ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 18/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

رائحة الموت

 ( الصراع على النفط في القارة الأسيوية )

أ. محمد بن سعيد الفطيسي*

azzammohd@hotmail.com

القسم الأول " أفغانستان ":-

 " ستواجه أميركيا أزمة إمداد كبرى بالطاقة في العقدين القادمين , وان الفشل في التصدي لهذا التحدي سيهدد الازدهار الاقتصادي لامتنا , ويعرض أمننا القومي للخطر , وسيغير بالمعنى الحرفي للكلمة طريقة عيشنا " – وزير الطاقة الأميركي , سبنسر ابرهام , 19 / 3 / 2001م 0

 لم تعرف البشرية منذ فجر التاريخ صراعات عابرة للقارات على مسالة بعينها , كما هو الحال مع تلك الحروب والصراعات الدامية التي فجرتها موارد الطاقة في مختلف أرجاء العالم , وقد كان الذهب الأسود ومشتقاته – أي – النفط , واحد من أهم تلك الكنوز التي دفعت بكل المستعمرين الجدد وغزاة الأرض لتحويلها الى ساحة تختلط فيها رائحة الموت مع رائحة الحياة 0

 ومن بين قارات العالم , شكلت القارة الأسيوية من نواحي عديدة الطريق السهل والسريع للتربع على دفة السيادة العالمية , نظرا لما تملكه تلك القارة من مقومات جيوستراتيجية وجيوبولوتيكية تؤهلها لتكون الكنز الضائع للعديد من الطامحين للوصول الى دفة الهيمنة الدولية والسيادة على العالم , وعلى رأس تلك المقومات التي تعطي لهذه القارة قوة سياسية واقتصادية لا نظير لها , ذلك المخزون الطبيعي الهائل من الذهب الأسود او النفط القابع في بطن هذه الأرض الأسيوية والذي ينتظر الخروج الى وجهها ليغير نوعية الحياة وكيفيتها للعديد من الدول والشعوب 0

 فكما هو معروف بان هذه القارة تسيطر على النسبة الأكبر من مخزون النفط العالمي الذي يعتبر اليوم أهم عامل اقتصادي لتحريك عجلة الصناعة والتجارة الدولية , نظرا لما يشكله من قوة سياسية واقتصادية رخيصة ومؤثرة في تغيير وتشكيل العديد من القرارات الدولية السياسية والاقتصادية الهامة , ولما يمثله من صمام أمان للعديد من الدول الموشكة على الموت في وجه المتغيرات التي قد تحصل على صعيد التحولات الاقتصادية الدولية بسبب الحروب او الكوارث الطبيعية او الاحتكار العالمي والتحكم في أسعار النفط ومشتقاته , وعلى رأس تلك الدول المهددة الولايات المتحدة الأميركية ودول أوربا 0

 وبإلقاء ( نظرة على الخارطة السياسية والاقتصادية لأسيا تتضح أهمية وتعقيدات المنطقة , فهي تضم بلدا صناعيا متطورا مثل اليابان باقتصاد اكبر من اقتصاد أي بلد تاريخي في أوربا , وثلاثة بلدان قارية هي الهند والصين وروسيا , وبلدين – كوريا الجنوبية وسنغافورة – قريبين من امتلاك الإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية للدول الصناعية المتقدمة , وبلدين كبيرين هما الفيليبين وإندونيسيا , اللذين يتآلفان من آلاف من الجزر وتتحكمان بأهم الطرق البحرية , وتايلاند وبورما وهما بلدان قديمان تعداد سكانهما يقارب تعداد سكان فرنسا او إيطاليا 00000 وتنتشر أعداد كبيرة من السكان المسلمين في ماليزيا وإندونيسيا , وهما أكثر الشعوب الإسلامية عددا في العالم , وأخيرا هناك فيـتنام التي برهنت على شكيمتها العسكرية ووطنيتها المتأججة في حروب ضد فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية )0

 وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي تنبهت لتلك الأهمية الجيوستراتيجية والجيوبولوتيكية للقارة الأسيوية , وما ستشكله فيما بعد على الخارطة العالمية بسبب امـتلاكها لذلك المخزون الهائل مـن النفط , وغيره من الموارد الطبيعية والاقتصادية الهامة , ولكون ارتباط الاقتصاد الأسيوي بالاقتصاد والتجارة الأمريكية ارتباط وثيق جدا بحيث ان الولايات المتحدة الاميريكية غير قادرة على التخلص منه ومن تبعيته الخانقة , وجدت في استعماره واحتلاله بالطرق الدبلوماسية والتبادل التجاري أولا , وبالقوة العسكرية ثانيا الحل الخيالي لذلك الاقتصاد المنهار او المقبل على الانهيار , بحيث انه لا مناص من التعامل مع السوق الأسيوي , هذا السوق الذي يعتبر من اكبر الأسواق التجارية العالمية للتبادل التجاري , ومن اكبر المستهلكين للسلع الاميريكية 0

 حيث تتزايد أهمية اقتصاد أسيا – كل يوم - بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميريكية والعالم , - فعلى سبيل المثال لا الحصر- ففي العام 1996 م – أي – قبل عقد ونصف من اليوم , بلغت حصة أسيا وحدها من تجارة الولايات المتحدة الاميريكية مع مجمل أنحاء العالم ما نسبته 58 % , بينما بلغت واردات الخام في ابريل من العام 2010 م , ما يقارب الـ 335 ألف برميل يوميا عن مستواها في ابريل 2009 والبالغ 9.406 مليون برميل يوميا والذي كان أدنى مستوى شهري للواردات منذ عام 2002 , كانت الحصة الأسيوية منه حصة الأسد بنسبة تزيد عن 83% 0

 بينما أظهرت بيانات لوزارة التجارة الأمريكية بتاريخ 10 / 2 / 2010م , حدوث ارتفاع غير متوقع للعجز التجاري للولايات المتحدة وذلك خلال شهر ديسمبر من العام الماضي 2009م فى ظل قفزة أحرزتها الواردات البترولية تجاوزت الصادرات التى واصلت ارتفاعها للشهر الثامن على التوالي , وأفادت البيانات بارتفاع العجز إلى 40.2 مليار دولار وهو ما اعتبر أعلى مستوى يسجل فى العام 2009 ويأتي مقارنة بالمستوى المسجل فى شهر نوفمبر والذي كان قد بلغ 36.4 مليار دولار.

 وعلى هذا الأساس تعمل الإمبراطورية الاميريكية في تعاملها مع الدول الأسيوية , باعتبار ان سيناريو القارة الأسيوية هو البديل المناسب والسريع للخروج مـن تلك الأزمة , والمنقذ الذي لا مفر منه لانهيار الإمبراطورية الاميريكية , والطريق الوحيد للسيطرة والهيمنة على العالم اليوم من الناحيتين الاقتصادية والسياسية 0

 و لإلقاء نظرة على الإستراتيجية الاميريكية الحديثة للسيطرة على القارة الأسيوية ككل لابد لنا من تقسيم تلك الإستراتيجية الى قسمين كما سبق وفعلنا أولها : الطرق السلمية والتدخلات الدبلوماسية تحت مسوغات التبادل التجاري والمساعدات الخارجية ونشر الديمقراطية ومنع انتشار الأسلحة النووية والمحرمة دوليا , وغيرها مــن " أحصنة طروادة " التي تتخذها الولايات المتحدة الاميريكية ستار فاضح لتلك الإستراتيجية , ولتدخل من خلالها الى تلك المنطقة كما دخلت بمثلها في أنحاء عديدة من العالم , ومن أمثلة تلك التدخلات إقرار مرسوم إستراتيجية طريق الحرير في عام 1999 بهدف الاستحواذ على دعم يخدم الاستقلال الاقتصادي والسياسي لبلدان جنوب القوقاز واسيا الوسطى 0

 أما القسم الثاني من تلك الإستراتيجية فهو ينحصر في التدخلات العســكرية طويلة المدى او قصـيرة المدى – أي – حسب الحاجة , بنفس الأعذار الواهية السابقة كنشر الديمقراطية وتحطيم عروش الديكتاتوريات وإنقاذ الضعفاء من الحكومات الجائرة والمستبدة والمحافظة على الأمن والسلم العالميين ومكافحة الإرهاب , كما حدث ذلك في أفغانستان والعراق والصومال والسودان وغيرها من الدول الأسيوية , رغم انكشاف تلك المسوغات أمام الجميع وانكشافها بشكل لا يدع لأحد أي ذرة شك ان تلك التدخلات ليست سوى مبررات للاستعمار السياسي والاقتصادي 0

 ويشير الى تلك الإستراتيجية مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في كتابه " هل تحتاج أمريكا الى سياسة خارجية ؟ " حيث يقول :- انه ( ينبغي على السياسة الاميريكية في أســيا ان تحرر نفسها من الشعارات السطحية وتبدأ بالأفعال على أساس بعض المبادئ العملية التالية : - 0000 ان أفضل طريقة لدفاع الولايات المتحدة الاميريكية عن أسيا – عن مصالحها بوجه خاص – ضد أي تهديد معاد , هو ترسيخ تواجد عسكري متفوق وممارسة سياسة خارجية تتوافق مع الأهداف القوية للدول الأسيوية الرئيسية ذات الأهداف المتوافقة مع أهدافنا ) 0

 ويشير كذلك الى نفس الإستراتيجية السابقة مخطط آخر للسياسة الاميريكية ولكن و بشكل أكثر صراحة ودقة آلا وهو مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر" زبيغينيو بريجنسكي " حيث يشير آلا ان المساعدات الخارجية الاميريكية ومسوغات نشر الديمقراطية والحرية الاميريكية في أفغانستان لم تكن سوى كذبة كبيرة أريد من خلالها استجلاب الاتحاد السوفيتي السابق الى المصيدة الأفغانية بحيث تكون مقبرته الأخيرة وبالتالي بروز الإمبراطورية الأميركية كدولة متفردة لا نظير لها ولا ند في المنطقة 0

 فقد اعترف في مقابلة أجراها عام 1998 بان ( الرواية الاميريكية الرسمية القائلة بان المساعدات العسكرية الاميريكية للمقاومة الأفغانية قد ابتدأت بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 , لم تكن سوى مجرد كذبة , أما الحقيقة فهي – كما يقول – هي ان الولايات المتحدة الاميريكية باشرت مساعداتها للمجاهدين الأصوليين الإسلاميين قبل ستة أشهر من الخطوة السوفيتية , و بأنه توقع وقتذاك , وقد اسر به للرئيس كارتر ان تدفع هذه المساعدات الاميريكية الاتحاد السوفيتي للأقدام على اجتياح عسكري 0

 وعندما سئل بريجينيسكي عما إذا كان نادما على فعلته أجاب : - اندم على ماذا؟ على فكرة رائعة كفلت استجلاب الدب الروسي الى المستنقع الأفغاني , وتريدني ان اندم ؟! ففي اليوم الذي اجتاح فيه الجيش السوفيتي الحدود الأفغانية أبرقت الى الرئيس كارتر قائلا : - ألان لدينا فرصة إهداء الاتحاد السوفيتي فيتنامه الخاصة , وبالفعل فقد تكبدت موسكو طوال عشر سنوات عناء حرب لا طاقة لها على احتمالها , فتداعيت معنويات جيشها في البدء , ثم انهارت الإمبراطورية السوفيتية بـرمتها )

 ولنبد أولا بالخيارات العسكرية " السرية " لتطبيق المنهجية الإستراتيجية الاميريكية نحو ممارسة الهيمنة والسيادة على العالم من خلال السيطرة على القارة الأسيوية او بالأحرى على مواردها الاقتصادية وخيراتها وثرواتها الطبيعية منذ مدة طويلة جدا وخصوصا خطوط ومنابع " النفط " الرئيسية في العالم , متخذين من أفغانستان والعراق , اقرب مثالين حيين لفهم أوسع و أدق لتلك المنهجية الاستعمارية للإمبراطورية الاميريكية على هذه البقعة من العالم 0

 فأفغانستان على سبيل المثال والذي اتخذت منه الإمبراطورية الاميريكية ذريعة لغزو أسيا بعد اتهام تنظيم القاعدة بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 , تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وتخليص الشعب الأفغاني من حكم طالبان المستبد , فقد تأكد في ما بعد ما مفاده ان الوقائع لتشير الى ان ( الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الاميريكية على أفغانستان في تشرين الأول / أكتوبر كان قد خطط لها بمعزل عن اعتداءات 11 أيلول / سبتمبر , فبدلا من ان تشكل الحرب ردا على هذه الاعتداءات إنما يبدو ان هذه الاعتداءات شكلت ذريعة تتسلح بها الولايات المتحدة لتبرر تنفيذ الخطط المعدة سابقا للقيام بتدخل عسكري , بالإضافة الى ذلك فقد تم وضع تلك المخططات المحددة بسبب عجز الطالبان عن تنفيذ شروط الولايات المتحدة المتعلقة بالأهداف الإستراتيجية والاقتصادية الإقليمية والتي كان من المقرر تنفيذها فـــي تشرين الأول / أكتوبر مـــن العام 2001 ) 000 حيث تشكل أفغانستان النافذة الأساسية التي تطل على أسيا الوسطى من جهة واكبر احتياط للطاقة من جهة ثانية 0

 كما نقلت مجلة نيوزويك Newsweek في مقالة عنونتها بــ " عملية درع السهب " ان الجيش الأمريكي كان يحضر للقيام بعملية في كازاخستان , وتم التخطيط للعملية على غرار عملية درع الصحراء في الكويت والعراق التي أدت بنجاح الى إنشاء شبكة قاعدة عسكرية دائمة في المنطقة تابعة للولايات المتحدة , ويعود بالتحديد مرد وضع خطة الحرب الاميريكية التي رأت النور منذ العام 1989 وهدفت الى غزو أفغانستان الى اهتمامات إستراتيجية واقتصادية في أسيا الوسطى 0

 ويعتبر المسئولين الأمريكيين أفغانستان نافذة مفتوحة على أسيا الوسطى وبحر قزوين وبالتالي منفذ يؤدي الى سيطرة شاملة , وسجل مسئول سابق في وزارة الدفاع الأميركية , " أيلي كراكوسكي " الذي عمل على المسالة الأفغانية في الثمانينات من القرن العشرين ما يلي : - مع انهيار الاتحاد السوفيتي أضحت أفغانستان تشكل منفذا مهما على البحر للدول المحوطة بالأرض في أسيا الوسطى , وجذب احتياط النفط والغاز الواسع في تلك المنطقة عدة بلاد وشركات متعددة الجنسيات 00 0 كل ما يحدث في أفغانستان يؤثر على باقي العالم كونها تشكل محورا استراتيجيا أساسيا 0

 ويعتبر بحر قزوين على وجه الخصوص من أهم خطوط النفط الإستراتيجية والهامة في العالم , فالدراسة التي حررها خبيران من المع خبراء أسيا الوسطى , وهما مايكل كرواسان وبولنت اراس والتي نشرتها في لندن مطبوعات كراوسان في عام 1999 تحت عنوان " النفط وعلم السياسة الطبيعية في منطقة بحر قزوين , لتدل على الأهمية الكبيرة لهذا الخط , حيث وصفه المؤلفان بالمنطقة النفطية الغاية في الأهمية مما يجعلها هدفا للمصالح الحالية المتضاربة للدول المحيطة به ولقوى الغرب , وفي العام 1997 ذكر خبير في الطاقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي حول سياسة الولايات المتحدة الاميريكية في أسيا الوسطى ما يلي :- تقتضي سياسة الولايات المتحدة الاميريكية بتشجيع نمو طاقة بحر قزوين 000 ويكمن مرد تلك السياسة في تشجيع استقلال هذه الدول الغنية بالنفط للحد من سيطرة روسيا على نقل النفط من هذه المنطقة , وبصراحة لترويج أمن الطاقة الغربي من خلال تعدد مصادر التموين 0

 ومن هنا نستشف بان الحرب على أفغانستان لم تكن سوى ذريعة واهية ترتكز على اهتمامات أكثر شمولية وتوسعية متعلقة بتعزيز الهيمنة الاميريكية من خلال السيطرة على اوراسيا واسيا الوسطى , بحيث نستطيع ان نقول بان تلك الحرب لم تكن سوى جزء من مخططات السياسة الاميريكية في أسيا الوسطى والمستمدة من إطار إمبريالي واسع والذي ترمي من خلاله دعم مصالحها العملية واستثماراتها في المنطقة وخصوصـا فـــي مجال الطاقة , ومن اجل الحؤول دون بروز منافس لها على تلك الموارد في هذه البقعة من العالم 0

 و( تمت مناقشة هذا الواقع والتخطيط الاستراتيجي المكثف لتدخل أمريكي مستقبلي في المنطقة من خلال دراسة قدمها مجلس العلاقات الخارجية في العام 1997 , حيث تتناول هذه الدراسة بكامل التفاصيل المصالح الاميريكية في اوراسيا والحاجة لمشاركة أمريكية متواصلة وموجهة في منطقة أسيا الوسطى لتامين هذه المصالح 0000 ووفقا لذلك يجدر بالولايات المتحدة الاميريكية ان تتعامل مع القوى المحيطة الأصغر وتتحكم بها , مثل أوكرانيا و اذر بيجان و إيران و كازخستان كرد مضاد على محاولات روسيا والصين السيطرة على النفط والغاز ومعادن جمهوريات أسيا الوسطى , وهي تركمانستان و إوز باكستان و طاجيكستان و كرجيستان 0

 وهو يلاحظ – أي الكاتب وهو مستشار الأمن القومي السابق زبيغينيو بريجينيسكي في عهد الرئيس جيمي كارتر – انه في حال بسطت أي دولة هيمنتها على أسيا الوسطى , فانه قد يشكل ذلك تهديدا مباشرا على السيطرة الاميريكية على موارد النفط داخل المنطقة وفي الخليج العربي , ويسجل المؤلف ان جمهوريات أسيا الوسطى مهمة من ناحية الأمن والطموحات لثلاثة على الأقل من جيرانها الأقرب والأكثر قوة أي روسيا وتركيا وإيران بالإضافة الى الصين التي تعلن اهتماما متـزايدا بالمنطقة)0

 

القسم الثاني " ألعراق " :-

 " يمكن اعتبار العراق المعركة الأولي في الحرب العالمية الرابعة " – جيمس ويلزي, الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية – نوفمبر / 2002م0

 لقد تناولنا في الجزء الأول من هذا الطرح " أفغانستان " كمثال تاريخي حي لفهم أوسع وأدق لتلك المنهجية الاستعمارية للإمبراطورية الاميريكية على هذه البقعة من العالم – أي – القارة الأسيوية , أما بالنسبة للمثال الأخر على ذلك , فكما اشرنا سابقا هو الوطن العربي العراقي العزيز , ويعد العراق الشريك الآخر والضحية التالية لتلك الطموحات والأطماع الاميريكية التي حولت العراق وحضارته ومدنيته وتاريخه العظيم الى بلد منهار جراء سنوات من الحصار والحرب , فهو كذلك لم يكن سوى ذريعة واهية لمحاولة السيطرة على المنطقة من خلال البوابة العراقية وللسيطرة على ثروات العراق النفطية والتي تأتى في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية حيث تتراوح احتياطاته ما بين 110-115 مليار برميل , و تحت ذريعة إحلال الديموقراطية وترسيخ العدالة والمساواة وتخليص الشعب العراقي من النظام " الدكتاتوري " السابق 0

 وكما يقول مايكل كلير , مؤلف كتاب " الحروب على الموارد – الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية " بان استجابة الولايات المتحدة الأميركية هذه المرة لصدمات النفط التي ضربتها في الأعوام 1973-1974م , لم تكن محصورة بالإجراءات الدفاعية , فللمرة الأولى بدا كبار المسئولين بالتحدث عن استعمال القوة لحماية إمدادات النفط الحيوية في زمن السلم , وذلك بهدف ضمان عافية الاقتصاد , وبدأ صناع السياسة على وجه الخصوص , دراسة التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط لمنع أي انقطاع في تدفق نفط الخليج 0

 وقد كانت التجربة الأميركية الثانية لصدمة النفط بعد الإطاحة بشاه إيران من قبل القوى الإسلامية درسا كان له ما بعده , حيث سارع كارتر في ذلك الوقت الى التهديد باستعمال القوة ضد أي خصم قد يسعى الى إعاقة تدفق النفط من منطقة الخليج , ففي 23 / 1 / 1980م , صرح كارتر ان أية محاولة من قبل قوة معادية لتقييد تدفق النفط في الخليج , سوف تصد بأية وسيلة ضرورية , بما في ذلك القوة العسكرية 0

 وفي نفس السياق ابلغ هنري كيسنجر وزير الخارجية آنذاك , محرري مجلة Business Week ان الولايات المتحدة الأميركية مستعدة للذهاب الى الحرب لأجل النفط , وصرح ان واشنطن رغم كونها غير راغبة في استخدام القوة في نزاع على الأسعار لوحدها , لن تترد حيث يوجد خنق فعلي للعالم المصنع 0

 وقد كانت الحقيقة بالفعل اكبر بكثير من ديمقراطية الولايات المتحدة الأميركية وعدالتها المزعومة , وقد أشار أليها لورانس ليندساي حينما كان يشغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي جورج بوش للشئون الاقتصادية في أكتوبر من العام 2002 حيث أشار الى ان النفط هو الهدف الرئيسي لمساعي الولايات المتحدة لشن هجوم عسكري ضد العراق – وقد كان ذلك - يشكل صراحة غير معتادة من المسئولين الأمريكيين حول الهدف الرئيسي والحقيقي من الحملة الأمريكية العدوانية ضد العراق، بعيدا عن الأهداف الدعائية المعلنة حول نزع أسلحة العراق أو إسقاط النظام الحالي لبناء نظام ديموقراطي وغيرها من الادعاءات الأمريكية التي تدرك الإدارة الأمريكية قبل غيرها أنها غير صحيحة 0

 ذلك أن الأسلحة المحظور على العراق امتلاكها ببساطة قد نزعت فعلياً، أما إسقاط النظام العراقي فإنه لا يمكن أن يكون هدفه بناء نظام ديموقراطي في العراق ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والإدارة الأمريكية الراهنة تعمل بشكل مطرد ومنظم على تقويض الحريات المدنية في الولايات المتحدة ذاتها كما رصدت تقارير منظمات أمريكية عديدة لحقوق الإنسان كلجنة المحامين لحقوق الإنسان بنيويورك ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان 0

 فضلاً عن أن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت – ولا زال بالطبع _ يجمع سلطات غير عادية بدرجة دفعت زعيم الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي لوصفها بأنها سلطات ديكتاتور، ناهيك عن سلوك الإدارة الأمريكية ضد الدول المختلفة معها والذي لا يمت بصلة للديمقراطية واحترام حقوق السيادة القومية، فما نشهده الآن هو نموذج متطور للعدوانية والانتقامية وروح التطرف والفاشية0

 ورغم التكاليف الباهظة لشن الحرب على العراق والتي أشارت أليها مصادر أمريكية كثيرة كان من ضمنها وزارة الدفاع الأمريكي والتي أبلغت البيت الأبيض بأن تكلفة ضرب العراق وإلحاق الهزيمة به واحتلاله لمدة ستة أشهر فقط تبلغ نحو 85 مليار دولار. وهناك أنباء تشير إلى أن إدارة بوش الثاني طلبت من الكونجرس تخصيص 95 مليار دولار لمواجهة تكاليف الحرب، وهي التكاليف التي يمكن أن ترتفع لأكثر من ذلك بكثير لأن الاحتلال الأمريكي للعراق يحتاج حسب تقديرات رئيس أركان القوات البرية الأمريكية إلى 200 ألف جندي بشكل دائم طوال فترة هذا الاحتلال. فضلاً عن أن الولايات المتحدة سيكون عليها أن تتحمل تكلفة تقديم منح ومساعدات للدول التي ستساعدها أو تقدم لها تسهيلات في الحرب ضد العراق 0

 إلا ان أميركيا كانت تعلم بان مخزون العراق من النفط قد يكون عزاء لخسائرها الفادحة , ومنقذا لاقتصادها المتدهور, وحلا أخيرا لكارثة انهيار الإمبراطورية الأميركية , وضربتا قاصمة لمحتكري هذه الطاقة من الدول الأسيوية والعربية وخصوصا منظمة أوبك وإزالة لآي قدرة عربية على التحكم في صادرات النفط أو استخدام النفط سلاحا سياسيا كما حدث في حرب أكتوبر 1973 م0

 وفي هذا السياق قال مدير المخابرات الأمريكية الأسبق ويلسي: "ان لدينا مصالح حقيقية في هذه المنطقة وفي السيطرة على آبار النفط المنتشرة بأكبر مخزون استراتيجي في العالم فيها، ولقد اعتقدنا دوما ان معيار قوة أنظمة الشرق الأوسط تكمن في أنها تستطيع ان تمنع عنا النفط في الوقت الذي تريده كما حدث في حرب أكتوبر .1973 وان الرسالة القوية والواضحة التي سننقلها هي أننا لن نسمح بمثل هذه الأعمال مطلقا، وان من يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الأخطاء الإستراتيجية في منع النفط عن أمريكا لابد أن يعاقب وبدون تردد، وان قواتنا العسكرية ستكون جاهزة للتحرك في أي مكان في منطقة الشرق الأوسط من أجل تأمين مصالحنا الإستراتيجية".

 وفي حالة ( نجاح العدوان الأمريكي في إسقاط النظام العراقي والسيطرة على الحكم في العراق بشكل استعماري مباشر أو من خلال حكومة تحركها واشنطن، فإن الولايات المتحدة سوف تعمل من اللحظة الأولى على رفع طاقته الإنتاجية إلى حدودها القصوى، - وهذه هي السياسة النفطية التي كانت الولايات المتحدة الاميريكية تأمل في بتطبيقها في العراق لولاء فلتان الأمر من يدها منذ البداية - أي أربعة ملايين برميل يوميا خلال شهور قليلة ، بينما يمكن للشركات الأمريكية أن تضخ استثمارات ضخمة وسريعة لقطاع النفط في العراق لرفع الطاقة الإنتاجية للعراق إلى مستوى مرتفع للغاية يمكن أن يصل إلى نحو ستة ملايين برميل يوميا في الأجل القصير من عام لثلاثة أعوام 0

 ويمكن أن يتجاوز عشرة ملايين برميل يوميا في الأجل الطويل، مع توظيف الزيادة في الإنتاج العراقي لتخفيض أسعار النفط إلى المستوى المقبول أمريكيا أي حوالي 15 دولارا للبرميل، وتوظيف هذه الزيادة في الإنتاج وما قد يتلوها من تجاوزات لكل الدول المنتجة لحصصها من إنتاج وتصدير النفط من أجل إعادة حقن الآبار الأمريكية بالنفط لزيادة الاحتياطي النفطي الأمريكي وإطالة عمره الافتراضي الذي يقل عن عشر سنوات في ظل مستوى الإنتاج الأمريكي الراهن، وبعدها ستضطر الولايات المتحدة لاستيراد أكثر من 17 مليون برميل من النفط يوميا بافتراض ثبات استهلاك النفط في الولايات المتحدة عند مستواه الحالي. كما ستعمل واشنطن على توظيف العراق من أجل تمزيق منظمة الأوبك من خلال تفكيك كل قواعدها وبالذات نظام الحصص المعمول به في المنظمة 0

 وإذا كانت الدول العربية المصدرة للنفط تخسر أكثر من 6 مليارات دولار في العام في حالة انخفاض سعر برميل النفط دولارا واحدا فقط ، فإن هذا يعني أن الاقتصاديات العربية سوف تمنى بخسائر مروعة من انخفاض سعر البرميل إلى مستوى 15 دولارا للبرميل من مستواه الراهن البالغ في المتوسط نحو 32 دولارا للبرميل، لأن هذا الانخفاض سيعني خسارة الدول العربية المصدرة للنفط لنحو 102 مليار دولار من إيراداتها النفطية، بل إن دولة عربية واحدة هي السعودية التي تخسر ما يتراوح بين 2.5 ، و 3 مليارات دولار في العام في حالة انخفاض سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد، سوف تفقد ما يتراوح بين 42.5 و 51 مليار دولار من إيراداتها النفطية إذا انخفض سعر البرميل من مستواه الراهن إلى 15 دولارا للبرميل "

 وهذه الخسارة العربية هي كارثة بكل المقاييس , وسوف تكون المملكة العربية السعودية ومعها كل الدول العربية المصدرة للنفط هي أكثر من سيعاني في هذا الصدد، حيث إن اقتصادياتها ومستويات المعيشة فيها سوف تتدهور بشكل سريع بما سيعنيه ذلك من احتمالات ظهور وتصاعد اضطرابات سياسية واجتماعية قد تغير خرائط المنطقة ككل 0

 ولو نظرنا الى الجهات المستفيدة من تدهور حال الاقتصاديات العربية وانهيار منظمة أوبك والدول المصدرة للنفط في أسيا فلن نجد سوى الولايات المتحدة الاميريكية أولا رغم خسائرها الغير متوقعة على المستوى البشري وانفلات الأوضاع الأمنية في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص من يدها , والمستفيد التالي هو الكيان الإسرائيلي 0

 حيث كشفت تقارير عديدة في إسرائيل نفسها من ان ( إسرائيل ستكون من أوائل المستفيدين من سيطرة أمريكا على النفط العراقي، وستكون هذه جائزة لإسرائيل على مواقفها المتوقعة خلال الحرب ضد العراق. وبهذا، فان الحرب الأمريكية المتوقعة ضد العراق لن تحقق الحلم الأمريكي في الهيمنة على النفط العربي – فقط -، ولكن ستحقق لإسرائيل هدفها الاستراتيجي الذي لطالما تحدثت الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية عن ضرورة ان تستفيد إسرائيل من الثروة النفطية العربية وان تقاسم العرب هذه الثروة بالاستناد الى تفوقها العسكري والتكنولوجي عليهم، وهو ما يبدو ان أمريكا ستحققه أخيرا لإسرائيل إذا نجحت في فرض سيطرتها على العراق. ان المخططات الاستعمارية الأمريكية تجاه المنطقة العربية باتت مكشوفة تماما، ومن الغريب، ان أبعاد هذه المخططات لم تعد سرا ومن المؤكد ان الأنظمة العربية باتت على إلمام حقيقي وتام بها، وهي مخططات تضع المستقبل العربي كله في غياهب المجهول لأنها تسعى الى إعادة العرب الى براثن الاستعمار الكولونيالي المباشر اللعين والإجهاز على الإرادة السياسية المستقلة للعرب، ونهب ثرواتهم الأساسية ومنبع ما لديهم من قوة اقتصادية وفي طليعتها النفط )

 أما بالنسبة للإستراتيجية الأخرى والتي تقوم الولايات المتحدة الاميريكية بتطبيقها على قارة أسيا ككل ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص فهي إستراتيجية الحلول والمسوغات السلمية التي تترد ما بين إحلال الديموقراطية في المنطقة , ومكافحة الإرهاب والقمع وتعنيف النساء والأطفال والرجال وغيرها , وكان من أهمها على الإطلاق مشروع طريق الحرير في عام 1999 – أي – قبل أحداث 11 / سبتمبر بعامين تقريبا والذي أشرنا أليه سابقا والذي يهدف الى دعم الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول جنوب القوقاز واسيا الوسطى , و إعلان الحرب على العراق كي يتم تحرير الشعب العراقي من النظام الديكتاتوري السابق ليهنا العراقيين بالحرية والديمقراطية والاستقلال بعد سنوات من الظلم والاستبداد , – وأي – استقلال وأمان وديمقراطية نشاهدها اليوم في العراق 0

 ختاما يمكن ان تلخص الرهانات الخفية " السلمية والعسكرية " من وراء الأهداف الاميريكية للسيطرة على القارة الأسيوية ككل والشرق الأوسط بشكل خاص في كلمة واحدة وهي النفط الأسيوي ومشتقاته التي تشكل صمام الأمان للاقتصاد الأميركي في السنوات القادمة , والمخرج الأسرع من المأزق الاقتصادي الذي يلف الإمبراطورية الاميريكية برباط خانق يوشك ان تنهار على إثره اكبر إمبراطورية – عسكرية – عرفها التاريخ الحديث , وهي على استعداد لخوض معارك لا نهاية لها من اجل الاستحواذ عليه , والبقاء أطول مدة ممكنة ومهما كلفها الأمر مادامت حقوق النفط الأسيوية تصب في الخزانة الاميريكية 0

ــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ