ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 20/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ظواهر الفوضى والعنف

واشكالية التخلف في المجتمع الفلسطيني

 ومجتمعات المشرق العربي

دراسة حالة فينومينولوجية ونفس اجتماع  

(2)


بقلم : علي نجم الدين

1:3:2- فوضى القيم والثقافة في التغير الاجتماعي  :-

ان الثقافة (   Culture )  تعني التراث (  Heritage) الذي ينتقل من الجيل السابق الى الجيل اللاحق وهو مكتسب من الحياة في المجتمع من قبل الافراد الذين يعيشون فيه وهو تراكمي ومتطور ويشمل الجوانب المادية والمعنوية في احداث التغير الاجتماعي .

 

والانغلاق الثقافي (Culture Isolation  ) يعني العيش ضمن الثقافة الواحدة من دون الانفتاح على غيرها من الثقافات والحكم على انها الثقافة الطبيعية الوحيدة وما عداها يجب ان يقاس عليها وان الثقافات الاخرى لا اهمية لها .

 

إن الشعور بالنقص ( Inferiority Complex ) هو السبب الرئيسي في اختلال التوازن في تقييم الذات لصالح الغير وخاصة عند شعور الفرد بطعنة عميقة ومستمرة في قيمه ومثله وثقافته وفكره ، فيشعر بالمرارة والتخلف بسبب إعاقة في التكوين النفسي ، حيث يجنح به ذلك للتعويض والتخيل بسبب شدة الفوضى التي يعانيها .. جراء ازدواجية الثقافة والصراع بين التقاليد القديمة وبين الانطلاقات الحديثة وضروراتها ، مما يسبب له التمزق والحيرة والقلق الداخلي وينعكس بالتالي على الموقف والأخلاق والسلوك والإبداع .. ( علي زيعور ، 1987، ص/105 ) .

 

التغير الاجتماعي وعلاقته بالثقافة السائدة  :-

 

ان التغير الاجتماعيSocial change) ) يعني التبدل في الابنية الاجتماعية أي في انماط الفعل الاجتماعي ( السلوك والتصرف ) والتفاعل الاجتماعي بما فيها من نتائج ومظاهر متمثلة في معايير وقيم ونتاجات ثقافية ، بمعنى ان التغير والتبدل او الاضافة يشمل النظم والظواهر والعلاقات الاجتماعية بدون تحديد اتجاه هذا التغير الذي يعتبر نتيجة التغير الثقافي والذي يصيب انساق وافكار متنوعة من المعتقدات والقيم والمعايير أي ( عناصر الثقافة المعنوية ) ... ولكن كيف يحدث التغير الاجتماعي ....؟ انه يحدث ضمن نظريات وحسب اسس ومحددات وعوامل  واسباب وهي التي تعنينا ومن اهمها... ( مبادئ علم الاجتماع ،2000 ، ص/308-311 ) :-

1- فكري- ايدولوجي .

2- اقتصادي .

3- تقني – تكنولجي .

4- ديموغرافي ( سكاني) .

5- بيئي – ايكولوجي .

6- عنصري ( بيولوجي ) .

7- ثقافي .

8- ديني .

 

 

والتغير الاجتماعي بحاجة الى حركة اجتماعية ( Social Movement ) ليحدث في المجتمع ، اما الى وضع مرضي او غير مرضي ، ولهذه الحركات نماذج متعددة منها الاصلاحية او التراجعية او الثورية او التعبيرية ( الاحتجاجية ) والاخيرة على نمطين اما شرعية او غير شرعية ... لكن في كلا الحالتين فان للتغير الاجتماعي اثار اهمها :-

1- اما ان تتعارض مع القوانين السائدة .

2- واما التوفيق بين القيم المتعارضة .

3- واما الموافقة على التجديد .

 

اذن من خلال الاثار نستنتج ان هناك معوقات امام التغير الاجتماعي تتعلق بـ :-

1- معيقات اجتماعية وهي اما ان تكون قسرية او للمحافظة على الوضع القائم او لعدم تجانس وتكامل المجتمع .

2- معيقات اقتصادية وهي اما لقلة الموارد الاقتصادية او لانخفاض المستوى التعليمي او الثقافي .

3- معيقات بيئية – ايكولوجية .

 

لنأخذ مثلا الشعور بالنقص والعجز الاجتماعي ( Social Incapacity) الذي يعانيه الفرد العربي خاصة أمام الضيف أو الغريب أو الأجنبي ، فهو يشعر بكبرياء في تدخينه سيجارة أو حين يلبس ثيابا أجنبية ، بالإضافة إلى انه شديد الانضباط  في مواعيده مع الأجنبي ، ويكون في منتهى الأدب والرقة والاتيكيت المصطنع والتملق والمداهنة ( Adulation & Cajolery) ، أما في حالة السير معه في الشوارع وعلى الأرصفة فأنه ( العربي)… يلتزم بعبور الشارع من المكان المخصص للمشاة ، حتى انه لا يتجرأ على التدخين في السيارة أو الحافلة وهو معه ، حتى في قيادته للسيارة أيضا تراه يتحلى بفن وذوق وأخلاق السياقة الراقية أمام الأجنبي ..(الحياة الجديدة 17/6/2000، ص/5)… لكن في حالة التخلّص منه (من الأجنبي) فان العربي يعود ( Retrace ) إلى طبيعته الفوضوية من عدم احترامه لمواعيده وزياراته وخاصة للمستشفيات ويدخّن في السيارات والحافلات ، بل ويتجرأ بصفع رجل المرور ، على عكس ما أظهره أمام الأجنبي قبل لحظات …لماذا…؟  لأن هذه اللحظات ( أمام الأجنبي) تعطينا الفرصة لنعيش ونتلذذ (Relish ) التميز والتفرد أمامه لنحاكيه ، وهذا ما تحدثنا عنه في موضوعة ( القيم ونمط التربية والحرية كمثال ) ، وحتى وأن أتقنا ممارسة الحرية أمام الأجنبي فهي فوضوية بالمقاييس الأخلاقية والاجتماعية ، لأننا متأكدين من ذاتنا بأننا نقّلد ونكذب ونتجمل أمامه بسبب النقص الذي نعانيه من جهة ، ولأننا نفتقد لأساسيات التربية والثقافة الخاصة بقيم الحرية – والتي نحن بصددها- ولم نتعود عليها ، وهي في الحقيقة فوضى وليست حرية من جهة أخرى ، والا ما الذي يدفع الإنسان العربي لان يقول عند أي فعل يقوم به أو حركة أمام المجموع أو الأفراد مثلا ( أنا حر… اعمل ما يحلو لي ) وفي جميع المناسبات ، فهذا دليل على النقص والتشوه في التربية والسلوك والثقافة ، والذي ما زال شاغرا ومترسخا في داخلنا ومهما حاولنا سداده ( النقص- Penury ) .. فالعربي سيظل عربي ولو تغير دينه أو تقليده أو جلده .. ( واصف عبوشي، 1980، ص/6 ) .

 

إن أثر الثقافة يظهر جليا على سلوك الفرد أو .. بحسب ما يومئ به نظام القيم لديه … والذي كوّنه خلال حياته وتربيته وتنشئته وعلاقاته …الأمر الذي قد يتعارض مع نظام القيم السائد في المجتمع ، لذا فكل فرد في هذه الحالة من (الفوضى ) يتصرف ويسلك ويحكم على الأمور من خلال نظام كونه وترسّخ لديه ضمن ما يسمى بالتنظيم الاجتماعي .. (شكور ، 19، ص/85 ) .

 

لهذا فالتنظيم الاجتماعي يعتبر من انماط السلوك تجمعت حول حاجات الانسان الاساسية ، ويعتبر مستودع التراث الثقافي يفيد كمرشد ودليل لكل سلوك ويعين كل دور او مركز ويحدد كل وظيفة ، حيث يصبح السلوك من خلال التنظيم الاجتماعي رسميا ومنمطا خاصة حين يرتبط بقيم ثقافية ويؤدى بطريقة آلية ومن ثم يترسخ ويتعمق الخضوع له ، وبالتالي يتقبل الناس معاييره من خلال السلوك المقبول والمرضي ، لكن ان تحول عن هذه الانماط السلوكية ( المشار اليها ) فان السبب ان هناك تباين ثقافي ينتج صراعا اجتماعيا كما راينا سابقا.

 

ان التنظيم الاجتماعي يرتبط بالبناء الاجتماعي ارتباطا التحاميا وما البناء الاجتماعي الا النتيجة النهائية للتنظيم الاجتماعي او افراز طبيعي له حيث يشمل جميع مستويات العلاقات الاجتماعية في البناء الاجتماعي .

ومستوى العلاقات الاجتماعية في البناء الاجتماعي الطبيعي هي ثلاث ، اما في مجتمعاتنا العربية ربما تمتد لكثر من ذلك والمستويات الثلاث هي :-

1- المستوى الاول :- ويشمل الاسرة وجماعات الصداقة والشللية والاتراب والجيران ( الجماعة الاولية – Primary Group) .

2- المستوى الثاني :- ويشمل المدرسة او النادي او المؤسسة البروقراطية او اجهزة الدولة الرسمية ( الجماعة الثانوية – Secondary Group) .

3- المستوى الثالث :- وتشمل العقيدة او الاتجاه الفني او الادبي او الفني او المهني او الجمعيات بانواعها  ( الجماعة المرجعية – Reference Group ) .

 

والانسان السوي يجب ان تتوفر فيه المستويات الثلاث لتعكس نمط وطبيعة السلوك الانساني المنظم . اما في عالمنا الثالث او عالمنا العربي فهناك مشكلة ( تداخل ) في مستويات العلاقات بعضها ببعض والسبب :-

1- بكيفية الاتصال ونعني بها طبيعة العلاقات من الادنى الى الاعلى وبالعكس وتظهر خالية من المشاعر والعواطف والمودة  ويظهر ذلك في جميع المستويات .

2- تداخل المستوى الاول بالمستوى الثاني ونعني به نشوء ( تكوين ) علاقات جماعة اولية في المستوى الثاني ( الجماعة الرسمية ) والسبب يرجع عما فقده الافراد من قيم ومعايير ثقافية وتعاطف في مؤسساتهم الرسمية كتكوين النقابات او الجمعيات  .

3- تداخل المستوى الثالث بالمستوى الثاني ونعني به تداخل العلاقات المرجعية بالعلاقات الرسمية وهذه تتضح عندما يهيمن نسق اجتماعي –Social System  ( كحزب او حركة او فكر سياسي او عسكري ) على جميع انساق البناء الاجتماعي ، وهنا تظهر الفئوية والطائفية والعنصرية ، وتصبح المناصب والمكافآت حكرا على المنتفعين واعوان الحزب او الحركة فقط ، وتصبح انساق البناء الاجتماعي مغلقة امام باقي الافراد كما حصل ويحصل في العراق وسوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية ، انها فوضى ما بعدها فوضى .

4- لم تقتصر الفوضى على التداخل ضمن المستويات الثلاث فقط ، فهناك مستوى رابع ولكنه غير رسمي أي انه خارج اطار البناء الاجتماعي وهو مستوى السلوك الجمعي – Colective Behavior – وهي النزعة القطيعية – Instinct Herd Gregarious - ومن المفترض في الوضع الطبيعي ان يكون هذا المستوى غير ثابت او مستمر ، وان يكون آني وطارئ وعفوي كالجمهور او الحشد او الجمع او مجموعات الشغب او الغوغاء او جماعات البدع او الصرعات ، الا انه في المجتمعات العربية عكس ذلك تماما لماذا ...؟ لان البناء والتنظيم والعلاقات الاجتماعية مصابة بفيروس الفوضى ولاننا نستهويها ونشعر بنشوة عارمة حينما نمارسها ، بل ونحس براحة تامة ومتعة بعد ان كنا موتورين ومحتقنين وساخطين ومفتقرين لنظام قيم وثقافة وتنشئة اجتماعية منظمة ومنمطة ، ونفتقر لوسائل الضبط الاجتماعي فانعدم الحس والشعور بالانتماء والوعي الوطني ، وهنا تخيلنا وكأن الوطن والمجتمع والنظام اعداء لنا فعثنا فسادا وفوضى ونهب وسلب وعنف وادمنا على ذلك ... ونعود مرة اخرى ونضرب مثلا على ذلك وهو العراق عشية سقوط بغداد ...ماذا فعلت الغوغاء وقطعان الشغب في مؤسسات النظام ....؟ والتي كانت تعتبر آليات ( Mechanism ) تدير علاقات وحياة المجتمع رسميا . لقد تسائلنا منذ البداية عن سبب نشوء هذه الظواهر ( السلوك الجمعي – القطيعي ) وسنجيب ولكن هذا لايعطيها المبرر او المسوغ في سلوكها او ديمومة وجودها الا اذا كان هناك :-

1- تباين كبير وواسع في الحراك الاجتماعي مما يولد اجحافا وحرمانا وظلم لهذه الجموع بمعنى ان هناك فئة معينة تسيطر وتهيمن على ثروات المجتمع وتمتلك القوة والنفوذ والسلطة والجاه دون غيرها .

2- اعتقاد هذه المجاميع (  Rabbles) بأنها قادرة على حل المشاكل التي تعاني منها بهذه الطريقة الفوضوية .

3- تعمد اجهزة الامن والمخابرات استفزاز هذه المجاميع بالاعتقالات والاشتباه وقطع الارزاق .

4- فشل وسائل الضبط الاجتماعي ( كالمحاكم ودوائر الامن والشرطة ) في السيطرة وبسط النظام وحل المشاكل وتوفير الامن .

5- احساس هذه المجاميع بالظلم الاجتماعي في توزيع المناصب وفرص العمل والوظيفة والثروة .

6- سوء المعاملة التي تتعامل بها بعض انساق النظام الاجتماعي في ظل النظام السياسي الحاكم .

 ومن الأمور الهامة أيضا طبيعة العلاقة بين نظام القيم وما يسمى بعصر اقتصاد المعرفة ويعني ذلك إن العلم هو ممارسة العلم ، والثقافة هي سلوك ، والمعرفة هي التطبيق العملي .. في حل إشكاليات قائمة أو استحداث أخرى جديدة … فمثلا ما زالت النصوص العربية بحاجة إلى الكثير من البحوث في مجال علم النفس اللغوي والتربوي ، حتى تتضح لنا الأسرار الخفية لهذه العملية الذهنية …التي اعتدنا أن نأخذها كقضية مسلمة … فالنص العربي ملغز( Cryptic )... يفهم ليقرأ ولا يقرأ ليفهم... ( نبيل علي ، مجلة العربي ، السنة /2000، ص/34 ) .

 

ناهيك عما يلاقيه الأدب مثلا من حرب شعواء من قبل فئة التقليديين ، كما حدث عند نشر رواية (وليمة لأعشاب البحر) للكاتب السوري حيدر حيدر ، اذ ليست بالأهمية والخطورة والإلحاد حسب ادعاء الإسلامويين الجدد والملتحين ... حيث سقط اكثر من 50 جريحا جراء اشتباك طلاب جامعة الأزهر مع قوات الأمن المركزي المصري في القاهرة احتجاجا على الرواية وإساءتها للإسلام ، كما أطلق المتظاهرون هتافات ضد وزير الثقافة المصري فاروق حسني لسماحه بنشر الرواية... ( الحياة الجديدة ، 9/5/2000، ص/14)… لنرى المنفلوطي واصفا نظرة رجال الدين إلى الأدب ( كتجربة واقعية للكاتب ) فقال " كنت أعيش في مفتتح عمري به (الأدب ) بين أشياخ أزهريين من الطراز القديم … فكانوا يرون العمل به … من أعمال البطالة والعبث وفتنة من فتن الشيطان … فكانوا يحولون بيني وبينه … فكنت لا أستطيع أن ألم بكتابي إلا في الساعة التي آمن فيها على نفسي … وقليلا ما كنت أجدها ، وكثيرا ما كانوا يهجمون مني على ما لا يحبون ، فإذا عثروا في خزانتي أو تحت وسادتي أو بين لفائف ثوبي على ديوان شعر أو كتاب أدب ، خيل إليهم انهم ظفروا بالدينار في حقيبة السارق فأجد من البلاء بهم الغصص … ما لا يحتمل مثله مثلي "( مصطفى لطفي المنفلوطي ، 1983، ص/11 ) ... إن ذلك يعكس الإرهاب الفكري على حرية الثقافة والأدب المعاصر من جهة ، وتدخل السياسة والدين في قضية الحريات الفكرية والثقافية ، والا كيف تجرؤ إحدى محاكم القاهرة على تكفير نصر حامد أبو زيد وتطليق زوجته منه بقوة الشرع ، الذي كفّر الكاتب بسبب احتجاج لوبي اسلاموي – أزهري تمادى وتجاوز حدود الدولة ومؤسساتها ، والمنوط بها توفير الحماية الضرورية لحريات الأفراد الأساسية ، إنها الفوضى التي تريدها الدولة للهيمنة ولإلهاء الأفراد والجماعات والطوائف بعضها ببعض .

 

فأهمية الثقافة اليوم تنبع من معانيها وإنجازاتها الحضارية والعلمية والتكنولوجية والأنثروبولوجية ، لذا فأن الثقافة العربية ليست متفردة ( Distinction ) ... لان التفرد يتطلب مكانة بارزة بين ثقافات الامم والمجتمعات من حيث الابداع العلمي والفني والتكنولوجي فثقافتنا  ...هي ثقافة عامة مشتركة ومتنوعة … ومستمدة من اللغة العربية وآدابها ومن الدين والعائلة وأنماط الإنتاج المتشابهة والتحديات والنظام العام السائد ووحدة التجربة التاريخية… فهي نتاج تفاعلي بين قوى وأوضاع ومصادر متنوعة… وتفاعلها هذا تفاعل معقد دائم مستمر ودائري، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل مارست الإمبريالية الاستعمار الثقافي والفكري والروحي والسياسي والاقتصادي … بأسلوبين متناقضين … نتج عنهما اقتلاع … وتشجيع التفكير التسلطي الغيبي ، فنشأت ثقافة ثنائية ضمن البلد الواحد … شملت أنواع الثقافة التي تحددت بالثقافة السائدة (  Prevailing Culture) وهي الأكثر انتشارا ، والثقافة الفرعية ( Ramiform Culture ) وهي الثقافة العامة ، والثقافة المضادة (Culture  Counter ) وهي المتصارعة والمضادة للثقافة السائدة .. ( بركات ، 1996 ، ص / 52) .

 

ولكن كيف يبدو مشهد واقعنا العربي ثقافيا ونحن في القرن الحادي والعشرين ….؟  يجيب على هذا السؤال سليمان العسكري ( رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية ) في مقالة له بعنوان نحن والعام 2000 ،  فيقول " إن العام 2000 يكشف لنا عمق فشلنا وتخلفنا … ويبدو هذا الواقع كالمتجه إلى المستقبل يحث السير إلى الوراء … أننا نبدو أشبه بذلك الشخص الذي وقع فجأة على واحد من تلك الممرات المتحركة إلكترونيا … نراه يهرول مذهولا في الاتجاه المعاكس لسير الممر، في اتجاه الماضي والتقليدي والمهجور في كثير من أمور العقل والمعاش " ...اذن لدينا تخلف ثقافي لان عناصر الثقافة المادية ( Material Factors) قد اثرت بنا وسادت ثقافتنا بسرعة اكبر من تأثير عناصر الثقافة المعنوية Intangible Factors -... وحينما نقول عناصر الثقافة المادية فاننا نعني العناصر التي نختبرها بحواسنا الخمسة ، أي انها الاشياء الواقعية الملوسة ونستخدمها في حياتنا اليومية ... وعناصر الثقافة المعنوية تعني العناصر التي لا تدرك بالحواس وغير ملموسة الا من خلال كيفية تعاملنا مع عناصر الثقافة المادية ومن خلال سلوكنا وانتاجنا المادي ، لانها تشمل القواعد والنظم والانماط السلوكية والفكرية والوجدانية وهي التي تحدد رؤيتنا لانفسنا وللعالم وللثقافات الاخرى ...اذن نعاني من تحدي ثقافي ( Culture Chalenge ) أي اننا نواجه صراعا مع ثقافات اخرى ترغب في الغاء ثقافتنا وشخصيتنا وهويتنا وبالتالي تحطيم بنائنا الاجتماعي على اعتبار ان هناك هوة ثقافية ( Culture Gap ) بيننا وبينها ....!

 

إن دعاة الهوة الثقافية في العالم العربي والإسلامي يعارضون سياسات الانفتاح .. ويعارضون الدعاة الجدد لعالمية حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي … بسبب إن الإسلام … يريد أن يكون دينا ودولة في آن واحد ، على عكس الإنسان الديمقراطي … الذي لا يقبل فرض حدود جغرافية أو إنسانية أو علوية … فرغم واقعية الفكر الإسلامي لكنه اقل مواتاه للديمقراطية ، خاصة هذا التعارض الوسواسي بين النظام… ( السلطة الراسخة )… وهي الدين وبين الفوضى… (الحرب الأهلية )… الناجمة عن الممارسة الديمقراطية " (غسان سلامة ، 1995 ، ص / 11- 12 ) … تماما حسب منطق ابن تيميه الذي يخلط بين الممارسة الديمقراطية وبين الحاجة إلى وجود سلطة عامة تضبط أمور الناس وكما يحرص الغزالي على ضبط الانكحة  .

 

إن موضوعة الثقافة وعلاقتها بالقيم متشّعب ومتنوع كما أسلفنا ، لنأخذ مثلا معنى ومفهوم (الكوفية والعقال ) فهو في نظر المجتمع العشائري " يحدد رجولة الرجل وشجاعته وشرفه … فلا يجوز خلعها ، حيث تستغل الكوفية في الحرب والحماسة والأخذ بالثأر والفرح والتلويح بها ورميها عن الرأس هي والعباءة يعتبر رمزا للإهانة ، وهي رمز الاعتراف بالذنب في مكان الصلح…( وهي أداة تمّلك للمرأة ، فان ألقاها لابسها على المرأة فإما أن يحميها ويفديها ويذود عنها ، وإما أن يتزوجها ويتملكها قسرا ) – التشديد من عندنا - …فالكوفية والعباءة هي الإجراء الحاسم والقاطع "( التل ، 1999، ص / 340 342 ) … ولنفترض أن المرأة في هذه الحالة متزوجة فكيف سيكون الوضع حينها … هل يترك لها أي خيار؟

 

لنأخذ صورة أخرى من صور الوثنية المتوارثة (Beguested Paganism  ) وهي عروس المولد – وهي دمية من الحلوى تباع وتؤكل بمناسبة المولد النبوي في مصر ، والنذور كمظهر من مظاهر التخلف الثقافي فيقول المنفلوطي بهذا الخصوص :- " يوجد في ضريح السيد البدوي صندوق توضع فيه النذور، ويبلغ مجموعها في العام نحو ستة آلاف جنيه فإذا فتح … يختص بعض الخلفاء…( القيّمين على الضريح )…بأخذ الربع مما فيه ، والباقي يوزع على أصحاب الأنصبة الكثيرين ... ( الفقراء وابن السبيل واليتامى والمحتاجين الخ…)… والصورة الأبشع هي ما يجب على الزائر أن يفعله عند زيارة ضريح (مقام ) عبد القادر الجيلاني في بغداد ، فأول ما يجب عمله هو أن " يتوضأ الزائر ثم يصلي ركعتين ثم يتوجه إلى تلك الكعبة… ( الضريح )…ويبدأ بالدعاء والمناجاة فيقول ( يا صاحب الثقلين اعني وفرج كربتي … يا سيد السماوات والأرض والنّفاع والضّرار والمتصرف في الأكوان والمطّلع على الأسرار ومحي الموتى ومبرئ ألاكمه والأبرص والأعمى وماحي الذنوب ودافع البلاء والرافع والواضع وصاحب الوجود التام …الخ" ( المنفلوطي ، 1983 ، ص / 65 ) … فهل يعقل إن كل هذه الصفات لصاحب الضريح وليست لله ...؟

 

إن هذه الممارسات ما زالت متداولة بين الناس وهي آفة من آفات الثقافة العربية قديما وحديثا ولهذا فلم تراعى عوامل التغير الثقافي فحسب بل " فرض عليها فرضا أن تنهض بحمل مطلقات أو ادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة ونفي الأخر الفكري والسياسي والديني والقومي وغير ذلك " ( محمد السيد سعيد ، 2000، ص / 45 ) … وعليه فما زالت هذه المجتمعات مبتلاة بالجهل والفقر ، رغم التقدم التكنولوجي في جميع المجالات وتطور التعليم وإكساب العقل مهارات فكرية وقدرات ذهنية إبداعية ، وما يسمى بالانفتاح على العالم كالهجرة والسياحة ووسائل الاتصالات والمواصلات والإعلام ، فالمنفلوطي خير من يصوّر لنا هذه المآسي ويرصد لنا عمق التخلف وفوضى القيم في كتاباته جميعها والتي شملت مختلف التركيبة الاجتماعية للمجتمع العربي والمصري بشكل خاص .

 

إن الثقافة العربية تعيش أزمة وجود ذات اوجه متعددة فهي لم تبلغ بعد مرحلة المصالحة بين الأنا والأخر ولا بين النحن وهم  ، فالأنا " يمثله فريق نخبوي يفرض أيدلوجية بشكل فوقاني على السواد الأعظم … فيبرز الصراع هادئا حينا وعنيفا حينا أخر… والانا الأخر يعاني من انعزالية لم تعرف حقيقة التواصل والاتصال ، وفريق أخر يدّعي بالتواصل مع التراث إلا انه…(صدى)… ورد فعل على تيار الغربنة … وهو بذلك ازدواجي ، يقبل بالرأي الأخر ليحبذه أو ليحتمي من أذاه … ويخلق أرضية حوار قائمة على التضليل والتزييف والتمويه … ثم تتجمع هذه الأنماط السلبية لتأخذ مواقف متعددة من السلطة، التي تتحكم في فريق الأنا من اجل النفعية والارتزاق والعيش كالفطريات وعلى مغانم الطبقة الحاكمة تحقيقا لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، ثم هناك فريق أخر معارض ورافض ومنكفئ على هامش الحياة الاجتماعية في مواجهة قسوة وقمع وطغيان الدولة التسلطية " (الطاهر لبيب واخرون ، 1992 ، ص / 11- 12) .

 

فالمعنى العام يشير إلى أن الثقافة وقيمها (Culture Values )... هي عملية تقليد … تأخذ القشور وتترك الجذور … فالأول اسهل في الاستهلاك واكثر منه في الإنتاج واسهل للاستيعاب … فالتقليد اسهل للمتخلف… ولهذا نلاحظ في العرب العصريين …عنصر التصنع (الزيف) وعقد النقص…التي تنتج في الغالب من فجوة تحدث بين الإمكانيات والرغبات ...( عبوشي ، 1980 ، ص / 97 ) .

 

وما دمنا بالقشور والزيف فنرى البهرجة والمنفحة الكاذبة ( الاستنفاخ - Cockiness ) أمام الناس سواء بالتصرف أو بالفكر أو بالتعبير أو بالعمل .. فنراه مرتشيا وينادي بالمبادئ ويحبذ العمل في السلطة (السلك الحكومي ) وذلك نابع من الخوف المتأصل فيه من الأب ، حيث ينتقم لذاته من السلطة الحاكمة… (كإسقاط ) التشديد من عندنا ولا يقتصر الأمر على ذلك ، بل يمتد إلى المؤسسات الحكومية وغير الرسمية التي تحكمها العقلية البدوية والشللية والمحسوبية والمصالح الذاتية.. ( زيعور ، 1987 ، ص / 108) …وهذه تنتج كما قلنا الاستنفاخ كيف …؟ لنأخذ ظاهرة تقديم التهاني أو التعزية أو النعي في الصحف مثلا ، فنرى صاحب التهنئة أو التعزية يبدأ بوضع لقبه مثل (الدكتور … أو العميد… أو رئيس مجلس أمناء …أو النائب …أو مدير العلاقات العامة …الخ ) ثم يتبع ذلك الاسم واللقب بـ( أبو …) وجميع المرتبطين به ، والأدهى من ذلك أن صاحب الإعلان يتبع بعد لقبه اسم محلاته أو مكان عمله أو شركته وعنوانها ، ثم يصل بعد ذلك بكلمات قليلة إلى تقديم التهنئة أو التعزية وكأن المادة المنشورة ما هي إلا إعلان له ولنشاطاته أو ترويجا لمشاريعه …إن ذلك يعكس انعدام الذوق ومدى شعور الفرد بالخواء المتعلق بالتخلف الثقافي الناتج عن فوضى القيم وطغيان حب الذات والعصبية والمنفخة ، وسنلمس ذلك في فوضى قيم التربية والبناء الاجتماعي .

 

2:3:2 - فوضى قيم التربية والتدرج الاجتماعي في البناء الاجتماعي :-

يفتقر الانسان العربي الى التربية المدنية ( Breeding Patriotic & ( Civilian والوطنية والتي نعني بها معرفته لحقوقه وواجباته نحو وطنه ونحو العالم الخارجي وكيفية تعامله مع الاخرين ، أي انه ( غير مؤنسن –  Non-Humanize) لسبب بسيط وهو لحد الان لا يعرف ذاته اوهويته او نفسه من جهة ، ويفتقر لمفهوم الصالح العام ، وتلك هي معضلته الاساسية في عدم تكيفه واندماجه في علاقاته مع الاخرين سواء في مجتمعه المحلي – الوطني او على مستوى العالم الخارجي .

 

إن افضل من شخّص السمات العامة للمجتمع العربي من حيث الشمولية والعمق والدقة هو حليم بركات (المجتمع العربي المعاصر ، 1996، ص/14- ص/224 ) ولشدة الاتساع في موضوع التربية والبناء الاجتماعي ارتأينا الاسترشاد به ، ولهذا فان المجتمع العربي مجتمع نامي ومتخلف من حيث التربية والبناء والنظم الاجتماعية ، معتبرين أن البناء الاجتماعي .. هو الهيكل التدرجي للمواقع الاجتماعية والثقافية والمهنية المتسلسلة والتي يشغلها الأفراد إما بالوراثة أو بالاكتساب ، ضمن شروط ومواصفات مهنية ومهارية وذكائية وخبرة ، من اجل بناء علاقات اجتماعية متفاعلة داخل المجتمع ، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل اللغة والمعتقدات والأمور الثقافية ومراعاة اختيار الفرد المناسب لكي يشغل الموقع الاجتماعي المناسب مقيدا بالضبط والامتثال لمعايير المجتمع وقيمه ، وكخطوة إلى نمو تنميط سلوكه في تكوين النسق الاجتماعي ..(معن خليل عمر ، 1992 ، ص/ 256 ) على اعتبار ان اهداف الهيكل الاجتماعي هو... احتضان الجماعة ... والطبقة الاجتماعية تحوي التنظيم الاجتماعي ، والمؤسسات الاجتماعية تحوي الجماعة العرفية ...وبالتالي لا يسمح الهيكل بأنفصال لاي وحدة من وحدات الهيكل في البناء الاجتماعي ... ( معن خليل عمر ، 1998 ، ص/ 46 ) ، إذ تتسم  اطر البناء الاجتماعي بالجماعية والسلطوية فيما يتعلق بأنماط التفكير والحياة والسلوك بسبب تفاعلها ( الأطر ) مع.. الأنظمة الأجتصاسية .. (دويري،1997، ص/71) .

 

وما دمنا في سياق النسق الاجتماعي وعلاقته بنظام القيم السائد فان التركيب الاجتماعي يلعب دورا هاما في " تغيير نظام القيم …( النسق القيمي – Values System )…وفي إيجاد مواقف تتناقض فيها القيم التي تحكم سلوك الفرد منذ القيام بالدور الاجتماعي … ويمكن اعتبار هذا التناقض مشكلة اجتماعية .. (شكور ، 1998 ، ص/85) .

 

إن نواة المجتمع العربي كما هو معروف هي العشيرة والقبيلة ( Tribe Kin &  ) التي يتحدد من خلالها موقع الأسرة والفرد ، منذ نشأته الأولى وعلاقته / ها البطريركية - التقليدية في بداية مرحلة الاندماج (الانتماء- Integration  ) الاجتماعي الذي يتحدد من المدرسة ثم إلى المجتمع ( المحيط والبيئة ) ، ويستمر هذا الاندماج متوازيا مع القبيلة ويتحد ذلك في شخصية وسلوك وثقافة الفرد ، وبالتالي تحول هذه العلاقة البطريركية دون عضوية الفرد في تحوّله إلى مواطن داخل المجتمع ، إذ يبدأ بعدها دور الدولة التي تمارس عنفها بالتعسف والقهر والتسلط والديكتاتورية التي تمس بل وتفقد الفرد كرامته وحريته ، حيث يساعدها ( الدولة ) في ذلك العقلية والعلاقة البطريركية الأبوية التسلطية ( Domineering Patriarchy ) التي تحول دون العقلية الديمقراطية ، حيث يتم إعادة إنتاج الأزمة والفقر والجهل .. وتصبح الحقوق مستباحة وتعم الفوضى السياسية المفروضة بالإكراه والعنف ، ويحدث الانهيار في جسم ( بناء ) المجتمع وتظهر الفروقات الطبيعية التي تنم عن فوضى في البناء المؤسساتي في المجتمع وأجهزة الدولة .. (مجلة دراسات عربية ، العدد 7/8 ، السنة /35 ، ص/114) …كما هو موجود حاليا في جميع دول العالم العربي ومن ضمنها مناطق السلطة الفلسطينية، فتصبح النخبة هي الواجهة الأبرز في جسم المجتمع والدولة والتي تمتلك إمكانيات السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والأمنية (والاستخباراتية) من جهة ، وطبقة أخرى دنيا مسخّرة للعمل والإنتاج ودفع الضرائب يعمها القهر الاجتماعي والكبت والحرمان والدونية من جهة اخرى ، وخير من جسّد وصف هذه الطبقة هو الدكتور خلدون النقيب ( الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1996) وبحث الدكتور محمود عبد الفضيل ( التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997 ) وكذلك بحث د. برهان غليون( المحنة العربية … الدولة ضد الأمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1994 ) .. حيث تكون الطبقة الوسطى هنا غائبة بسبب الفوضى ... والضعف..(علي كمال ، 1983، ص / 40 ) ...حيث ادى ذلك الى تشويه مقومات الكيان الاجتماعي التي تشمل على ما يلي :-

 

* الموقع الاجتماعي – Social Position :- وهذا يتطلب لتبوءه الكفاءة والتخصص والخبرة والمؤهل ولا يحتاج الى .. عوامل وراثية – اجتماعية او جنس او اعتبار شخصي او مكانة اجتماعية او قبلية او طائفية او حزبية .. ( معن خليل عمر ، 1997 ، ص/70 ) ..فالموقع الاجتماعي يمثل الرتبة المهنية ولا يمثل الشخص ، بينما في مجتمعنا العربي يمثل الشخص ، وهذا نتاج التحام مصالح القبيلة مع سلطة النظام السياسي العربي الحاكم ، الامر الذي ادى الى تشويه البناء ( الهيكل) الاجتماعي وخاصة في مجتمعات المشرق العربي ، التي تتميز نتيجة ذلك بالبيروقراطية والجهل والتخلف الاداري الرسمي – الشعبي وتهميش ذوي الكفاءة والاختصاص والمؤهل ، وحتى تدرجنا الاجتماعي ينم عن فوضى عارمة وقبل ان نسهب لنسأل انفسنا اولا... ما هو التدرج الاجتماعي – Social Stratification ...؟

انه يعني التمايز الاجتماعي للافراد الذين يكونون نسقا اجتماعيا او معاملتهم في حدود الاعلى والادنى في جوانب مهمة اجتماعيا، وهذا يعني تدرجهم في ترتيب هرمي للمكانات والادوار والمراكز داخل المجتمع .

 

فالمركز الاجتماعي هو المكانة – Social Status التي يحتلها الفرد في المجتمع ضمن محددات واسس سنوضحها لاحقا .

 

اما الدور الاجتماعي – Social Role فيعني السلوك الذي يقوم به الفرد في المركز الاجتماعي الذي يشغله ، وهذه بديهيات في علم الاجتماع ، ففي الثقافة البدائية والمتخلفة لمجتمعاتنا العربية تتميز المراكز بالجمود والتقليدية ، مما يجمد التدرج والحراك الاجتماعي في هذه المجتمعات ويؤدي الى ما يسمى بصراع القوى والمواقع والمراكز ، بأساليب مسعورة (Rabid) وكانها حرب طاحنة في البناء الاجتماعي تستخدم فيها العشائرية والحزبية والطائفية والواسطة والنزعة الاستكلابية (Doggery ) والافتراءات والاكاذيب والاشاعات وحتى الاسلحة النارية والاغتيالات ، والنظام الحاكم واقف يتفرج بل وينظم ويشجع كما يقول د. هشام شرابي وينتظر من سيخرج من هذا الصراع ليأخذ المكافأة ويخدم النظام السياسي كنسق مهيمن وليس النظام الاجتماعي ككل في المجتمع ، وفي مثل هذه الحالة نطلق على هكذا مجتمع ( مجتمع مغلق وجامد ومتخلف ) تسوده الاستبدادية وتتحكم فيه طبقة او فئة معينة ، تسيطر على مقدراته وثرواته بالوراثة وتنعدم فيه فرص تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ، والتعليم يصبح غير مهم في هكذا مجتمع ولا يحترم وليس له مكانة ، لذا نلاحظ ان فئة المتعلمين والاكاديميين في هذه المجتمعات ليس لها مكانة لائقة او احترام بل لها المعتقلات والارهاب الفكري والبطالة واحتقار المؤهل ، اما المجتمعات المتقدمة فيحدث فيها العكس دون اعتبار للخلفية السياسية او الحزبية او الاقتصادية او العنصر او الجنس .

 

فلو نظرنا الى أي مجتمع قديم او حديث متخلف او متحضر شرقي او غربي سنجده مقسم الى مستويات او طبقات متسلسلة تعكس درجات متباينة من الكيانات والادوار الاجتماعية تنحصر في تمايزات او اختلافات في القوة والهيبة والدخل والثقافة والتعليم والجنس ( رجل وامرأة) ، أي ان الافراد متفاوتون بين بعضهم البعض وهذا حقيقي وواقعي حتى في المجتمعات الاشتراكية سابقا والتي كانت تدعي وتصرخ في ادبياتها وعلى منابرها بانها حققت العدالة الاجتماعية والمساواة وازالة الطبقية والفروق الاجتماعية ..وطبعا هذا مستحيل بالمطلق ، فلا يمكن لاي مجتمع أي كان ان يحقق المساواة بالكامل ويلغي التدرج الاجتماعي في بنائه او تنظيمه الاجتماعي حتى لو كان هذا المجتمع فطري او بدائي او مشاعي .

 

ان مفهوم التدرج الاجتماعي واشكاله المتنوعة هو في الحقيقة عبارة عن جماعات او تكوينات وطبقات لا تخضع لتحديد او لتعريف قانوني او ديني او اقتصادي او سياسي او ثقافي ، لكن ان حدث وتم فالتدرج على هذه الاسس او المعايير يعطي التدرج طبقية مفتوحة اذ بامكان الفرد الانتقال من طبقة الى اخرى ( عليا او وسطى او دنيا او عاملة او أي كانت طبقته ) الى طبقة اخرى اذا كان يملك المعايير او الاسس  السالفة ، فنقول ساعتها ان المجتمع مفتوح طبقيا ويشهد حراكا اجتماعيا بكلا الاتجاهين ( راسي او افقي ) وهذا يدل على انه يشهد تطور وتقدم معا ، بالاضافة الى تغير المكانات والادوار خلال مراحل تطوره وذلك يدل ايضا على ان افراد المجتمع في هذه الحالة يملكون التعليم والمهارة والذكاء والسلطة والكفاءة والعمل الجاد والدقة والانضباط والتخصص ، فكان طبيعيا ان يكافئهم مجتمعهم بالتدرج الاجتماعي ( ماديا ومعنويا ) ولا يخلق ذلك سعارا او صراعا اجتماعيا ومن ثم ومع مرور الزمن تصبح هذه الاسس والمحددات جزءا من النظام الاجتماعي ، فلا تفيد في مثل هذا المجتمع الواسطة او الحزبية او التنظيم او العشائرية او الطائفية او الشللية او المحسوبية او الرشوة لشراء المناصب وكتابة التقارير الامنية ، ولا يفيد الانصات والتلصص واستراق السمع وتوصيل الافتراءات لاجهزة الامن والمخابرت ،  كما هو متبع عندنا كمجتمع عربي عامة وكمجتمع فلسطيني خاصة ، فنحن كمجتمعات عربية حددنا سلفا تدرجنا الاجتماعي حتى قبل ان نولد كيف ...؟

 

اننا نعتمد على الواسطة - Intercession والثروة وشراء المناصب -   Barratry والملكية والشرف ( الاصل او شرف المحتد - Gentry ) وعلى الحزب – Party او التنظيم او على العشائرية او الطائفية – Sectarianism او على ما يسمى بـ ( Quota ) او على مدى خدمتنا للنظام السياسي الحاكم ( السلطة ) لننال رضاه ومكافئته لنا فلا يهمنا المؤهل ولا الكفاءة ولا التخصص ولا الثقافة ، المهم ان نتدرج بأي شكل كان وبأي ثمن ( وهذا حقيقي ) حتى لو بعنا شرفنا وكرامتنا وربما عرضنا او حتى اخلاقنا وقيمنا الوطنية ..! كما اشار د. معن خليل عمر ،1998 ، ص/111 ...انها فوضى في البناء الاجتماعي والنتيجة حتما ستكون وهن وتفكك اجتماعي كما هو حاصل الآن ولا سبيل لانكاره او التعامي عنه ...  فمن الذي احضر قوات الاحتلال الامريكي الى العراق ... ولأسقاط من ... وما هي النتيجة الا دليل على ذلك ..! والخوف ان تتبع فلسطين.. وغيرها من الانظمة العربية .. العراق ان استمر الحال كما هو .

 

1-    السلطة- Authority :- ونعني به النفوذ الشرعي الذي يمنحه مالكه عن طريق الاوامر القانونية والعقلانية وبدون تدخل شخصي او فردي او تسلط ، والمالك هنا هو النظام السياسي ( الحكومة – الدولة ) أي ان الدولة هي الممثل الحقيقي ، ولكن ما هو حاصل في المجتمع العربي هو ان الشخص هو الممثل والمالك للسلطة ويستخدم سلطته اما .. بنمط تقليدي او قانوني ( قبلي ) او شخصي (كارزمي) ... ( نفس المصدر السابق ، ص/ 70) .

2-    الدور الاجتماعي –  Social Role:- هو الممارسة السلوكية لحقوق وواجبات الموقع الاجتماعي ولمعايير المكانة حيث يستقي الدور عناصره من .. مكونات النظام الاجتماعي ( كالقيم والدين والمعتقدات والخبرات الشخصية ) ..( نفس المصدر السابق ، ص/ 73 ) حيث تتصف الادوار بدرجة عموميتها واتساعها ووضوحها وانسجامها  مع الادوار الاخرى

3-    النفوذ الاجتماعي –  Power& Social Influence :- ونعني به قدرة الشخص على فرض ارادته ، وهو ( النفوذ) مكمل للمكانة الاجتماعية والسلطة في البناء الاجتماعي ، حيث يكتسب الصفة الصراعية في السيطرة على الوحدة او المكون الاجتماعي في المجتمع العربي ويتصف بالنمط القبلي – الوجاهي .

4-    العلاقات الاجتماعية – Social Relations :- وهو التفاعل بين شخصين او اكثر ضمن مكونات الطبقة في البناء الاجتماعي وتتصف بالنمط الجمعي – المصلحي وليس بالنمط الفردي – الاختياري .

5-    التفاعل الاجتماعي – Social Interaction :- وهو التاثير والتاثر بين شخصين او اكثر ...فالقيم تتناقض ضمن التركيبة الاجتماعية من خلال الأدوار التي يقوم بها الفرد في مراكز اجتماعية متعددة ضمن التراتب الاجتماعي " كالزوج مثلا ودوره في العمل وفي المنزل … ومن هنا فان محاولة التوفيق بين الأدوار تبدو صعبة وتخلق قلقا واضطرابا وفوضى … بالإضافة إلى احتواء التركيب الاجتماعي على قيم تتطلب جهدا واهتماما وأنشطة معقدة … أو قد يكون هناك… تناقض … بين نظام القيم والتركيب الاجتماعي … والسبب هو تناقض في التركيبة الثقافية والاجتماعية للمجتمع وللأفراد …خاصة الذين يتقاطعون مع نظام القيم السائدة والذين يرتكبون ويربكون ( يخلخلون ) التركيبة الاجتماعية .. ففي حالة ارتكابها…لا يقوم المجتمع بعقاب الأشخاص المخالفين .. ( شكور، 1998 ، ص/86 )… تماما كما في حالة الفوضى وفي حالة التغير السريع الذي يتعرض له المجتمع فينتج عنه صراعا حادا بين القديم والجديد .

 

لذا فان البناء والنظم الاجتماعية لها علاقة بما يسمى بالمكانة أو الدور الاجتماعي للفرد ، فكما أسلفنا هناك فوضى تعم المجتمع العربي في هذا الإطار الذي يعكس لنا عدم تساوي وتكافؤ المكانات والفرص ، حيث يتحدد سلوك الفرد العربي بالظواهر الشاذة بسبب عوامل اجتماعية ونفسية وحضارية واقتصادية وطبقية وبيولوجية.. وفسيولوجية المنشأ كالغدد والهرمونات .. (مصطفى سويف ، 1975 ، ص/ 21 )... الأمر الذي يسبب اضطرابا وخللا في النسق الاجتماعي ، وإلا ما معنى وتفسير أن يمتلك بائع خضار متجول عدة أبنية في وسط المدينة ، ويفضّل على حاملي المؤهلات العلمية العالية وهو ما زال يقيم في مخيم أو قرية أو في بؤرة هامشية على أطراف المدينة…؟ السبب هو .. تفاهة قيم مجتمعه المتخلفة وغرابة التركيبة الاجتماعية والبناء الطبقي الشاذ للمجتمع ، وليس انعكاسا لسلوكه أو ثقافته أو مؤهله أو نمط تفكيره ، الذي مكّنه من تملّك العقارات… ومع هذا فهذه بمجموعها العام وان كان هناك نسق بناء اجتماعي سليم ، لا يخّوله أن يكون في وضع مادي افضل من أساتذة وأكاديميين ومثقفين افضل منه بمئات المرات من حيث الكفاءة والمؤهل والترتيب الاجتماعي والثقافي .. (معن خليل عمر وآخرون ، 1992 ، ص / 261 ) 0

 

من هنا نستنتج أن المجتمع العربي يمتاز بغياب تنظيم وقوننة الأدوار الاجتماعية وانعزال البناء الاجتماعي الطبيعي وانعدام الضبط الأخلاقي والقيمي والأدبي والديني من جهة ، وانعدام الضوابط المتعلقة بالقوانين والقيم والمعايير والأعراف الاجتماعية الرسمية السائدة ( Social Mores ) من جهة أخرى ، بالإضافة إلى تحجّر المعايير وخلل في انساق البناء الاجتماعي ، بالإضافة إلى سوء وتشوه نشأة وبناء الفرد نفسه وحتى الطبقة ،  والدليل ..إن الطبقة العليا مثلا وبرغم تشابهها بامتلاك الثروة والنفوذ والسلطة ، إلا أنها لا تتساوى في القيم والأعراف والمواقف وأنماط السلوك والثقافة ومستوى المعيشة الذي يعكس..- بل ويجب أن يعكس- الواقع الاجتماعي لها.. (المصدر السابق ، 1992 ، ص/ 269) .

 

3:3:2- الفوضى وعلاقتها بالسلوك والشخصية والسلطة السياسية : -

 

ان التربية السياسية (Political Breeding  ) ضرورية للفرد لانها تؤثر عليه تأثيرا مباشرا من جميع الجوانب ، فلا بد للمواطن ان يكون على مستوى معين من معرفة سياسية بلده والاهداف التي تسعى لتحقيقها ، وهي تختلف عن التشريب العقائدي ( Indoctrination ) الذي يهدف الى تمجيد الحزب الواحد او الزعيم الاوحد ، والمصطلح يعني ادخال الديكتاتورية في عقول الافراد وتوجيههم نحو عقيدة او زعيم واحد ، وهذه الطريقة في التربية السياسية تسمى التربية الحزبية وعبادة الزعيم ( Dictator Cultism ) الذي عادة ما يكون على رأس الحزب ، وهي بمجملها تعني حكم استبداي فردي مطلق الصلاحيات يسخر امكانيات النظام لخدمته ، ومعتمدا على اجهزة الدولة كالامن والجيش والبوليس السري والمخابرات واشكال القمع الاخرى والجماهير هنا عليها ان تلبي رغبات ونزوات وامراض الزعيم وجلاوزته ، فلا تشترك بأي نشاط او بصنع قرار او بممارسة حرياتها في العالم العربي وخاصة في ( المشرق العربي ) .

 

وليس هذا فحسب بل يجب على النظام السياسي ان يشرك مواطنه بصنع واتخاذ القرار السياسي وذلك لاشباع الحافز النفسي المرتبط بالانسان – المواطن ، من اجل الاطمئنان على نفسه ومستقبل اسرته واستقراره المعيشي وامنه وحياته وضمان حياة كريمة ، وعكس ذلك سوف يدفع المواطن للبحث عن متنفس اخر بديل وغير شرعي لاشباع رغبته النفسية والفطرية .

 

لذا فعملية التنشئة والتربية السياسية واجب الدولة والاحزاب والمؤسسات الرسمية واطر المجتمع المدني ، من اجل تنمية وتطوير شخصية المواطن وحتى تساعده في العالم السياسي وليؤدي دوره بوعي وولاء واخلاص وخلق وامانة وكفاءة ومسؤولية نحو وطنه ومجتمعه بشكل شرعي وموجه  .

 

رغم أهمية حب السيطرة وتأثيرها في أو (على) سلوك وشخصية الفرد وأفعاله وخاصة ما لمسناه ونلمسه في الزعيم الديكتاتور ، فكيف اذن بالمواطن العادي ... فلا توجد مقاييس دقيقة توزن بها عوامل ومظاهر الشخصية المسيطرة ، إلا أن علماء النفس والاجتماع يجمعون على إن الشخصية السوية والطبيعية.. هي التي تجمع في نفس صاحبها الاعتدال ، مع العلم إن المعالم الأساسية للشخصية في الماضي والحاضر والمستقبل ثابتة ولا يستطيع المحيط رغم أهميته أن يؤثر على الخصائص الأساسية التي يتطلبها المجتمع من فكر وعاطفة وسلوك .. (علي كمال ، 1983 ، ص / 81) .

 

 وتبرز السيطرة هنا( كاتجاه إنصافي-   Justice Attitude) لتبرير العدوان نتيجة التخّشب والتخلف ( والجمدة -  Catatonia) من جهة ، وكنتيجة للحقوق المهضومة والكرامة المستلبة ، الأمر الذي يغلّف الفرد بميل اختزالي ( Reduction Tendance ) ، التي تحدد هوية الفرد ضمن إطار الجماعة المرجعية التي تكسبه طابعا سلوكيا متعصبا وفوضويا .. بضرورة تخلّص الفرد من القيود الثقيلة التي يرزح تحتها ، وإخراج حاجاته المكبوتة والتي تتصف بإبراز الذات والتنافس ، ونسيان المصلحة العامة واستبدالها بالمصلحة الفردية في سبيل الحصول …(التملّك والسيطرة)…على النفوذ والمال والجنس .. (هشام شرابي ، 1991 ، ص/37 ) .

 

 

 لكن ما هي الشخصية -  Personal...؟ وهل هناك فرق بينها وبين الذات - Self ....؟ ان الشخصية تعني الاسلوب المتفرد والمتميز للفرد من حيث التفكير والسلوك والشعور وليس فقط المظهر الخارجي ، اما الذات فهي القدرة على تحديد الفرد لنفسه ولذاته كموضوع ( أي انه مستقل ) وليس كشئ (  Subject & Thing) ، وان يستجيب لذاته بأنه هكذا ، مقدرا ومثمنا لنفسه ، لا اذلالها وتحقيرها ومحقها ، وان يعمل على حمايتها وبنائها .

 

ان أي شخصية طبيعية او منحرفة هي نتيجة الامكانات الوراثية والبيولوجية  والعوامل المادية التي اثرت على الدماغ او نتيجة العوامل الاقتصادية والاسرية والاجتماعية ( مثل التربية والتنشئة الاجتماعية والبيئة ) والطبيعية وخلل بيولوجي ، التي تفرض اتجهات معينة وتؤثر على نمو الشخصية وعلى الطريقة التي يتفاعل بها الفرد مع مصادر الضغط والارهاق النابعة من داخله او المحيطة به من الخارج .. ومتى تقولبت الشخصية وثبتت معالمها بسبب هذا التفاعل والتطور ، فأنه من الصعب تبديلها او تغيير اتجاهاتها او خصائصها وطرق انفعالها ... ( المصدر السابق ، ص/77 ) وهذا ايضا ما اكده ( عبوشي ، 1980 ص/6 ) .

 

 4:3:2 - انواع الشخصية :- نعترف اولا بأننا لسنا اطباء او اختصاصي امراض نفسية ، ولكن تناولنا لهذا الجانب من جهتنا فقط هو من باب الاستفادة مما حققه علماء واطباء علم النفس وخاصة د. علي كمال في مؤلفه القيم (النفس انفعالاتها وامراضها وعلاجها ) ولا نبالغ ان قلنا ان تنوع وتعدد الشخصيات ليس له حدود ، فهي بعدد سكان العالم اليوم ، وليس باستطاعتنا حصر انواع الشخصية لان لكل فرد في هذه الدنيا له شخصية لكن اهمها :-

1-      الانطوائية :- اهم صفاتها تحاشي الاتصال الاجتماعي والرغبة في الانعزال والوحدة والميل للتأمل وتجنب الواقع وقلة الاهتمام بالنواحي المادية ويفضل المثالية وهذه الشخصية حساسة المزاج وسريعة الانفعال .

2-      الانبساطية :- هي عكس الانطوائية تماما ، الا ان صاحبها يكيف نفسه حسب متطلبات وظروف العلاقات الاجتماعية .

3-      الكئيبة :- تتصف هذه الشخصية بالانعزال والتشاؤم ولا يجد متعة الحياة لا في الحاضر ولا في المستقبل ، ولا يجد الدافع للعمل والابداع ، ويعتبر نفسه مسؤول عما يجري من حوله ( يحمل عبئ ) وتصاب هذه الشخصية في النهاية بمرض عقلي .

4-      المتقلبة :- وتتصف هذه الشخصية بتقلب المزاج ومن حالة الى عكسها وخاصة عند ( البدينين) وهي من الشخصيات الكثيرة الانتحار .

5-      القلقة :- وتتصف هذه الشخصية بعدم الارتياح وتوقع الخطر وهي في حالة تحفز دائم ، وتسعى جاهدة لضمان حاضرها ومستقبلها ومستقبل عائلتها ، وهي موجودة عند اغلب الناس .

6-      الشكاكة :- وتتصف بتصلب الاراء والافكار والمعاملة والحساسية وسرعة التأثر وتشعر بانها منبوذة اجتماعيا .

7-      الهستيرية :- وتتصف بحب الذات ومحاولة جلب انتباه الآخرين وحب الظهور والمبالغة والكذب والتمثيل وضحالة في الفكر .

8-      الناقصة :- وتتصف بقبول ادنى المراتب تحب الخضوع والذلة والخنوع وتحب خدمة الغير وهي شخصية هامشية تسمى ( الواطئة) .

9-      الانفعالية :- وتتصف بالانفعال لأتفه الاسباب واستخدام العنف نتيجة الارهاق النفسي والجسدي والفشل الدائم وتتحول الى شخصية متفجرة .

10-       السايكوباتية :- وتتصف بأضطراب السلوك وفقدان الطاعة وعدم الانتظام وتؤذي المجتمع وهي مضادة له ، وكذلك تتصف بعدم صحة حكمها على الامور وعدم المسؤولية واستغلال الاخرين بالابتزاز وفقدان الخجل ، ولا تهتم باحترام وتقدير الاخرين ، وهي منحرفة خلقيا وتحب الانتماء للعصابات وبالجنوح والانحراف جنسيا وهي اخطر انواع الشخصيات لماذا....؟ لأن  انحراف الشخصية يكون بسبب الخصائص السلوكية والعاطفية والفكرية وبروزها بدرجات متفاوتة كحب السيطرة ، وبسبب عوامل وراثية أو مؤثرات محيطيه كما اسلفنا ، فتظهر ساعتها الشخصية السايكوباتية الهستيرية وغير المستقرة ، في سبيل الاستقلال الذاتي على اعتبار أن العائلة لا تتيح للطفل سوى مجال ضيق في هذا السبيل ، فتبرز لدى الفرد رغبة جامحة للحصول على المكانة الاجتماعية والسيطرة والسلطة وانتزاع اعتراف الآخرين به ، وذلك بسبب القيود الاجتماعية القاسية التي تنتج الأتكالية من جهة ، وانعدام الكفاءة الاجتماعية من جهة أخرى ، حيث يدعمها زخم كبير من العادات السلبية والحيل والتخريف والضعف العقلي في محاولات متكررة لتجسيد أحلام اليقظة ، في سبيل نمو ( الأنا ) العليا بشكل كاف والتي تعتبر نقيض العجز والأتكالية 0

 

تبدأ المراحل الأولى في فوضى السيطرة من الأسرة ( الأب ) ومرورا بأجهزة الإعلام والقوانين والاقتصاد وقضاء المصالح والتربية والتعليم ، وفي مجالات الفن واختيار المهنة وفي السياسة والوظيفة وحتى في الحوار… والملاحظ هنا أن السيطرة كمفهوم في المجتمع والنظام العربي لا تأخذ الأبعاد المتزنة والطبيعية والتي تتلاءم مع الأوضاع الداخلية والأخلاقية والاجتماعية للأفراد ، بل أسلوب القهر واستخدام العنف والاستلاب نتيجة نزوة الحياة ، فتصبح حياة الفرد والمجتمع وكأنها حلقات متصلة من الفوضى المعاشة والمقبولة ، بل وكأنه متفق عليها برضى النظام السياسي ، والمفروض إن الالتزام بنظام من اجل النظام يعني التعبير عن .. ذاتها بالإدارة عبر القيم ليكون التعبير منضبطا لا عشوائيا أو عفويا أو مفهوما … حيث يعّبر السلوك عن مضمون القيمة … فلا أحد يسلك على هواه في علاقاته أو سلوكه أو قيمه … والمرتبطة بالتربية والتثقيف والممارسة ، وآلا انتشرت الفوضى والعصبية والعدوانية .. ( قباني ، 1997، ص/61) .

 

إن لجوء الطفل للكذب يحتم علينا أن نلتمس له الأعذار قبل أن نسارع بتأنيبه ومعاقبته ، لان الطفل اتبع وسيلة للخروج من مأزقه النفسي وحماية ذاته من العقاب الأبوي من جهة ، ولأن علاقته بأبويه ليست سوية ، فهو حتما سيلتقط سلوك والديه أمامه ، وبالتالي سيرسم صورة مثالية لنفسه خاصة قبل بلوغه سن السادسة من جهة أخرى مثلا ، حيث يطلق علم النفس على أفكار وسلوك الطفل في هذه الحالة مرحلة الأفكار السحرية ، إذن والحالة هذه نطلق على مثل هذا الطفل .. كذاب صغير ابن كذاب كبير .. ( المنار ، 26/6/2000، ص/ 13) . 

 

وبالرغم من أن إنسان هذا العصر هو اكثر حظا من سابقه من حيث تحقيق التوازن وإشباع الحاجات المادية ، ويتمتع بأفاق واسعة من الحرية وثقافة متنوعة وفكر متطور ، مما يتيح له تفهما واضحا لمحيطه وعلاقاته ، إلا أن القلق وعدم الاطمئنان والإرهاب والعزلة صبغته بطابع الفوضى في سلوكه من دافع الحرمان لحاجاته المادية ، وهو دائم الإبقاء عليها بالجهد الدائم واتباع الذاتية ، وهذا لا يوجد في مجتمعاتنا العربية وان وجد فسيمر وقت طويل لتحقيقه ، بالإضافة إلى الجهل في سبيل الجمع بين تقدمه وضمان الأمان له .. لذا فما زلنا نلاحظ ونعيش ونتفاعل مع الفوضى وحياة السلب وعدم احترام الآخرين وانعدام التقيد بالقوانين لأنها أصلا غير معمول بها .. (علي كمال ، 1980 ، ص/ 14 ) .

 

ومما يدعم ما استشرفناه من حالة كذب الصغير الذي يمتلك سلوك وفكر سحري يتصف بالبراءة ضمن مشاعر الطفل الإنسانية ، فهناك ما يسمى .. بالتصرف الأرعن .. ( البيادر السياسي ، 12/9/1998، ص/27)… مثل التدخين في سيارات أو حافلات الركاب والمستشفيات رغم المنع والتحذير ، فهذه العينة من الأفراد تنعدم لديهم المشاعر الإنسانية ويسلكون سلوكا ارعن على اعتبار انهم لا يكذبون فقط ، بل يعكس عدم احترامهم للآخرين من جهة ، ولا يجرؤون على التدخين أمام والديهم خوفا من العقاب من جهة أخرى ، مفترضين انهم بتصرفهم وسلوكهم بالتدخين في بيئة ممنوعة انه لا يخاف من عقاب والديه ، وانه لا يكذب بذلك ، وهو في الحقيقة كذاب كبير يعكس نمط تربيته وأخلاقه وهامشية قيمه الأسرية .

 

وعلى الرغم من دمغ الحياة العربية بالفردية والسلطوية من جهة ولان .. شخصية العربي غير تركيبته بسبب الأساليب التربوية التقليدية المختلفة ..( عبوشي ، 1980 ، ص/ 139 )…من جهة أخرى ، لذا جاءت فرديته فوضوية وغير مقيدة ، بسبب سلطوية مؤسسات العائلة والمجتمع والدولة ونظامها الولائي ومظاهر تركز الأنوية والسمعة ومفاهيم الشرف والكرامة نتيجة الغبن المفروض .. لهذا نلاحظ أن الفوضى تزيد كلما ابتعدنا عن المؤسسات الأولية بسبب رسوخها وتغلغلها في ذات العربي ، فمثلا حينما نجد الحرية ضعيفة نجد سلطة قوية والعكس صحيح ، وإذا وجدا معا فنجدهما في صراع وينتهي عادة بانتصار السلطة ، ولكن الصراع يبدأ من جديد ، وهكذا يعيش المجتمع دائما في توتر ..(المصدر السابق ، ص/140) .

 

لهذا فمن شروط التطور العصري للشخصية .. تغير المؤسسات … والتركيبة الفعلية للتفكير والسلوك… (بشرط )…أن يتم التوافق النفسي بين العصرية والشخص ، فإذا انتفى… (الشرط)…حصل التوتر الداخلي الذي يؤثر على سلوك الفرد سلبا وعلى المجتمع ككل .. (المصدر السابق ، ص/282 ) ...لانه من اجل بناء مجتمع واحد هناك شرط التعليم كما يشير مصطفى سويف في كتابه ( مقدمة لعلم النفس الاجتماعي ، ص/ 21 ) ...ان عملية التعليم مسؤولة عن قدر كبير من .. التشابه الحاصل بين ابناء المجتمع الواحد ...مما يجعلها اساسا هاما في وحدة المجتمع وتكامله  .

 

ان سلوك الفرد اليومي ما هو الا نتاج  .. تأثير الضوابط النسقية – البنائية ...( معن خليل عمر ، 1997 ،ص/ 15) ... وتتمثل في القيم والمعتقدات والمعايير والقواعد والقوانين المتمثلة في مؤسسات البناء ( الهيكل ) الاجتماعي المشوه اصلا ، نتيجة التربية الاسرية التقليدية وتخلف نظم التربية والتعليم من جهة ، واستبداد وقمع النظام السياسي ذي النسق المحوري – القرابي الجاثم والمستولي على باقي الانساق الاخرى ومنها الهيكل الاجتماعي من جهة اخرى ، والذي له حاجة بذلك وهي المحافظة على كياناته ( انساقه) وصيانتها من التصدع والتكسر والانهيار وذلك بأستخدام كافة الامكانات المتاحة ( مادية وعضوية) ، وتنشيط كياناته وربطها بالظروف المحيطة وخاصة الخارجية ، وبالتالي يكتسب مرونة وتطور في وظائفه المتنوعة ,  ليس على مستوى المجتمع فحسب ، بل على مستوى ادارة الدولة ككل ، حيث من المفترض ان يتغير حجم المجتمع او نمو المدن مثلا او انتقال المجتمع من مرحلة لاخرى - كانتقاله مثلا في مرحلة الخمسينات من الواقع الاستعماري الى الواقع الاستقلالي او .. عند انهيار النسق الاقتصادي او عند تغير نمط وشكل البناء .. ( نفس المصدر السابق ، ص/ 15) او عندما تتحول التفاعلات الاجتماعية وينتج عنها اثار تنعكس على المعايير والقيم ورموز المجتمع وثقافته ، او احد انساقه ... ( كما هو حادث اليوم في المجتمع الفلسطيني قبل وبعد الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967 مثلا ) ولهذا فلم تستطع اسرائيل ان تبتلع بناء المجتمع الفلسطيني ضمن بنائها الاجتماعي .. بل الذي حدث هو امتصاص ثقافي ( وتشويه- Distortion & Saturation ) اثر على التغير النسقي للمجمع الفلسطيني وليس على البناء الاجتماعي ككل ، وهذا ايضا ما حصل للمجتمعات العربية بعد حصولها على الاستقلال ...ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ والغريب ان هذا الامتصاص لقي الترحيب من النظام السياسي العربي بعد الاستقلال ، بل واصبح  يقولب مجتمعه كما لو كان النظام العربي نظاما استعماريا ويدجن ويشكل المجتمع لمصلحته ، وان حدث تغير في انساق البناء الاجتماعي مثلا فانه لا يحدث متساوقا او بشكل متكافئ في الاداء او الوظيفة ، والسبب يعود الى .. عدم اهلية وكفاءة وخبرة وتخصص شاغلي المواقع من جهة وعدم تقبلهم من قبل مجتمعهم ولانجازاتهم ... ( نفس المصدر السابق ، ص/ 16) ... التي لم تساهم في بناء الهيكل الاجتماعي ، بل كانوا يخدمون نظاما سياسيا مسيطرا لخدمة مصالحه فقط  واطالة عمر بقائه في الحكم كما هو حاصل اليوم في النظام السياسي العربي ، فوجهه يوحي بالتغير والتقدم لكن مجتمعه متخلف راكد ، بل وينحدر باستمرار ويلجأ الى التقوقع ، وتغلب عليه القطيعية ويستسلم للحاكم كولي امر ونعمة ... وبالتالي فان النسق الاجتماعي في النظام السياسي العربي ذو كيان واحد ( مركزي – جامد ) ويكتسب صفة الامني – العسكري ، حيث يمنع نمو باقي الكيانات ، وذلك بتفريغ مؤسساتها وفروعه الاخرى من اصحاب الكفاءة والمؤهلة والمتخصصة ، ويشغلها من قبل مرتزقته ومحاسيبه وازلامه ومواليه ( عديمي الكفاءة والمؤهل والتخصص) ...همهم هو المراقبة من جهة وتخدير الجماهير وارهابهم من جهة اخرى ... ( نفس المصدر السابق ، ص/49   .

 

ان للسلطة السياسية دور هام في نشر فوضى القيم التي تنعكس على السلوك ، فتتصف كما أسلفنا بسوء التعاطي مع العوامل الحضارية والثقافية - وعدم قدرة الناس على التلاؤم والتكيّف نفسيا وسلوكيا واجتماعيا - مع التطورات الحديثة والتكنولوجيا المعقّدة والمتغيرة باستمرار ، وهذا ما تعاني منه دول العالم العربي وخاصة دول الخليج النفطية ( اختلاط قيم وأعراف متخلفة مع تقدم حضاري وثقافي وتكنولوجي )  .. يحدث انحرافات خاصة في السلوك والشعور بالإحباط والغربة التي يعانيها الفرد العربي مع محيطة الذي يعيش فيه ..( شكور ، 1998، ص / 27) .

 

يسعى الزعماء السياسيون في الوطن العربي إلى كسب قبول الشعب بزعاماتهم وترسيخ شرعيتهم أوعلى الأقل برضوخه لهم من خلال ( التقدمات ) ، كالسماح بالمشاركة السياسية المحدودة وتقديم العطايا وبإعلانات صاخبة لقرارات صرح بها ويمنحها الزعيم الفلاني للشعب من شأنها أن تخفف من معاناة الشعب ، كزيادة فرص التعليم وإتاحة الفرص في الوظائف مقابل كسب الشرعية ، وعدم مراعاة تطورات العصر بضرورة إجراء تغييرات اجتماعية فيما يتعلق بالثقافة والإعلام ونمط الاقتصاد السائد وإدخال تعديلات جذرية على وسائل الإنتاج ، والاهم من ذلك العمل على بناء المجتمع المدني ، لهذا نرى أننا نعيش أزمة أخلاق وتعقيدات شخصية في ظل أنظمة حكم تسلطية تمعن في التخلف الاجتماعي ، ومثال ذلك المناشدات المتكررة للملك أو للزعيم أو لرئيس الدولة بضرورة مساعدة فلان أو العائلة الفلانية في الكشف عن .. جريمة مقتل ابنهم من قبل عشرة أشخاص .. أو إرسال طفل لعائلة للخارج من اجل العلاج نتيجة فقرهم   أو العمل على إطلاق سراح أحد أعضاء النقابة .. أو الاتحاد الفلاني من سجون السلطة أو من زنازين المخابرات ووضع حد للاعتقالات التعسفية .. (الأيام ، 24/6/2000 ص/3 و الحياة الجديدة ، 15/7/2000، ص/1) ... إن هذا يدل على عدم النظام والانتظام وغياب القوانين في الدولة نتيجة الارتجال والفوضى السياسية برضى رأس الدولة .

 

ان التنشئة والتربية السياسية تعني تربية الفرد احترام القانون والعدالة الاجتماعية ومبادئ الحرية والمساواة ، والتحرر من التعصب والتحيز والعنصرية والطائفية والاقليمية والمذهبية وتثقيفه ، وتلقينه لغة الجماعة التي ينتمي اليها وبعاداتها وتقاليدها وخضوعه لقيمها ومعاييرها والتمثل بسلوكها ، اذ يؤدي ذلك الى ضبط الاطار الاجتماعي ويصبح للفرد هوية وشخصية وذات اجتماعية ليتمكن من الاندماج في انساق البناء الاجتماعي والتوافق مع المعايير الاجتماعية ، هذه العملية تنمي لدى الفرد سلوكا فعليا مقبولا وفق المعايير الاجتماعية لمجتمعه ، وينعكس ذلك في افعاله واقواله وسلوكه اليومي مع الغير ، وهذا بمجمله يشكل ثقافته ومظاهرها الاجتماعية .. ولهذا يجب ان تتم عملية تنشئة الفرد بشكل تام وكامل وعدم التضارب بين مؤسسات المجتمع المسؤولة عن التنشئة والتي يجب ان تتوافق وتتوازى مع البيئات الثقافية والطبيعية والاجتماعية في المجتمع.. ( ابرهيم ناصر ، 1994 ، ص/ 111)  وكما اسلفنا فان الفرد يعكس انماط تنشئته الاجتماعية التي عاشها وتشربها ، لتساعده على التفاعل الاجتماعي ومعرفة وتنمية وسائل الضبط الاجتماعي وتبصيره لمعرفة دوره ومكانته الاجتماعية وما هية الحراك الاجتماعي ، فان كانت تنشئة متسلطة فان ذلك يطور لديه مشاعر سلبية ويميل الى عدم التفاعل مع الاخرين وينسحب بالتالي من المواقف الاجتماعية ، فيحد ذلك من تحقيق ذاته واشباع رغباته ، وتكون شخصيته حينئذ غير كفوءة وتتصف بالاهمال والتعدي على الممتلكات وحقوق الغير ، وسلوكه يتصف بالعدوانية ويكون مضادا للمجتمع ومخالفا للقوانين والانظمة بسبب :-

1- تركه بدون توجيه ونبذ من قبل والديه .

2- الطبقة الاجتماعية .

3- المعتقد او الدين .

4- البيئة الطبيعية ( مكان السكن او العيش ) والمناخ وطبيعة الحياة اليومية .

5- الوضع السياسي .

6- الوضع الاقتصادي .

7- المستوى التعليمي . 

 

أننا نتصف بـ .. شعب اشتهر بميله إلى نقد ذاته بشكل مفرط وبطريقة تكشف الضعف الأخلاقي سواء بعبارات ساخطة أو بنكات ساخرة ولاذعة…( وهذا طبيعي في ظل جمود العقلية التقليدية المتخلفة التي تصطدم بالنظام السياسي)- التشديد من عندنا-... كالمصريين مثلا ، حيث مرد ذلك… يعود إلى الظروف الموضوعية المتراكمة … ومواجهتنا لازمة أخلاقية … بوصفنا مجتمعا شرقيا ونفهم ذلك من جانب واحد … كالجنس الذي نوليه أهمية قصوى واكثر بكثير من أدائنا لمسؤولياتنا العامة مثلا .. وبالتالي غلب علينا افتقارنا للضمير المهني والوعي الاجتماعي الذي يجب أن يبدأ من أعلى إلى اسفل ، بالإضافة إلى تفشي ظواهر الواسطة والنفاق والمجاملة وقضاء المصالح الخاصة ضمن مسؤولياتنا العامة ، حتى إننا نقرأ الصحف ونشرب القهوة والشاي وندخل في أحاديث جانبية بينما أوراق المعاملات مكدّسة ، بالإضافة إلى ظاهرة التغيب عن العمل والتمارض ، فالأسباب هنا معروفة .. وهي عدم الاهتمام بالمصالح المتبادلة بين الفرد والمجتمع من جهة وبين الدولة من جهة أخرى … (والأدهى أنها – الدولة - تعي ذلك وتتمسك به من خلال بيروقراطيتها الإدارية ) -التشديد من عندنا- (فؤاد زكريا ، 1975 ، ص / 173- 181 ) .

 

لذا نلاحظ أن معظم الأنظمة العربية اعتمدت لبقائها في الحكم أطول مدة ممكنة على واحد أو اكثر لترويض والهاء واذلال الرعية مثل  .. الابتزاز والقمع وبيع الأحلام وسياسات التأزم ..(سعد الدين إبراهيم وآخرون ، 1996 ، ص/ 324 ) …وعليه فان الدولة القطرية في الوطن العربي تمر حاليا بأزمة خانقة ومتزايدة وهي إن هناك … فجوة بين المجتمع والدولة تكاد تصل إلى حد القطيعة … ناهيك عن تدخلها في شؤون المجتمع المدني واختراقه وصياغته بالطريقة المناسبة والمرغوبة لها … ما دام … المجتمع لا يمس جوهر العملية السياسية ولا يسمح له بالمشاركة .. ( سعد الدين إبراهيم وآخرون، 1996 ، ص / 301 ) .

 

فلا أحد ينكر ديكتاتورية السلطة السياسية لأنها .. لا تمثّل عامة الشعب ولا يشاركون في اختيارها أو رسم سياساتها وتحولها الأنظمة السياسية إلى دكتاتوريات وراثية ولها زبائنها ومن يدعمها بدافع المصلحة والاستنفاع ..( عبوشي ، 1980 ، ص / 241 ) ...

 

ما نلاحظه اليوم ان التنشئة والتربية السياسية في عالمنا العربي مقتصرة على فئة النخبة ومكرسة لطبقة معينة - Elite ( وكأنها حكرا لهم وعليهم ) وهؤلاء يشكلون بطانة ومنتفعي ومسترزقي وادعياء النظام السياسي الحاكم ، والذين يتشدقون بانهم وحدهم المثقفون والانتليجنسيا ، وفي الحقيقة هم طبول خاوية وخشب مسندة ، واغلب المواطنين محرومين من هذا الحق ، من هنا انعدم او قل عند الفرد العربي الولاء والانتماء والاعتزاز الوطني الواعي والعميق للامة ولعقيدتها وفكرها وتراثها وقيمها وللارض والوطن وللشعب وللنظام الحاكم ، واصبحت مفاهيم العزة والكرامة والوطنية ومجد الامة شعارات مبتذلة يلوكها الحاكم – الصنم على مسامع قطعان شعبه المحروم وفاغري الافواه ، والذين لا يعرفون بل ولم يتربوا او ينشأوا على هذه المفاهيم التي تتلى عليهم ، فلا تحركهم ولا تثيرهم ولا تدغدغ عواطفهم ونوازعهم الوطنية ولا تدفعهم للدفاع عن مصلحة الوطن العليا ، فقط نراهم يصفقون ويقفزون كالقرود حينما يسمعون بأن الصنم الذي امامهم من عليهم بزيادة تافهة من فضلاته سواء في الرواتب او الاجور او بتقديم دعم في مجال حياتي ، كدعم رغيف الخبز او تخفيض اسعار الكاز او غيره من السلع ، علما بأن هذه السلع قد تبرعت بها دول المجموعة الاوروبية ليوزعها على شعبه مجانا فقام هو ببيعها بأسعار مخفضة ، فكان ذلك منتهى الكرم والوطنية فيصفقون له والاجدر ان ....... عليه .

 

إن عملية تداول السلطة في عالمنا العربي لم تزل .. الحلقة المفقودة .. وهو ما يضعها في ركب التخلف السياسي ، حيث يتسم التراث السياسي العربي بالسلبية..  فهو قمعي لا يقر بالقانون ولا حرمة للحكومة أو للمواطنين وحرياتهم ..( منى مكرم عبيد ، 2000، ص / 21 ) .

 

إن الظاهرة الخطيرة الذي يعاني منها المجتمع العربي والدولة كذلك ، هي في آلية الاستيلاء على الحكم والوصول إلى السلطة ( فاغلبها بالانقلابات العسكرية ) ، فعلى عكس نماذج التعددية في السلوك السياسي الذي يستمد فيها الرئيس سلطته … من شرعية النظام السياسي ، فان السياسة نظريا وممارسة في الوطن العربي تعمل على رفع الحاكم إلى موقع الهيمنة على البنيان المؤسسي .

 

ان التربية السياسية تعني كما قلنا معرفة الفرد ما له وما عليه اتجاه دولته ومجتمعه ووطنه ومعرفة مفهوم التنظيم السياسي والذي يعني .. مجموعة من الناس ذو اتجاه واحد وهدف متفق عليه حيث ترتبط هذه المجموعة وفقا لقواعد تنظيمية تحدد علاقاتهم وسلوكهم ووسائلهم في العمل ..( ابرهيم ناصر ، 1994 ،ص/144) ..( كأطار مرجعي لمستوى العلاقات الاجتماعية  ) – التشديد من عندنا - وكذلك معرفة الحقوق والواجبات والتي تمثل المصالح والحريات التي يتوقعها الفرد من المجتمع بما يتفق مع معايير مجتمعه ، واما الحقوق فتعني السلطة المخولة لشخص ما لتمكينه من القيام  باعمال معينة تحقيقا لمصلحة له يعترف بها القانون وهي على انواع منها : الاجتماعية والسياسية والمدنية والانسانية والزواجية والانتخابية والوراثة وحقوق المرأة وحق التأليف والنشر وتقرير المصير والمعتقد بالاضافة لواجباته الخاصة والعامة .

 

حتى الأحزاب السياسية العربية فقد طوعت وأعطت النظام .. قوة وقسط من الشرعية يتناقضان بحدة مع أنظمة الحكم .. (غسان سلامة واخرون ،ج/2 ، 1989، ص 798 ) …على حساب المجتمع ومؤسساته ، ومع هذا فان ..هناك مئات الأحزاب حاصلة على ترخيص سياسي إلا أن اغلب قوانين الانتخاب لا تعترف إلا بالترشيح الفردي وليس الحزبي…( فوضى ) …لذا ففوزهم (الحزبيون) يأتي بصفتهم الاجتماعية والعشائرية وليس الحزبية ، وحتى وان كانت حزبية فان الأغلبية تأتي منسجمة مع نظام الحكم (كالأردن والمغرب ) " – التشديد من عندنا-( سمير أمين وآخرون ، ج3 ، 1998، ص / 65) .

 

خلاصة :- لم نرد إصدار حكمنا على المجتمع العربي من حيث وحدته أم لا اعتباطيا ، وذلك منعا من اتهامنا بالتسرع  وتحاشيا للنقد من جهة ، ومن جهة أخرى أننا لسنا بصدد إصدار مثل هذا الحكم ، إلا أن ذلك لا يمنع من الاقرار بأن المجتمع العربي يعاني من الاغتراب والتمزق والتناقض اجتماعيا وطبقيا وقوميا وهذا يضعنا في موقع تساؤل كما تسائل من قبلنا حليم بركات ( المجتمع العربي المعاصر) …هل يكوّن المجتمع العربي مجتمعا واحدا ولو نسبيا ( وهذا مقصدنا)… رغم اختلاف أنظمته السياسية والاقتصادية …؟

 

إن المجتمع العربي يعاني من .. اختلافات وانعدام التجانس والتعدد وهو فسيفسائي مستندين على مقولة انه .. ليس في العالم مجتمعا واحدا متجانسا كليا وبشكل مطلق…( حليم بركات ، ص/15 ، 1996) …وحتى وان كنا نقصد ذلك بشكل نسبي رغم امتلاك المجتمع العربي مقومات المجتمع ، إلا أننا وكمحاولة نستطيع تحديد أسباب انعدام ( إن جاز لنا التعبير ) إلى أهمية الوطن العربي وموقعه الاستراتيجي وتأثره وتأثيره على مراكز الإنتاج العالمية ، حيث عرّضه موقعه ومنذ فترات مبكرة لاحتلالات وغزوات من الخارج عملت على تقطيع أوصاله ، الأمر الذي أضفى عليه تعقيدا سلاليا ترك أثرا فيه لم يزل إلى يومنا هذا في مختلف نواحي حياته وأنشطته وفكره وتراثه وعاداته وتقاليده وفنونه وآدابه رغم تعرّبها ، الأمر الذي احدث فجوات واسعة في بناه وانسجامه وأنماط تفكيره ، وخاصة في الوقت الحالي والذي نشهد فيه تغيرا وتطورا هائلا وسريعا من حيث الكم والكيف والآثار ، وخصوصا في الجوانب المادية ، على عكس ما تشهده الجوانب القيمية والأخلاقية والمعنوية للمجتمع العربي ...وقد اوضح كل من قاسم امين ( تحرير المرأة ) وشبلي شميل ( ج/2 من مقالاته) وعبد الله النديم (في مجلة الاستاذ) واحمد امين ( فجر وضحى الاسلام ) حول اهم اسباب التخلف والاستبداد في المجتمع العربي .

يتبع

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ