ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 16/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أولويات الحركة الإسلامية في ضوء فقه الأولويات للشيخ القرضاوي

مداخلة للشيخ راشد الغنوشي في ندوة أصول القرضاوي

الدوحة17صفر1431

مدخل: ليس من قبيل مبالغة طالب في الإعجاب بشيخه، وصف الشيخ يوسف القرضاوي بشيخ الإسلام ، بإعتباره أهم شخصية علمية وحركية تحظى بأوسع القبول في عالم الإسلام اليوم، سواء أكان ذلك من حيث إنتاجه العلمي الغزير والأصيل الذي كاد يغطي كل المجالات الثقافية الإسلامية في سياق منهج أصولي وسطي تكاد تلتقي عنده وتجد نفسها لديه أهم التيارات الإسلامية أو في الأقل لا تتباين معه كليا، أم كان من جهة مواقفه الحركية السياسية التي جعلت منه من أهم إن لم يكن الأهم على الإطلاق  من بين رموز الإسلام الفقهي والحركي في التعبير عن ضمير أمة تعيش حالة من اليتم في غياب  مشروعية اسلامية عليا ذات مصداق في النطق باسم أمة الإسلام. ولذلك لم يكن عجبا أن يفضي  انتاجه الفقهي وممارسته في حقل الدعوة والحركة الى تطوير فقه أصولي، وهو الأمر الطبيعي المنطقي في تطور العلوم أن تتراكم في مجال معين من مجالات العلوم جملة من المنتوجات، وفي مرحلة تالية من نضجها وتراكمها يسلّط عليها العقل الجامع المتأمل أضواءه فيستخرج منها جملة من القواعد الناظمة لتلك المنتوجات، وهكذا جاءت علوم اللغة كالنحو والصرف والعروض والبلاغة تالية لمنتوجات أدبية تراكمت في تلك الحقول، والشأن ذاته في  علم المنطق فقد جاء تاليا لتطور العلوم العقلية والأمر نفسه يصدق على علم الأصول الذي ولد في أعقاب تراكم منتوج فقهي وفير.

 

- وفي ضوء ذلك كان مفهوما إذن أن يتطور فكر العلاّمة خلال العقدين الأخيرين، فيشهد الى جانب تواصل عطائه المبدع في مجال الفقه الجزئي خصوصا في مجال الفقه الحركي تقويما لمسار الحركة الإسلامية مثل "الصحوة الاسلامية بين الجحود والتطرف"..وفي مجال الفقه السياسي السياسة الشرعية وفقه الأقليات وفقه الدولة الإسلامية والخطاب الإسلامي في عصر العولمة والدين والسياسة وفقه الجهاد. فكان مفهوما أن يشهد عطاؤه  أواخر الثمانينيات إبداعات  في مجال الفقه الكلي، كما تجلت في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية" إلا أنه في أواسط التسعينيات من القرن الماضي تكامل هذا التوجه الأصولي فظهر في كتاب مستقل "في فقه الأولويات" وفي مقاصد الشريعة . ولم يكن هذا المفهوم غائبا بل كان حاضرا في كل أعمال الفقيه السابقة كما كانت حاضرة لدى أسلافه من الفقهاء الكبار الذين نوه بسابقتهم في هذا المجال وخصوصا ممن أفاضوا في فقه المصالح وبيان قيام الدّين على تحصيلها ودرء ما يناقضها من المفاسد والموازنة بينها عند اجتماعها، مثل الشاطبي وابن تيمية والغزالي والعز . ولكنّها لم تكتمل في منظور أصولي شامل إلا في مرحلة متأخرة. إذن  لم يكن عجبا أن يسبق كتاب أولوية الحركة الإسلامية كتاب فقه الأولويات، فقد كان  الأول تمهيدا للثّاني إلا أن الأول مع نظرته الكلية كان ينتمي الى مجال الفقه الجزئي بينما الثاني ينتمي الى الفقه الكلي.

 

 

 

ولأن العملية الإنتاجية في تراكم  ومحصولها بين أيدينا، بارك الله في عمر الشيخ، فإننا سنؤسس حديثنا عن أولويات الحركة الإسلامية لدى القرضاوي موطئين لها بحديث مجمل لفقه الأولويات عنده محاولين الوقوف على مدى مطابقة النظرية للواقع. هل أولويات الإسلام كما استقرأها وعبر عنها القرضاوي في  فقه الأوليات هي فعلا أولويات الحركة الإسلامية التي سبق وأن اقترحها العلامة ؟ أم أن هناك قدرا من التباين؟وما تفسيره إن وجد؟

 

أولا: رؤية مجملة لفقه الأولويات:

يعتبر المؤلف موضوع كتابه "في غاية الأهمية، لأنه يعالج قضية إختلال النسب واضطراب الموازين من الوجهة الشرعية في تقدير الأمور والأفكار والاعمال وتقديم بعضها على بعض وأيهما يجب أن يقدم وأيها يجب أن يؤخر( وذلك في ضوء) مجموعة من الأولويات التي جاء بها الشرع عسى أن تقوم بدورها في تقويم الفكر وتسديد المنهج يهتدي بها العاملون في الساحة الإسلامية فيحرصوا على تمييز ما قدمه الشرع وما أخره وما شدّد فيه وما يسّر لعل في هذا ما يحد من غلو الغالين وما يقابله من تفريط المفرطين وما يقرب وجهات النظر بين العاملين المخلصين"(1) واضح من هذا النص أن هدف المؤلف ليس مجرد الحصول على متعة معرفية او الإنتصار في مجادلة كلامية وإنما معالجة أمراض تعيشها أمة ممزقة بين ضروب من التطرف بعضها في اتجاه التّشدد باسم الدين وبعضها في اتجاه التّحلل منه على أساس فتاوى مضللة بما ينتهي الى دفعها الى المزيد من التمزق والجدل العقيم في وقت هي أحوج ما تكون الى وحدة صف لا يمكن استعادتها مع استمرار فشو  تيارات التشدد والتحلل بسبب غياب فقه أصولي وسطي جامع، نذر الشيخ حياته لتأسيسه وإشاعته دينا للمسلمين وهو يرى حياة الأمة "في جوانبها المختلفة مادية كانت أم معنوية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ميزان الاولويات فيها مختلة كل الإختلال"(2/13)لا يقتصر هذا الإختلال على جماهير النّاس بل يشمل حتى أهل الدين، حيث تجد الكثير من المحسنين مستعدين للإنفاق السّخي لبناء مسجد يضاف الى مساجد كثيرة في نفس المدينة ويحرصون على تكرار الحج عشرات المرات  بينما يحجمون عن البذل لنشر الدعوة أو دعم الجهاد لتحرير بلد اسلامي محتل، في ذهول عن فقه مراتب الأعمال الذي أفصح عنه مثل هذا النص المحكم "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين.الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون"/التوبة19-21/

 

ولقد كان هذا الإختلال المتشعب في حياة المسلمين من أجلى معاني الإنحطاط وأسبابه ونتائجه، إذ أهملوا فروض الكفاية المتعلقة بمجموع الأمة كالتّفوق العلمي والصّناعي والإجتهاد في الفقه وإقامة حكم الشورى، كما أهملوا فروضا عينية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واهتموا ببعض الأركان  كالصوم اكثر من غيرها كالصّلاة والزّكاة واهتموا بالنّوافل كالأذكار واهملوا فرائض اجتماعية مثل بر الوالدين ومقاومة الظلم الإجتماعي والسياسي، واهتموا بالعبادات كالصّلاة اكثر من اهتمامهم بالعبادات الإجتماعية كالجهاد والفقه وحقوق الإنسان، وكذا اشتغل الكثير بمحاربة المكروهات والصغائر او الشبهات المختلف فيها كالتصوير والغناء والنقاب مهملين القضايا المصيرية والموبقات دينية كانت كالسحر والإستعانة بالمقبورين، ام اجتماعية وسياسية مثل نهب الثروات. إنه الإختلال العام في المعايير والأولويات، يصغّر الكبير فيؤخر ويكبّر الصغير فيقدم، وتحتدم المعارك حول المختلف فيه، ويسدل الستار على المتفق عليه، فتتبدد جهود الأمة في غير محلها وتضيع مصالحها العليا بسبب هذه الإختلالات الخطرة في سلّم الأولويات. من هنا كان لزاما إعادة النظر في مستويات وعينا الديني والإجتماعي في ضوء نصوص الدّين ومقاصده،  وفي ضوء ضرورات الأمة ومصالحها العليا من أجل إعادة برمجة حياة المسلمين الدينية والإجتماعية وفق خريطة تتوازن فيها مطالب الدّين مرتبة وفق سلّم أولويات واضحة تستجيب لضرورات الأمة وحاجاتها.

وتتحدد معالم خريطة الأولويات التي توصل اليها المؤلف من خلال عملية استقراء دقيقة وعميقة لفيض من نصوص الكتاب والسنّة تدل على تبحره فيهما مستفيدا من تراث أسلافه من الأئمة الأعلام، كل ذلك وعينه الثاقبة لا تغادر أوضاع أمة مهموم بها يبحث ناصبا عن أدواء لعللها المستعصية، يملأه يقين أن المهمة على مشقتها وعسرها ممكنة الإنجاز. تتحدد معالم هذه الخريطة التي يريد وضعها بين يدي أمته وخصوصا المنشغلين بمهام النهوض بها، تتحدد وفق المعايير التالية:

1- اولوية الكيف على الكم: لقد ذم القرآن الأكثرية غير العاقلة او الجاهلة او غير المؤمنة او غير الشاكرة، ومدح المؤمنين العاملين الشاكرين ولو كانوا قلة ووعدهم بالنصر وحثهم على الإحسان في كل شيء، غير أن الإسلام ولئن وجه عنايته الى النّوع فخصّه بالأولوية على الكم، إذا وجب الخيار، إلا أن ذلك لا يزهّد في الكم والكثرة فكثرة الخير خير، ولذلك منّ الله على المومنين إذ كثّرهم وأعزهم بعد استضعاف وقلة، كما افتخر خاتم الأنبياء بأنه أكثر الأنبياء تابعا، وهو ما أكده شيخ الإسلام القرضاوي في غير هذا الموطن مرارا كثيرة، وما ينبغي له غيره وهوثائر لا يفتر محرض على الظلم والظالمين نافخا روح التغيير، ولا ثورة دون جماهير.

2- وفي مجال العلم والفكر الأولويات هي:

أ- أولوية العلم على العمل: "العلم إمام والعمل تابعه" كما رواه ابن عبد البر  في حديث معاذ. وفقه الأولويات ذاته مبناه على العلم. ولقد حذر صاحب الرّسالة عليه السّلام من ظهور طائفة لا يجاوز القرآن حناجرهم، لا تفقهه قلوبهم رغم كثرة صلاتهم وصيامهم، ولذلك كان العلم شرطا في كل عمل قيادي في الأمة، الى حد اشتراط التحقق بدرجة الإجتهاد في بعض الخطط مثل الولاية العامة والقضاء، وللأسف بلغ الإنحطاط في الامة أن يسود فيها الأجهل. كما يشترط في من يفتي الناس ان يكون متمكنا في علمه وفي الداعية أن يدعو الى الله على بصيرة.

ب- أولوية الفهم على الحفظ ، بمعنى أولوية علم الدّراية على علم الرّواية ، فقد انتدبنا الإسلام للتفقه في الدين لا مجرد روايته، وعلى أهمية الحفظ والذاكرة، فليس مقصودا لذاته. وكان من السّمات الثقافية لعصور الإنحطاط أن ساد الحفظ  والتقليد والترديد وتضاءل الفهم والإبداع والتجديد ولا تزال الجوائز  السخية كما لاحظ المؤلف تسند لحفاظ القرآن ولا يكاد يقدم شيء للمتفوقين في علوم الشريعة.

ج – أولوية المقاصد على الظواهر:  ذلك أن استقراء نصوص الشريعة من قبل العلماء المحقيين أكد أن للشارع الحكيم العليم الرّحيم حكما ومقاصد ومصالح لعباده في كل ما أمر ونهى، إلا أن المسلمين كثيرا ما شغلتهم  القشور والظواهر عن الحكم والمقاصد.

د- أولوية الإجتهاد على التقليد: فقد أبدأ القرآن الكريم وأعاد في ذم تقديس الآباء واتباعهم دون بينة والجمود على الموروث "ولا تقف ما ليس لك به علم" /  / وتوعد بالعذاب من عطل ملكة العقل والحواس"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" /  /. وهكذا تعرف عصور التقدم والنهوض بكثرة المجتهدين وعصور التخلف بسادة التقليد وندرة التجديد

 

3- أولوية الدراسة والتخطيط لأمور الدنيا: "وهذا من مقتضيات أسبقية العلم على العمل، واعتماد أدق البيانات الإحصائية في كل خطة يراد انجازها، وذلك بدل الإرتجال واعتماد الرؤى وسوابق الأحكام والثقة المطلقة في الزعيم.       

 

4- وفي مجال الآراء الفقهية: ضرورة التمييز بين القطعي والظني بين ما ثبت بالنص وبين ما ثبت بالإجتهاد  والامور الإجتهادية لا ينكر فيها عالم على آخر، وبين ما ثبت بنص قطعي الثبوت والدلالة وبين غيره. وظنية الثبوت تشمل معظم السنة باعتبار التواتر فيها عزيز، وظنية الدّلالة تشمل القرآن والسنّة، ولكن كما يؤكد العلامة "أن القضايا الكبرى مثل الألوهية والنّبوة والجزاء وأصول العبادات وأمهات الأخلاق والأحكام الاساسية للأسرة والميراث والحدود والقصاص ونحو ذلك قد بينتها آيات محكمات تقطع النزاع وتجمع الكل على كلمة سواء"(3/66)

5- الأولويات في مجال الفتوى والدّعوة:

أ- أولوية التخفيف والتيسير على التشديد والتعسير: "قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" / البقرة 185 / .وقالت عائشة ما خيّر النّبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما". ويتأكد ذلك  بظهور الحاجة اليه وخصوصا في عصرنا. وكان النّبي عليه السّلام اشدّ ما يكون إنكارا للتشدّد إذا ظهرت بوادر تدل على بداية تحوله منهجا.

ب- ومن التيسير الإعتراف بالضرورات والإقرار بمبدإ تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان: وضرب المؤلف مثلا لذلك مسألة الجهاد الهجومي، جهاد الطلب الذي اقتضته ضرورات تبليغ دعوة الإسلام ولم يكن من طريق غير إزاحة عقبة الأباطرة. اما وقد أطاحت الثورات التحررية بالعروش الطاغوتية فقد انفتح العالم قي وجه دعوة الإسلام فعاد الأمر الى أصل السّلم إلاّ دفعا لصائل .

ج  مراعاة سنة التدرج: فلقد نزل القرآن منجما وجاءت تشريعاته متدرجة مثل مسالة تحريم الخمر.

د –تصحيح ثقافة المسلم من طريق اعادة النّظر في المناهج وبالخصوص مناهج التعليم الديني فلا تضيّع اعمار الطلبة في استيعاب جدليات كلامية معقدة لا حاجة اليها بدل التفقه في الدين وفي ثقافة العصر وفلسفاته، والميزان الذي لا يخطئ في ذلك هو كتاب الله فتعطى المسائل من العناية على قدر ما حظيت به في الكتاب العزيز مثل الالوهية والنبوة والجزاء واصول العبادات والفضائل

 

6- الأولويات في مجال العمل:

أ- اولوية العمل الدائم على المنقطع

ب أولوية العمل المتعدي على العمل القاصر: فالعمل الأوسع نفعا مرجح على غيره ولهذا "كان جنس عمل الجهاد مرجحا على جنس عمل الحج" ومن هنا قرر الفقهاء ان المتفرغ للعبادة لا يعطى من مال الزّكاة بخلاف المتفرغ للعلم. وروى الطبراني ان النبي عليه السّلام قال :"يوم من أيام امام عادل أفضل من عبادة ستين سنة"

ج- أولوية العمل الأطول نفعا والأبقى أثرا:  من هنا كان فضل الصّدقة الجارية

د- أولوية العمل في زمن الفتن: ومن ذلك "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"

ه- أولوية عمل القلب على عمل الجوارح: بناء على الأصل الكبير"إنما الأعمال بالنيات" وصلاح القلب واخلاص النيات والتحقق بتقوى الله في كل حال ومحبة الله ورسوله اكثر مما سواهما والتهيئ للقاء الله هو المقصد الأسنى للتربية الإسلامية، ولذلك المؤلف "يعجب من تركيز بعض المتدينين والدّعاة على بعض الأعمال والآداب المتعلقة بالظّاهر أكثر من الباطن مثل تقصير الثوب وإعفاء اللّحية وصورة حجاب المرأة الى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالشكل أكثر من الجوهر والرّوح"(4/99)

و- اختلاف الأفضل باختلاف الزمان والمكان والحال: فأفضل الأعمال الدنيوية كالزّراعة والصّناعة والتّجارة تتحدد وفق حاجة المجتمع "وأحوج ما تحتاج اليه أمتنا في عصرنا التكنولوجيا المتطورة فلا تستطيع الأمة النهوض برسالة الإسلام وهي عالة على غيرها في أدوات العصر وأسلحته، ولا بد أن تتطور مناهجها بما يحقق هذه الغاية.إن تحصيل التكنولوجيا المتقدمة والتّفوق فيها وفي العلوم الموصلة اليها أصبح فريضة وضرورة وهي في مقدمة الأولويات"(5/101و102)

ن-أما أفضل العبادات فالأمر يختلف من شخص الى آخر ومن وقت الى آخر ومن حال الى آخر، افضل العبادة مرضاة الرّب في كل وقت وحين وفي وقت الجهاد العبادة الافضل هو الجهاد ووقت حضور الضيف افضل العبادة القيام بحقه .

 

7- الأولويات في مجال المأمورات:

أ- تقديم الأصول وما يتصل بالله وتوحيده وملائكته ورسله واليوم الآخرعلى الفروع

ب- تقديم الفرائض والتشدّد فيها ولا ضير في التساهل في السنن والمستحبات .وام الفرائض الصّلاة والزكاة . وإن من الخطأ الإشتغال بالسّنن عن الفرائض مثل من يقوم الليل أو يصوم متطوعا ثم يذهب الى عمله الذي يتقاضى عليه أجرا متعبا كليلا، ومثله حج التّطوع وفي المسلمين من يهلك جوعا، وآخرون يتعرضون للإبادة ، لو فقهوا فقه الأولويات لقدموا انقاذ اخوانهم على استمتاعهم بالحج والعمرة" (6/117و118)

ج_أولوية فرض العين على فرض الكفاية: مثل تقديم بر الوالدين على الجهاد عندما يكون فرض كفاية ، وهو جهاد الطّلب لا جهاد الدفع" (الملاحظ أن العلاّمة هنا يجري على معتاد اصطلاح الفقهاء في التمييز بين الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي بينما هو اتجه في عمله الضخم /فقه الجهاد/الى ما يشبه إسقاط هذا الأخير لانعدام الحاجة اليه بل هو في كتابه هذا ذاته يؤكد انعدام الحاجة اليه (صً78) ويلاحظ أن فروض الكفايات تتفاوت، بين فروض قام بها بعض النّاس وأخرى لم يقم بها أحد، فيكون الإشتغال به أولى، وقد يتعين فرض الكفاية على أحد لأنّه وحده المؤهل له كالمفتي والمعلم والطبيب والعسكري

د- أولوية حقوق العباد على حق الله المجرد: قال العلماء إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة ولذا قدم قضاء الدين على الحج.

ه- أولوية حقوق الجماعة على حقوق الأفراد: لأنه لا بقاء للفرد إلا بالجماعة، فإذا كان الجهاد فرض عين كما اذا غزا الأعداء دارا للإسلام ففرض على أهلها ان يهبوا للدّفاع عن بلدهم ولا عبرة بمعارضة بعض الآباء، فحق الأمة مقدم على حق الفرد، ومن ذلك مسألة التترس، ومن ذلك جواز فرض ضرائب على القادرين لتمويل الجهاد اذا اقتضى الأمر ذلك

و-أولوية الولاء للجماعة والأمة على القبيلة والفرد: فيد الله مع الجماعة ورابطة العقيدة مقدمة على رابطة الدم "إنما المومنون أخوة" / الحجرات 10 /

 

8- الأولويات في مجال المنهيات: وكما تتفاوت المأمورات بين مستحب وواجب وفرض عين وفرض كفاية تتفاوت المنهيات أعلاها الكفر بالله تعالى وأدناها المكروه تنزيها. والكفر ذاته درجات، فهناك كفر الإلحاد وكفر الشرك وهو انواع. ودون كفر الإلحاد كفر أهل الكتاب لتكذيبهم بالرّسول الخاتم ورسالته عليه السّلام، ومع ذلك فإن لهم وضعا خاصا بوصفهم أهل كتاب سماوي فأجاز القرآن مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بما يجعلهم أقرب من الملاحدة والوثنيين ما لم تكن هناك عوامل خاصة تجعلهم الأشد عداوة. والكفار منهم المسالمون ومنهم  المحاربون. وهناك كفر أهل الردّة وهم شرّ انواع الكفر وهي الخروج من الإسلام بعد ان هداه الله. ويعظم خطر الردّة ووجوب مقاومتها اذا تحولت عملا جماعيا منظما مهددا لهوية المجتمع واسسه. وهناك كفر النفاق، وهو من أغلظ أنواع الكفر، ولقد عظم خطرهم على الإسلام في عصرنا. ومن المهم التفريق بين الأكبر والأصغرمن الكفر والشرك والنفاق ، الكفر الأكبر هو الكفر بالله تعالى وبرسالاته والكفر الأصغر المعاصي مثل تارك الصّلاة كسلا . والشرك الأكبر ان يتخذ من دون الله ندا والأصغر كالحلف بغير الله، ويسير الرياء. والنّفاق الأكبر هو ان يبطن الكفر ويظهر الإسلام واما النّفاق الأصغر فهو نفاق العمل كالتخلق باخلاق المنافقين. وادنى من الكفر المعاصي وهي كبائر وصغائر. فالكبائر أظهرها التي شرعت لها حدود او توعد الله عليها بالنار

 

-9- الأولويات في مجال الإصلاح:

أ- تغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة، إذ البدء بالفرد أساس البناء ، ولهذا كانت الأولوية لكل جهد تربوي يبذل لتكوين الإنسان المسلم، وبدأ ببناء شخصيته بغرس الإيمان الصحيح في قلبه بما يصحح نظرته للأكوان ولخالقها ونظرته لنفسه ولرسالته في الحياة، وذلك ضمن مشروع متكامل للحضارة تربي عليه الأمة ابناءها للعمل وفقه تتعاون على ذلك كل مؤسساتها، هذه التربية شغلت الجزء الأكبر من حياة النّبي عليه السّلام وصحبه وكان لا بد ان تسبق التمكين والجهاد، إذ جهاد العدو ليس إلا الثمرة لجهاد النفس والشيطان. ولا قيمة للجهاد إذا لم ينطلق من نيات خالصة لله عز وجل

ب- أولوية المعركة الفكرية :الأساس المكين لكل إصلاح ينطلق من تقويم الفكر وتصحيح المفاهيم والتصورات، وهو ضرب من الجهاد . من هنا كانت المعركة الفكرية جديرة بالتقديم على غيرها. وساحاتها متعددة : معركة خارج السّاحة الإسلامية مع الملحدين وغلاة العلمانية ، ومعركة داخل السّاحة الإسلامية لترشيد مسيرة الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية ، تصديا للتيّار الخرافي  وللتيّار الحرفي ولتيار الرفض والعنف ، وذلك بالدعوة الى تيار الوسطية بخصائصه المعروفة بفقهه للدين فقها يتميز بالشّمول والإتزان والعمق وفقهه للواقع دون تهويل ولا تهوين وفقهه لمقاصد الشريعة وفقهه للأولويات وجمعه بين السلفية والتجديد وإيمانه بأن التغيير الفكري والنفسي والخلقي أساس كل تغيير وتقديمه الإسلام مشروعا حضاريا متكاملا  واعتماده منهج التفسير في الفتوى والتبشير في الدعوة ، وإبرازه القيم الإجتماعية والسياسية في الإسلام مثل الحرية والكرامة والشورى والعدالة الإجتماعية، واتخاذ الجهاد للدفاع عن حرمات المسلمين (7/190و191)

ج- أولوية تجميع صف العاملين للاسلام: وإن من أوكد واجبات تيار الوسطية العمل بصدق لتجميع الصف الإسلامي على الأصول التي ما ينبغي الخلاف عليها أي على أركان العقيدة الستة الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وعلى الأركان العملية الخمسة الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وعلى أصول الفضائل واجتناب أصول الرذائل والمحرمات، وبحسبنا اللقاء الإجمالي على هذه الكليات ولا بأس أن نختلف في الفروع والمواقف، ولا مانع من أن تتعدد الجماعات تعدد تنوع لا تعدد تضارب. لا بد من جهد فكري وجهد عملي لتجميع العاملين لخدمة الإسلام وتقريب الشقة وغرس روح التسامح، فهذا العمل من الأولويات المهمة والمقدمة اليوم وإلا سيؤكل الجميع  تيارا بعد تيار ومجموعة بعد مجموعة.

د-أولوية التربية والإعلام على التطبيق القانوني للشريعة: ومع أن الجانب القانوني من الشريعة مثل الحدود والتعازير جزء من الإسلام لا يجوز الإعراض عنه إلا أن المبالغة في ذلك الى حد اعتباره رأس الأمر كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي والعمل الإسلامي وتقديم صورة مختلة عن الإسلام ومشروعه الحضاري استغلها خصوم الإسلام لتشويه صورة الإسلام وللتخويف من مشروعه الحضاري، فالواجب ان لا تعطى هذه القضية اكثر من حجمها من الفكر لتتجه الجهود نحو إعداد والمطالبة بتربية اسلامية متكاملة معاصرة تتابع الطفل من سن الحضانة وتستمر معه حتى يتخرج من الجامعة مستخدمة المناهج الملائمة والتكنولوجيا المتطورة بما يؤكد ضرورة الدين للحياة وكمال الإسلام وعدالة أحكامه وإعجاز كتابه وعظمة رسوله وتوازن حضارته، وهي تربية ليست مطلوبة في دروس الدين بل هي مطلوبة في كل المواد دون افتعال. كما يجب ان تعطى مساحات مناسبة لقضية الإعلام والثقافة لما لهما من اثر فعال في صناعة العقول والميول والإتجاهات، فما ينبغي أن تترك في أيدي من لا يؤمنون بالإسلام مرجعا أعلى، وذلك بإعداد إعلاميين في كل  مجالات الثقافة والفنون مع تذليل العقبات الشرعية، وبمحاولة كسب  ما هو موجود من إعلاميين وفنانين.

10- فقه الأولويات في تراثنا: لهذا الفقه آثار متناثرة في تراث الأمة، من ذلك سؤال أحدهم ابن عمر عن دم البعوض فلما علم انه من العراق قال انظروا الى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله عليه السّلام، ناقدا اتجاها سائدا، التدقيق في الأمور الصغيرة ويضيعون الامور الكبار.

ومن ذلك بحث العلماء مسألة ايّهما أولى زمان الفتن وانتشار الفساد الإختلاط بالمجتمع لإصلاحه ام العزلة والنجاة بالنفس؟ ذهبت الصوفية المذهب الثاني وسلك العلماء الربّانيون الأول. كما اختلفوا في مسألة الدنيا أيهما اولى الدخول في معمعتها والإستمتاع بطيباتها في حدود الشرع ام الإنصراف عنها، فذهب جمهور المتصوفة الى الثاني وذهب العلماء الربّانيون الى الأول، ومن ذلك بحثهم أيهما أولى ترك المناهي أم فعل الأوامر؟ وحاصل المبحث أن اجتناب المحرمات وإن قلت أفضل من الإكثار من الطاعات. ومن ذلك اختلافهم في مسألة أيّهما أفضل الغنى مع الشكر؟ ام الفقر مع الصبر؟ والذي يترجح أن الغنى مع الشكر هو الأولى .قال تعالى: " وقليل من عبادي الشكور " /   / لصعوبة الأمر.

 

11- فقه الأولويات في دعوات المصلحين في العصر الحديث:

أهم ما يميز مصلحا اسلاميا من آخر الأولوية الإصلاحية التي استهدفها وأدار حياته وعمله حولها بناء على فهمه للإسلام ورؤيته للواقع، فكان إصلاح العقائد مدار عمل ابن عبد الوهاب، وكان جهاد المحتلين عمل الإمام المهدي، وكانت أولوية الأفغاني نفخ روح النهوض في أمة غافية غلب عليها أعداؤها، بينما اهتم الإمام محمد عبده بتحرير العقل المسلم من أسر التقليد وربطه بالمنابع الإسلامية  الصافية وفهم الدين على طريقة السلف وبيان أن الحكومة الإسلامية حكومة مدنية من كل وجه حاكمها بشر يخطئ وتغلب عليه شهوات لا يرده عن طغيانه غير النّصح بالقول والفعل. أما حسن البنّا فقد عني بتصحيح المفاهيم عن الإسلام وأنه عقيدة وشريعة ودين ودولة و وجه جهوده لتكوين جيل ربّاني يفهم الإسلام فهما دقيقا ويؤمن به ايمانا عميقا ويترابط عليه ترابطا وثيقا ويهبه حياته ويجمع ما تناثر من صفوف أمته على كليات الإسلام والعمل به والعمل له بمنآى عن الإختلاف الفقهي والمذهبي. وكانت قضية المودودي الأساسية إعادة النّاس الى حاكمية الله تعالى في مواجهة الجاهلية الحديثة التي تمثلها مدنية الغرب وكانت العقيدة قبل جزئيات الأنظمة أولويته لتحقيق حاكمية الله في الأرض ومن ذلك رفضه الجاهلية المعاصرة في كل مجالاتها واعتبار كل المجتمعات القائمة اليوم جاهلية لا تحتكم لشرع الله في كل مناهج حياتها. إن المنكر الأكبر الذي تنبع منه كل المنكرات هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . والى هذا المنكر الأكبر ينبغي ان تتجه كل الجهود قبل الدخول في المنكرات الجزئية.

 

12- تعقيب:

هذا كتاب صغير في حجمه كبير بمعناه جديد في مضمونه ، وما يدرى هل سيحتل مكانه ضمن علم أصول الفقه لأنه يتحرك في مجاله ؟ أم هو مندرج ضمن مقاصد الشريعة باعتباره يتحرك ضمن ما تأسست عليه من فكرة وجود تراتب بين أعمال الإسلام وشرائعه، من ضروريات هي بنفسها مرتبة ترتيبا تفاضليا وحاجيات وتحسينيات؟ أم هو أقرب الى علوم السياسة الشرعية باعتباره منصبا  في قسمه الأكبر على تقويم مناهج الحركات الإسلامية في الإصلاح المناهج الفكرية والتربوية والحركية ،وعلى مسعاه الدؤوب للإنتصار لمنهج الوسطية الذي ما يفتأ يجلي ملامحه في محاولة لجمع الأمة عليه فقد كان انتصاره واضحا للمنهج الوسطي كما صاغه وأسسه الإمام البنّا

والسؤال ما هي أولوية الإصلاح عند القرضاوي هل هي الفكر أم التربية أم السياسة ؟ 

يتضح ذلك من خلال كتابه "أولويات الحركة الإسلامية" الذي صدر في نهاية الثمانينيات أي بعد بضع سنوات من كتابه فقه الأولويات.

1-بعد أن يحدد القرضاوي بدقة ما يعنيه بالحركة الإسلامية - على عادته في ضبط موضوعات بحثه- باعتبارها العمل الشعبي الجماعي المنظم للعودة بالإسلام الى قيادة المجتمع وتوجيه الحياة كل الحياة، يعتبر مهمتها  تجديد الإسلام بما يعيده الى قيادة الحياة ، ويتجسد هذا التجديد في ثلاثة أمور: الأول تكوين طليعة اسلامية قادرة على قيادة المجتمع تجمع بين الإيمان العميق والفقه الدقيق والترابط الوثيق. والثاني تكوين رأي عام اسلامي يشد أزرها. والثالث تهيئة مناخ عالمي يتقبل وجود الأمة الإسلامية حين يتفهم حقيقة الرّسالة الإسلامية ويتحرر من العقد الخبيثة، رأي عام يفسح صدره لظهور القوة الإسلامية بجوار القوى العالمية الأخرى

أولويات الحركة الإسلامية :ولأن مجالات العمل أمامها رحبة: تربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية وجهادية واعلامية وفكرية علمية، وكلها مطلوبة وجب عليها حسن توزيع قواها فيكون تركيزها على:

1-تجلية المفاهيم الأساسية

2-التركيز على شرائح اجتماعية معينة

3- التركيز على الكيف لإعداد القيادات المستقبلية المرجوة، ولا سيما الإعداد الإيماني الفكري.

1- يقول: "إن المجال الأول في رأيي هو مجال الفكر فهو أساس البناء الدعوي والبناء التربوي والذي يبدو لي أن ازمتنا الأولى أزمة فكرية .هناك خلل واضح في فهم كثيرين للإسلام  ولتعاليمه ومراتبها. هناك عجز في المعرفة بالحاضر المعيش وجهل بالآخرين مع أن الآخرين يعرفون عنا كل شيئ وقد كشفونا حتى النخاع. (!) هناك جهل بأنفسنا وكثيرا ما نضخم الشيئ الهين وما نهون الشيئ العظيم وهو ما يجعلنا في أشدّ الحاجة الى فقه جديد. ولا نعني المعرفة بالأحكام الشرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية بل الفقه هو الفقه في آيات الله وسننه في الكون والحياة والمجتمع. ومن أنواع هذا الفقه المنشود والمفقود فقه الموازنات وفقه الأولويات. وتقرير المبدأ هنا سهل ولكن ممارسته أمر صعب، فالمودودي رغم إنكاره ولاية المرأة فقد وجد ولاية فاطمة جناح أقل ضررا من ولاية أيوب خان. إن غياب فقه الموازنات والأولويات في منهج  الحركة الإسلامية  جعلها تهتم بفقه الفروع قبل الأصول وتقصّر في التخطيط لعملها وتوزيع جهودها ومواردها بحسب مطالب الوقت، وسد في وجهها كثيرا من أبواب السعة والرّحمة وشجع تيارات الرفض والتشدّد

المجال الثاني :الدّعوة والتّثقيف العام من أجل الإمتداد بأشعة الدّعوة الى كل شرائح المجتمع بعمل دعوي وإعلامي مخطط يقوم عليه متخصصون.

ومن أهم الشرائح التي يجب التغلغل فيها شريحة المثقفين دون إهمال للجماهير باعتبار الحركة الإسلامية حركة شعبية تنجح يوم  تتغلغل في صفوف شعبها وتلتحم بهومه فيستجيب إذ تناديه، ويقتضي ذلك قيامها بتصحيح ما بالأنفس من مفاهيم مغلوطة. وعلى أهمية الطبقات العاملة  في التغيير فإن الشيخ يلاحظ بألم وحيرة عدم نفوذ الحركة الإسلامية الى هذه الجبهة مع أن الإسلام أعظم دين يكرم العمل وينصف العمّال. أهو تقصير الحركة في تبني قضايا العمال والوقوف بجانب مطالبهم العادلة ؟ أم هو فضل نشاط الفئات اليسارية؟

 

تعليق:لا يبدو أن الحال قد تغير بعد عقدين. ما السّبب؟ هل هو تراجع الفكر الإجتماعي والسّياسي الحامل لهموم الجماهير وما تعانيه من ضنك معيشي واستبداد سياسي والثّائر ضد القوى المحلية والدولية القائمة عليهما، أم هو زحف تيارات الفكر السلفي العقدي التكفيري موغلا في الجزئيات الفقهية والخلافات العقدية ؟

 

- يجب على الحركة الإسلامية أن تغزو مجال التجار ورجال المال والأعمال ففي أيديهم قسم كبير من ثروة الأمة والتحكم في حاجات النّاس

- ومن المجالات التي لا يزال اثر الحركة الإسلامية فيها محدودا المجال النّسائي فرغم مرور ستّين سنة على الحركة الإسلامية فلم تظهر قيادات إسلامية نسائية قادرة على مواجهة التيارات العلمانية الماركسية بكفاية وذلك لأن الرجال يحاولون دائما ان يسيطروا على على توجيه النساء ولا يدعون لهن الفرصة الكافية.

إن العمل النسائي قد تسرّبت اليه أفكار متشددة غدت هي التي تحكم العلاقة بين الرّجال والنّساء تأخذ بأشدّ الأقوال تضييقا في هذه المسألة. ومن ذلك حمل الآية الآمرة بالقرار في البيوت على كل النّساء مع أن سياقها واضح في أنها خطاب مباشر لنساء النّبي لما لهن من خصوصية.

 

تعليق: هل تطور الحال بعد عقدين؟ هل تراجعت تيارات التشدّد أم توسعت؟ ما دلالة تمدد النّقاب في مساحات جديدة؟

المجال الثالث:مجال التربية والتكوين. وفيه تكوين الطلائع المؤمنة باعتبار التربية الإيمانية هي الأساس ولا بد في هذا المجال من قدر من التربية الصّوفية السليمة  لمعالجة أمراض القلوب وسد مداخل الشيطان بإخلاص النية لله تعالى ودوام مراقبته والتوكل عليه ومحاسبة النفس، وذلك الى جانب ضرورة التربية الفكرية لقيادات المستقبل.  وما ينبغي للقيادات التّاريخية ان تقف عقبة أمام الدماء الجديدة فتحول دون بروز القيادات الشّابة ولا بد من اطراح فكرة ان القيادة تختار مدى الحياة فالسّوابق التّاريخية لا تعد شرعا ملزما الى يوم القيام . واقترح انشاء معهد لتخريج قادة المستقبل يضم مجموعة من النوابغ المخلصين وأن توضع له مناهج تجمع بين الأصالة والمعاصرة

- ومن معالم الفكر المنشود الى جانب التربية الإيمانية لقيادات المستقبل أنه:

-فكر علمي لا يقبل الاّ بدليل يحترم التخصص لا مجال فيه للتفسير التآمري للأحداث

- فكر واقعي يوازن بين الطّموح والإمكانات

- فكر يهيل التراب على مشكلات تاريخية بددت طاقات المسلمين كالجدل حول الذّات والصّفات وحول ما يسمى بآية السيف

- فكر سلفي تجديدي: إن اخشى ما أخشاه على الحركة الإسلامية أن تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وان تغلق النّوافذ في وجه التجديد والإجتهاد وتقف عند لون واحد لا يقبل وجهة نظر أخرى فتحرم من العقول الكبيرة.

- فكر وسطي : بين التزمت والتنطع من ناحية والتسيب والتحلل من ناحية اخرى . والوسطية ملازمة للتيسير فيجب على الحركة الإسلامية أن تتبنى في مجال الآراء الفقهية خط التيسير لا التعسير لأن ذلك طبيعة الشريعة الإسلامية وبسبب حاجة النّاس فالأصل في المعاملات الإباحة. وفي قوانين العقوبات ينبغي الأخذ بالأقوال الميسّرة كالقول الذي يرى أن التوبة تسقط الحد.

- فكرمستقبلي لا ينحبس في الماضي ولا في الحاضر متفائل واثق من ان هذا الواقع سيزول وان الإسلام هو البديل وما على المومنين الا ان يثابروا ويصبروا ، ,ان المستقبل المنشود يتحقق وفق سنن الله . وتمثل هجرة النبي عليه السلام درسا في التخطيط والتوكل.

 

- المجال الرّابع:المجال السّياسي:

أ- نحو فقه سياسي رشيد يتجاوز فكر المحنة وفكر التشدد والحرفية نحو فقه السّنن وفقه المقاصد ، ذلك أن الخلل في الحركة الإسلامية أوضح ما يكون في الفقه السياسي الذي لم يأخذ حقه من البحث والتعمق قديما كما أخذ فقه العبادات والمعاملات والأنكحة ،ولا يزال اليوم يشوبه كثير من الغبش والتباس المفاهيم ، فهناك من يعتبر الشورى معلمة ومن يرى أن المرأة لا مكان لها في سياسة الأمة. مكانها البيت، ومن يرى أن التعددية أمر مرفوض وأن دخول المجلس النيابي ينافي التوحيد (القول السديد في أن دخول المجلس النيابي مناف للتوحيد).ومرد الخلل اعتبار السّوابق التاريخية ملزمة مع أنها إنما تدل على مجرد الجواز بما في ذلك افعاله عليه السّلام.

 

تعليق: بعد عقدين الى أين اتجه تطور الفكر السياسي الإسلامي؟

ب- الحركة الإسلامية وتحرير دارالإسلام: عليها أن

تكون مجندة لنصرة كل قضية اسلامية وبالخصوص قضية فلسطين.

- الحركة الاسلامية وقضايا التحرر العالمي :عليها أن تساند كل قضايا التحرر من الإستبداد والظلم في العالم باعتبار الإسلام دعوة تحريرية كبرى للإنسان "إنّ النّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"

- الحركة الاسلامية والأقليات المسلمة:على الحركة الإسلامية أن تقوم مقام القيادة المركزية المفقودة للأمة المسلمة وأن تستعين بشيوخ الإسلام حتى يبرز من بينهم شيخ الإسلام الحق الذي يدين له العلماء بالفضل الذي يمكنه أن ينادي الأمة الإسلامية الكبرى في الشدائد والملمات فتلبي النداء .

 

تعليق: هل أفرزت الحركة الإسلامية شيخ الإسلام هذا أم لا تزال تنتظر فلا استعادت خلافة ولا مشيخة؟

ج- الحركة الإسلامية  وقضايا الديمقراطية: الواجب على الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة أن تقف أبدا في وجه الحكم الفردي الدكتاتوري وأن تكون دائما في صف الحرية السّياسية المتمثلة في الدّيمقراطية الصّحيحة وأن تقول بملء فيها للطّغاة لا ثم لا ولا تسير في ركاب دكتاتور متسلط وإن أظهر وده لمصلحة موقوتة ولمرحلة تطول كما هو مجرب.

- وبتتبع الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية يتبين بجلاء أنها لا تتفتح أزهارها ولا تنبت بذورها وتمتد فروعها إلا في جو الحرية ولا تذوى إلا في مناخ القهر، لذلك لا أتصور أن يكون موقف الحركة الإسلامية إلا مع الحرية والديمقراطية ، ولكن لا يزال بعض الاسلاميين يتحفظ على الديمقراطية ويتخوف حتى من ذكر اسمها. إن الأدوات التي توصلت اليها الديمقراطية (في كبح جماح الإستبداد) أقرب ما تكون الى تحقيق المبادئ التي جاء بها الإسلام في الحكم لا سيما اذا تم التنصيص دستوريا على مادة تعتبر كل تشريع يخالف الإسلام باطلا. إن الخطر الأكبر على الأمة وعلى الحركة الإسلامية هو حكم الفراعنة.

 

تعليق:هل حصل تطور في الموقف الإسلامي في اتجاه مزيد الإلتحام بقضايا الحرية والتحرر ومناهضة المستبدين المحليين والتحالف مع كل ضحاياهم بصرف النظر عن ملته؟ وكيف يفسر الطفح المتزايد للصراعات الطائفية في أمتنا؟

 

د- الحركة الإسلامية والأقليات العرقية والدينية: لا تمثل الأقليات العرقية للإسلام مشكلا أصلا. أما الأقليات الدينية فلا تعارض بين حق الأكثرية المسلمة وحق الأقليات غيرالمسلمة إذ الإسلام لا يجبر أحدا على ترك دينه أو ترك أمر يراه واجبا في دينه أو في فعل ما يراه حراما

- الحركة الإسلامية والإنفتاح على الآخرين: الأولى بالحركة الإسلامية وقد بلغت أشدها أن توجه خطابها الى  المخالفين لها في الفكر فاتحة صدرها للحوار وخصوصا مع عقلاء العلمانيين وهم مسلمون في الأصل ولم تتح لهم الفرص لمعرفة الإسلام معرفة صحيحة. وما أدعو اليه هو الحواربالحسنى وليس المناظرة.

 

تعقيب:ينبغي أن يتجاوزهدف الإنفتاح على الآخرين مجرد الحوار معهم لتعريفهم بالإسلام وإنما التعاون على تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة من مثل التصدي لقوى الإحتلال والتدخلات الخارجية، ومقاومة الإستبداد والفساد. والملاحظ أن قدرات الحركة الإسلامية على مثل هذا الحوار فضلا عن إقامة التحالفات والجبهات الوطنية من مثل ما فعل النّبي عليه الس!لام من التحالف مع قبائل كافرة للتصدي لأخرى أظلم منها.

 

- ومن ذلك الحوار مع عقلاء الحكّام وطمأنتهم على كراسيهم مقابل ترك الحرية لدعوة الإسلام لتنهض برسالتها في تربية الشباب، مع التحذير من ان يؤدي ذلك الى الممالأة لهم، وفرق بين المهادنة والمداهنة.علام أسفرت تجارب المشاركة في حكم أنظمة مستبدة؟

- وكذا الحوار مع عقلاء الغرب دينيين ومستشرقين وسياسيين حتى يتحرروا من الأحكام السلبية المستقرة حول ديننا ويقفوا على طبيعة وأهداف دعوتنا وما تحمله من رحمة للعالمين

- ومن ذلك تفادي الصدام مع المؤسسة الدينية الرسمية سعيا لإصلاحها والإفادة للدعوة من امكاناتها

ومن باب أولى الحوار مع فصائل الصّحوة فالإسلام أكبر من أي جماعة وما يمكن لجماعة واحدة ان تنهض برسالته منفردة بما يوجب على كل الجماعات أن تتحاور وتتعاون وتتضامن.

 

تعليق: ما دلالة ما تبديه الجماعات الإسلامية من عجز عن إدارة اختلافاتها سلميا بله عن التعاون في المتفق عليه؟

 

مقترحات :ضرورة تفريغ الكفاءات لواجبات الحركة

- إعداد المختصين في شتى المجالات

-مركز للمعلومات والبحوث.

 

الخلاصة: كما أن البناء الإسلامي بناء مرتب ترتيب منطقي بحسب كليات وجزئيات وأصول وفروع تتفاوت مراتبها وأولوياتها، كذا ينبغي أن يكون عمل العاملين على إقامة هذا البناء أو إصلاحه عملا منطلقا من خطة تأخذ بعين الإعتبار أولويات البناء الإسلامي من جهة الحكم التكليفي كما لا يفوتها رعاية الحكم الوضعي في تنزيل تلك الأولويات، بما ينتهي ضرورة الى وجود أهداف مشتركة بين العاملين للإسلام تمليها أولويات الإسلام المشترك كما يمليها قدر من التشابه بين أحوال الأمة في زمن محدد، إلا أن الخطط والأولويات لن تتطابق بين العاملين للإسلام على امتداد المعمور ،وذلك بسبب اختلاف الأوضاع الإسلامية فالإسلام في بعض بلاده حاكم وفي أخرى مشارك وفي أوضاع تدور عليه رحى الحكم فأنى لأولويات العاملين له أن تتشابه  خاصة في غياب عقل ناظم ورأس موجه للأمة بما يجعها في حالة من اليتم.

ومع ذلك تبقى الصورة الهندسية الجميلة المتناسقة التي استقراها شيخ الإسلام  للإسلام من نصوصه ومن تراث أئمته العظام تبقى مهمة جدا لكل فرد مسلم حتى يرتب كل إمكاناته  بحسبها وهي ذات أهمية أكبر للعمل الجماعي الإسلامي في أي صيغة ترتيبا يولي أهمية كبرى للتخطيط وتوزيع الموارد لقد بدا القرضاوي شديد الحرص على إيلاء التربية الإيمانية  التربيوية الأولوية الأكبر ولكنه عندما يتناول مسائل الفكر يعتبر الخلل هناك، ويفعل الأمر ذاته عندما يصل الى مجالات السياسة فلا يتردد في التأكيد في الإعلان أن الخلل في الحركة الإسلامية أوضح ما يكون في الفقه السياسي الذي لم يأخذ حقه من البحث والتعمق قديما كما أخذ فقه العبادات، ولا يخفي ثورته على الإستبداد والطغيان وتحريضه الدائم عليه حتى أنه لم يتردد في الإعلان أن الحرية تسبق تطبيق الشريعة. فكيف يفسر ذلك؟ هل تتساوى لديه هذه الأولوليات ؟ أم انها على أهميتها جميعا تتفاوت بحسب الوضع، ففي غياب الحرية يغدو الجهاد من أجل استعادتها على رأس الأولويات من قبيل مالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب. ولذلك يلاحظ أن شجرة الإسلام تزدهي وتثمر في مناخات الحرية وتذوي في أجواء القمع. وهكذا لئن بدت في المثال قيم الإيمان والتربية في صدارة أولويات الإسلام والحركة الإسلامية فبالنظر الى الواقع وتشخيصه التشخيص الدقيق وهو ما يجب أن تنطلق منه الحركة الإسلامية – وغالبا ما تقصر في ذلك- قد تختلف الأولوية هل هي نهوض فكري  تجديدي في حالة سيادة الجمود والتقليد كما فعل عبده، أم نفخة ثورية في حال غلبة الإستبداد وخطر الإحتلال كما فعل الأفغاني أم تربية إيمانية صوفية إذ تفشو تيارات التحلل والفساد. ولأن أوضاع الأمة وبخاصة في القلب العربي تبدو الأزمة فيها ممتدة على كل تلك السوح فقد بدا العلامة المهموم بأدوائها وكأنه يؤذن للنهضة بكل تلك الحقول التي تشكو أعطابا هائلة مع ما تحمله من بشائر بالفجر الموعود، وذلك سيرا متطورا على طريق  أسلافه من المصلحين الكبار خصوصا السيد رشيد رضا والإمام الشهيد البنّا .

 

مقترحات:

*بما أن الخلل الأكبر في البناء الإسلامي هو في الجانب السياسي، مطلوب إيلاؤه قدرا أكبر من الإهتمام والدراسة ، من مثل إنشاء مركز لدراسة السياسة الشرعية وتطويرها.

*اعتبار أن ما كان قد نادى به القرضاوي منذ عقدين من ضرورة العمل على إبراز شيخ الإسلام الحق الذي يدين له العلماء بالفضل بما  يمكنه أن ينادي الأمة الإسلامية الكبرى في الشدائد والملمات فتلبي النداء، قد تحقق في شخص العلامة القرضاوي. وجاء الوقت لإعلانه شيخ الإسلام في العصر.

*إنشاء وقف لتطوير ورعاية فكر الوسطية ومن ذلك تأسيس معهد لتخريج قادة المستقبل على نهج الوسطية الإسلامية.

 

والله الموفق الى سواء السبيل.

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ