ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"استراتيجية فرق تسد " 

كيفية تقسيم قوى المقاومة في العراق 

توماس هنريكسون ـ المعهد الأمريكي للسلام

مُقدّمة... Dennis P. Kilcallen

مدير مكتب قسم الدّراسات الإستراتيجيّة

يُقدّم لنا الدّكتور Thomas H. Henriksen بمفهوم ثاقب تاريخي المنافع والصّعوبات لتنفيذ مفاهيم إستراتيجيّة عن " تقسيم أعدائنا ". ويقترح أنّ فهم وتعزيز خطوط الصّدع الإنسانيّة لمكافحة الإرهاب يمكن أن يكون أحياناً تتمّة مهمّة أو إستبدالاً لتكتيكات العمل المُباشر لقوّات العملياّت الخاصّة ولمعارك تدميريّة كاملة أكبر. وقد تكون النّار الطّاغية أقلّ تأثيراً بذات نفسها في الحرب العالميّة هذه الأيّام ضدّ التّطرف العنيف من طرق المعالجة الّتي قد تستغل الإنقسامات السّياسية بين المتمرّدين والإرهابيّين. وفي إستعراض Henriksen لبعض تجارب الماضي والحالي في أفغانستان والعراق, فإنّه يعرض الى إمكانيّة أن تكون قوّات العمليّات الخاصّة تستغل الرؤية الإستراتيجيّة الصّحيحة لأجل حربنا العالميّة على الإرهاب. إنّ إستخدام التّحالُف الشّمالي في أفغانستان لمكافحةقوّات طالبان كان أمراً فريداً لذلك الظّرف التّاريخي. والى الآن, فهو " بالتّأكيد حيلة أُخرى تاريخيّة قابلة للحياة ", يقترح Henriksen مع التّطبيق المُشابه في أماكن أُخرى مثل الفيليبّين, أفريقيا, ووسط آسيا. إنّ الدّور الحيوي الملعوب من قِبل SOF بإشراك المُعارضين الأكراد لحكومة صدّام حسين خلال حرب الخليج الفارسي ونشاطات ال SOF خلال عمليّة تأمين الرّاحة الّتي تنبّأت بالثّورة الكرديّة في منتصف التّسعينات ثمّ مساعدة الأكراد مرّة أُخرى في العام 2003 خلال عمليّة تحرير العراق عندما تحرّكت القوّات الأميركيّة الى كركوك دون أن تلقى معارضة. إنّ الجهة السُّفلى لمحاولة إستعمال الإنقسامات الواحدة ضد الأُخرى يُمكن رؤيتها في غلطتنا الفاحشة الإستراتيجيّة في الفلّوجة في ربيع عام 2004, عندما كان المارينز يتقدّمون بنجاح ثمّ أُمروا بالإنسحاب من تلك المدينة ووُضِعَت الوية الفلّوجة تحت امرة البعثيّين لتكون مسؤولة عن ضبط النّظام في البلدة. وقد أدّى ذلك الى غضب قادة الشّيعة والأكراد والى أن يُصبح ذلك المكان ملاذاً للمتطرّف الإرهابي أبو مصعب الزّرقاوي والى الإنحراف الأخلاقي والعملاني لقُدات الولايات المتّحدة. ويشير Henriksen الى أنّ الإنقسام السّني الشّيعي exacerbating قد يتعارض مع رؤيتنا لحكومة ديمقراطيّة قابلة للعيش في العراق, إلاّ أنّ ذلك هو في الخط مع حملتنا العالميّة ضد المتطرّفين الإرهابيّين, إذ أنّ بإستغلال المُتنافسين أو النّاشطين بين عصابات التّمرُّد يلتقي بوضوح مع أهدافنا. وتدعو ورقة Henriksen قارىء ال SOF للعودة من جديد للعقيدة المترسّخة لأجل الدّفاع الدّاخلي الخارجي وللتّطوّر والدّفاع الدّاخلي الى جانب المسائل المعقّّّدة عن كيف نستطيع أن نقسِّم وننتصر. ويُُحتمل أنّ ما تحتاجه المخابرات لإستغلال الإختلافات بين أعدائنا سوف ينتج من هذه العمليّات على الأرض. وبينما نفتقر الى روعة المهمّات الفعّّّالة المباشرة, فإنّ تأثيرات فرق العمليّّّّات الخاصّة على الأرض الّتي تُسيّر حرباً غير معهودة, والعمليّات النّفسيّة والعمليّات العسكريّة المدنيّة سوف تكون حتماً مركزيّة لإستكمال الدّولة النهائيّة لتحقيق الدّيمقراطية والحكومات القابلة للعيش. " وهذه هي طرق وأساليب العمليّات الخاصّة الّتي تستطيع أن تقود بنجاح تعزيز خطوط الصّدع الإنسانيّة الذاتيّة لمكافحة الإرهاب "... كما يكتب Henriksen, وإنّ مقاتلي SOF سوف يؤيّدون فكرة أن حذف أعدائنا لبغضهم البعض سيكون له منافع بدل المنهجيّات البائدة.

 

الدراسة:

إنّ اولويّتنا ستكون أوّلاً قطع وتدمير المنظّمات الإرهابيّة ذات الإمتداد العالمي ومهاجمة قيادتهم, ومراكز السّيطرة والأوامر والإتّصالات والدّعم المادي والتّمويل. وإنّ هذا الأر سيكون له تأثير كاسح على قدرة الإرهابيّين على التّخطيط والعمل.

 

الإستراتيجيّة الأمنيّة الوطنيّة للولايات المتّحدة, أيلول 2002

السّياسة ومكافحة التّمرد إإذا كانت الحرب هي إستمرار السّياسة بواسطة معانٍ أُخرى, كما يعرض Clausewitz, فإنّ مكافحة التمرُّد إذن هي إستمرار الحرب بواسطة معانٍ سياسيّة. وقد فَهم الفيلسوف العسكري ال Prussian أنّ الهدف السّياسي يُملي نوع الحرب الّتي ستشتعل كذلك محالها وشدّتها. إنّ أهميّة الإعتبارات السّياسية في عمليّات مكافحة التّمرد أنّها تقريباً يستحيل المُغالاة فيها. وعلى الطّريقة الأميركيّة بشنّ صراعات مكافحة حرب العصابات, فقد لعبت السّياسة دوراً- ولا تزال- مركزيّاً في كل من أفغانستان والعراق. إنّ الخصائص الذاتيّة للمتمرّدين المقاتلين وشبكات الإرهابيّين كلّها تتطلّب إنتباهاً حادّاً للمجال السّياسي وليس فقط القدرات الحربيّة. وتتضمّن الأبعاد السّياسية سلسلة من المبادرات المتحرّكة المدنيّة لأجل كسب عقول وقلوب السّكان المحليّين في عمليّة تغيير النّظام بزعامة الولايات المتّحدة, والّتي حصلت في المرحلة الإبتدائيّة من الحروب في أفغانستان والعراق. لقد تضمّنت تلك المبادرات إعادة تجديد المدارس, بناء الطّرقات, حفر الآبار ومعالجة المرضى. إنّ هذه البرامج المدنيّة النّاشطة وحدها لا تختلف عن مُبادرات مُشابهة لمكافحة التّمرد من قِبل البريطانيّين, الفرنسيّين, البرتغاليّين, أو حتّى الولاات المتّحدة في سنواتٍ مَضت. ما هو مختلف اليوم هو درجة القوّة الأميركيّة الّتي إستُعملت ليس فقط لحملات " القلوب والغقول " المعهودة ولكن أيضاً الى ما اصطُلحَ على تسميته بنشر الديمقراطيّة وبناء الأُمة. وعلى هذا المستوى الكبير, فإنّ عناصر الدّيمقراطيّة تشمل إنتخابات حرّة ونزيهة, حملات وأحزاب سياسيّة, إعلام مستقل, والحوارات الجادّة العامّة. إنّ القوّة الأميركيّة المُسيطرة في العراق وأفغانستان إنّما هي لأجل الهدف الثّوري بتحويل المجتمعات السّلطويّة وضعها على السكّة الديمقراطيّة, وفي كِلا البلدين- ولكن خاصّة في العراق- فإنّ التّحالُف بقيادة الولايات المتّحدة عَمل ولا يزال يعمل على حفظ الأخلاق للجندي المُرابط في الأراضي المتغيّرة معالمها ( من جرّاء الحرب ). إنّ الإتقسامات العرقيّة- الدينيّة العراقيّة المُعلََنة بين السكان السنّة, الشيعة والأكراد لا تحتاج الى إستكمال تفاصيل, ما عدا التّأكيد على الّلوازم الإضافيّة الّتي وضِعَت في عهد صدّام حسين لقوّات مكافحة التمرُّد لأجل مكافحة جهود الإنفصال. إنّ هذه الجهود من المساعي الجادّة فاقت التطبيق التقليدي للقوّة الأميركيّة, وكما كتب Russell F. Weigley في كتابه الكلاسيكي " أصبحت إستراتيجيّة التدمير الكامل من شِيَم الطّريقة الأميركيّة في الحرب ". وبإختصار, لقد صُرفت القوّة الأميركيّة نحو الصّيانة والإعمار وليس للتّدمير الكامل فقط. وتُعد الإلتزامات المُستقبليّة بإعتبارات سياسيّة مُشابهة. وعلى المستوى الأصغر, فإنّ وحدات التحالُف ووحدات الولايات المتّحدة الخاصّة داخل العراق وأفغانستان سعت- وتسعى- لتحسين ظروف الحياة القاسية والمحرومة للسكّان المحليّين. وقد أحاطت المساعي سلسلة من جهود الصحّة والرّفاه لتشمل العلاج الطبّي, مياه الشّرب, فرص العمل وحتّى إنتاج الكهرباء لأجل تشغيل مكيّفات الهواء في أشهر الصّيف الجهنميّة. إنّ هذه البرامج الفعّالة المدنيّة المُشابهة تمثّل جانب الرّصد للحملة السياسيّة بمكافحة التمرّد وهي الى ذلك البُعد المعول عليه في حملات مكافحة حرب العصابات, إلاّ أن الجهة لهذه لم تناقش, فهي لا تشمل أي جهد لمواصلة كسب الدعم على أولئك الّذين ضُبطوا في عمليّات إطلاق النار للمتمرّدين وحرب مكافحة التمرّد. وبالعكس, فإنّ الجانب الأسفل من حملة مكافحة التمرّد قُصِد به إستغلال أو خلق إنقسامات بين الأعداء لأجل هدف التّحريض على مواجهات مُميتة لعدومقابل عدو. إنّ ذلك لحد الآن مركب ضروري غير معهود لهذا الشّكل المُبهم من المعركة ضد عدو فرّار لا يثبت ولا يُحارب. وبالأحرى, ففي البُعد التمرُّدي للحملة الحاليّة المُضادة للإرهاب, فإنّ مجموعات صغيرة من قوّات العمليّات الخاصّة Special Operations Forces ( SOF ) سوف تستمر حتّى تجد نفسها بمواجهة عصابات المتمرّدين في مجتمعات تحمل علامات قبائليّة وإختلافات مناطقيّة والّتي قد تتحوّل وتستغل هؤلاء العملاء الخاصّين. لقد شهدت أفريقيا, وسط آسيا, الفيليبين وأماكن أُخرى إنتشار قوّات العمليّات الخاصّة ( SOF ) لمكافحة المتطرّفين الإسلاميّين. ( وهكذا, فإنّ فَهم وتأثير التصدّعات الإنسانيّة الطبيعيّة لمكافحة الإرهاب تُشبه الجوكر في ألعاب الورق, حيث يمكن أن يُستبدَل ببطاقة تحمل أعداداً أكبر وقوّة ناريّة أكبر, وهو مُناسب بشكل أمثل لعالم الإختلاسات ومكافحة الفساد ).

 

التقسيم والهزيمة

إنّ زرع الإنقسامات بين الأعداء هوأمر قديم قِدم الحرب. وفي الوقت الّذي إستُشهد فيه ( ميكيافيللي ) Niccolo Machiavelli الحكمة السّياسيّة القديمة " Divide et Impera ", أصبحت إستراتيجيّة التقسيم لأجل الغَلبَة منذ ذلك الحين ممارسة مقبولة في سياسة الدولة وفي الحرب. إنّ التكتيكات المرتبطة بإغراء الأعداء بعضهم ببعض لم يكن أمرأً مجهولاً من قِبَل القوّات الحربيّة الأميركيّة. ولكنّهم غالباً ما كانوا يتّبعون الأسلوب الأميركي في الحرب الّذي يتّكل على القوّة الناريّة الثّقيلة, الّتي وُصِف بها في كل من الحربين العالميّتين, الحرب الكوريّة, حرب الخليج الأولى والثّانية وبالكثير من حرب فييتنام. إنّ النضال العالمي ضدّ التطرّف العنيف يمثّل صراعاً سياسيّاً للغاية, حيث يكون الإسناد النّاري الطاغي غير ملائم كثيراً. وبنفس الدلالة, فإنّ الأيديولوجيّة المتطرّفة والإنقسامات السياسيّة بين الإرهابيّين والمتمرّدين تفتح شقوقاً للقوّات الماهرة القادرة على التغيير. إنّ الإرهابيّين ومسانديهم المفكّرين, سواء كانوا مُعلِّقين, كُتّاب إفتتاحيّات صحف, أو رجال دين, لديهم إختلافات في الأجندة, كما أنّ لديهم إختلافات عقائديّة بالغة. ومنذ تأسيس الولايات المتّحدة, إتّكلت حكومات واشنطن في الحقيقة على Sabter fuge, Skull duggery, وعمليّات سريّة لأجل تقدُّم مصالح الأميركيّين. وحتّى في غمرة الحرب المعروفة الكُبرى لأميركا في القرن العشرين, فإن الولايات المتّحدة عمدت الى كتم العمليّات لمكتب الخدمات الإستراتيجيّة The Office of Strategic Services ( OSS ). وبذلك فإنّ ال OSS الى جانب مكتب المُخابرات البريطانيّة ساعدوا المقاومة الفرنسيّة على دفع الإحتلال الألماني وعلى الإستعداد لتحرير أوروبا. وقد شهدت الحرب الباردة مهمّات سريّة أيضاً. وتكثّف الولايات المتّحدة وحلفاؤها جهودهما المتحوّلة لبلبلة وتقسيم أعدائهما. كما أنّ أعداء أميركا يقومون بتدبير مهمّات سريّة ضد الولايات المتّحدة وحلفائها وضد مصالحها. وإنّ حذف أعداء الوطن لبعضهم البعض أمر له فوائد واضحة, إذ عندما كانت الإنقسامات غائبة, قام العملاء الأميركيّون بالتّحريض عليها. ومن بين تجسُّدات هذا الجيل لهذه الإستراتيجيّة التقسيميّة والّتي أخذت مكانها خلال الحرب الفييتناميّة, كان الإختلاق لحركة مقاومة خياليّة سُمِّيت " السيف المقدّس لعصبة الوطنيّين "- The Sacred Sword of The Patriots’ League ( SSPL ). وبينما ثبتت هذه العصبة أمام وكالة المخابرات المركزيّة في العام 1962, فإنّها استسلمت لمجموعة المراقبة والدراسات الفييتناميّة في القيادة العسكريّة المُساعدة- The Military Assistance Command Vietnam’s Studies and Observation Group ( MACVSOGSOG ). وقد إفترض ضبّاط القوّات الخاصّة الإشراف على SSPL وعلى عمليّات سريّة أُخرى إستهدفت شمال فييتنام. وكما أُشير من قِبَل Richard H. Shultz,Jr. في كتابه الرّائع, من أنّ هدف الSSPL كان لتغذية الإنطباع من أنّ مقاومة حسنة التّنظيم كانت مقاومة ناشطة في فييتنام. وأدارت الSOG فيضاً من العمليّات السريّة, والعمليّات النفسيّة والخداعيّة لطرح فييتنام الشماليّة خارج المعادلة. وقد سعى عمال SOG من خلال برنامجهم التحويلي والمُرمَّز بإسم " FORAE " لإقناع هانوي أنّ فِرقاً من عملاء الأعداء قد إخترقوا الحدود عميقاً الى الداخل. وقد سعت الخدعة الى التشويش على الجيش الفييتنامي الشمالي بإستغلال عقدة الإضطهاد النفسيّة المعروفة جيّداً في النظام الشيوعي عن الجواسيس والمُخرّبين. وبينما لم تعلن ال SOG نجاحاتها كما لم تعلن عن المعوقات الّتي حصلت أثناء عمليّاتها الممتدّة من عام 1964 وحتّى العام 1972, فإنّها أدارت على الدوام المسائل الّتي تقف ضدّ المعوقين سواء من الضباط العسكريّين الكبار أو وزارة الخارجيّة وحتّى بيت ليندون جونسون الأبيض. لقد ثبّط الوجل والعوائق البيروقراطيّة العمليّات, وحصر المهمّات في أجندات ضيّقة, فمع رجال SSPL المحنكين يتحمّل رجال SOG الآلام ليظهروا طابوراً خامساً زائفاً داخل فييتنام الشماليّة المتسلّطة لأجل أن يُحدث ذلك شرارة البحث عن مُخالفين في الرؤى السياسيّة وإزاحتهم عن السلطة والّذين هم على رأس الحزب الشيوعي والقيادة العسكريّة مما قد يضر بدعم هانوي لتمرُّد Viet Cong في فيتنام الجنوبيّة. ومع الإنتباه القيادي المنقطع للأمن الداخلي- مع أجهزة الشرطة المتداخلة, المُجندين ومعايير السيطرة على السكان- فإنّ المجتمعات الشيوعيّة كانت مُصنّفة كمجالات مجفّفة للعمليّات السريّة شبه العسكريّة بسبب طبيعتهم المنيعة والصّعبة الإختراق. إنّ عصبة الشبح ل SOG قدّمت ذريعة يسيرة لإحباط حرّاس الحماية للجبهة الأماميّة الوطنيّة لهانوي.

 

الإنقسامات في أفغانستان والعراق

إنّ المجتمعات المحجوبة ( الّتي لا سبيل اليها ) فعلاً في الحقبة السوفياتيّة هي عالم منفصل عن العراق وأفغانستان في الوقت الحاضر, حيث الولاءات العشائريّة, الصِلات المحليّة, التحالُفات المتحوّلة الكراهيّة الإثنيّة والبغض الديني أمور موجودة بأعداد وكميّات وافرة. وفي خلال الحقبة السوفياتيّة, أقحمت الأنظمة الّلينينيّة- الماركسيّة المجتمع الّلاطبقي والّذي كان حسب ما يُقال طبقة العاملين والجيش في الحزب الشيوعي. وصُفِّيت الطبقة البرجوازيّة والأشراف, كذلك الرأسماليّين. وقد فرض هذا الأمر وحدة حاكمة سلطويّة أبعد لعدد السكّان المنتشر والضّخم, على الرّغم من أنّ كل المجتمعات الشيوعيّة كانت تحمل علامة أصحاب الإمتيازات والحصانات وحكومة رجال الدين خاصّة ممن هم من أعضاء الحزب. كما أنّ فتاوى إستبداديّة أُخرى لجأت الى وسائل أُخرى للحفاظ على السّلطة.

 

أفغانستان

لقد لعبت الأنظمة في أفغانستان, العراق, وفي عدد من البلدان في المنطقة على الإختلافات الإثنيّة والدينيّة للحفاظ على السّلطة. وفي رؤيتهم الخاصّة " فرق تسد " قامت الحكومات في أفغانستان والعراق قبل الغزو الأميركي بتعميق الإنقسامات الشقاقيّة, مما تركهم عرضة لإستهداف التّحريك الأجنبي الّذي سهَّل تغيير النظام. إنّ الإنقسامات العميقة أثناء الحرب الإستباقيّة على أفغانستان كانت لصالح جيش التحالُف والقوّات الأميركيّة هناك. وقد ساهمت الطبيعة الجبليّة للبلد بوديانها الشديدة الإنحدار وقممها العالية في عزلها مما ولّد الشقاقيّة وسيادة الحرب في كل تاريخ أفغانستان. وكان من نتيجة الغزو السوفياتي في العام 1979 أنّه عمل على توحُّد رجال العشائر الأفغان, والسكان المتمدّنين ورجال الدين ضد " الجيش الأحمر " وحلفاءهم المحليّين. وبمساعدة المقاومة الأفغانيّة, قاموا بتمزيق الجيش السوفياتي الغازي وأجبروا موسكو على الإنسحاب من البلد غير المضياف في العام 1989. وترك خلفه الدمية السوفياتيّة, محمّد نجيب الّله, وهو زعيم مُخابرات سادي وقد صمد حتّى نيسان عام 1992 عندما تداعى نظامه. وبسبب عدم وجود تهديد خارجي يوحّد المقاومة الأفغانيّة لمرّة ثانيّة, فقد سقطت العصابات المتمرّدة في حروب بين بعضهم البعض, وغرقت أفغانستان في حالة من غياب السّلطة. والتفّ المُقاتلون المسرحون على بعضهم وانضمّوا تحت زعامة أسياد الحرب ليُحاربوا مُسلَّحين محليّين آخرين. وفي الحرب المضطربة التّالية, سقطت كابول مع تحالُف الطاجيك, الأوزباكيّين وبعض المجموعات الأُخرى غير الأمر الّذي مثل وللمرّة الأولى منذ 300 عام أنّ حكم الباشتون قد فقد السيطرة على العاصمة. وبزغ برهان الدّين ربّاني الطاجيكيّين من ذلك النضال القوي ليرأس تحالُفاً متوجساً لأسياد الحرب الشماليّين وأشرفَ من كابول على بلدٍ مُستعصبٍ يحدّق به قُطّاع الطرق والمُتناحرين الفتّاكين. وسحبت حركة طالبان السلاح لإنهاء الصراع المُدمّر والخروج عن القانون, ثمّ, وبقيادة المُلاّ محمّد عمر- وهو متمرّس بالحرب الأفغانيّة- إلتزمت طالبان بتفسير مُحافظ مُتشدّد للإسلام والّذي فرضوه بشكل صارم على أنفسهم وعلى غيرهم. وإنّ الطالبان, غير المولَّفين أساساً من الباشتون والمدعومة من قِبَل باكستان الّتي كانت تريد التّأثير على الأحداث في أفغانستان, زادوا من تسلُّحهم ومن مهاراتهم العسكريّة عن طريق الدّاعمين الباكستانيّين. كما أنّ عناصر عاطفيّة في داخل إدارة خدمة المُخابرات الداخليّة ( ISSI ) وفي وكالة الإستخبارات العسكريّة الباكستانيّة قدّموا المساعدة لميليشيا طالبان المُدرَّبة بشكل بائس والمُسَلحة بطريقة رثّة للغاية. ومع نهاية العام 1996, تغلّب طالبان على أسياد الحرب الشماليّين واستولوا على المدن الرّئيسيّة بما فيها العاصمة المستلقية والمُطوَّقة بالجبال حيث كانت تحكم حكومة ربّاني المعزولة. وفرض المُقاتلون الطالبان الأوامر بقوّة السلاح في أغلب البلد. وبسبب ما تغذّوا به على مدى السنوات من الخروج عن القانون, فإنّ العديد من الأفغان قبلوا مُرغمين وبهدوء إحتضان أو التوجُّه نحو الطالبان كحاجة شيطانيّة لحفظ الإستقرار الأهلي. إنّ نجاح الجيش الطالباني وتديُّنهم جذبا المُتعاطفين وكذلك الدّاعمين الماليّين من شبه الجزيرة العربيّة وأماكن أُخرى. وبسبب نبذ أُسامة بن لادن من قاعدته في السّودان, فقد قام مع 150 من زبانيّته بالتّحرك نحو أفغانستان خلال الأشهر الّتي سبقت إستيلاء الطالبان على كابول. وقد تخدّر بن لادن بعدما تحوّل من مموّل إرهابي الى قائد فكري إرهابي. فقام المنفي السّعودي بتأسيس مُخيّمات تدريب إرهابيّة وحرّض على التّفجيرات لسفارتي الولايات المتّحدة في شرق أفريقيا الى جانب المدمّرة الأميركيّة USS Cole وأطلق " عمليّة الطّائرات " ضد الولايات المتّحدة. وعند هذا الجزء, قام ربّاني وكتائبه العسكريّة بالهرب الى منطقة صغيرة حدوديّة في شمال شرق العاصمة في وادي Panjshir ليستمرّوا بنضالهم المُعادي للبشتون كحلفاء للشماليّين. إنّ هذا الإنحلال لشبكة المُعارضين للطالبان قدّم للولايات المتّحدة حليفاً جاهزاً للهجوم على الحكومة الدينيّة في كابول, الّتي كانت تلعب دور المضيف للقاعدة. وعلى خلاف عمليّات قلب الأوضاع ل SOG ضدّ فييتنام الشماليّة, لم يكن على الولايات المتّحدة أن تخلق جهة مُعارضة, بالإضافة الى أنّ وكالة الإستخبارات المركزيّة كان لا يزال لديها إرتباطات مع مُقاتلي المُقاوة في الحقبة السوفياتيّة في أفغانستان الأمر الّذي قدّم للCIA ولعُمال القوّات الخاصّة إتّصالات غير ذي قيمة داخل المجتمع الجبلي. لقد رشوا, سلّحوا ونظّموا الى حدٍّ ما الحليف الشّمالي القومي المُخيف ليصبح حليفاً تكتيكيّاً وقوّة بديلة. وقد يكون أنّ هؤلاء قد عارضوا في أوقات مضت الغزو الأميركي, ولكن أميركا الآن هي عدوّة عدوّهم, وبذلك فهي صديقتهم. وبعد هجمات 11 أيلول الإرهابيّة على مركز التّجارة العالمي والبنتاغون, قامت الولايات المتّحدة بإطلاق هجوم مُكافح ضد مقر قيادة القاعدة لأسامة بن لادن في أفغانستان, وبعد شهر من القصف الجوّي بالقنابل الّذي بدأ في 7 تشرين الأوّل, قام ضبّاط عسكريّون أميركيّون بتعويم بشكل مُختصر الفكرة بأمرَكَة ساحةالحرب المرشّحة مع سيناريوهات لأجل نشر حوالي 55 ألف جندي. إنّ ذلك الرقم الضّخم والكابوس الّلوجستي لإعادة تزويد هذا الجيش بالمُستلزمات قادهم الى الإتّكال على القوّة الجويّة, والقوّات الخاصّة وعلى الحليف الشّمالي للإطاحة بنظام الطالبان, والى جانب توجيه الإمدادات الحربيّة المُوجَّهة بدقّة على أهداف القاعدة والطالبان. إلتزمت وحدات SOF بمهمّات متنوّعة- تأمين المطارات, قطع الطرقات, مهاجمة رجال الميليشيا الفارّين- وقد سبق ذلك إنتشار الجنود من فيلق البحريّة الأميركيّة ووحدات الجيش الأميركي. لقد وفّرت هذه الإستراتيجيّة على الولايات المتّحدة نشر قوّة ضخمة على الأرض. وباللإضافة الى ذلك, عملت ال CIAو SOF بين أسياد الحرب في الشمال, والباشتون والّذين يمثّلون المجتمع في جنوب شرق أفغانستان, لإفلاتهم من قبضة الحكّام الطالبان عن طريق الإقناع والرشوة لمشايخ وقادة العشائر الشماليّين المُستائين وزعماء الباشتون الّذين شكّلت مجتمعاتهم العمود الفقري للمُلاّ عُمر, وذلك إمّا لأجل تحويل مواقفهم من جانب لآخر وإمّا لإمساك الدعم عن نظام كابول, وهكذا قام العاملون والعُملاء بتفتيت حُلفاء طالبان. وعمّا إذا كان " النموذج الأفغاني " يمكن تكراره بالضّبط في مُلابسات أُخرى, فإنّ ذلك أمر مفتوح على الشك, ذلك أنّ الحكم الطالباني لأفغانستان كان يتألّف من وضع فريد من الظّروف السياسيّة والتاريخيّة, إلاّ أنّ نموذج العناصر غير المُتأثّرة والمقسَّمة من النظام هي بالتّأكيد خدعة مقابل العيش تاريخيّاً. إنّ العديد من الدول في أفريقيا, وسط آسيا, أو حتّى الفيليبينحيث تنتشر ال SOF في عمليّات لمكافحة الإرهاب تحتوي على إنقسامات مناطقيّة, دينيّة أو حتّى إثنيّة.

 

العراق

لقّد قدّم العراق شاهداً واضحاً تماماً آخر للإنقسامات الدّينية والعرقيّة عندما تكون بخدمة حزب حاكم. لقد حكم حزب البعث, وهوحركة علمانيّة وإجتماعيّة للدولة, العراق وكأنّها دولة بوليسيّة على مدى عقود عن طريق إتّكاله على السكّن السنيّين, والّذين يؤلّفون 20 بالمئة من تعداد السكّان في البلد لقمع الأكثريّة الشيعيّة ( حوالي 60 بالمئة من العراق ) والأكراد ( أقل من 20 بالمئة ) وفتات أصغر من الجمهور العراقي. وفرض صدّام حسين سيطرته في كلّ المجالات عن طريق كيس النقود والخنجر مثل سيّد المافيا لشراء العطف والولاء أو لحذف المعارضة. إنّ أدواره في السّلطة تركته مُستَهدفاً من قِبل المجتمعات المحجوبة عندما غزت قوّات التحالُف بقيادة الولايات المتّحدة العراق. وبالإضافة الى نموذج مهمّاتها القياديّة لتأمين آبار النفط وتحييد بطاريّات الصواريخ في غرب العراق, فقد لعبت ال SOF دوراً حيوياً في إخفاء المُعارضين الأكراد لصدّام حسين بمهارة عالية خلال مرحلة الغزو لعمليّة تحرير العراق. إنّ قصّة قوّات العمليّات الخاصّة ( SOF ) في تكبير وتوسيع الإنقسامات داخل صفوف أعدائنا معروفة في أفغانستان أكثر منها خلال عمليّة تحرير العراق والغزو المُعلَن له. لقد كان صراع الحلف الشمالي-الطالباني معروفاً جيّداً للأجانب, كما أنّ الدعم الهائل لواشنطن للحلف المُعادي لطالبان كان قد تلقّى تغطية إخباريّة مُشبعة. والى الآن, فإنّ جهود تقسيم أعدائنا في العراق تُقدّم حالة تستحق الدرس في التكتيك التقسيمي. وخلال عمليّة تحرير العراق, إستفاد الغزو وبقيادة الولايات المتّحدة من إتصالات الحزب الإستباقيّة مع الأكراد في شمال العراق. لقد ذهبت الولايات المتّحدة بعد حرب الخليج الفارسي لتقديم المساعدة للمواطنين الأكراد في عمليّة تأمين الراحة ( Operation Provide Comfort ). ولاحقاً, حرّضت ال CIA على الثّورة الكرديّة في منتصف التسعينات. وفي أوائل العام 2003, عندما سدّت الحكومة التركيّة ومنعت عبور قسم المُشاة الرابع من حدودها الى داخل العراق, فإنّ ذلك أعاق تنفيذ عمليّة تحرير العراق, وبالعمل مع القيادة السياسيّة الكرديّة, فإنّ الولايات المتّحدة قامت بدلاً عن ذلك بإنزال قوّة خفيفة في شمال العراق. كما التفّ إثنان من كتائب الجيش من لواء المظليّين 173 ( 173rd Airborne Brigade ) الى داخل كركوك الّتي تقع على جوانب الثائرين الأكراد الّذين عزلوا وحدات الجيش العراقي من المنطقة الكُبرى للمدينة ومن المناطق المُحاذية لحقول النفط. ولم يلقَ الجنود المظليّون أيّة معارضة لأنّ ميليشيا الشمركة الكرديّة كانت قد أجلت المنطقة من العراقيين المُنسحبين. وقد عزّزت وحدات المارينز الخاصّة ال26 والجنود المظليّين عمل وحدات SOF في شمالي العراق وضغطت على قوّات صدّام حسين للإنسحاب نحو الجنوب, إنّ هذا الأمر هو مَثَل آخر للتحوُّل نحو الإنقسامات الداخليّة لإستجلاب النّظام المُعادي.وكما حدث في أفغانستان, فإنّ الإنقسامات التاريخيّة داخل العراق ساعدت الSOF وقوّات التحالُف النظاميّة, وقد وضعت التدخُّلات الأميركيّة يدها على الخيارات الجيوسياسيّة الموجودة, وبهذا قد لا يتم تكرار ذلك بسرعة, إلاّ أنّه يؤمّن فهماً كبيراً لأمثلة على مقياس أصغر لتمويل الصراعات الدمويّة. إنّها ذلك النموذج من أعمال النهب الّتي يمكن أن تنفذ على مستوى تكتيكي وعملاني, وهذا الأمر يتطلّب تركيزاً أكبر ويتطلّب تقديم دروس للإستخدام المُستقبلي للعُملاء السريّين في هذا المضمار. الصراعات الدمويّة ( Red-0n-Red ) تؤمن مرحلة الغزو المُعلَن للعراق حالة دراسيّة مهمّة للسّخط الهائج المُدمّر بين الأعداء الّذي يقود الى الحرب الدمويّة المُتبادلَة. وإنّ الأحداث خلال خريف 2004 داخل الفلّوجة, المدينة العراقيّة المركزيّة, تعرض المكائد الماهرة المطلوبة لضبط مُتمرّدين يحاربون متمرّدين. وبإستكانتها داخل المثلّث السنّي, والّتي تطوّرت باكراً لحصن مُعادي للتّحالُف, فقد لعبت الفلّوجة دوراً بارزاً في إرتفاع سلسلة التفجيرات, قطع الرؤوس, رمي العراقيّين بالرصاص وكذلك الموظّفين العسكريّين والمدنيّين للولايات المتّحدة, كما قتلِ مُقيمين من غير العراقيّين في البلد. إنّ ذكر الخلفيّة المُختَصرَة سابقاً هو أمر مطلوب لوصف الأحداث داخل الفلّوجة في أماخر العام 2004. وبعد عمليّة القتل والتقطيع إرَباً لأربعة من المُتعهّدين من قِبل رعاع في الفلّوجة في 31 آذار 2004, قامت البحريّة الأميركيّة بحصار المدينة الّتي كانت قد أصبحت منبتاً للمقاومةالمُعادية لأميركا. وبعد ثلاثة أيّام من القتال, توغَّل المارينز بعمق داخل المدينة مع مقتل ستّة من الجنود فقط, وأصبح هذا الهجوم أمراً خلافياً للإصابات بين غير المُقاتلين, وتدمير المباني, والشعور المحلّي أنّ هذا الأمر كان قد تحرّك بدافع الإنتقام للموت الفظيع للموظّفين الأمنيّين الأربعة. وقد إتّهم الأخضر الإبراهيمي, الّذي سُمي مؤخّراً مبعوثاً للعراق, قادة عسكريّين أميركيّين بتوزيع العقاب الجماعي, وبعدما تلقّى المارينز الأوامر بوقف الهجوم قاموا بذلك, ونتج عن ذلك الحركة تماماً لمدّة ثلاثة أسابيع. وكإشارة رمزيّة نحو العرقنة, إنسحب القادة الأميركيّين المحليّين الى الخلف وسلّموا المسؤوليّات الأمنيّة الى المُقيمين في المدينة. لقد كانت السلطة مُقلّدة للواء الفلّوجة المُدار من قِبل البغثيّين لضبط النظام في البلدة وحفظ الأوامر. إنّ هذه المُقامرة الخطيرة جدّاً من الإختيار بدلاً من المُجابهة أثبتت على المدى الأطول خطئها وفشلها. كما أنّها تقدّم توقيعاً حذراً لأولئك الّذين يحاولون إخفاء أعداء مسعورين بصفتهم جنوداً خدموا معاً. وقد أغضبت هذه المحاولة الزعماء الأكراد والشيعة والأكثر خطورة أنّها حجزت الإستعمال للقوّة الأميركيّة وهي على شفير التدمير الكامل لأعداء التحالف. وأعلن لواء الفلّوجة, المضبوط من قِبل الحرس الجمهوري السّابقين, النصر على المارينز, كما تعاون مع المتمرّدين, وسلّم الأسلحة والشاحنات التابعة للمارينز الى المتمرّدين, كما حوّلوا تلك النقطة الساخنة الى مركز رصد للتمرُّد. وأصبحت الفلّوجة منطقة " لا تذهب " أي محظورة على القوّات الأميركيّة وملاذاً آمناً للإرهابيّين ومقر القيادة للإرهابي الفلسطيني الأردني المولد السيء الذّكر أبو مصعب الزّرقاوي الّذي نظَّم العديد من السيّارات المُفخّخة وعمليّات الخطف وقطع الرّؤوس لأميركيّين وعراقيّين وأجانب. وقد إنحدر ال 250 ألف نسمة – هم مجموع سكّان المدينة- الى طريقة حكم تشبه الطالبان بتطرّفهم الإسلامي. وبالنتيجة, فقد مثّلت الفلّوجة الإعاقة العسكريّة الوحيدة والأكبر لحملة مُكافحة التمرُّد حتّى اليوم. إنّ فصل الفلّوجة يُلقي الضّوء على واحدة من التّناقُضات في تطبيق الجبروت العسكري الخام حيث العُرف والعقوبات هي المسيطرة على عمل القوّة العسكريّة ضدّ المقاتلين الأعداء. ومع ذلك, فإنّ عمليّات " الصدمة والهيبة " إمتثلت للمُمارسات المقبولة, وبشكل خاص منذ أن قلّل المُهاجمون الأميركيّون " الأضرار الجانبيّة " مثلاً, إيذاء المدنيّين الأبرياء. إلاّ أنّ الولايات المتّحدة كانت غير قادرة على إستعمال قوّتها الكاملة لإنجاز الأمن أثناء مرحلة الإحتلال من دون إيقاع العديد من الإصابات بين الشّعب غير المُقاتل. إنّ حملات مكافحة التمرُّد تتطلّب إستعمال التمييز أثناء إطلاق النار صوب المتمرّدين دون أن يسبّب ذلك الموت المُفرط للمدنيّين, وإلاّ فإنّ الشّعب بشكل عام سوف يأخذ جانب المُقاتلين السريّين ويقف ضد المحتلّين. إنّ مكافحة الهجمات المتناسبة مع الحجم الداخلي لتحرُّشات العصابات بهجمات " إضرب واهرب ", التفجيرات الإنتحاريّة وتكتيكات أُخرى غير معهودة ما هم إلاّ عمل أخرق, إذ أنّ إستعمال قوّة صغيرة جدّاً سوف يسمح للتمرّد بالنّجاة كما سيسمح له, وبشكل كبير, تحويل مُجندين جُدد نحو التمرّد. إنّ هذا الخيار بين شرّين يلقي بثقله في قلب حملات مكافحة التمرّد. بالإضافة الى أنّه يشير مرّة أُخرى الى الوجه السياسي المُضعضع لحرب مكافحة التمرّد. وبعد عودة السيادة المحليّة لسكّان الفلّوجة, إضطربت المدينة العراقيّة المركزيّة بسبب توتُّرات داخليّة بين السكان المُعادين للتحالُف. وبسبب كونها قلب المقاومة السنيّة للتحالُف بقيادة الولايات المتّحدة, فإنّ الفلّوجة مُترعَة بالمُعاداة للأمركَة. لقد أصبح الدّخول الى المدينة خطراً على جنود الولايات المتّحدة حيث كانت المدينة تفتقر للشرطة العراقيّة المُتحالفة أو للقوّات العسكريّة قبل ذلك بشهور من وقوعها تحت عبوديّة القوّات المُعادية للولايات المتّحدة. لقد إستعمل الزرقاوي الفلّوجة كمركز لنشر تمرُّده في كل البلد. لقد كان بمثابة القطب لعجلاته, إذا جاز القول, ولم يكن كل سكّان الفلّوجة شغوفين بالعمليّات الإرهابيّة للزعيم العراقي. لقد أزعجت مُعتقدات الزرقاوي السلفيّة الرجال الّذين لا يريدون إطلاق لحاهم كما النساء الّلواتي لا يردنَ تغطية شعورهنَّ, لقد إصطدمت النظرة الخارجيّة الصارمة للسلفيّة برؤىً صوفيّة مختلفة وأكثر إعتدالاً للسكان, مثل الصلاة على قبور الأقارب والأمر الّذي يعتبره السلفيّون بمثابة تجديف بالخالق. لقد حصل هذا الإنقسام بين الشعب السني. بالإضافة الى ذلك, فإنّ جهاديّي الزرقاوي والفلّوجيّين القوميّين لم يوافقوا على إستعمال التكتيك الإرهابي. لقد أراد كلاهما خروج الأميركيّين من الفلّوجة ومن العراق, لكنّهما إختلفا على التكتيكات. وقد عارض العديد من سكان المدينة عمليّات الخطف للصحافيّين الأجانب, والتفجيرات من دون تمييز الّتي تقتل العراقيّين. كذلك التخريب المتعمّد الّذي كان يفجّر البُنى التحتيّة الّتي يستفيد منها المواطنون أمثالهم. وكانوا يعتقدون أنّ التكتيكات الجهاديّة على نفسها بأن تحول إنتباه التحالف عن الفلّوجة لتستحوذ على الهجمات. وإنّ العراقيّين القوميّين كما اُدرجوا في مجلس شورى المجاهدين, يتألّفون من 18 من رجال الدّين ومن زعماء عشائر, وأعضاء سابقين من حزب البعث, يعارضون الزرقاوي بسبب تكتيكاته, حتّى أنّ رئيس المجلس عبد العزيز الجنابي سمّى الزرقاوي " بالمجرم ". وقد أتى الدليل على الحرب الإنشقاقيّة بين السكان الى العلن بعد معرمة ليليّة بالبنادق لم تشترك فيها قوّات التحالُف. إنّ إطلاق النار هذا بين المُنشقّين المتمرّدين يمثّل وقع العمليّات النفسيّة للولايات المتّحدة ( PSYOP ), الّتي استفادت وعمّقت من الخلاف ما بين القوى المتمرّدة. لقد صنعت جماعة PSYOP بمهارة ودهاء برامج لإستغلال أعمال القتل للزرقاوي ولبثّها في كلّ البلد وبذلك كانوا يقلّلون من صورته كبطل شعبي بين العراقيّين. وعلى الرّغم أنّ الجهاديّين والبعثيّين تشاركوا العداء للقوّات العسكريّة الأميركيّة المحيطة بالفلّوجة, فإنّ كراهيّتهم المتبادلة لبعضهم البعض مثلّث فرصة لقلبهم ضدّ بعضهم. وإنّ حرب إطلاق النّار بين المقاتلين الأعداء عمل بشكل واضح لصالح القوّات الصديقة, وللأميركيّين والعراقيّين. لقد سبّبت المعارك بين القوّات المعادية للتحالف جرح وقتل المُقاتلين الأعداء. كما زادت من الشقاق بينهم وبذلك أضعفت المتمرّدين. وبإختصار, فإنّ معارك red-on-red قد ترفع من التدخُّلات blue-on-red المعهودة, والّتي كانت تتّصف بها الكثير من أعمال التمرُّد في عراق صدّام حسين. وقد شهدت مراكز متمدّنة أيضاً العداء بين المتمرّدين العلمانيّين والمتطرّفين الإسلاميّين بعضهم من المنضمّين داخل القاعدة. وقد حصلت الإنقسامات على خلفيّة ممارسة القتل والإعطاب للعراقيّين الأبرياء بواسطة التفجيرات. وفي الرمادي, عاصمة مقاطعة, علق المُعادون للتطرّف الصور على الجدران ومنحوا الحريّة للمساجد للتنديد بالتكتيكات الجهاديّة. وفي بغداد, وفي القطاع السني الرئيسي بالأعظميّة, سحب المتمرّدون المُعادون لقوّات التحالف أعلام القاعدة عن الجدران وأضواء الشارع. وقد إستغلّ مُقاتلو الحرب النفسانيّين الأميركيّين الحرب الداخليّة للمتمرّدين, على الأقل داخل الفلّوجة. إنّ المعلومات من القوّة المشتركة المنتدبة ل PSYOP, وكتيبةPSYOP الثّامنة لمجموعة PSYOP الرابعة خارج Fort Bragg قدّمت حالة للدّرس في إنتهاء الإنقسامات بين العناصر المُعادين لقوّات التّحالف وقلب ذلك الى حسابات جيّدة. على جفاء الفلّوجيّين الشديد ومعارضتهم الناشطة لجهاديّي الزرقاوي, فإنّ القوّة المنتدبة المشتركة لPSYOP تكون قد قامت " بأفضل ما يمكنها لتغذية الفرقة بين المجموعات السنيّة ". لقد روّجت القوّة المنتدبة ل PSYOP للإنقسام عن طريق المناشدات للفلّوجيّين من خلال الإجتماعات والبث التلفزيوني والإذاعي والبوسترات. كما أنّها وزّعت أيضاً رسوماً سياسيّةً كرتونيّةً تصوّر الزرقاوي ققاتل للمسلم. وقد صوّرت إحدى هذه الرسوم الزرقاوي بشكل كاريكاتوري وبدون مبالغة وهو يحمل حزاماً للرّصاص على كتفه ويقف متوسّطاً أكواماً من الجماجم مع عنوان رئيسي يقول: " سوف أقتل, وأذبح وأخطف أكثر وأكثر الناس لأشبع شهواتي ولأكون مستحقّاً لعنوان اسم القاتل ". كما نشرت وحدات SOF أيضاً إعلانات صغيرة تُظهر الزرقاوي مُحاطاً بالفئران. ومن الواضح بالنسبة لهذه الأساليب النفسيّة وغيرها الّتي يطنّ بها الشارع العراقي كان يجب العمل على إنشاء الإنقسامات بين النموذج القومي للمتمرّدين وبين العناصر الجهاديّة داخل الفلّوجة المُسَيطر عليها سنياً. وإنّ هذه الحملة لم تعرض للخطر المهمّة الأميركيّة الأكبر لمحاولة ترطيب الصراعات بين فروع السنّة والشيعة في الإسلام لحفظ وحدة العراق الحدويّة. وقد إلتزم خبراء الحرب النفسيّة أيضاً بطيف من النشاطات لتطوير وتقوية الثقة بين العراقيّين وقوّات التحالُف ولتشديد المعارضة المحليّة للقاعدة ومعاونيها من العراقيّين. لقد وظّفوا الأضواء التلفزيونيّة والإذاعيّة, وقدموا مقابلات مع المراسلين الصحافيّين, ووزّعوا, واستخدموا مكبّرات الصوت ونشروا الرسائل على شبكات الإنترنت ودافعوا وجهاً لوجه عن القادة الدينيّين والسياسيّين والعشائريّين. وبعد أن إسترجعت القوّات الأميركيّة والعراقيّة الفلّوجة, لعبت القوّة المنتدبة لPSYOP على حقيقة أنّ الزرقاوي قد فرّ قبل القتال تاركاً أتباعه الجهاديّين وكثيراً من المتمرّدين البعثيّين يواجهون غضب القوّات التحالُف.

 

إستنتاجات وتوصيات

وعلى نسق قسم أبو قراط للمشتغلين بالطّب, فإنّ على جنود الSOF والPSYOP أن يكونوا حذرين من التسبّب بالأذى أكثر من الأمور الجيّدة عند التخطيط للتحريض أو للإستفادة من القتال الداخلي داخل صفوف الأعداء. إنّ Exacerbating الإنقسامات السنيّة-الشيعيّة, مع ذلك, قد تتعارض مع الأهداف الإستراتيجيّة في العراق وللسياسة المُعلنة للقادة السياسيّين العراقيّين. إلاّ أنّ إستغلال المّنافسين أو الناشطين بين عصابات التمرُّد كما هو الحال في الفلّوجة أو حصون أُخرى معادية لقوّات تحالُف هوأمر جيّد بالنسبة لأهداف قوّات التحالُف ولقوانين الحرب. إنّ إختراع التقنيّات للتحرُّش بالصراعات Red-on-red هو أمر يستحق الدراسة والتجميع والتحليل. إنّ فهماً عميقاً للمنظور السياسي الّذي يستمد من المخابرات, الخبرة والدراسة هو أوّلاً وقبل كل شيء أمراً مطلوباً لهذا النّوع من العمليّات. وعند وضع هذا التكتيك المعقّد, يجب على الSOF أن لا يكونوا فقط مستهلكين للمعلومات وإنّما المزوّدون المخابراتيّون الأُوَل للإتقسامات المُحتملة بين القوّات الحمراء. بالإضافة الى أتّهم يجب أن يتولّوا قيادة بتشجيع ومساندة وحدات الصّف لجمع وبث المعلومات السياسيّة كما تفعل المخابرات العسكريّة النظاميّة. وكما في أنواع الأسلحة الأُخرى, فإنّ تنظيم إصطدام red-on-red له وقت ومكان مناسبين لأجل توظيف ذلك. وإنّ كل البيئات المعادية لن تسهّل تطبيقه, ولكن إستعمال سهم آخر من جعبة مكافحة الإرهاب بلياقة ومهارة سوف يكون قادراً على التمييز وقاتلاً

ــــــــــ

المصدر القوة الثالثة.

نقلاً عن مركز الصقر للدراسات

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ