ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 18/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


منهجية التعامل مع السنة النبوية

- 52 -

د. محمد سعيد حوى

في صدد قاعدة: ضرورة جمع الفاظ الحديث وطرقه حتى يتبين خطؤه من صوابه استعرضت حديث يوم الخميس الذي فيه ان الوجع اشتد برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال ايتوني اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي فتنازعوا.. قال بعضهم ما شأنه اهجر؟ استفهموه؟.

وفي رواية ان رسول الله هجر، وفي رواية: ان رسول الله يهجر، وفي رواية: هجر، هجر (مكرر) وفي رواية ان نبي الله ليهجر وفي لفظة ما شأنه يهجر؟ استفهموه؟ (فتح الباري شرح رقم (4432).

وفي رواية ان عمر قال: غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله, وفي رواية: قال دعوني واوصاهم بثلاث: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم، وسكت عن الثالثة او قال فنسيتها" فتح الباري رقم (4431).

وقد استعرضت في مقالة سابقة الفاظ الحديث والاختلافات بينها والطرق التي روى البخاري وسلم الحديث بها، وبقي مناقشة الحديث.

الحديث فيه اشكالات كثيرة حتى ان مخالفي اهل السنة أخذوه حجة على اهل السنة في كتم خلافة علي واتهام الصحابة بالاساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأن اكثر علماء السنة جروا على عد ما في الصحيحين صحيح لم يفكر اكثرهم كالخطابي والنووي وابن حجر والقاري ان يردوا الحديث بل لجأوا الى التأويل والتفسير.

وهنا اتساءل بعد ان نبين اشكالات هذا الحديث ونبين اجوبة العلماء عليه، هل حقاً هذه التآويل يحل الاشكالات وهل يصح ان تسلم بهذا الحديث.

ومن البداية اقول: اننا لسنا ممن يطعن بالصحيح – ولكن نقول احتمال الوهم والخطأ على بعض الرواة ولو في بعض الالفاظ امر ممكن, فهل لأجل ان نحافظ على صحة كل ما في الصحيحين نسمح بالطعن برسول الله او بالصحابة؟ ايها اولى؟ ان نخطأ الرواة لئلا يقال في الصحيحين خطأ ما او ان نخطأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) او الصحابة وتنسب لهم ما لا يليق ولا يجوز، هذا ما سأريد بيانه.

 

الاشكالات الواردة على الحديث:.

1-        النبي في حالة احتضار ومرض الوفاة وهو يريد ان يوصي والوصية في هذا الوقت لها اهميتها من أي انسان فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يجوز لأحد ان يعترض عليه.

2-        النبي مأمور ان يبلغ كل ما أمر به عن ربه فهل يجوز للنبي ان يكتم امراً مهما كان.

3-        اذا اراد النبي ان يبلغ امراً فيه صلاح الأمة فهل يجوز ان يكتمه بعد ذلك ولا ينفذه.

4-        واذا كان امراً غير مهم، فكيف يقول ايتوني اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده.

5-        فان كان حقاً فكيف لم ينفذه وان كان غير حق فهل يجوز للنبي ان يخطأ في امر تبليغي.

6-        هل يجوز ان يقال ان عمر كان ادق نظراً من رسول الله (حاشا وكلا) و(ولا عمر يرضى بهذا).

7-        كيف يأتي في رواية واحدة وطريق واحد من بين طرق الحديث (سفيان بن عيينة ت 198) عن سليمان الاحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الوصية شفاها بثلاثة.

8-        كيف يتفرد راو واحد الى 198 سنة من الهجرة بمعرفة هذه الوصايا على اهميتها وقد قيلت امام جمع؟.

9-        كيف ينسى الثالثة او يسكت عنها مع اضطراب الرواة من الذي سكت هل هو ابن عباس او سعيد بن جبير او سفيان نفسه.

10-      وما هي الثالثة؟ هل هي الوصية بالخلافة؟.

11-      ولمن كانت هل لأبي بكر كما يقول اهل السنة. اذن لماذا نخفيها ونكتمها ومم نخاف؟. وان كانت لعلي فكيف يكتمها الصحابة وهل هذا جائز عليهم بمجموعهم كما يتهمهم غير اهل السنة.

12-      وان كان غير ذلك فلماذا هذا النسيان في هذا الموقف الحرج للوصية الثالثة.

13-      كيف لم يعلم شيئاً الزهري عن هذه الوصايا الثلاث وقد شارك في رواية اصل الحديث.

14-      بعد هذا كله, ومهما ستكون الاجابات: هل يجوز لأحد ان يقول هجر رسول الله, ومعنى هجر كما بين الشراح: هجر الرجل اذا هذى، واهجر اذا افحش والهُجْر: الهذيان والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته (فتح رقم 4432) فهل يجوز شرعاً وعقلاً ان يقال هذا او ما في معناه في حق رسول الله.

15-      روي الحديث بأوجه مختلفة فأين الضبط لهذا الحدث الهام.

16-      في حادثة خطيرة كهذه كيف لا يعرف عنها الصحابة شيئاً ولا يرويها الا ابن عباس الذي كان من أصغر الصحابة في ذلك الوقت وعمره بين (10-13) سنة هـ.

17-      ومن جهة اخرى, هل يصح ان يتصور ان النبي صلى الله عليه وسلم يسكت عن امر خطير متعلق بالخلافة الى آخر حياته.

18-      واذا كان لهذا الحديث علاقة بغدير خم الذي قيل انه قال فيه: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فلماذا لا يعلن امر الخلافة بشكل صريح وببيان واضح لا احتمال فيه, لو كان يريد ذلك.

نعم ان هذا الحديث سيثير الكثير الكثير من التساؤلات، وهذا من حيث معانيه الاجمالية.

 

نقد المتن من حيث رواياته والفاظه:.

ثم اذا نظرنا في متون الحديث نجد فيها اضطراباً واسعاً – قد يقال يمكن التوفيق بينها:.

1-        نجد اضطراباً في رواية لفظة هجر: فمنهم من قال: هجر, ومنهم من قال انما يهجر، واخرون قالوا: يهجر يهجر, واخرى، أهجر استفهموه, وفي اخرى ما شأنه يهجر؟ وكل ذلك من رواية سعيد بن جبير من طريقين عنه: طريق سليمان الأحول وطريق طلحة بن مصرف.

وان كانت اكثر الروايات عن سفيان عن سليمان الاحول عن سعيد بلفظ (اهجر استفهموه).

2-        نجد ان رواية الزهري لهذا الحديث ليس فيها هذا اللفظ البتة, بل جاء بلفظ: قال عمر ان رسول الله غلبه الوجع" فهل اريد التلطف بها ام ماذا؟.

3-        تفرد سفيان بذكر الوصايا الثلاث ولم يذكرها الزهري.

4-        نسيان الوصية الثالثة في جميع الروايات.

5-        تفرد رواية الزهري بقول عمر: عندنا كتاب الله حسبنا".

ومثل هذا التنوع في الرواية مع الاشكالات يثير مسألة عدم ضبط هذه الحادثة في اخطر مواقفها وهي:.

1-        اتهام رسول الله بالهجر.

2-        هل اوصى بشيء وقتها.

3-        هل قال عمر حسبنا كتاب الله.

وماذا لو قال قائل اليوم حسبنا كتاب الله.

6-        وهذه روايات كلها في الصحيحين فكيف يقع فيها هذا الاختلاف واين الضبط.

 

اجوبة العلماء:.

لقد لحظ العلماء الاشكالات الكثيرة فحاولوا الاجابة عن بعضها فماذا قالوا؟ وهل رفعوا هذه الاشكالات وهم في ذك مصممون ان لا يردوا الحديث كونه في الصحيحين:.

1-        قال الخطابي: اختلف العلماء في الكتاب ثم قال: اراد ان ينص على الامامة فترتفع بعده تلك الفتن العظيمة كالجمل وصفين.

وقيل اراد ان يبين فيه امهات الاحكام ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه ثم ظهر للنبي ان المصلحة في تركه او اوحي له في ذلك (عمدة القارئ 2/171).

وقال النووي بعد بيانه عصمته (ص 2 من تغيير الاحكام او كتمانها ونقل كلام الخطابي السابق، قال: واما كلام عمر فقد اتفق الشراح انه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي ان يكتب اموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة, لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد.. فكان عمر افقه من ابن عباس.. ونقل النووي عن الخطابي قوله: خاف عمر ان يكون ذلك القول (من رسول الله) مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيجد المنافقون الى ذلك سبيلاً ثم قال: واكثر العلماء على انه يجوز على رسول الله الخطأ فيما لم ينزل عليه (شرح النووي 11-90).

وقال ابن حجر: وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع, فأطالوا وتحصن القرطبي تلخيصاً حسناُ ثم لخصته من كلامه ثم قال والهُجْر: الهذيان.. ووقوع ذلك من النبي مستحيل لأنه معصوم في صحته ومرضه.. فاذا عرف ذلك، فانه قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال امره باحضار الكتف والدواة قال: وهذا احسن الأجوبة.. قال ويحتمل ان بعضهم قال ذلك عن شك عرض له, ولكن يبعده ان لا ينكره الباقون من الصحابة, ويحتمل ان يكون ذلك صدر عن دهش وحيرة كما اصاب كثيراً منهم عند موته ويحتمل انه اراد اشتد وجعه فاطلق اللازم واراد الملزوم.

واجاب ابن حجر عن عدم كتابة النبي صلى الله عليه وسلم: كأنه ظهرت قرينة دلت ان الامر ليس على التحتم بل على الاختيار.. وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم.. وعزمه (صلى الله عليه وسلم) كان اما بالوحي او بالاجتهاد فكذا تركه اما بالوحي او بالاجتهاد (فتح الباري رقم 4432).

وهكذا ترى: اخي القارئ – انهم ارادوا ان يزيلوا اشكالات خطيرة، فاكثروا التأويل لشدة الاشكال واوقعونا في اشكالات اكبر منها.

1-        اذا كان اراد ان يبين ما يمنع للفتنة كما حصل في الجمل وصفين فكيف يكون تركه اولى.

2-        اذا كان بالوحي فكيف سيعود الوحي لينسخ ذلك في المجلس ذاته؟ ما هذا الاضطراب.

3-        اذا كان باجتهاد النبي فهل يضطرب النبي هكذا؟.

4-        هل يصح ان يقال ان عمر كان ادق نظراً.

5-        اذا كانوا قالوا ذلك انكاراً على من انكر الكتابة فلماذا ينتصر رأي من أبى الكتابة؟ ومن هؤلاء الذين يمكن ان يكون لهم هذه السطوة؟ واذا كان امر فيه خير للأمة كيف لا يمضه رسول الله.

6-        واذا دققنا فيما قاله النووي ونقله عن الخطابي نجد عجباً, ففي الوقت الذي يؤكد النووي عصمة النبي في الاحكام والتبليغ وعدم الترك وعدم التبديل يذهب الى التأويل.ط

فيرى ذلك من فقه عمر ودقيق نظره؟! وحتى كان نظر عمر ادق من نظر رسول الله "سبحان الله"؟!! او ان عمر خشي ان يكلفنا رسول الله بما نعجز عنه؟ يا سبحان الله؟ هذا النبي الرحمة المهداة سيكلفنا بما نعجز؟ وان كان تكليفاً فهل يجوز كتمه؟ ثم هل يجوز ان يقول الخطابي لعل عمر خشي ان يكون قول النبي مما يقوله المريض ولا عزم له في ذلك ايجوز هذا في حق رسول الله.

ثم يختم ذلك بجواز الخطأ على رسول الله؟ افي هذا الموضع؟ موضع النصيحة والانقاذ من الفتن والضلال؟.

7-        ثم تجدهم يذكرون اعتذارات اخرى لعمر منها ان عمر علم حصول تمام الدين واراد ان يرفع عن النبي المشقة؟ وهل لا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، حصول تمام الدين؟ واين المشقة في ان يأمر صلى الله عليه وسلم بكتابة كلمات.

8-        ومن قائل انه اراد ان يوصي لأبي بكر بدلالة قول صلى الله عليه وسلم لعائشة في اول مرضه: ادعي لي اباك واخاك حتى اكتب كتاباً فاني اخاف ان يتمنى متمنٍ، ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا ابا بكر (اخرجه البخاري ومسلم 2387).

ولنا ان نتساءل اذن لماذا لم يعلنه رسول الله على الملأ؟.

كما لنا ان نتساءل هل حلت اجوبة العلماء الاشكالات واجابت عنها ام اوقعت المزيد من الاشكال مع اجماعهم انه لا يجوز ان يقال في حق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هجر.

 

والخلاصة:.      

انه اذا اردنا ان نسلم بصحة هذا الحديث لمظاهر الاسناد, فان هذا يعني وبالرغم من اجابات العلماء التي لم تشفِ غليلاً بل ازداد القارئ حيرة – ان يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بكتم ما فيه خير الأمة وهذا محال.

- او يوصف بأنه اخطأ في هذا الموضوع، ثم رجع الى الصواب وان عمر افقه وادق وهذا محال.

- وان يصفه الصحابة بالهُجْر فكذا امر محال تنزه مجموع الصحابة ان يرضوا ذلك عنه حتى ولو على سبيل الاستفهام واذا كان على سبيل الانكار لمن قال ذلك, فأين نذهب بكلمة عمر غلبه الوجع.

- ومحال ان يكون المرض سبب في ان يخطئ النبي (صلى الله عليه وسلم).

- ومحال ان يخطئ النبي في امر تبليغي.

- ومحال ان يوحى اليه ثم يرفع في التو ومباشرة فالوحي لا يتردد ولا يضطرب.

- ثم كيف يوصي بأمور مهمة بحضرة جمع من الصحابة ثم لا ينقل لنا ذلك الا من طريق سفيان عن سليمان عن سعيد عن ابن عباس.

- ثم كيف ننسى اخطر وصية في التاريخ او كيف يكتمها الصحابة.

- مع ما في المتون من اختلاف واضطراب يؤذن بأن الرواة لم يضبطوا النص ابداً حتى تعددت اوجه التأويل.

ومع كون هذا الحديث قد استغله المخالفون لأهل السنة في اثارة اتهامات خطيرة لهم كونهم كتموا امر الخلافة وخالفوا امر رسول الله واساؤوا له باللفظ وكل ذلك مما لا نقبله في حق الصحابة الكرام لما علم من حالهم في الحرص على انفاذ امر رسول الله.

لهذا كله.. فان لا نقبل صحة هذا الحديث البتة, دفاعاً عن رسول الله ان ينسب له ما لا يجوز ودفاعاً عن الصحابة ان يتهموا بما لا يليق بهم اولى من قبوله فان الرواة غير معصومين عن الخطأ والتزيد والنقص والرواية بالمعنى وان أي تصرف في مثل هذه الروايات يجعلها محل شك لا تصلح ان تكون وثيقة تاريخية يستند اليها في شيء مع كون التفرد ببعض الفاظه الخطيرة والتصرف بها بالرغم من انه كان في حضرة جمع من الصحابة كل ذلك يجعلنا لا نسلم بصحة رواية هذه الحادثة على هذا الوجه.

 

فائدة:.

حاول بعضهم ان يذكر ان الوصية الثالثة لرسول الله هي انفاذ بعث اسامة الى الشام.

نقول: نعم قد ذكرت عدة وصايا لرسول الله قبيل وفاته في سياقات غير هذا السياق، كانفاذ بعث اسامة والوصية بالنساء والوصية بالصلاة فلا يكون ذلك بياناً للوصية الثالثة المسكوت عنها – على زعم الرواة - .

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ