امثلة تطبيقية:.

والآن دعوني اضرب امثلة في ذلك:.

1- كنت تحدثت في الحلقة السابقة عن مسألة دية المرأة, ولاحظت ان اكثر الفقهاء يقرون انها على النصف من دية الرجل, ومن انتصر لذلك من المعاصرين الشيخ مصطفى السباعي والشيخ مصطفى الزرقا رحمهما الله.

ومما ذكره  الاستاذ الزرقا ان من مسوغات ذلك:.

1- ان الدية ليست في القتل الاجرامي المتعمد.

2- ان الدية ليست عقوبة للزجر.

3- انها ليست تعويضاً مادياً عن المقتول اذ لا يقوّم الانسان مادياً.

4- ان التعويض انما يكون بحسب الضرر المادي المترتب على القتل... الخ (العقل والفقه ص 43) بتصرف واختصار.

واقول هنا: لو ان فقهاءنا الاجلاء رحمهم الله قديماً وحديثاً دققوا المسألة حديثياً وقفوا على ضعف الحديث الشديد في ذلك لاراحوا انفسهم من تبرير هذه المسألة بهذا التكلف..

مثال آخر.

وتبعاً لهذه المسألة مسألة دية المرأة عن دون النفس (كقطع اصبع او عدة اصابع خطأ).

هنا يستشهد الفقهاء بحديث عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعاً "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته" اخرجه النسائي 8/44/45 والدارقطني 3/92.

وفي رواية للبيهقي (فما زاد فعل النصف).

لقد كان هذا الحديث مثار اشكال عند كثيرين, اذ معناه انه لو قطع من امرأة اصبع ففيها عشر من الابل ولو قطع اثنتين ففيها عشرين ولو قطع ثلاثة ففيها ثلاثين اما لو قطع اربعة اصابع ففيها عشرين (أي تعود الى النصف).

اعترض سابقاً ولاحقاً على هذا الأمر, اذ كيف يعقل ان دية ثلاثة اصابع ثلاثون ودية اربعة اصابع عشرون.

ممن وقف ملياً وطويلاً مع هذه المسألة الاستاذ الزرقا رحمه الله ليصل الى ان المراد من الحديث ان الثلاثة الاولى لا تنصف والذي ينصف هو ما زاد على الثلاثة, بشرط ان لا يزيد مجموع دية الاصابع على النصف, وايد كلامه بكلام من نيل الاوطار (7/226).

لقد اجتهد الشيخ رحم الله نفسه ليصل الى امر مقنع في فهم الحديث ولا شك ان هذا يدل على عظيم فقهه. ولكن: لو رجعنا الى علماء نقد الحديث لرأينا ان الحديث لا يصح البتة, فهو من رواية اسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب.

واسماعيل مخلط في روايته عن غير اهل بلده وهذا منها, كما ان ابن جريج مدلس ولم يسمع من عمرو بن شعيب, فالحديث منقطع, كما ان هناك انتقادات كثيرة لسلسلة حديث عمرو بن شعيب خاصة عند التفرد.

فاذا كان الحديث ضعيفاً لماذا نجهد انفسنا في فهمه, او تأويله لينسجم مع الشريعة؟.

لماذا نعمل به اصلاً؟.

(انظر العقل والفقه في فهم الحديث النبوي للاستاذ الزرقا ص 37 فيما بعد, دار القلم – دمشق, 2002, ط2.

 

المسألة الثالثة.

بالمقابل, نجد الفقهاء يختلفون في مسألة قتل المسلم بالكافر.

فذهب جمهور الفقهاء الى عدم جواز قتل المسلم بالكافر (أي لا يقام القصاص على المسلم الذي قتل كافراً عمداً).

معتمدين في ذلك على الحديث الذي رواه ابو جحيفة: "قلت لعلي هل عندكم كتاب؟ قال: لا الا كتاب الله او فهم اعطيه رجل مسلم, او ما في هذه الصحيفة, قلت وما هذه الصحيفة قال: العقل (احكام العاقلة) وفكاك الاسير, ولا يقتل مسلم بكافر, اخرجه البخاري (111) والترمذي (1474).

كما روي من طريق قيس بن عُباد عن علي, اخرجه ابو داود (4530) والنسائي (2/240) واخرجه احمد (2/191) وابو داود (2751) و(4531) وابن ماجه (2659) وغيرهم من طريق عمرو بن شعيب بلفظ لا يقتل مؤمن بكافر. والحديث صحيح لا مطعن فيه.

وذهب الحنفية وآخرون مذهباً آخر اذ لهم اجتهاد خاص في فهم هذا الحديث.

اذ يرون ان الكافر نوعان محارب (عدو) وذمي (معاهد) ولفظ الكافر عام في النوعيم.

لكنهم جعلوه خاصاً في الكافر المحارب (العدو) اما الذمي المعاهد فيرون انه اذا قتله مسلم عمداً فيقتص منه عملاً بعموم القرآن "والنفس بالنفس" وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر..".

وقالوا: ان الاسلام اكد على وجوب حرمة وعهد الذمي وايضاً قد يكون بعض المسلمين مجرماص فلم نحمي المجرم, فاذا قتل بلا سبب فلم لا يعاقب (اما لو كان لسبب كأن استفزه في امر ديني, فالأمر مختلف).

وكونهم استدلوا بأحاديث لم تصح لا يغير من واقع الامر شيئاً, اذ العمدة على فهم الكتاب هنا, ان موقفهم هذا عمل فقهي اجتهادي رائع.

فهل هو رد للسنة او عمل بالعقل بخلاف هدي النبوة؟؟ ابداً.

وانه لما يدعو الى مزيد من العجب مع التأمل والتدبر ان يأتي هذا القول "لا يقتل مسلم بكافر" مقترناً بقول الامام علي" (ما عندنا) الا كتاب الله او فهم المطية رجل".

اليس هذا انموذج لهذا الفهم.. في كتاب الله فما وجه النكير اذا كان المقصد هو العمل بمقتضى الدليلين الكتاب والسنة تحقيقاً لما دعا اليه الاسلام من تحقيق اعلى مراتب العدل, والحق, اما ان يشنع على الحنفية ومن تبعهم انهم خالفوا قول الله تعالى "أفنجعل المسلمين كالمجرمين".

انه لا شك ان الآية جاءت في سياق بيان فساد عقائد واخلاق الكافرين.. اما موضوعنا فهو تحقيق العدالة عندما يكون احد من المنتسبين للاسلام قد وقعت منه جريمة قتل عمداً قد يقولون ان الحديث قد خصص عموم القرآن.

فها هنا يقال لا نناقش في هذا الامر ولكن النظر الاجتهادي للأمام ابي حنيفة اداه الى القول ايضاً ان الكافر هنا مخصوص بأحد نوعيه (المحارب المعادي) على ضوء نظرة في مجمل ادلة الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وقواعدها.

وهبّ انه اخطأ في هذا النظر الاجتهادي الوجيه حقاً, فيبقى ان القضية كلها اجتهادية, لا تصادم الكتاب والسنة ولا الثوابت او القطعيات فلم لا يكون لدينا من سعة الأفق وبُعُدُ النظر ما يجعلنا نتعامل مع هذه الاجتهادات بصدر رحب وحوار علمي بعيداً عن الطعن والغمز واللمز والتشكيك والاتهام خاصة اننا نتعامل مع جهابذة علماء وفقهاء الأمة رحمهم الله.

يتبع..

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ