ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قراءة في تاريخ سورية الحديث والمعاصر

الأطماع الصهيونية المُبكرة في سورية

فكرة الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في سورية (حزيران/يونيو 1924)

الدكتور ثروت اللهيبي

tharwatiraq@yahoo.com

لم يعرف التاريخ أنَّ للاستعمار أينما حلّ مواقف يُمكن وصفها بأنها حضارية ساهمت في رفعِ شأن ذلك البلد الذي حلّت فيه (أقصدُ استعمرته) في الميادينِ الحضارية المُختلفة، لا بل على النقيضِ تماماً، وربما هذا الكلام لا يُعجب النُخبة التي توسم نفسها بأنها مُثقفة حيث تدعي أن للاستعمار فضلاً على الدولة المُستعمِرة، ولا ندري أي فضلٍ يقصدونه ولا أودُ التوسع في الموضوع أكثر.

وهنا يفرضُ عليّ الواقع التاريخي وحيادية/أمانة البحث العلمي أنْ أقف موقف الاحترام والتقدير من المفوضِ السامي الفرنسي الجنرال ويغان/ ويغاند([1]) الذي رفض بشدة عام 1924 التوجه الصهيوني المُتمثل بسعي الصهيونية العالمية في تنفيذ ما عُرف في حينه بـ "فكرة الاتحاد الصهيوني في سورية" وذلك بجعل سورية الطبيعية (سورية ولبنان) مرتعاً وامتداداً للصهيونية ولأفكارها العنصرية بعد أن وجدت موطئ قدم لها في أراضي فلسطين العربية، فكان أنْ تنبه الجنرال المذكور إلى الموضوع وعارضَهُ بكل الوسائل المُتاحة لهُ، ومن المُهم جداً الإشارة هنا أنه موقفه الذي سأُبينهُ أدناه ليس حُباً بسورية الطبيعية (سوريا ولبنان) وشعبيها وإنما لعلمُهُ اليقيني أنَّ تغلغل الصهاينة فيها سيؤدي بشكلٍ تدريجي إلى سحبِ البساط من تحتِ الاحتلال الفرنسي وبذلك يخسر ذلك الاحتلال أهم مُستعمرتين له في الشرق الأوسط هما سورية ولبنان، ولكي نطلعُ على تفاصيل المشروع الصهيوني سأُجري قراءة تحليليةٍ لرسالة المفوض السامي الفرنسي لسورية ولبنان الجنرال ويغان المُرسلة من قبله إلى رئيس الوزراء الفرنسي ووزير الخارجية وقتئذٍ التي تضمنت تفاصيل ذلك المشروع، وبذات الوقت ضمنها إجراءاته التي قام بها فوراً لإجهاضه، وفق الآتي :

الحدث بدأ في شهر أيار/مايو 1924 وكان مُتمثلاً بزيارة الصهيوني الجنرال (كيش) رئيس اللجنة التنفيذية للصهيونية لسورية ولقاءه بالسيد (ريفييه Reffye) المفوض السامي الفرنسي في سوية ولبنان بالوكالة، ثم سفر الأول إلى فلسطين ونشره: ((.. المقالة المنشورة في Palestine Telegraphic Agency )) التي ضمنها: ((2- ولدى عودته إلى فلسطين عمل الكولونيل كيش على نشر مقال يُعلن عن تكوين اتحاد صهيوني في سورية.)).

المقالة في الصحيفة أعلاه أثارة حفيظة الجنرال ويغاند ودفعته فوراً لكي يُرسل رسالةً بتاريخ 13 حزيران/يونيو 1924 إلى قنصل فرنسا في القدس، يُبلغه فيها ملاحظاته/إجراءاته على ما ورد في مقالته حيث أكد فيها على مواضيع ثلاث:

الأول: أنَّه لا يمكن إنشاء حركة صهيونية في سورية بالوقت الذي هي أساساً غير موجودة.

الثاني: أن فرنسا لن ترضى/تسمح بتأسيس اتحاد صهيوني في سورية.

الثالث: تنبيه/تحذير للجنرال الصهيوني "كيش" بأنْ يكون حسن التفكير والتصرف؟!

ومما تضمنتهُ الرسالة، ما نصه: ((أتشرف بإعلامكم أن المقالة المنشورة في Palestine Telegraphic Agency التي نوهتم إليها في رسالتكم .. اشكر لكم صنيعكم في العمل على لفت نظر الكولونيل كيش بأنني آمل أن لا يكون من نتائج رحلته العمل على إنشاء حركة صهيونية في سورية لم تكن موجودة وعلى أنه لا يسع لفرنسا أن ترضى في سورية بتأسيس اتحاد صهيوني وهو أمر لم يكن أبداً من جانب آخر، موضوع بحث المقابلة. أرجوكم أن تطلبوا من الكولونيل كيش أن يتوخى وضع الأمور في نصابها.)). ([2])

ثم يسوق الجنرال (ويغان) مُبرراته الموثقة والدقيقة التي دعتهُ لرفضِ إنشاء اتحاد صهيوني يضمُ سورية ولبنان وفلسطين، المُتمثلة بإرساله خارطة موضحاً فيها المُدن السورية واللبنانية التي تسعى الصهيونية الاستحواذ عليها فضلاً عن قيامِها بتنفيذ مُخطَطِها التوسعي هذا بالمُباشرة في شراءِ الأراضي التي تُؤمن لها بشكل مُتدرج تحقيق طموحها اللا أخلاقي أعلاه، فكانت حُجج الجنرال (ويغان) بهذا الخصوص نصُها:((أن أضع بين أيديكم الخريطة المطبوعة عام 1917 من الصهيونيين والتي نشاهد فيها الحدود الشمالية للدولة الصهيونية (المزمع إنشاؤها) تصل إلى الخط الحديدي بيروت – دمشق، مُشتملة على هذا النحو على صيدا وصور وشطراً لا بأس به من لبنان الجنوبي.. ومطالبات صهيونية جديدة أخذت تتعالى، مستهدفة ضم جبل حرمون جنوب البقاع. ومن جهة أخرى فقد بلغتني أنباء قيام عدد من الصهيونيين بشراء أراضٍ في جنوب دولتي لبنان الكبير ودمشق..)) خطورة المُخطط أعلاه في الخارطة الصهيونية أعلاه دفعت الجنرال (ويغان) لأن يتخذ موقفاً حاسماً منه وبوقت مُبكر جداً بحيث لا يدع أي فرصة للصهيونية من تحقيق مآربها التوسعية في سوريا ولبنان سيما وأنه أصدر نص تشريعي منع بموجبه شراء الأراضي من قبل الأجانب، وبذات الوقت كان حذراً ومُنتبهاً من توظيف الصهيونية للجانب الروحي اليهودي في إنشاء الاتحاد المُشار إليه أعلاه، وهو بهذا واثق من قوة إجراءاته الرادعة من جهة، ومن جهةٍ أخرى قوة الصهيونية في إنشاء مثل ذلك الاتحاد فيما إذا لم تجد رادع قوي يردعها، لذا كان هو الرادع الذي أثبت التاريخ أنه صفعها على وجهها القبيح وحال بينها وبين إنشاء مثل ذلك الاتحاد، حيث يقول بهذا الصدد : ((وجدتني مُضطراً للعمل على دراسة إمكانية إيقاف هذا التوسع باستعمال نص تشريعي يسمح بمنع شراء الأجانب للعقارات في مناطق معينة..إنني مُضطر إذن أن أكون حذراً جداً تجاه إنشاء اتحاد فيدرالي صهيوني في سورية، سوف يُسهل تحت ستار المصالح الروحية مرامي سياسية بصورة فريدة.. لكنني لا أرى أية حاجة في إنشاء جماعات صهيونية تتطابق مع التنظيمات القائمة والتي إذ تنبثق في الظروف السياسية التي سبق لنا عرضها، سوف تنقلب بلا شك باتجاه السياسة وتخلق في جميع الحالات حركة رأي، أرى أن البلاد بغنى عنها..))، سيّما وأنه يعترف بتجرد: ((أن الجماعات اليهودية تتمتع في سورية من جانب السلطات بنفس الحقوق وبنفس الرعاية التي تحظى بها الجماعات الأخرى، وتنظيماتها الحالية تفي بأكثر مما ينبغي بإرضاء حاجات الإسرائيليين الروحية والمدرسية والإنسانية..)). ثم يختم الجنرال (ويغان)، رؤيته الصائبة بأن يصر على رأيهِ آنف الذكر، ومُحللا إياه تحليلاً سياسياً دقيقاً: ((إنني أُصر على وجهة نظري، آخذاً في اعتباري أن الأهواء السياسية أو الدينية قد بلغت حداً من العنف في سورية قد يُثير فيها ما يخامرها بالميل إلى الاستنجاد بمن في الجانب الآخر من الحدود فلا داع للتطوع للاستزادة من ذلك بإنشاء تنظيم صهيوني بحجة الإيفاء بحاجات روحية تجد ما يُرضيها في إطار التنظيمات القائمة، لا سيما لم أسمع أبداً أن أحداً طلب بذلك من الطوائف الإسرائيلية أو من زعمائها.)). بهذه الرؤية الدقيقة للجنرال المذكور التي بذات الوقت لاقت صدى القبول في الحكومة الفرنسية قُبرَ مشروع الاتحاد الصهيوني المُزمع إنشاءه في سورية الذي كان يدور في مُخططات أقطاب الحركة الصهيونية.

   - على الطرف الآخر أجد من المُهم أن أوضح للقارئ الكريم ما وثقه التاريخ المُعاصر لسوريا بهذا الخصوص من حيث علاقة شخصيتين من الشخصيات السورية بالجنرال الصهيوني (كيش) وما جرى من قبلهم معهُ في وطنهم سورية:

الشخصية الأولى: حقي العظم، فكان أن: «استقبل حقي بك العظم([3]) الكولونيل كيش ثم رد له الزيارة في فندقه، وتعبيراً عن صداقته وضع تحت تصرفه سيارته الخاصة وخصص له شرطياًَ يُرافقه. الشخصية الثانية: صبحي بركات([4]): «.. وكذلك تبادل الكولونيل كيش الزيارة مع صبحي بركات رئيس الاتحاد السوري.». ([5]) 

ويبقى السؤال التاريخي قائماً حول هذين اللقاءين، والمتمثل: لماذا هذا الاستقبال والاهتمام من قبلهما بشخصية صهيونية معروفة عالمياً؟ ولماذا لم يعارضا وجوده في سورية كما عورضت زيارة الصهيوني (بلفور) لسورية ؟ إن كانت الإجابة، أن الدبلوماسية فرضت عليهما مثل هذا التصرف مع تلك الشخصية؟ فالأنكى مصلحة سورية من حيث: وحدتها، وإسلاميتها، وعروبتها.. إلخ أهم بكثير من مثل تلك التصرفات الدبلوماسية، وكان يُفترض أن تجابه زيارته بذات ما جوبهت بها زيارة الصهيوني (بلفور)، فالأخير أصدر قراراً شائناً بحق فلسطين، والأول يسعى إلى أن يهيئ ظروفاً لاتخاذ قرار آخر لا يقل خطورةً عن قرار وعد بلفور.

وبذات الوقت أجد من المهم ربط الأحداث آنفة الذكر والمؤامرات الصهيونية المتوالية تجاه سوريا، فلم نكد نرى عاماً يمر إلا ومخطط صهيوني – أمريكي جديد يسعى إلى النيل من استقلال ووحدة سوريا، ويسعى إلى اختلاق المشاكل وتوجيه الاتهامات، ولكن التاريخ وثّق ولا يزال يوثق أن تلك المُخططات قد أُجهضت جراء القدرة العالية للسياسة السورية من حيث آلية فهمها المُبكر لتلك المُخططات، والخبرة المُتراكمة للموازنة السياسية الإقليمية والدولية.



[1])) الجنرال ويغاند: عُين مفوض سامي فر نسي في سوريا ولبنان في 19 نيسان/أبريل 1923، وصل بيروت في 9 أيار/مارس 1923، وكان أكليركياً، أًستدعيّ إلى باريس في 28 ت 2/نوفمبر 1924 وبقيّ حتى 5 ك 1/ديسمبر 1924 حيث أُبدل بالجنرال (سراي) الماسوني. في عهده تم إلغاء الاتحاد السوري، وإنشاء وحدة بين دمشق وحلب اعتباراً من أول ك 2/يناير 1925 وإبقاء حكومة العلويين خارجة عن هذه الوحدة. كما أُفرج في 12 ت 1 1923 عن المُعتقلين في جزيرة أرواد، منهم: د. شهبندر وحسن الحكيم، وسعيد حيدر وإخوانهم وكانوا اعتقلوا بدمشق في 6 نيسان/أبريل 1922.

[2])) للإطلاع على نص الرسالة كاملاً، أنظر: د. ذوقان قرقوط، المشرق العربي في مواجهة الاستعمار: قراءة في تاريخ سوريا المعاصر، طبع ونشر الهيئة المصرية للكتاب (مصر-1977)، نشاط صهيوني، ص 214 – 215.

[3])) أنظر: وليد المعلم، سورية 1916-1946 الطريق إلى الحرية، طلاس للدراسات والنشر والترجمة، ط 1 (دمشق- 1988). ، نشاط صهيوني في سورية، ص 160.

[4])) صبحي بيك بركات الخالدي: من مواليد 1889م - أنطاكية ويعد من جهاء إنطاكية المقيمين في حلب، كان ميالاً ومُسايراً للفرنسيين .. قام بتشكل حكومتين . يعتبر صبحي بيك بركات الخالدي أول رئيس لسوريا بعد توحيدها فيدرالياً ( ولاية حلب - ولاية دمشق - ولاية اللاذقية - ولادية الجبل ) لكنه كان مع إبقاء ولاتي اللاذقية والجبل مستقلتين ، في عهده قامت الثورة السورية الكبرى..

 كان صبحي بركات من الثوار على فرنسا في البداية كهنانو، لكنه تصالح مع الفرنسيين لقاء توحيد ولايات (دول) سوريا ، وتعيينه رئيساً عليها، وكان من الأعداء التاريخيين للزعيم هنانو. استقال صبحي بركات من الرئاسة بعد قيام الثورة، موجهاً كتاب استقالة للفرنسيين فيه الكثير من المطالب الوطنية، كإلغاء الانتداب وضم حكومة اللاذقية وجبل الدروز لدولة سوريا، وغيرها من مطالب وطنية.)).

 أنظر الموقع الإلكتروني: http://ar.wikipedia.org  .

[5])) حقي العظم (( 1282 - 1374 هـ‍ = 1865 - 1955 م حقي بن عبد القادر المؤيد العظم : إداري، كان له في العهد العثماني نشاط في سياسة العرب مع الترك، ثم كانت عليه بعد ذلك مآخذ. ولد وتعلم بدمشق، وأجاد مع العربية التركية والفرنسية. وعين في بعض الوظائف بدمشق والاستانة وانتقل إلى القاهرة فكان مدرسا للغة التركية في مدرسة المعلمين التوفيقية سنة 1894 - 1908 وعين ( 1909 ) مفتشا في وزارة الأوقاف بالاستانة فمكث سنتين. وقصد مصر ، وتألف في القاهرة ( حزب اللامركزية الإدارية العثماني) فاختير (سكرتيرا) له.. واستكتبته صحف الدعاية الفرنسية..ولما احتل الفرنسيون سورية أبرقوا إليه فجاءهم من القاهرة ، وأقاموه حاكما على ما سموه يومئذ (دولة دمشق) وكمن بعض رجال (أحمد مريود ) في القنيطرة ، يوم زارها الجنرال غورو الفرنسي ( 23 حزيران 1921 ) وأطلقوا الرصاص على الجنرال، وكان معه صاحب الترجمة في سيارته فأصيب هذا برصاصة. وعوفي. واستمر حاكما خمس سنوات، وجل الأمور في أيدي المحتلين. ووحدت أجزاء من سورية ( سنة 1925 ) فزالت وظيفة (حاكم دولة دمشق) فتنقل بين رئاسة مجلس الشورى ورئاسة مجلس الوزراء إلى ان عاد إلى القاهرة (1938) وأقام بها إلى أن توفي. وله كتب بالتركية بعضها مطبوع ، وبالعربية.)).

 خير الدين الزركلي،الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ج 2، دار العلم للملايين، ط 5 (بيروت-1980)، ص 265.

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ