ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 14/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

قضية الصحراء الغربية*

بين شرعية الانتماء المغربي والتحديات الإقليمية و الدولية

بقلم: د. إدريس جنداري **

 تعتبر الصحراء الغربية؛ جزءا لا يتجزأ من السيادة المغربية؛ و ذلك استنادا إلى معطيات الجغرافيا و التاريخ و القانون الدولي . و كلها معطيات ثابتة؛ بإمكانها أن تحرج متغيرات السياسة الدولية؛ التي تتحكم فيها توازنات إيديولوجية و اقتصادية و سياسية ... تميل كفتها خلال كل مرحلة لطرف من الأطراف المتنازعة؛ ضدا على مبادئ الشرعية في أغلب الأحيان.

 لقد ظلت الصحراء الغربية؛ مرتبطة لوقت قريب جدا بالوطن الأم (المغرب)؛ و ذلك إلى حدود سبعينيات القرن العشرين؛ كتاريخ إجلاء آخر وجود استعماري إسباني من المنطقة. و لعل ميلاد الأطروحة الانفصالية؛ في موازاة مع هذا الانسحاب؛ ليطرح على القانون الدولي إشكالا عويصا؛ يتجلى في كون استعمار إسبانيا للمنطقة الصحراوية؛ التي كانت تحت السيادة المغربية قبل استعمارها؛ يسقط السيادة المغربية عليها؛ و يربطها بممثل لا شرعي؛ يعتبر وليد المرحلة الاستعمارية؛ و ما رافقها من حيثيات الحرب الباردة !!!

 و هذا يعني – في القانون الدولي طبعا- أن البلدان التي كانت مستعمرة؛ من إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية؛ من طرف القوى الاستعمارية الأوربية؛ قد فقدت السيادة على أراضيها؛ بمجرد خضوعها للاستعمار!!! و هذا ما لم يتم عمليا؛ لأن هذه الدول استرجعت سيادتها على كامل ترابها الوطني؛ بمجرد إجلاء الوجود الاستعماري عنها.

لكن بخصوص حالة الصحراء الغربية المغربية؛ نجد الأمر مختلفا تماما؛ حيث تم تطبيق معايير استعمارية جديدة؛ بعد نجاح المقاومة الوطنية المغربية؛ في طرد آخر وجود استعماري من المنطقة؛ و ذلك عبر تجنيد مواطنين صحراويين ( و غير صحراويين) مغاربة؛ من طرف الاستعمار الاسباني؛ لتعويض تواجده الاستعماري.

 إن جبهة البوليساريو؛ التي تدعي تمثيلها للساكنة الصحراوية؛ لا يستند وجودها في الحقيقة إلى أية معطيات؛ ترتبط بأسس الشرعية؛ سواء جغرافيا أو تاريخيا أو حضاريا - و هي الأسس التي يستند عليها القانون الدولي لإثبات الشرعية أو نفيها- ما عدا –طبعا- استنادها إلى معطيات إيديولوجية و استعمارية؛ تؤيد شرعيتها المغلوطة .

 إن مجموع هذه المعطيات؛ هي التي اعتمدتها محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ حينما أكدت على الروابط الحضارية و الجغرافية و التاريخية؛ التي تربط المغرب بامتداده الترابي في الصحراء؛ و هذه المعطيات هي ما يشكل في الأخير الإطار القانوني المؤطر لأسس الشرعية و السيادة .

 

البيعة كمقوم أساسي من مقومات السيادة

 لقد توقف قضاة محكمة العدل الدولية على عنصر البيعة؛ كمعطى أساسي؛ يؤكد سيادة المغرب على صحرائه؛ و ذلك اعتمادا على وثائق تاريخية تثبت ذلك. و البيعة تعتبر في القانون الإسلامي أساس الشرعية السياسية؛ التي تتمتع بها الدولة؛ في علاقتها بالجماعة أو الجماعات التي تدخل ضمن سيادتها. و ذلك لأنها تعاقد بين الجماعة و السلطة التي تمثلها؛ انطلاقا من معايير واضحة يقبل بها الطرفان المتعاقدان.

 و من المؤكد تاريخيا؛ أن الدولة المغربية منذ تأسيسها مع الأدارسة (788-974 م) استلهمت روح القانون الإسلامي؛ الذي يربط أسس الشرعية السياسية بالبيعة؛ باعتبارها معيارا أساسيا يؤكد مشروعية أي نظام سياسي أو ينفيها . و البيعة طريقة للشرعنة، وتستمد تأثيرها وقيمتها، لا اعتبارا لمضمونها التعاقدي، ولكن لأنها تمثل ارتباطا و بعثا للنموذج الذي أقيمت عليه السلطة الإسلامية الأصلية؛ و لذلك فإن استلهام روح هذه السلطة الأصلية؛ هو الذي يعطي للبيعة قيمتها وفعاليتها.

 من هذا المنظور –إذن- حضرت البيعة في تاريخ المغرب السياسي؛ لأكثر من 12 قرنا؛ و عبر هذا الأسلوب السياسي؛ الذي يستمد قوته من روح القانون الإسلامي؛ استطاع المغرب أن يستمر كدولة كاملة السيادة ؛ رغم توالي الأنظمة الحاكمة؛ من الأدارسة حتى العلويين . و قد تمكن المغرب طوال هذه القرون؛ من تثبيت أسس الاستقرار و الأمن في منطقة شاسعة؛ امتدت خلال بعض الفترات التاريخية؛ حتى أعماق إفريقيا؛ بل و امتدت سلطة المغرب إلى الأندلس؛ خلال العهدين المرابطي و الموحدي .

 و قد تم تأسيس نظام البيعة في المغرب؛ وفق قواعد محددة؛ بحيث احتفظ المغرب بنظام خاص لبيعة ملوكه، وفق منهج متميز في التنصيب. و لعل أهم أوجه هذا التميز؛ هو اعتماد تقنية العقد المكتوب، حيث يتم تدوين عقد البيعة؛ على طريقة تحرير العقود؛ في أسلوب أدبي يتضمن قواعد البيع وأركانها والتزامات الطرفين المتعاقدين، وتذيل بتوقيعات لمختلف الطبقات والفئات؛ مع الإشهاد على ذلك والإقرار به.

 يمكن مراجعة المؤرخ المغربي عبد الرحمان ابن زيدان في كتابه: "العز والصولة في معالم نظم الدولة " .

 و قد عرف هذا النظام السياسي القائم على أساس البيعة؛ عرف تطورا كبيرا خلال العصر الحديث؛ في إطار الملكية الدستورية؛ التي ينص عليها الدستور المغربي. و قد كان هذا التطور نتيجة حتمية للنضال؛ الذي قادته النخبة المغربية؛ منذ مرحلة القرن التاسع عشر؛ و استمرارا مع الحركة الوطنية؛ التي قادت نضالا خارجيا؛ من اجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار؛ و داخليا من أجل ربح رهان دولة القانون و المؤسسات .

و حتى نؤكد على هذا التطور؛ الذي عرفه نظام البيعة في تاريخ المغرب السياسي؛ يمكن العودة إلى مرحلة القرن التاسع عشر؛ كمرحلة انتقالية؛ عرف خلالها المغرب تحولات جذرية في توجهاته؛ سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و فكريا ...

 و قد نتج عن هذه الديناميكية العامة التي عاشها المغرب؛ نتج حدث هام تجسد في عقد بيعة السلطان ( عبد الحفيظ) بعد خلع أخيه السلطان ( عبد العزيز) لما تورط هذا الأخير في المصادقة على ما فعله ممثلوه في مؤتمر الجزيرة الخضراء. و كرد مباشر؛ فقد ثار الشعب المغربي قاطبة على النظام السياسي القائم؛ و قدم دعما كبيرا للعلماء و أعيان الدولة؛ الذين قاموا بالثورة على السلطان و خلعه . و تم تنصيب السلطان (عبد الحفيظ) مكانه سنة 1908؛ و ذلك وفق شروط؛ تضمنها عقد البيعة المكتوب:

-  استرجاع الأراضي و الأقاليم الضائعة

-  تحرير المدن المحتلة

-  رفض كل تدخل أجنبي في شؤون البلاد

-  إلغاء ضريبة المكوس

-  تقوية المؤسسات الإسلامية بتشجيع التعليم

-  ضمان استقلالية القضاة ضد تطاولات القواد و العمال

( يمكن مراجعة: محمد المدني- حول المسألة الدستورية – مجلة أبحاث- ع: 6 – خريف 1984 )

 إن التركيز على عنصر البيعة هنا؛ باعتباره مقوما أساسيا لإثبات سيادة المغرب على صحرائه؛ لهو نابع من وعي تام للمغاربة؛ بالقوة القانونية التي تمثلها البيعة في الفكر السياسي الإسلامي؛ و أي محاولة للحد من قيمة هذا المقوم الحضاري و القانوني؛ لهي في العمق محاولة مغرضة؛ لقطع المغرب عن امتداده الحضاري و السياسي الإسلامي؛ أو هي محاولة بالأحرى للحد من فعالية التصور القانوني الإسلامي؛ الذي أثبت فعاليته و جدواه عبر مراحل التاريخ .

 و إذا كان الاستعمار الإسباني و معه الجزائر قد ركبا هذا الطريق مبكرا؛ عبر محاولاتهما اليائسة؛ لرفض البيعة كمقوم أساسي لإثبات سيادة المغرب على صحرائه؛ فإن قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ لم تنطو عليهم الحيلة الإسبانية/الجزائرية؛ بل إن الوثائق التاريخية؛ أرغمتهم على الاعتراف بعلاقات حضارية و دينية؛ قائمة بين المغرب و امتداده الصحراوي؛ مع تركيزهم على مقوم البيعة كعنصر أساسي في هذه العلاقات .

 و لعل الباحث الموضوعي في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي – و كامتداد له تاريخ الفكر السياسي المغربي- ليخلص إلى أن البيعة؛ ليست مقوما روحيا دينيا و حسب؛ و لكنها تتجاوز ذلك بكثير؛ إنها أساس قانوني؛ لإثبات سيادة دولة ما على امتدادها الترابي. و قد حضرت البيعة كمقوم أساسي على امتداد التاريخ الإسلامي؛ منذ بيعة الرضوان؛ كمرحلة تأسيسية؛ و مرورا ببيعة العقبة و بيعة الخلفاء الراشدين . كما أن الشرعية السياسية؛ خلال العصر الأموي و العباسي؛ كانت تنبني على أساس البيعة؛ و نفس المعيار القانوني اعتمد خلال الفتوحات الإسلامية؛ لإثبات دخول امتداد جغرافي ما ضمن سيادة الدولة الإسلامية .

إن المغرب حينما تقدم إلى محكمة العدل الدولية؛ بتوجيهاته حول مقومات السيادة على صحرائه؛ نبه قضاة المحكمة إلى الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

-  أن المملكة المغربية تؤكد على وجود روابط سيادة بالصحراء الغربية نابعة من حيازة تاريخية للإقليم .

-  يجب على المحكمة أن تضع في الحسبان الهيكلة الخاصة للدولة المغربية في تلك الحقبة التاريخية .

 و من خلال هذه التوجيهات التي قدمها المغرب للمحكمة الدولية؛ فإنه كان يطرح على طاولة قضاة المحكمة الدولية؛ إشكالا جوهريا يجب أن يأخذوه بعين الاعتبار؛ و هو إشكال يعود إلى المراحل التاريخية الأولى؛ التي أقام خلالها المغرب علاقة شرعية بامتداده الصحراوي؛ و قد تحكمت البيعة؛ باعتبارها مسوغا قانونيا؛ في شرعية هذه العلاقة.

 و تأكيدا لشرعية العلاقة التي ربطت المغرب بامتداده الصحراوي؛ تؤكد الوثائق التاريخية أن ملوك المغرب؛ أولوا أقاليم الصحراء أهمية بالغة؛ و ارتبطوا مع القبائل الصحراوية بعقد البيعة الشرعية؛ التي كانت تمكنهم من الإشراف المباشر على هذا الجزء من التراب المغربي.

 و لذلك فإن علاقة الدولة المغربية بالأقاليم الصحراوية متجذرة في التاريخ، وازدادت متانة مع ظهور الأطماع الاستعمارية. فقد نزل المولى رشيد أثناء تأسيسه للنظام الجديد حتى تخوم السودان. واتبع المولى إسماعيل نفس النهج؛ حيث نجح في مراقبة كل أرجاء البلاد المغربية، وسار في جولة تفقدية في بداية عهده قادته حتى شنقيط ؛ وأرسل أحمد بن أخيه على رأس فرقة عسكرية لفض بعض النزاعات بين القبائل .

وإبان فترة الصراع بين أبناء المولى إسماعيل على السلطة، ظل العمال التابعون للمخزن المغربي متواجدين بشنقيط، فقد نزل المولى عبد الله مرتين إلى " دياني" قرب "تمبكتو" لاستخلاص الضرائب. وقام محمد بن عبد الله بتثبيت حفيد علي شندورة، المختار بن عمر بن علي؛ على إمارة الطرارزة، كما اهتم السلطان مولاي عبد الرحمان بهذا الإقليم؛ وعالج شؤونه ومشاكله مع رعاياه به ، وهو نفس النهج الذي اتبعه ابنه سيدي محمد بن عبد الرحمان؛ بعد مبايعته سلطانا على المغرب، موجهين اهتمامهم إلى مسألة التسلل الأجنبي إلى الأقاليم الجنوبية؛ التي بدأت تستفحل خلال القرن 19.

على أن السلطان مولاي الحسـن في متابعته لنفس الخطة؛ رفع اهتمامه بهذا الإقليم إلى مرتبة أعلى؛ بحيث سافر إليه بنفسه؛ في رحلة أولى وعين مجموعة من العمال وقائدا يستشيرون معه في أقوالهم وأفعالهم، ثم سافر في رحلة ثانية؛ منح أثناءها ظهيرا بتكليف إبراهيم بن علي بن محمد التكني بحراسة الشواطئ المجاورة لقبيلته، وظل يتابع محاولات التسرب الاستعمارية، ودعما لجهود وقف هذا التسلل عين محمد بن الحبيب التدرداري قائدا على قبائل مجاط و الفويكات و ثلث أيت لحسن و زركاط و توبالت و لميار من الثكنة، ثم وسع قيادته بظهير آخر على قبيلة المناصير من أزركين.

يمكن في هذا الصدد مراجعة: أحمد السلمي الإدريسي ، محاولة في مفهوم الروابط القانونية بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراوية قبل 1912 – نقلا عن: عبد الحق ذهبي - نزاع الصحراء .. و الشرعية الدولية- مقال منشور في عدة منابر إعلامية.

 و تثبيتا لهذا الحضور المغربي في الصحراء؛ و بشكل سيادي؛ كما تؤكد على ذلك الوثائق التاريخية؛ فإن المغرب كان حريصا على إضفاء الشرعية على هذا الحضور؛ و ذلك من خلال الارتباط مع قبائل الصحراء؛ بعقود بيعة؛ تم إبرامها عبر التراضي؛ بين سلاطين المغرب و ممثلي القبائل الصحراوية. و يمكن في هذا الصدد التمثيل فقط ببعض النماذج :

-  بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة و دليم و بربوش و النغافرة ووادي مطاع وجرار وغيرهم، للمولى إسماعيل، و كان ذلك سنة 1089ه ؛ عندما دخل صحراء السوس، فبلغ أقا و طاطا و تيشيت و شنجيط و تخوم السودان. وقد تزوج آنذاك المولى إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغفري.

-  بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1140ه.

-  بيعة للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنكيط، وهو ابن طوير الجنة الطالب احمد المصطفى الشنكيطي التشيني الوداني.

-  بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا من الشيخ المختار الكنتي الحفيد ابن محمد بن المختار.

-  بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا للشيخ احمد البكاي بن محمد بن المختار الكنتي.

-  بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار ابن الأعمش الجنكي، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع.

-  بيعات الشيخ ماء العينين إلى السلاطين المغاربة، والذي كانت علاقاته بالحكومة الشريفة على أحسن وجه، ذلك أنه كان يعتبر فيما بين سنتي 1888 و1900 نائبا للمخزن في الصحراء لا فرق بينه وبين نواب السلطان في مراكش ومكناس و تافيلالت.

أنظر: عبد الحق ذهبي - نزاع الصحراء .. والشرعية الدولية- المرجع السابق

 

مشروعية تاريخية و قانونية ثابتة و تحديات إقليمية و دولية معرقلة

إن هذا الحضور المغربي في الصحراء؛ منذ تأسيس الدولة المغربية مع الأدارسة؛ ليس ادعاء يرتبط بمعطيات سياسية و إيديولوجية؛ و لكن تثبته وثائق تاريخية مغربية و عربية و أجنبية – سنأتي على تناولها- . و هذا ما يشكل دعما قويا لشرعية السيادة المغربية على الصحراء؛ بشكل لا يمكن أن تصمد أمامه معطيات المرحلة الاستعمارية؛ أو فرقعات الإيديولوجية.

 و مع هذه المشروعية التاريخية و القانونية؛ التي تربط المغرب بصحرائه؛ يبقى العائق الكبير؛ الذي يعرقل تطبيق الشرعية الدولية؛ بناء على هذه المعطيات المتوفرة؛ هو أن جبهة البوليساريو الانفصالية؛ لا تمثل نفسها؛ و لذلك فهي لا تمتلك شرعية تمثيل الصحراويين؛ بقدر ما تنوب عن المصالح الاستعمارية في المنطقة؛ و في الآن ذاته تحمي أطماع الدولة الجزائرية؛ التي تسعى إلى عرقلة المسيرة التنموية للمغرب بجميع الوسائل المتاحة. و هذا ما يفرض على المغرب –حقيقة- تغيير الخطة؛ في اتجاه الخصم الحقيقي؛ الذي يعرقل جميع الحلول المطروحة.

 فمع إسبانيا يجب الحديث بشكل واضح و صريح مع الجار الشمالي؛ بخصوص تصفية الوجود الاستعماري؛ من الجنوب المغربي؛ و من الجزر المغربية المحتلة؛ و كذلك من المدينتين المغربيتين المحتلتين (سبتة و مليلية)؛ إما بشكل تفاوضي؛ تقوده الديبلوماسية؛ و إما فتح المجال أمام الشعب المغربي؛ بنخبه و أحزابه و مجتمعه المدني؛ لمواجهة الوجود الاستعماري؛ و الأكيد أن هذا الشعب الذي طرد الجنود الإسبان؛ عبر مسيرة سلمية ( المسيرة الخضراء 1975)؛ قادر اليوم على طرد ما تبقى من الأطماع الاستعمارية الإسبانية.

 أما مع الجار الجزائري؛ فيجب التعبير بشكل واضح؛ عن التضايق المغربي من المواقف العدوانية للدولة الجزائرية تجاه المغرب؛ و يجب التعبير بصراحة عن الاستعداد المغربي لمواجهة هذه العدوانية؛ بمختلف الوسائل المتاحة. و في هذا الصدد يجب الخروج من المواقف الازدواجية؛ التي حكمت علاقتنا بالجزائر لعقود؛ تحت مسمى العطف المغربي على أبناء ثورة المليون شهيد. و ذلك لأن جنرالات الجزائر لا يقيمون وزنا لهذا النبل المغربي؛ الذي عبر عن نفسه في مناسبات عدة؛ سواء من خلال دفع المغرب ضريبة باهظة لمساعدة المقاومة الجزائرية خلال معركة إيسلي 1844؛ أو من خلال اجتزاء صحراء المغرب الشرقية؛ و ضمها إلى الخريطة الجزائرية انتقاما من فرنسا ضد المغرب الذي دعم الجار الجزائري حتى اخر لحظة؛ و رفض أي مساومة من فرنسا حول استقلال الجزائر ... و لعل قائمة هذه التضحيات لتطول لو فتحنا لها المجال أكثر. لكن و رغم كل هذه المواقف النبيلة من المغرب؛ فإن الجزائر و منذ حصولها على الاستقلال؛ و هي تفكر في إيذاء المغرب و بجميع الوسائل؛ سواء عبر دعم معارضة الداخل؛ من خلال تمويل الخيار الثوري/اليساري الراديكالي؛ أو عبر خلق بؤر توتر في الصحراء المغربية؛ عبر احتضان منظمة انفصالية؛ و دعمها ماليا و عسكريا و سياسيا .

نحن جميعنا كشعوب مغاربية؛ لا نحبذ أي توترات بيننا؛ بل نطمح جميعا إلى ترسيخ أواصر الإخاء فيما بيننا؛ لمواجهة التحديات الخارجية؛ و لكن المعطيات على ارض الواقع تعاكس هذه الإرادات الصادقة؛ الشيء الذي يفرض علينا كمغاربة التعامل بواقعية مع التحدي الجزائري؛ الذي يهدد استقرارنا السياسي؛ و تنميتنا الاقتصادية .

إذا كانت سيادة المغرب على صحرائه ثابتة –إذن- بمعطيات التاريخ و الجغرافيا و القانون الدولي؛ فإن ن ما يتوجب على المغرب؛ هو مواجهة التحديات الدولية و الإقليمية؛ التي تعرقل أي حل مطروح لقضيتنا الوطنية الأولى .

ــــــــــــ

*تسمية الصحراء الغربية تمييزا لها عن الصحراء الشرقية؛ التي ألحقها الاستعمار الفرنسي بالامتداد الجغرافي الجزائري. و الامتدادين الصحراويين معا جزء لا يتجزأ من السيادة المغربية؛ و يجب الدفاع عنهما من دون تمييز.

** كاتب و باحث أكاديمي مغربي

drissejandari78@gmail.com

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

   

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ