ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التبعية الإعلامية في دول الشرق الأوسط

إعداد : محمد داود*

بسم الله الرحمن الرحيم

"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".

"سورة البقرة، الآية 155"

صدق الله العظيم

مقدمة/

 الإعلام ليس سلطة رابعة بل هو سلطة أولى اليوم وأصبح أهم من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الثلاث الأولى وهو يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ورد الفعل الجماهيري كما أن الإعلام ليس كما يعتقد البعض رافداً من روافد الحداثة والتطور التقني، بل هو عملية تاريخية ارتبطت بالإنسان منذ أن خلقه الله على وجه الأرض، حيث تشير المصادر المختصة في هذا الشأن إلى أن المجتمعات العدائية ” كانت تتلقى الأخبار والمعلومات عن طريق الكلمة الشفوية المتداولة من مجتمع إلى آخر، وبعد أن استقر الإنسان أنشأ نظام الأسرة والقبيلة ثم الدولة وتشابكت المصالح حتى أصبح الإنسان بحاجة إلى تنظيم علاقته بالجماعة التي تحيط به مما أدى إلى ظهور وسائل إعلام بدائية مثل الألواح الفخارية ووسائل البردي والخطابة وهي وسائل وجدت طريقها إلى التطور عبر مراحل وحقب تاريخية عدة وصلت لذروة نضجها عندما بدأت تلوح في الأفق بوادر ثورة تقنية جديدة هي ثورة المعلومات والاتصالات أو الموجة الثالثة كما يقول ألفن توفلر وزوجته هاليدي في كتاب لهما عن الموضوع، ثورة المعلومات والاتصالات التي كانت واحدة من أهم وأبرز المستجدات التي أسهمت في بلورة التجلي الجديد لظاهرة العولمة، حيث أسهمت تأثيرات ذلك النمط في تفعيل الغايات والأهداف المرجوة من وراء ظهور فكرة ” اقتصادات الإعلام ” التي كانت المقدم الرئيس لما بات يسمى الآن بإعلام العولمة وهو إعلام يعرفه السيد أحمد مصطفى على أنه “سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة، لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول، إنما تطرح حدوداً فضائية غير مرئية، ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية، لتقيم عالماً من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن، هو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمرة منظمات ذات طبيعة خاصة، وشركات متعددة الجنسيات، يتسم مضمونه بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائله التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمان والمكان واللغة، لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء “، لذلك يعتبر الإعلام في عصرنا هذا عصباً محركاً وسلاحاً خطيراً لأي دولة وأصبحت الدول تخصص له الميزانيات الضخمة لما له من دور مهم في تسويق سياساتها وتقديم نفسها لشعوب العالم

من هذا المنطلق يعتبر الإعلام اليوم أحد الأعمدة الرئيسية كما التبعية الثقافية والاقتصادية وحتى السياسية باعتباره من أهم الوسائل للبحث عن الحقيقة وإيضاحها، والجميع يتجه إليها في الوقت الحالي على مختلف المستويات،  سواء السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية أو غير ذلك، من أجل إبراز ما لديهم من أنشطة وأعمال، ولهذا فهو يحوي عدة شرائح إعلامية، إلى جانب ذلك فإن الإعلام الآن يأخذ حيزاً كبيراً جداً من حياة المواطن العربي واهتماماته، ولم يعد الإعلام المحلي هو الذي يتحكم في إيصال المعلومة إليه، بل أصبح الإعلام العالمي بوسائله وقنواته المختلفة يشكل أداة فعالة في توجيه الشعوب وتوجيه السياسات وسيادة الحروب، خاصة خلال هذه الفترة المهمة التي تمر بها الأمة العربية.

والإعلام من بين مئات الأسلحة التي يستعملها "الاستعمار الجديد" ويسخرها لتحقيق أهدافه ومقاصده لدى "الأعداء.الأصدقاء", وذلك راجع لكون دول العالم الثالث مجرد مستهلك لما ينتجه الغرب، وليس فاعلاً ومؤثراً، أمام هذا الكم الهائل من طرق انتقال المعلومة والخبر في سياق يبدو أكثر شفافية ووضوحاً يقف المواطن العربي موقف الحائر، فهو هارب من تسلط الدولة واحتكارها للثقافة والفن والإبداع برقابة تخل بأبسط مبادئ الحرية الفكرية، ليجد نفسه تحت رحمة " قوى خارجية " خلقت هذه المساحة الإعلامية الشاسعة -أو الحرة" كما يحلو لهم نعتها- لكي تمارس نوعاً جديداً من الحرب تم التخلي فيه عن أساليب الترويع والتخويف التقليدية لتحل محلها أساليب " الحنان الاستعماري ".

وفي هذا المجال لا يمكن فصل التبعية الإعلامية عن أنواع التبعية الأخرى التي تربط كما يقول ايمانويل والشتاين الأطراف إلى المركز، فالتبعية الإعلامية هي أحد أوجه التبعية الشاملة التي تشد الأطراف بقوة المركز وتجعلها معتمدة كلياً عليه، بالتالي يقع على وسائل الإعلام دور سياسي إلى جانب إعلام المواطنين بالقضايا المستجدة، حيث تقوم بتشكيل أجندة الاهتمامات العامة، حيث تعطي اهتماماتها لقضايا معينة، وتقترح الحلول لمشاكل المجتمع، وكذلك الرقابة لصالح الجماهير عن طريق انتقاد وفضح أخطاء القادة وقراراتهم.

 

مفهوم التبعية بشكل عام :

هو مصطلح من المصطلحات السياسية ذات الطبيعة المطاطية، لتميزها بتعدد تعريفها وباختلاف استعمالاتها، لكن من التوصيفات المهمة لمصطلح التبعية نجد مصطلح التبعية للغرب أي تبعية المجتمعات المتخلفة بقواعدها السياسية والاقتصادية والثقافية إلى المنظومة الرأسمالية العالمية المتمثلة في دول المركز.

فمفهوم التبعية عبارة عن علاقة تنطلق من التابع إلى المتبوع، عبر عملية إلحاق قصري بوسائل سياسية و اقتصادية وعسكرية، وغزو ثقافي وفكري لتعميم نظام الإنتاج الرأسمالي، وتسويغ للهيمنة التي تمارسها دولة عظمى أو مجموعة دول أحرزت تقدما في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا والتعليم فتستخدمها لتحقيق أهداف مادية وإستراتيجية، بما تفرضه على أمم وشعوب أخرى أقل تقدما من إجراءات تلزمها بها وتجبرها على تنفيذها كي يمكنها البقاء والاستمرار.(1)

أما في مجال التبعية الإعلامية فقد ظهرت هذه النظرية في دول أمريكا اللاتينية في حقبة ما بعد الاستقلال كرد فعل لإخفاق نظريات التحديث الغربية في تفسير أسباب التخلف في الدول النامية وتتلخص في أن ما تقدمه الدول الصناعية من تكنولوجيا إعلامية وأنظمة وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلامية للدول النامية لاستهلاكها يعمل على صنع وتعميق التبعية الإعلامية لهذه الدول وزيادة اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة(2)

ويقول أهم منظري هذه النظرية شيلر وماتللارات وبويد – باريت إن هذه التكنولوجيا والأنظمة والممارسات الإعلامية المنقولة من دول العالم المتقدم تعمل على تشويه البنيات الثقافية في دول العالم النامي وتسهم في إحداث سلبيات عديدة مثل خلق الثقافة المهجنة والتغريب الثقافي(3) والغزو الثقافي وفي هذا الإطار جاءت جهود اليونسكو التي أسهمت في تقديم منظور نقدي يتميز بالشمول والموضوعية في محاولة لتجاوز الرؤى الجزئية التي تسعى إلى تشييد الرؤية الغربية في الإعلام والاتصال مما ترتب عليه تجاهل وإغفال الحقوق الاتصالية لشعوب الجنوب ولقد حرصت لجنة ماكبرايد على طرح تصور شامل يتضمن رؤية ومطالب دول الجنوب في مجال الاتصال والإعلام حيث أبرز تقريرها ضرورة المبادرة إلى تطوير المفهوم التقليدي السائد عن سياسات الاتصال والعمل على تغيير الهياكل الاتصالية السائدة والأخذ بالنظام المفتوح في الاتصال الذي يتيح إشراك الجماهير في العملية الاتصالية(4) وتكشف لنا النظرة المتعمقة لتجارب العالم الثالث حقيقة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام بصورة خادعة ومضللة ومستهدفة في الأساس إضفاء الشرعية على السياسات الاستبدادية للسلطات السياسية الحاكمة واعتمادها على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات إلى جانب القوى المحلية ذات النفوذ السياسي والاقتصادي .

بهذا يمكننا القول أن نظرية التبعية الإعلامية قد أعطت اهتماماً متزايداً للأبعاد الثقافية والتاريخية والدولية في تفسيرها للعلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة السياسية ودورها في إطار التبعية الإعلامية والغزو الثقافي.              

إلا أنه يؤخذ عليها مبالغتها في تقدير أهمية المتغيرات الخارجية وتأثيرها في الأنظمة والسياسات الاتصالية لدول العالم الثالث الأمر الذي يقلل كثيراً من أهمية المتغيرات الداخلية فبالرغم مما تمثله الضغوط الدولية من أهمية إلا أن صياغة السياسات الإعلامية مسؤولية وطنية في المقام الأول ويفترض فيها أن تعكس الإرادة الشعبية تصون الذاتية الثقافية .

وأياً كان الأمر فإن نظرية التبعية الإعلامية في حاجة إلى جهود جديدة لمراجعتها على ضوء المتغيرات الدولية التي برزت في أواخر الثمانينات ابتداءً بانهيار الشيوعية وسقوط القطبية الثنائية ومروراً بالنظام العالمي الجديد وما سمى بعولمة الاقتصاد والسياسة وانتهاء بالثورة التكنولوجيا في عالم الاتصال والحديث عن عولمة الثقافة وصراع الحضارات .

وفي عالمنا العربي لدينا نوعان من الإعلام وهما الإعلام الرسمي والإعلام الخاص, فالإعلام الرسمي ممول من الحكومات وبالتالي يعتبر ناطقاً رسمياً باسمها, أما الإعلام الخاص فهو حكر على رجال أعمال ينتمون بغالبيتهم إلى بلاد النفط العربي وما هم إلا واجهات لحكام وأمراء وشيوخ تلك الدول أي أنهم إعلام رسمي ولو بشكل غير مباشر للدول التي ينتمون لها.

وهكذا فإن كلا النوعين فقد خاصية الحيادية والتزم مسبقاً بسياسات الدول الممولة وبالتالي هناك الكثير من المحظورات أمامه التي لا يستطيع الخوض فيها.

فإذا أردنا التحدث عن وسائل الإعلام السياسية من فضائيات وصحف لوجدناها تعبر بوضوح عن حالة الانقسام العربي وتبعيتها العمياء لأجندات دول عظمى تسيطر على مقدراتنا وقد تحولت الفضائيات العربية إلى منابر تهاجم فيها كل دولة شقيقتها وتأوي إليها معارضي تلك الدولة وتفتح ملفاتها وبالطبع سترد الشقيقة بالمثل وتحول الإعلاميون العرب وضيوفهم على الشاشات إلى جوقة شتامين يتفنن كل واحد منهم بكيل التهم والشتائم للآخر.

إن علاقة الإعلام بالسلطة في الوطن العربي من أهم العوامل التي أعاقت تطور الصناعة العربية للإعلام والاتصال، فالسلطات العربية حرصت على أن تفرض أسوأ أشكال العلاقة بين الإعلام والسلطة وأكثرها تخلفاً وهي علاقة التبعية، فاستخدمت كل الوسائل التي تجعل وسائل الإعلام تابعة لها، والتاريخ يعلمنا انه كلما زادت تبعية الصحافة ووسائل الإعلام للسلطات الحاكمة قلت ثقة الجماهير بها وتناقصت مصداقيتها. (5)

ويمكننا أن نحدد الأنظمة الإعلامية السائدة في العالم الثالث على النحو التالي :

1- نظام إعلامي يقع تحت سيطرة الدولة في إطار مفهومي التنمية والوحدة الوطنية والرقابة تكون صارمة على المضمون .

2- نظام إعلامي موجه من الدولة : تكون الوظيفة الأساسية للصحافة تعبئة الجماهير من أجل التنمية وتدعيم الوحدة الوطنية فتحل المسؤولية القومية محل المسؤولية الاجتماعية .

3 – نظام إعلامي مستقل تتمتع فيه الصحافة بقدر من الحرية بعيدأً عن التدخل المباشر للحكومة وتستطيع الصحافة في ظله أن تظهر استقلالية عنيفة في مواجهة الضغوط الحكومية .

ولعل هذا التصنيف أكثر مرونة في تصنيف الأنظمة الإعلامية في العالم الثالث فمن الصعب إخضاعها لتصنيفات جامدة نظراً لما تتضمنه من تناقضات وتعقيدات .

تنفرد الصحافة العربية بموروث سلطوي فريد بحكم نشأتها في أحضان السلطة وتطبيق ما أحدثه الاستعمار وخلفه من قيود وممارسات معادية لحرية الصحافة وقد انعكس هذا المورث السلطوي بشكل واضح على التشريعات والسياسات والممارسات لدرجة التطابق بين الأنظمة الصحفية والأنظمة السياسية والتعامل مع ما ينشر في معظم الصحف العربية على أنه يمثل وجهات النظر الرسمية للحكومات العربية.

وهذا ما يدعونا للحديث عن الإعلام العربي الذي هو انعكاس للواقع الراهن وما يسود هذا الواقع من أسباب تفرقة وضعف وتخلف اقتصادي واجتماعي وهذا وضع أمام الإعلام صعوبات كثيرة أهمها لا الحصر " القاعدة الاقتصادية الضعيفة، و تسييس الإعلام العربي وارتباطه بالسياسة، التأثير الحضاري والثقافي وحماية القيم الثقافية من النظام الإعلامي العالمي، الانقسامات الإعلامية، نقص العنصر البشري المؤهل، عدم المرونة وتقبل الجديد في مجتمع المعلومات وحالة الجمود والتثاقل وعدم الحراك" .

من هنا نلاحظ آن الإعلام العربي تابع للسلطات من ناحية الملكية وتابع بمضمون المادة الإعلامية وتابع تكنولوجيا للدول الغربية وتابع تبعية سوسيو ثقافية وتابع لوكالات الأنباء وتابع لمعاهد وكليات الإعلام الغربية وتابع في رسم السياسات وتعيين الموظفين وغير ذلك وكل ذلك أدى آلي وضع غير جيد انعكس سلبا على الأداء الإعلامي، استطاع الإعلام الالكتروني آن يفلت من هذه التبعية لذا حقق نجاحا جيدا وقد تجاوزت الصحافة الالكترونية الحدود والخطوط الحمراء التي يضعها الرقيب.

إن المتتبع لـواقع الإعلاميات العربية يجد أنها إعلاميات هشة وهلامية ولا تملك أدنى وسائل المناعة التطبيقية التي تمكنها من تفعيل وتطوير آليات دفاعها المهني ضد تحديات العولمة الإعلامية، ففي هذا الصدد وفي دراسة بحثية عن أهم القضايا التي تواجه الإعلام العربي في الوطن العربي خلال الفترة الزمنية الراهنة ترصد الدكتورة

عواطف عبد الرحمن جانبا هاما من الواقع المزري لذلك الإعلام، حيث تلخص سلبيات المشهد الإعلامي العربي الراهن في عدة تحديات بنيوية إعلامية لعل أهمها :- (6) التحدي المهني فبسبب عدم نضج التجربة الديمقراطية في الوطن العربي وسيطرة نمط الدولة السلطوية على النظم السياسية التي تتبنى أيديولوجيات تقليدية مزيفة، ظهرت في المنظومة المهنية المبلورة للإعلام العربي إشكاليات عدة أبرزها :

1. سعي النظم السياسية العربية للسيطرة على مختلف أنشطة الاتصال والإعلام ( اقتصاديا - سياسياً - رقابياً ) .

2. عدم تمتع الإعلاميين العرب بحقوقهم المهنية رغم المبادئ الطنانة التي تنطوي عليها العديد من الدساتير الموجودة في الدول العربية .

3. تعرض الإعلاميين للسجن والاعتداءات الأمينة وللمطاردة والاحتجاز من قبل الأجهزة البوليسية القمعية .

4. تراجع دور مؤسسات المجتمع المدني وبالأخص الروابط والنقابات والجمعيات الإعلامية .

5. سذاجة تفكير متخذ وصانع القرار السياسي العربي انعكست على مضمون الخطاب الإعلامي العربي الذي تحول إلى بوق مزعج يترجم أهواء وغايات الطبقة الحاكمة معتمداً في ذلك على طابع دعائي وانفعالي للإثارة الثأطاء والمعالجة الجزئية الضيقة . 6. ضعف تأهيل وتدريس الكوادر الإعلامية العربية .

7. استفحال أمر ظاهرة العنف الثقافي بين الإعلاميين العرب وهي ظاهرة نختزل جانبا من تجلياتها في النقاط التالية(7) :أ-  سيطرة التأويل الفكري المغرض.  ب- الانقسام إلى مجموعات ثقافية ترفض أي تنوع أو تعدد يهدف إلى تفعيل الحوار الخلاق مع الآخر المختلف معه.  ج-  تسخير ما يسمى بصحافة ومجلات الفضائح الثقافية من أجل ممارسة التشهير والقمع اللغوي ضد الأطراف التي لا تتماشى رؤاها الثقافية مع رؤى الأطراف الممولة والمسيرة لتلك الصحف والمجلات .

كذلك بالإضافة إلى التحدي المهني تبرز تحديات أخرى لعل من أهمها :

* انعكاس تداعيات أزمة العقل السياسي العربي على مختلف المكونات المشكلة للأطر الإعلامية العربية وأزمة العقل السياسي العربي يوضح العلامة الفيلسوف محمد عابد الجابري بعض معضلاتها من خلال التركيز على متغيرات ” القبيلة - الغنمية - العقيدة .

 * التحدي التكنولوجي خصوصا وأننا بتنا في عصر يصعب فيه التمييز بين الإعلام وبين الثورة التقنية في مجال الاتصال والمعلومات .

 * وجود أزمة ثقافية تتمثل في عجز ” النخب الثقافية عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الوافد ، فبدلا من ذلك تمت المصالحة معه على نفس أرضية التبعية التي تكرست في المجالين السياسي والاقتصادي (8) .

هذا طبعا بالإضافة إلى حرص النخب الثقافية العربية على التقوقع في مركز ردّ الفعل بدلاً من السعي نحو إحداث الفعل العملي البناء والفاعل.

أمثلة على دور الإعلام في حياة الشعوب العربية :

فبعد نكسة حزيران عام 1967 وشعور المواطن بالهزيمة والنقمة على الساسة تم الإيعاز لبعض الكتاب والمخرجين والممثلين بالتركيز على الأعمال الفكاهية وإضحاك الناس من خلال الأفلام والمسلسلات حتى يتجاوزوا النكسة وينسوا وهذا ثابت في كتابات ومذكرات بعض الساسة المصريين ومنهم الأستاذ هيكل وهكذا نسي العرب النكسة ونسوا فلسطين وضحكوا حتى الثمالة وها هم اليوم يضحكون ويسكرون ويمجنون والفلسطينيون واللبنانيون والعراقيون يبكون ويقتلون ويشردون.(9)

وتكاد تغيب شعوب عربية وإسلامية بأكملها عن خارطة الإعلام، ولك أن تتساءل عن الشعب الليبي -مثلاً- الذي يختفي تماماً من الإعلام بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والفنية وما شابه، حتى صرنا لا نعلم عن ليبيا شيئاً إلا القذافي وابن القذافي.

إن بعض الأنظمة ترى من مصلحتها أن تعيش رعاياها في العتمة ولذا تتعمد إخفاءها وعدم إظهارها إلا في مسيرة مؤيدة لسيادة الرئيس أو أغنية ترقص وتطبل لحضرته أيضا، وهو مشهد لا يخرج عن تقليد سياسي واجتماعي وثقافي وفني لكل ما يفرزه الإعلام الغربي، بدون مراعاة للواقع المحلي وقيمه، وقد أخذت إحدى محطات التلفزة العربية قبل فترة ولمدة تزيد على الشهرين"، على عاتقها تقديم تقرير في كل ليلة يتابع المستجدات اليومية في قضية وفاة ممثلة أفلام إباحية أمريكية ثرية وعن مأساة ابنتها الرضيعة التي يتنازع في المحاكم أكثر من رجل -عاشر الأم- على أبوتها، وكل يدعي أنه الأب الحقيقي لها طمعاً في الشهرة والمال.

وإعلامنا العربي يساهم في تغييب التراجيدية العراقية، ويحاول أن يجعل من ضحايا العنف في العراق بلا مأساة، وإنما يركز على التنازع السياسي على السلطة في العراق، وعلى صنع الفتنة الطائفية من العدم وحصر الإسلام في ثقافة العنف والعصبية وبث الفرقة بين مختلف الأديان والمذاهب..(10)

علاقة التبعية

إذا كانت علاقة الخصومة بين الصحافة والسلطة خرافة تتناقض مع الواقع، فان علاقة التبعية هي علاقة خطيرة كان لها الكثير من النتائج السلبية على تطوير الصحافة العربية، ومن أهم تلك النتائج:

أولاً: تدهور مصداقية وسائل الإعلام العربية، حيث نظرت لها الجماهير العربية باعتبارها أداة السلطة في التبرير.

ثانياً: أدت تبعية الصحافة للسلطة إلى تناقض المساندة الشعبية لحرية الصحافة في مواجهة الحكومات، فازدادت قوة الحكومات في الوقت الذي تناقصت فيه قوة المجتمع المدني، كما أدى ذلك إلى ضعف المشاركة الجماهيرية في الانتخابات. ثالثاً: كان من اخطر نتائج تبعية الصحافة للسلطة أن قدرات الصحفيين العرب المهنية قد تناقصت، فتلك القدرات تتزايد كلما زاد مجال الحرية الذي يعملون فيه.

وبلا شك أن الإعلاميون والمثقفون استبشروا بعد أن انطلقت قناة (الجزيرة) على الأوربت بعد حرب الخليج الثانية، وما أفرزته من متغيرات، وذلك بحكم التأسيس القوي، والاختيار الجيد للكوادر الإذاعية، وكانت بالفعل نسخة تلفزيونية مصورة من ال BBC ، فالأصوات هي الأصوات، والأفكار البرامجية هي الأفكار البرامجية أيضاً مع بعض التحوير والتعديل بما يناسب الشاشة، والإضافة الجديدة أننا استطعنا معرفة وجوه أصواتٍ كثيرة سكنت الذاكرة قرابة ثلاثة عقود من الزمن.

تكفلت قطر بتأكيد هذا الاتجاه للقناة، وفي الوقت نفسه تحقيق أغراض سياسية ونفسية وفكرية قطرية كثيرة، تتصل ببعض دول الجوار، أو تتصل بالتيارات الفكرية التي بدأ صوتها يعلو في المنطقة، وبخاصة التيارات المتشددة، فدخلت في غمار هذا الصخب الفكري خاضعة مرة للرغبات الأمريكية فتدل على مكان (ابن الشيبة) ومرة أخرى للاتجاه الراديكالي ألإخواني فتقيم صلة مع الجماعات المتشددة في أفغانستان وغيرها، فتبث شرائط القاعدة ببث الخطب والترويج لأفكارها! وهي هنا - أي القناة - محيرة حقاً، فكيف تريد للسياسة الأمريكية التمكين والنصرة باعتبار أن دولة قطر هي الراعية للقناة، وأن قطر تنام على أكبر مخزون للسلاح في العالم لا يبعد عن مقر القناة سوى كيلووات معدودة! وفي الوقت نفسه ترسل مندوبيها إلى ابن لادن في جبال تورا بورا ويلتقيه عبدالباري عطوان، وتنتشي بأشرطة القاعدة، ويخوض تيسير علوني مراسلها في أفغانستان الحرب بكاميراته مصوراً صمود طالبان في مواجهة الطغيان الأمريكي؟!!

فكيف اجتمع الاتجاه الأمريكي مع الاتجاه ألإخواني مع الاتجاه القومي، إذ تبح حناجر مذيعيها في ذم وهجاء استسلام حكام العرب وبخاصة حكام دول الخليج ومقدار النفوذ الغربي على دولهم من الناحية السياسية، بينما لا يبعد مقر السفير الإسرائيلي عن مقر قناة الجزيرة سوى كيلو واحد؛ ولا تتوقف الدوحة عن استضافة مسئولين إسرائيليين، ولا ينقطع مسؤولون قطريون عن زيارة تل أبيب؟!(11)

وها نحن اليوم نجد أن قناة العربية في تغطيتها للأحداث تتماهى مع سياسات البيت الأبيض فتنشر غسيل سوريا على الملأ وعند حدوث أي مشكلة في لبنان لا تستضيف سوى أحد أفراد جوقة 14 آذار وغدت نافذة لهم ولا تجيد سوى تلقف أخبار قطر وأميرها ومهاجمتهم وهذا بالطبع سيرد عليهم عبر فضائيته ذائعة الصيت الجزيرة التي تتصيد سقطات النظام السعودي وتكشف لقاءاته السرية مع الإسرائيليين ولا تجرؤ من باب الرأي والرأي الآخر على

استضافة معارضين قطريين ولا تثير أي قضية قطرية داخلية ولا تتحدث عن القاعدة الأمريكية الأكبر الموجودة في الدوحة ولا عن دور تلك القاعدة ناهيك عن العلاقة مع إسرائيل.  

وفي كل الأحوال، فإن إعلامنا ببغائي بطبعه، فإذا اهتم الإعلام الغربي بالضحايا الأبرياء في "فرجينيا"، اهتم الإعلام العربي بهم، وعندما اهتم الإعلام الغربي بقضية البحارة البريطانيين الذين اعتقلتهم إيران على مياهها الإقليمية في شهر مارس 2007م، اهتم إعلامنا بتلك القضية بينما الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية في سلة المحذوفات الخاصة بالإعلام العربي.

إن الإعلام العربي يقوم بعملية تقليد سياسي واجتماعي وثقافي وفني لكل ما يفرزه الإعلام الغربي، بدون مراعاة للواقع المحلي وقيمه، وقد أخذت إحدى محطات التلفزة العربية قبل فترة ولمدة تزيد على الشهرين، على عاتقها تقديم تقرير في كل ليلة يتابع المستجدات اليومية في قضية وفاة ممثلة أفلام إباحية أمريكية ثرية وعن مأساة ابنتها الرضيعة التي يتنازع في المحاكم أكثر من رجل -عاشر الأم- على أبوتها، وكل يدعي أنه الأب الحقيقي لها طمعاً في الشهرة والمال.

لقد حملت بعض المخاطر الثقافية التي تهدد المنظومة العربية التراثية والمعاصرة من خلال البرامج التليفزيونية والمسلسلات الوافدة وبرامج الإنترنت والتي يزداد تأثيرها السلبي خصوصا في ظل عدم الالتزام بالمواثيق الدولية التي تنص على احترام الطابع المميز للثقافات مثل إعلان اليونسكو 1978 وقرار الجمعية العامة 1982 الذي ينظم قواعد استخدام الأقمار الصناعية في البث التليفزيوني المباشر، وتتمثل أهم إشكالية تثيرها قضية الأقمار الصناعية في كيفية التوفيق بين حقوق الاتصال للأفراد والجماعات والحفاظ على الهوية الثقافية خصوصا في ظل الانتهاك المتواصل من جانب الدول الكبرى للمواثيق الدولية في هذا الصدد.. (12)

عملية الاختراق الثقافي للوطن العربي قد اختلفت أشكالها باختلاف المراحل التاريخية وطبقا لحاجة المشروع الاستعماري فالأمة العربية كانت من أوائل الشعوب التي سقطت ومنذ وقت مبكر من التاريخ الحديث في دائرة استهلاك الثقافة التي تنتج في المركز الأوروبي، واستطاعت المركزية الأوروبية فرض ثقافتها والظهور بمظهر المتفوق على الثقافات الأخرى ومنها الثقافة العربية التي وجد عدد كبير من روادها ومفكريها أنه لا بديل أمامهم عن اقتباس الثقافة الأوروبية وتعلم لغاتها والانبهار بتراثها العقلاني الليبرالي والنقل الحرفي لمؤسساتها الإدارية والمالية والسياسية والتربوية.. وقد ترتب على ذلك ظهور انساق جديدة للثقافة العربية المرتبطة والتابعة لثقافة المستعمر الأوروبي ولغته وذلك على حساب اللغة العربية والتراث العربي الإسلامي.. وقد تبنت هذه الأنساق وروجت لها النخب العربية التي نهلت من الثقافة الأوروبية وتعلمت في جامعاتها؛ مما أسفر في النهاية عن فقدان المشروع الثقافي العربي لاستقلاليته وتحول مشروع النهضة العربية الشاملة إلى قاعدة لتبعية أوروبية شبه كاملة..

فقد عجزت النخب الثقافية في الوطن العربي عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الوافد وبدلا من ذلك تمت المصالحة معه على نفس أرضية التبعية التي تكرست في المجالين السياسي والاقتصادي.

لذلك أصبح يقيناً قائماً بأن على الشعوب العربية إيجاد أو خلق البدائل الإعلامية السليمة خارج إطار التبعية الرأسمالية والسياسية المقيدة للإرادة والفكر الحر، فمن لديه حيلة فليحتال للتخلص من آثار سياسات التعتيم والتجهيل التي يمارسها هذا الإعلام على الشعب العربي بعمومه.

وبقدر ما تبرز أمامنا الأهمية القصوى لرسم السياسات والخطط التي تترجم التصور الاستراتيجي العام للمواجهة الثقافية إلا أن هناك ضرورة مماثلة لتحديد أبعاد هذه السياسات وما تتطلبه من إجراءات عملية قابلة للتنفيذ ويمكن إيجازها على النحو التالي:1- صياغة سياسات قومية إعلامية وتعليمية وثقافية تراعى الجمع بين خصوصيات كل قطر عربي والالتزام بالثوابت العربية المستقاة من تاريخ حركة التحرر الوطني العربية والتراث الثقافي العربي الإسلامي والحرص على ترجمة هذه السياسات إلى برامج مشتركة تلتزم الدول العربية بتنفيذها تحت إشراف الجهاز الثقافي للجامعة العربية وأعنى به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.2- إعداد دراسات وبحوث توضح خريطة الخدمات الثقافية التي تقدمها وسائل الإعلام العربية وعلى الأخص الإعلام المرئي والمسموع والاستعانة بنتائجها في إعداد الإستراتيجية الثقافية البديلة.

3- إعداد كوادر إعلامية عربية مؤهلة ومدربة ومسلحة بالرؤية الثقافية العربية المشتركة مما يزودها بالقدرة على مواجهة التحديات الثقافية وفى مقدمتها الاختراق الثقافي العولمي والغزو الثقافي الصهيوني ولن يتحقق ذلك إلا من خلال سياسات عربية مشتركة في حقل التعليم الإعلامي وبرامج مشتركة للتدريب على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بما يلبى الاحتياجات الاتصالية والثقافية للجماهير العربية فى الريف والحضر.

 4- الاهتمام بإعداد برامج إعلامية مشتركة لمحو الأمية في الوطن العربي، وبرامج نسائية وشبابية وللأطفال العرب مع مراعاة أن تحوى هذه البرامج المضامين الثقافية القادرة على تحقيق أهداف المشاركة الجماهيرية كبديل للإعلام الرأسي الاتجاه السائد حاليا في الوطن العربي والقادم من أعلى إلى أسفل.. ومن النخب المثقفة إلى الجماهير ومن العواصم إلى الريف ومن الحكام إلى المحكومين.

5- تشجيع الاتحادات المهنية في مجالي الإعلام والثقافة على استئناف أدوارها في توثيق وتنشيط العلاقات الثقافية والإعلامية ذات الطابع الشعبي والجماهيري مثل اتحاد الصحفيين العرب واتحاد الكتاب العرب.

6- تبدو الأهمية الملحة للتنسيق والتكامل الإعلامي بين الدول العربية خصوصا في مجال تكنولوجيا الاتصال سواء كان الهدف نقل التكنولوجيا رغم مخاطرها في تكريس التبعية التي سبق الإشارة إليها أو توطينها، كذلك الحرص على السماح بتوزيع الصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي دون التقيد بالتقلبات السياسية التي تتعرض لها العلاقات العربية في بعض الأحيان..

 7- تشكيل لجان قومية من الخبراء الإعلاميين والمثقفين العرب للإشراف على اختيار البرامج والمسلسلات التليفزيونية العربية والأجنبية التي تتميز بمستوى إبداعي رفيع وتوجه حضاري إيجابي وثقافي كي تتاح لها فرصة البث والانتشار على المستوى العربي.

8- التعجيل بإخراج مشروع الوكالة العربية للأنباء إلى حيز النور مع مراعاة اختيار كوادر إعلامية متخصصة للإشراف على إدارتها وتشغيلها وذلك ضمانا لتحجيم الدور الذي تقوم به وكالات الأنباء العالمية في تكريس التبعية الإعلامية والثقافية في الوطن العربي. (13)

هناك أزمة حقيقية تواجه وسائل الإعلام الوطنية: من مشاكل الفقر و البطالة و تتصدى لقضايا السكان و ترشيد الاستهلاك والأمية و قضايا المرأة و التوعية الصحية و القانونية ... عليها مسؤولية مضاعفة فهي لم تحل مشاكل التنمية بعد و لديها أجندات و استراتيجيات و برامج معده تعتمد في الكثير من جوانبها على الإعلام، بدأت تفقد تأثيرها و تفقد متابعيها، و أصبحت تلك البرامج التي صرف عليها الكثير من المال و الدراسات في مهب الريح، و الجدير بالذكر أن هذه المؤسسات أصلا و قبل تحدي ثورة الاتصالات كانت تعاني من مشاكل من أهمها :

محدودية الموارد المالية محدودية الكفاءات الإعلامية . عدم وضوح السياسات بسبب التغير المستمر للإدارات . عدم الالتزام بمعايير واضحة في التقييم و دراسة الأثر .

مما أدى إلى تذبذب التأثير و النجاح للرسائل و البرامج المختلفة مع أن الاهتمام و الوعي بتأثير الإعلام وأهميته بدأ على المستوى العربي سنة 1946 عندما شكلت الجامعة العربية دائرة للإعلام و النشر تحت إشراف الأمانة العامة لوضع خطة الدعاية و نشرها على الصعيد الدولي نيابة عن الدول العربية.(14)

ومن الجدير بالذكر أن النظام الداخلي للأمانة العامة للجامعة العربية قد نص في مايو ( أيار) 1953 على أن المسؤولية الأولى لدائرة الإعلام و النشر حددت وفقا لتطوير الدعاية للبلدان العربية بتزويد الصحف بالبيانات و الوثائق الأخرى بالإضافة إلى تزويد الجامعة بكل ما يتعلق بالدعاية و النشر .

كما تم تشكيل مجلس وزراء الإعلام العرب الذي تقرر إنشاؤه في مؤتمر القمة الأول في يناير 1964 و يتكون من وزراء إعلام الدول العربية و يتولى الإشراف على وضع السياسات الإعلامية العربية اللجنة الدائمة للإعلام العربي و يتبعها جهازان معاونان هما :

المكتب الدائم للإعلام العربي .

صندوق الإعلام العربي المشترك .

كما أنشئت المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم و قد اهتمت منذ إنشائها عام 1971 بوسائل الإعلام و الاتصال الجماهيري في الوطن العربي باعتبارها من الأدوات الرئيسية للتنمية الشاملة في المجتمع العربي المعاصر و التي يجب تنميتها و تطويرها لتقوم بدورها في التثقيف الاجتماعي و نشر الوعي العلمي و زيادة فعالية الجهود التربوية و التعليمية .

إن اتحاد إذاعات الدول العربية، اتحاد الصحفيين العرب ، اتحاد وكالات الأنباء العربية، المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، الإتحاد البريدي العربي، الإتحاد العربي للمواصلات السلكية و اللاسلكية، المركز العربي للدراسات الإعلامية و السكان و التنمية، المركز العربي للتقنيات التربوية، جهاز تلفزيون الخليج .

كل هذه المؤسسات و الجهود التي كانت وراء إنشائها و بعد إنشائها لم تحقق الطموحات الكبيرة التي وضعت من أجلها و إنما تراوحت في نتائجها ارتفاعا و انخفاضا و تأثرت بالأحوال السياسية بين البلدان العربية ، مما أدى إلى وجود هوة بين النظرية و ما جاء على الورق من استراتيجيات و أفكار و أهداف و بين التطبيق.

و كان هذا المؤتمر و ما خرج به منطلقا لوضع لائحة متكاملة حول مفهوم النظام العالمي الجديد للإعلام و صادقت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة على مختلف اللوائح الصادرة عن مؤتمر اليونسكو حول مواضيع الإعلام و الاتصال بدون استثناء سنة 1980 و التي ركزت على مواضيع التدفق الحر المتوازن للإعلام وعلاقة الإعلام بالنمو و الهوية الثقافية و الإعلام العلمي و التعليم و التدريب و التكوين ، و قد جاء فيها أن النظام العالمي الجديد للإعلام و الاتصال يمكن أن يستند على أسس من أهمها :

تعدد مصادر المعلومات و قنوات الإعلام .

 الرغبة الصادقة من جانب البلاد المتقدمة في مساعدتها على بلوغ هذه الأهداف .

تمتع الصحافيين و جميع المهنيين العاملين في وسائل الاتصال بحرية لا تنفصل عن المسؤولية .

  حرية الصحافة و الإعلام .

تدعيم قدرة البلدان النامية على التوصل إلى تحسين وضعها الخاص ولاسيما عن طريق التزويد بالمعدات و تحسين بناها الأساسية و جعل وسائل الإعلام و الاتصال الخاصة بها قادرة على الوفاء باحتياجاتها و تطلعاتها . احترام الذاتية الثقافية لكل أمة و حقها في إعلام الرأي العام العالمي بمصالحها و أمانيها و قيمها الاجتماعية و الثقافية .

  احترام حق جميع الشعوب في الاشتراك في التبادل الدولي للمعلومات على أساس المساواة و العدالة و المصلحة المتبادلة .

و بعد جدل طويل حول مصطلح ( النظام العالمي الجديد للإعلام ) و مضمون هذا المصطلح و انسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو تبنت لجنة الإعلام التابعة لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 2\مايو \ 1990 في نيويورك مشروع لائحة تحت عنوان ( الإعلام في خدمة الإنسانية ) و قد تقدمت به إلى الجمعية العمومية فصادقت عليه في الدورة الخامسة و الأربعين ( ديسمبر 1990).(15)

ويرى الإعلامي "فيلموهارلي" أن التهديد السياسي القومي والفلسطيني والاقتصادي تعزز بالتهديد الديني لإسلام أصولي ومناضل جديد، وبذا تجمعت ملامح العدو العربي في المسلم، الأصولي الإرهابي، جنِّي القمقم الجديد، وأن ما يقوم به الإعلام الغربي من تغطية لأحداث الشرق الأوسط ليس انعكاسًا متميزًا ضد كل ما هو عربي وإسلامي فحسب، وإنما هو صناعة متأنيَّة ومعقَّدة وتراكمية تدخل فيها عوامل لها امتدادات عميقة في جذور الثقافة الغربية، التي لا ترى الأمر إلا من منظور عرقي، قومي، استعماري، احتكاري، ولها إطلالات واسعة على السياسات الخارجية للدول الغربية عمومًا والولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا.(16)

تغير صورة المقاومة في الإعلام الغربي

بالرغم من غياب أي تعاطف إعلامي غربي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية- فإن بعض وسائل الإعلام الغربي اعتبرت أن المقاومة هي رد فعل طبيعي على الاحتلال، وعبَّر الحضور المكثف للمقاومة وقتذاك عن النجاح في فرض القضايا العربية على الأجندات الدولية والإقليمية، خصوصًا قضية فلسطين التي كادت تتحول إلى قضية لاجئين، لكن هذه الصورة بدأت في التحول بفعل الدعاية الصهيونية بعد توقيع اتفاقات أوسلو، ثم بفعل الدعاية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تم الربط بين المقاومة والإرهاب واتضح بعد ذلك أن الهدف من الربط يتمثل في القضاء على المقاومة أو على الأقل وقفها بتوريط بعض الدول العربية في تنسيقات أمنية مع العدو الصهيوني وقيامه بالتفاوض في نفس الوقت مع حركات المقاومة من أجل تحويلها إلى معارضة سياسية (على الطريقة الغربية المشهورة). (17)

 

أهم سمات الخطاب الإعلامي العربي

وبالرغم من أن الإعلام العربي يمتلك إزاء القضية الفلسطينية مقومات عديدة مثل الخطاب الإعلامي الموضوعي والإمكانات التقنية والبشرية فإنه- وباستثناء تجارب إعلامية قليلة- فإنه ينشر المواد والبرامج التي تبرز النماذج الفاسدة وتهمل في نفس الوقت التحديات التي تواجه الأمة بما يعني أن الأنماط الإعلامية السائدة تعيد إنتاج الواقع المتخلف من خلال إشاعة الانحلال والتسيب والفساد في أركان المجتمع، وهدم قيمه، ويتواكب هذا مع عدم نضوج الرؤية الإسلامية الشاملة لمفهوم الإعلام بسبب قلة الخبرة العملية وغياب التأصيل العلمي، مما أدَّى إلى حصر هذا المفهوم في بعض التجارب الصحفية، وفقدان أرضية واسعة من العمل الإعلامي في الوسائل الإعلامية الأخرى ولعل هذا يفسر قلة الاستثمار الاقتصادي في الميدان الإعلامي الإسلامي بعامة والصحفي منه بخاصة.

وفي ظل هذا الواقع نجحت الانتفاضة الفلسطينية وأعمال المقاومة في إحداث تغيير ملحوظ في الخطاب الإعلامي العربي ولا سيما وسائل الإعلام الحكومية التي حاولت مجاراة فضائيات مثل (الجزيرة) و(المنار) و(أبو ظبي) من خلال بثِّ البرامج الحوارية والوثائقية عن المقاومة، واستضافة ممثلين عن التيارين القومي والإسلامي، وهو ما أعاد التوازن إلى هذا الخطاب الذي كاد ينزلق إلى اتهام المقاومة بالمسئولية عن تدهور الوضع الإقليمي.

ورغم هذا التناقض فهناك العديد من الإيجابيات التي اتسمت بها وسائل الإعلام العربية أثناء الانتفاضة ومنها:

1- التحرر من التبعية للإعلام الغربي، والوقوف في صف قضايا الأمة والدفاع عنها. (18)

2- عدم تغييب الحس الإعلامي عن الطرح في برامج الحوارات والمقابلات.

3- تغيير المصطلحات من الإرهاب والعمليات الانتحارية إلى الحديث عن المقاومة كحركة تحرر وطني وتحميل حكومة الكيان الصهيوني المسئولية عن اشتعال الوضع الإقليمي.

4- نقل التظاهرات المؤيدة للانتفاضة ...والأخ

بالتالي على القائم بالاتصال أن يتمتع بسمات خاصة أهمها أن يكون القائم بالاتصال في الإعلام العربي مدركًا لمضمون الرسالة الإعلامية وحججها، والدعايات المضادة وحججها، بالإضافة إلى الأحداث والظروف الفكرية المعاصرة الفكرية وأن يتسم الداعي بالصدق، وأن يدرك الصور النمطية، والمعروف عنها أنها شكل من أشكال الرموز الذي يرتبط بتبسيط القضايا بشكل قد يخل بها حتى يمكن له أن يواجهها بالشكل المناسب والأسلوب المناسب، فالصورة النمطية للإسلام لدى الغربي مشوهة وغير صحيحة وكذلك للعرب، وهو يخلط بين العروبة والإسلام، كما عليه أن يراعي اللغة المتعلقة بالمستقبلين، فلكل لغة خصائص معينة، وأن هناك علاقات مشتركة بين المجموعات اللغوية المشتركة، وبالتالي فهي عامل يؤثر بدرجة كبيرة على الرأي العام، لا سيما إذا أمكن استخدام اللغة بنجاح عند الاتصال بالجماهير.(19)

فإذا أخذنا مدخلات العملية الإعلامية وهي الكوادر الإعلامية والتكنولوجيا والخطاب الإعلامي، نجد أن الإعلام العربي جميعه في موقع التبعية بالنسبة للغرب المتطور، فجزء مهم من الكوادر الإعلامية العربية تتلقى تعليماً وخبرات غربية، أما الاعتماد على التكنولوجيا الغربية فيعتبر أوضح أشكال التبعية وأكثرها مباشرة، أما الخطاب الإعلامي العربي فلا يعدو في كثير من الأحيان ترجمة للمفاهيم الفكرية والثقافية والسياسية التي يبتكرها العرب ويسوقها على نطاق واسع. ويكفي للدلالة على ذلك تحليل بعض النصوص الإعلامية العربية حتى نجد أكثرها مترجم عن الإنكليزية (مثل الفوضى البناءة، عملية السلام، القانون الدولي......الخ)، أما إذا شئنا الحديث عن المصادر، فرغم انخفاض تبعية الإعلام العربي في هذا المجال بسبب ظهور الفضائيات العربية التي أخذت تعتمد أكثر على مراسليها في موقع الحدث، مع ذلك ظلت وكالات الأنباء العالمية الخمس الكبرى تسيطر على جزء مهم من حجم مصادر المعلومات، وليس بينها وكالة أنباء عربية واحدة، وإذا اعتبرنا التقليد احد مظاهر التبعية فيكفي أن نقوم بجولة على الفضائيات العربية لنعرف حجم ارتباط الإعلام العربي بنظيره الغربي، إذ لا يوجد برنامج على الفضائيات إلا وله أصل في الإعلام الغربي بدءاً بالبرامج الحوارية إلى نشرات الأخبار إلى برامج التسلية إلى غيرها من المواد الإعلامية،.... وبشكل عام يمكن تقسيم التبعية الإعلامية في العالم العربي إلى قسمين: التبعية للداخل (للسلطة السياسية) والتبعية للخارج.

التبعية للداخل:

يتعرض الإعلام العربي إلى الكثير من النقد في هذا المجال، أغلبه محق، مثل تجاهله قضايا ذات حساسية معينة، أو غلبة الخطابات على البرامج الحوارية التلفزيونية، وغلبة الخطابات الإنشائية على مقالات الصحف أو تجاهلها لنقل أخبار داخلية حساسة... الخ. وهناك نقد لأولويات هذا الإعلام، التي تُعطي المساحة الرئيسة والواسعة للقضايا الهامشية من بين القضايا الملحة، في الوقت الذي تُترك القضايا الجدية والجوهرية والحاسمة في الهامش أو تحجب في الظلام، وهذا في نهاية المطاف يشكل نوعاً من أنواع التبعية للسلطة السياسية.

لقد دفع واقع الإعلام الرسمي العربي المواطن العربي إلى أن يثق بكل وسائل الإعلام الأخرى، سوى وسائل إعلام بلده، التي يعتبرها أغلب المواطنين العرب وسائل إعلام مهمتها الترويج للسلطة السياسية وخدمة أغراضها.

التبعية للخارج:

فإن الانقلاب العاصف لتقنيات الاتصال وانفجار القنبلة التلفزيونية الدولية ومحاولة الدول الصناعية الكبرى، المالكة لتقنيات الاتصالات فائقة التطور، إيصال البث التلفزيوني من الأقمار الصناعية مباشرة إلى البيوت - في جميع أنحاء العالم - دون الحاجة إلى المحطات الأرضية في ثلاث قارات متباعدة منذ أواخر القرن الماضي، أدى إلى عولمة الفضاء الإعلامي... بعد أن استطاعت احتكارات النشر الإعلامي، عولمة الصحف والإذاعات حتى منتصف القرن الماضي، فقد أنشأت الدول الكبرى المالكة للأقمار الصناعية ثلاثة مشاريع عملاقة في ثلاث قارات متباعدة لعولمة البث التلفزيوني من خلال إنشاء اليابان للنظام الدولي الأول للاتصالات المرئية ذي البث التلفزيوني المبتكر ومتعدد الاتجاهات. والمشروع التجاري الأمريكي الذي تطمح الشركات التجارية العابرة للقارات إلى إيصال إعلاناتها التجارية إلى مناطق واسعة من العالم من أجل اقتناص المستهلكين ولتصريف بضائعها ومن ثم إمطار بلدان العالم الثالث بالبرامج التي تهدد خصوصيات الأفراد والاستقلال الثقافي للدول.

و هكذا فتحت ثورة الاتصالات صدرها الرحب ممهدة لقرن يسود فيه فراغ دولي برزت على أنقاضه هيمنة فكرية وسياسية واقتصادية, في توسع متزايد للفجوة التكنولوجية والمعرفية بين الشمال والجنوب. ولعل المتابع للفضاء السمعي-البصري الدولي سيستنتج أن الأفلام الهوليودية تغزو العالم - وخاصة العالم العربي لأنها تظهر العنف والجنس. ونجاحها في إخضاع المتفرج العربي يرجع بالأساس إلى ذاك الفراغ الإعلامي على المستوى الداخلي. فالمشاهد العربي الذي يفر من إعلام تقليدي على درجات عليا من الميوعة وتكرار المادة الإعلامية، يتلقفه النظام الإعلامي الجديد الذي يخفي تحت اسم الحرية والديمقراطية أهدافاً خبيثة تسعى إلى تغيير المفاهيم والقيم الاجتماعية للبلدان الأخرى، وعلى هذا الأساس أقيمت فضائية " الحرة " وقبلها إذاعة " سوا " حاملتين في جعبتهما خطاباً إمبريالياً حاولتا وتحاولان من خلاله حذف قاموسنا السياسي والإتيان بآخر، فراحتا تسميان الاحتلال الأمريكي في العراق بـ" التحرير ", والمقاومة بـ" الإرهاب ", وما إلى ذلك من اتهامات فارغة.(20)

نحن هنا لا ننكر أن الإعلام العربي لم يحقق أي قفزة لا بل حقق قفزة كبيرة جداً على جميع الصعد، سواء كانت التقنية أو حتى المهنية، فقد توفر عدد كبير من الإعلاميين المهنيين القادرين على المنافسة مع الإعلام الأجنبي، لكن يبقى أن الإعلام لا يستطيع لوحده فقط أن يقوم بالدور المطلوب منه، لأنه لا يزال محاطاً بتحديات كثيرة، وربما نلاحظ الآن ما يحصل للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية من ضغوط، لكن نستطيع القول بأن الإعلام العربي يحقق إنجازات على مستوى كبير، لكن ينقصه في المقابل التنسيق بين المؤسسات الإعلامية ووجود مرجعية تقوم بتوحيد جهود هذه المؤسسات الإعلامية ليتم الاستفادة منها في دعم القضايا العربية المختلفة، كما أن الإعلام العربي ليس وحده في الساحة، بل هو محاط بإعلام أكبر منه تقنياً ومهنياً، ويخضع لمرجعيات وسياسات واستراتيجيات أكبر من حجم الإعلام العربي، وبالتالي يجب على الإعلام العربي أن يكون في مستوى التحدي، بحيث يستطيع أن يبحث عن الحقيقة ويظهرها للمواطن العربي في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى في الفنون والآداب، إذ يجب أن تظهر الأشياء الحقيقة في مجتمعاتنا وفي ثقافاتنا من وجهة نظرنا كعرب، وليس من وجهة نظر مؤسسات إعلامية قد لا تكون تتجه للحقيقة بقدر ما يكون لها من بعض السياسات والتوجهات التي تخضع لها.

الإعلام العربي الآن يمثل عدة اتجاهات وليس فقط اتجاهات دينية، ودعونا نكون الآن منطقيين أكثر، فنحن لدينا إعلام إخباري سياسي موجه للشأن السياسي، ولدينا إعلام ترفيهي يصل إلى آخر حدود الليبرالية، وبجواره إعلام آخر يتخذ الاتجاه المعاكس له حتى آخر اليمين، ولا يوجد إعلام يمثل تياراً وسطياً يراعي القيم والتقاليد والمبادئ، بغض النظر عن الاختلاف حولها، وللأسف الشديد أن الإعلام العربي متنوع الأطياف ويخضع فعلاً لسياسات، ولهذا نحن نحتاج إلى مرجعية عربية تشريعية، وهذه المرجعية لا نتحدث عنها من ناحية عقائدية أو فلسفية أو أيديولوجية، إنما هي مرجعية تشريعية توحد الرؤية العربية، أضف إلى ذلك أننا لو نظرنا للإعلاميين العرب نجد منهم من يخضعون للابتزاز والتعذيب، فهناك إعلاميون قد يتعرضون من قبل مؤسساتهم لضغوط، والإعلامي المحترم صاحب المبادئ والقيم والمعرفة يعاني على خلاف غيره ممن أمثلهم بالمرتزقة إن وضعوه في برنامج ترفيهي فهو كذلك وإن وضعوه في برنامج اقتصادي فهو كذلك.

فعملية التنميط الثقافية تتم عبر شتى وسائل السيطرة التقنية والمعلوماتية والاتصالات، ولاسيما استعمال الأقمار الصناعية، ولا شك أن أخطر مظاهر التنميط وسيلتا هو شيوع ثقافة الصورة بديلا عن ثقافة الكلمات، وانتشار الكتاب الإلكتروني (أقراصcd.rom) مما يضع جمهور الأطفال والناشئة أمام الاستبداد التقني الذي يقلل الخيال والإبداع جراء ذلك، ناهيك عن سرقة الوقت... والمشاعر والأفكار ووضع هذا الجمهور في حالة عطالة ذهنية وثقافية أمام منتجات التنميط الثقافي وقوتها الهائلة.(21)

وبهذا الشكل يسهل على الاحتلال الثقافي أن يرسي جذوره وأن يوسع مقامه داخل الثقافات المحتلة بعدما يكون قد تخلص من كل ما له صلة قريبة أو بعيدة من الثقافة المحتلة.

فبرؤية بسيطة لمجال الإعلام على سبيل المثال لا الحصر نجد الإحصاءات أيضا واضحة وفاضحة، بحيث تسيطر دول الشمال على 95 في المائة من وسائل الإعلام العالمي مقابل خمسة في المائة لدول الجنوب، فألا تدل هذه المعدلات على مدى السيطرة الغربية على مجال الاتصال بكافة أنواعه، من القنوات الفضائية ومن الأقمار الصناعية ومن الصحف والمجلات والإذاعات والكتب، بالإضافة إلى وكالات الأخبار التي تسيطر على جل مصادر الخبر، وبالتالي قدرتها على تسريب ما يحلو لها من الأفكار والبرمجيات والثقافات التي تخدم مصالحها وتذكي علوها وهيمنتها على حساب خصوصيات الآخر وثقافته وحضارته.

وبلا شك أن مختلف الوسائل الإعلامية هدفها الربح المادي بالدرجة الأولى.. كيف يمكن السيطرة على هذه المسألة من دون انزلاق مهني؟

ولتفادي ذلك يجب أن يكون هناك مرجعية تشريعية، هذه المرجعية من شأنها أن تحدد العقوبات وتبحث عن حقوق الأفراد، كذلك المؤسسات بموضوعية، أما الاحتكار لنتيجة وجود الثروات والأموال والصلاحيات والسلطات فهذا سيؤثر على المدى البعيد، لأنه سوف يؤجج الصراعات والخلافات، وفي كل ذلك تبقى مسؤولية الإعلام ليست مسؤولية محطة أو صحيفة أو راديو، بل هي مسؤولية مجتمع كامل، وعندما يعطى تصريح لفتح قناة تلفزيونية مثلاً، فإنه يجب أن تخضع لمعايير وشروط، ومتى خالفت أو تجاوزت هذه المعايير والشروط يمكن أن تتعرض لعقوبات وللإقفال أيضاً، لا أن تكون الأمور متروكة كما نراها الآن بعشوائية كبيرة جداً، وكل من يمتلك مالا أصبح بإمكانه فتح قناة من دون وجود هدف ورؤية، وأكثر ما يهم المواطن العربي الآن في الوقت الحالي هو المحافظة على أمنه واستقراره وكرامته، إلا أنه مهدد في كل ذلك، فهو يشعر في الناحية النفسية بالإيلام وبالدونية والانهزام وهذا النوع الإعلامي الموجود بدون وعي يؤجج هذا الشعور.

إن ما نراه الآن هو بث لبرامج تلفزيونية تطعن في تقاليدنا العربية ومبادئنا وأمننا وأفكارنا، ونحن كأمة أصبحنا من خلالها لا نستطيع أن ننتج أو ندافع عن أوطاننا أو نبدع أو ننافس، وهذا غير صحيح، وبصراحة شديدة هناك تبعية في الإعلام العربي ولا توجد به استقلالية، إذ معظم الأفلام والبرامج التي نراها ونسمعها الآن هي مستوردة ومكررة عن الآخر، بل أن برنامجا تلفزيونيا قد تجدينه مكرراً في خمس أو ست محطات تلفزيونية، وقد استسهلوا الفيديو الكليب والمسابقات الغنائية وكأننا لا نملك سوى ذلك.(22)

وأصبحت هذه البرامج الترفيهية مثل الطبخات والأكلات السريعة، كل ذلك في ظل عدم وجود أي محاولة لكي نبدع ونطلق الأفكار الجديدة، فإعلامنا يأخذ فقط بما يلبي الشهوات والغرائز دون محاولة لتعزيز الفكر والانتماء العربي وحقوقه وكرامته.

الإعلام العالمي محور من محاور اللقاء الذي أعدته مؤسسة الفكر العربي خلال المؤتمر، ونحن نجد أن كثيرين يتحاملون على الإعلام العالمي أو الغربي ويصفون موقفه بأنه ضد الإسلام والعرب.. فهل أنصف في نظرته لمنطقة الشرق الأوسط من وجهة نظرك؟ ـ (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، أعتقد أن نظرتنا المتشائمة عن الإعلام غير العربي ينبغي أن تكون مبنية على حقائق، والحقيقة الأولى أن هذه الدول لها مصالح وسياسات وتوجهات، وبالتالي فإن الإعلام الصادر منها يخدم هذه المصالح، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا لا يكون الإعلام العربي بمستوى إبراز الحقيقة التي لا يبرزها الإعلام غير العربي وفقاً لمصالحه؟، هذا إذا كنا فعلاً حريصين. فأين الإعلام الذي يبرز مصالحنا ويتلمس واقع الإنسان العربي وحاجاته ويحرص على وحدته، فما نراه هو إعلام يؤجج الخلافات والصراعات في البحث عنها، لا إعلاماً يعالج قضايانا، كما أن كل الوسائل الإعلامية الآن لكي تكسب جمهورها تتجه إما لنداء الشهوات والغرائز أو تتجه للإثارة وللمغالطات، وبالتالي عندما ننظر للإعلام الغربي فإن الإعلام الغربي يقوم بواجبه تجاه مصالحه، على عكسنا. وأستغرب إلى متى سنظل نتّهم الغرب ونعلق أخطاءنا عليهم، من دون أن نرى ما نفعله في حق أنفسنا كعرب. اعتقد أن التهمة الكبيرة ليست تلك الموجهة للإعلام الغربي، إنما هي تلك الموجهة للإعلام العربي وللمؤسسات الإعلامية التي ينبغي أن تعمل على إبراز الحقيقة وحينها سيقف الإعلام الغربي موقف المحايد، لأنه لا يستطيع أن ينافس ابن الواقع. (23)

نخلص من ذلك إلى أن أزمة حرية الصحافة في الوطن العربي لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية حيث تسود الأنظمة السلطوية التي تضع كل السلطات في يد رئيس الدولة سواء كان ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً أو أميراً وفي غياب التنظيمات السياسية الشعبية والديمقراطية وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والديمقراطية وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحولت معظم الصحف العربية إلى أجهزة حكومية مهمتها الدعاية لأنظمة الحكم وتعبئة الجماهير وحشدها لتأييد سياساتها وممارساتها .

ورغم ما شهدته بعض الدول العربية من تحول إلى نظام التعددية السياسية والصحفية إلا أن الأنظمة الصحفية في تلك الدول لم تتحرر حتى الآن من تراث النظرية السلطوية حيث تهيمن الحكومة على الصحف المركزية الرسمية وتمارس أشكالاً مختلفة من التنظيم والسيطرة مثل التحكم في تراخيص إصدار الصحف وتعيين رؤساء التحرير وتوجيه السياسات التحريرية والتحكم في تدفق المعلومات والإعلانات علاوة على القيود القانونية التي تجيز مراقبة الصحف ومصادرتها وتعطيلها وحبس الصحفيين إذا تجاوز حق النقد الحدود المرسومة له .

وإن كان من الطبيعي أن تسود أنظمة صحفية سلطوية في تلك الدول ذات أنظمة الحكم الوراثية والأوتوقراطية فإنه من غير المقبول أن تستمر المفاهيم الصحفية السلطوية في تلك الدول التي تأخذ بتعدد الحزبي وتتبنى المفاهيم الصحفية الليبرالية.(24)

فالغرب مارس من خلال مؤسساته الإعلامية الكبرى شتى مظاهر الظلم للاستحواذ على موارد وأراضي المسلمين حيث نهب الحديد و النحاس الموريتاني وامتص المستعمر النفط و الغاز الجزائري وسلب الأراضي الزراعية في المغرب وتونس و السودان وتاجر بالخشب الاندونيسي و القطن التركي و السجاد الإيراني واستحوذ على مزارع أفغانستان وأذربيجان واستعبد السنغاليين و الماليين و الغينيين و النيجريين و احتل المواقع الإستراتيجية في مصر وليبيا و الصومال و الخليج و استطاع إقناع بعض أبناء المسلمين بشراكة غير متكافئة يبرر بها بسط نفوذه على الحرث و النسل كالاتفاق الذي تم مع الملك نصر الدين، شاه ملك إيران في 25 يوليو 1872 و الذي تم بموجبه الاستحواذ على مصادر الثروة الإيرانية من قبل الإمبراطورية لبريطانية.

 

يريد الغرب عموما وأمريكا بشكل خاص أن يلعب الإعلام والاتصال دورا مزدوجا، عندما يصبح قادرا على أن يحل محل الجيوش المدججة بالسلاح، ويتغلغل في أعماق العالم الإسلامي، ويحاول إعادة صياغة الشخصية الإسلامية وفقا للشروط المرجعية الغربية أي يصبح الفرد المسلم " متبتلا في محراب البيت الأبيض" وليس" عابدا في كنف البيت الحرام ".هذا ما يراد من الإعلام الغربي أن يقوم به في المنطقة العربية و الإسلامية، أما الدور الثاني فهو أن يصبح مصدر دخل ثابت يدر المال الكثير على خزائن ومصارف أمريكا وهذا ما أصبح ممكنا وجائزا بعد توسع قطاع المعلومات على مستوى العالم الغربي حيث شكل رافدا من روافد الدخل القومي وزاد عدد المنشغلين جراء ذلك في ميدان المعلومات ووسائل الاتصال و الإعلام و الخدمات المتصلة به.

ربما يكون المدخل المنطقي لهذه المسألة محل التساؤل هو ضرورة فهم واقع المجتمعات المسلمة حتى يتمكن من ينشد الإصلاح من أبناء العالم الإسلامي من تغيير هذا الواقع، ويقدم الإعلام نفسه كمترشح موفور الحظ لمواجهة التحديات المنجرة عن مسلكيات تمثل الآخر في الشأن الثقافي والإعلامي، هذا التمثل الذي تكرس مع مرور الوقت و أصبح ممارسة اعتيادية بعد أن الفته النخب وتقبلته الجماهير على مضض وحافظ الغرب على تكريسه منذ الحملة الاستعمارية في القرن التاسع عشر التي واكبها إنشاء مؤسسات إعلامية مضللة مثل وكالة أنباء رويتر « البريطانية» ووكالة الأنباء الفرنسية، و الوكالتان الأمريكيتان( يونيتدبرس- اسوشيتدبرس)،

ولكي يكون الإعلام في البلاد الإسلامية قادرا على التأثير يلزم قيام شراكة إعلامية في البلاد الإسلامية قادرة على الـتأثير يلزم قيام شراكة إعلامية بين الأقطار الإسلامية من أجل استغلا أمثل للحرية الإعلامية في العالم، ومن أجل أن يصبح المواطن في البلدان الإسلامية على اطلاع جيد بكل خبايا ومعلومات العالم الإسلامي، و الحد من تدفق تفاصيل المعلومات عن الغرب لأنها لا تفيد المواطن المسلم في حياته اليومية. ليس من المستساغ أن يجهل بعضنا البعض الآخر، أو تتكون لديه صورة كاذبة عنه من خلال الإعلام الغربي الذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي للمعلومات فا لأمة الإسلامية لاتعرف أخبار بعضها إلا عن طريق الإعلام المعادي، وتلعب تكنولوجيا الإعلام والاتصال دورا محوريا في التنمية الإعلامية، لذا ينبغي الأخذ بأسباب التكنولوجيا (الأقمار الصناعية، الإذاعات التلفزيون ، الأفلام السينمائية، و الصحف و المجلات ....)، فهذه الوسائل تلعب دورا أساسيا في زيادة السيادة الإعلامية.

 

النموذج الإعلامي الإسرائيلي :

إسرائيل توظف وسائل الإعلام لتجهيل الشعوب الغربية وتضليلها!!

في إسرائيل، حيث يعيش المراسل الصحفي في سماء صحفية، فالحكومة الإسرائيلية تدير آلة دعاية ضخمة بكفاءة كبيرة، وهذه الآلة تغرق المراسلين الصحفيين بالمعلومات بشكل مستمر، وتقدم لهم الأخبار التي تتم صياغتها بكفاءة طبقا لاحتياجاتهم، أيضاً توفر إسرائيل للمراسلين الأجانب قائمة طويلة من المتحدثين الإسرائيليين في كل المجالات، والذين تتنوع اختصاصاتهم، وتشمل هذه القوائم الكثير من الأسماء من الأكاديميين حتى المواطنين العاديين، بحيث يستطيع المراسل أن يختار من يشاء من هؤلاء المتحدثين، وتقوم إسرائيل بتيسير عمل المراسلين للقاء المصادر والحديث معهم، كما توفر إسرائيل متحدثين يمكن أن يتحدثوا بلغاتهم، فيوجد متحدثون بأكثر من 40 لغة بحيث يجد المراسل دائما من يتحدث معه بلغته، ويمده بالمعلومات.

هؤلاء المتحدثون تم إعدادهم وزيادة قدراتهم للحديث بما يتناسب مع احتياجات المحطة التلفزيونية والصحف.

المراسل في إسرائيل يستطيع أن يجد دائما متحدثين مستعدين للحديث بلغة المراسل، وبما يتناسب مع احتياجاته، وبكفاءة شديدة، والحكومة توفر له كل الإمكانيات للوصول للمصادر والمتحدثين.

فإذا أراد المراسل من يتحدث باللغة الهولندية فإن إسرائيل توفر له هذا المتحدث الذي يكون مقيما في الضفة الغربية، وفقد زوجته في اعتداء إرهابي، وهو يتحدث كخبير.. لا توجد هنا مشكلة بالنسبة لأي مراسل.. إنه يستطيع أن يجد من يشاء من المتحدثين، وأرقام هواتفهم متاحة، وهم مستعدون دائما للحديث، ويتطوعون للتدخل في البرامج و التغطية الإخبارية.

اجلس في مقعدك!

يستطيع كل مراسل أجنبي في إسرائيل أن يجلس في مقعده المريح، وتأتي له الأخبار التي تمت صياغتها بكفاءة، ويمكن أن يحصل على ما يشاء من معلومات، ويأتي له من يريد من المتحدثين الذين يتحدثون بلغته بكفاءة، ويتحدث بشكل إنساني مشوق، ويعرض قصة إنسانية تتفق مع احتياجات الوسيلة الإعلامية والجمهور الغربي.

آلة العلاقات العامة الإسرائيلية تقوم بهذا العمل، وتحقق للمراسل الصحفي أكثر مما يحلم به، فبعد أي عملية استشهادية تأخذ العلاقات العامة المراسلين إلى بيوت اسر الضحايا، كما يمكن أن تأخذهم إلى بيت الاستشهادي، مع توجيه المراسلين للتأكيد على رغبة العرب الدائمة في قتل اليهود.

لذلك لا أحد يقدم الرؤية العربية، ولا يحاول أن يعرف مشاعر العرب الذين تحتل إسرائيل أرضهم، ولا يسمح لهم أحد بأن يرووا قصتهم.

التبعية الغربية لإسرائيل

يوضح لونديك كيف أن وسائل الإعلام الغربية أصبحت تابعة لآلة الدعاية الإسرائيلية التي تغذي هذه الوسائل بالمعلومات والقصص والمتحدثين، وهكذا أصبحت وسائل الإعلام الغربية وكالة تبرير لعملية قمع الشعب الفلسطيني التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر، حيث يتم تصوير العرب دائما بأنهم معتدون، وأن الجيش الإسرائيلي يقوم بعملية رد أو انتقام من المعتدين، وبذلك تحصل إسرائيل على تأييد عالمي واسع لجرائمها، وعدوانها على الشعب الفلسطيني.

إسرائيل توظف الإعلام لخدمة أجندتها:  

فقد قتل جنديان إسرائيليان في رام الله في أكتوبر 2000، وقد استغل أيهود باراك هذا الحادث لتعبئة الشعب الإسرائيلي في الداخل، والحصول على الدعم العالمي لقيامه بقمع الانتفاضة، حيث تم تصوير الحادث على أن اثنين من الإسرائيليين الأبرياء قد تم قتلهما، وأن جثتيهما قد ألقيتا من نافذة في رام الله، وتم عرض الصور في كثير من محطات التلفزيون الغربية باعتبارها عملية اعتداء من الفلسطينيين على مواطنين إسرائيليين أبرياء.

لم يستمع أحد في الغرب للجانب الفلسطيني، ولم يحاول أحد من المراسلين أن يحصل على الرواية الفلسطينية للحادث، وهي أن الجنديين قد دخلا رام الله خلال جنازة طفل فلسطيني وجد مقتولا في مستوطنة إسرائيلية، كما أن الجنديين قد دخلا الجنازة بهدف قتل المزيد من الفلسطينيين. تلك قصة مختلفة تماما عما عرضته المحطات التلفزيونية والصحف الغربية التي اكتفت بعرض الرواية الإسرائيلية للحادث، وتصوير الفلسطينيين بأنهم معتدون، واستخدام الحادث لتبرير القمع الوحشي للانتفاضة الفلسطينية.

إن تصوير الحادث بأن الفلسطينيين يقتلون اليهود الأبرياء، وأن ذلك يشكل هولوكوست جديدة يوضح كيف أن وسائل الإعلام الغربية قد أصبحت تابعة لآلة الدعاية الإسرائيلية ووكالة تبرير لجريمة إبادة الشعب الفلسطيني التي تقوم بها إسرائيل بتأييد الدول الغربية.

لقد حاصرت إسرائيل المراسلين الأجانب في فندق الملك داود في القدس، واستخدمتهم لتشكيل معرفة الشعوب الغربية عن الأحداث طبقا لأهدافها وفرضت الجهل والسذاجة والسطحية على مستهلك الأخبار الغربي، واستخدمت وسائل الإعلام لتضليل الشعوب الغربية... ولكن يبقى السؤال الذي يثير الحزن: أين نحن العرب.. ولماذا نحن ضعفاء ومتخلفون إعلاميا؟!

وبهذه المثال البسيط علينا نزيد من جهودنا في سبيل الارتقاء بوسائلنا الإعلامية حتى نحقق الملامسة والمقاربة المطلوبة الكفيلة بصناعة إعلام هادف ناجح، وعندها فقط يحق لنا أن نفخر بإعلام ننسبه إلينا فيحسب لنا لا علينا. لقد كرس أولئك الجاثمون على أجهزة الاستقبال والإرسال في إعلامنا –وما يزالون- في أذهان شبابنا إننا شعب هامشي فإذا ما وردت كلمات مثل العالمية أو العالمي تنامت إلى عقولهم دول أوروبا أو أمريكا بالذات وتناسوا الرقعة الجغرافية التي تضمهم وسط أقدم قارات العالم وأعرقها تاريخا وحضارة في آسيا وإفريقيا.

بسهولة غير محتملة يقع الإعلام العربي فريسة أية دعاية إسرائيلية مهما كانت شفافة، وهنا يقول الدكتور عزمي بشارة" فبمجرد أن تنشر "يديعوت أحرونوت" أو "معاريف" أو "هآرتس" أو غيرها خبراً، فإن ذلك يعتبر سبباً كافياً كي ينتشر عربياً مثل النار في الهشيم.

 

جونستون يكفي للحكم على إعلامنا:

في المقابل لقد غدا جونستون على مدى الأشهر الماضية أشهر من نار على علم بعد أن تصدّر المؤتمرات الصحفية وعناوين الأخبار في الصحف والفضائيات العربية بمناسبة ومن دون مناسبة، مع العلم أنه ليس من صحفيي الصف الأول في الإعلام البريطاني . مع ذلك فقد جعل منه إعلامنا العربي "الإنساني" لناس وناس "سوبر ستار" يُمد له السجاد الأحمر، ويتسابق القادة الفلسطينيون على التقاط الصور مع "فخامته" وهم يبتسمون للكاميرات ابتسامات أعرض من أوتستراد لندن - مانشتسر، لا لشيء إلا لأنه صحفي "خواجه" تجري في عروقه دماء غير عربية.

لا أدري لماذا تصبح وسائل إعلامنا وقياداتنا السياسية "إنسانية وحضارية" للغاية عندما يتعلق الأمر بإنقاذ مُختـَطف غربي، فتعلن فضائياتنا ومجلاتنا وصحفنا وإذاعاتنا التعبئة الإعلامية العامة ليصبح خبر الاختطاف عنواناً رئيسياً في نشراتنا الإخبارية يتقدم على استشهاد أكثر من مائة عراقي وجرح عشرات الفلسطينيين وإبادة مئات الصوماليين، كما لو أنه "سوبرمان" ونحن مجرد حشرات جديرة فقط بالمبيدات والغوانتاناموات الأمريكية والإسرائيلية التي تحتجز ألوف من الأسرى الفلسطينيين في زنازينها الفاشية، ولا أحد ينادي بتحريرهم بنفس الحماسة التي رافقت تحرير جونستون

لقد بدا رئيس الوزراء الفلسطيني السابق إسماعيل هنية وكأنه أنجز أكبر مشروع في حياته وهو في حضرة الصحفي البريطاني على مائدة الفطور. لا أدري كيف أصبح الرأي العام العالمي أو الغربي يهم حركة حماس فجأة؟ ففي السابق كان قياديو الحركة يسخرون من الرأي العام العالمي، ولا يعيرونه أي اهتمام بدعوى أنه لا يقدم ولا يؤخر، فلماذا غدا مهماً لهم على حين غرة؟ آه كم بدا هنية وعباس صغيرين وهما يتملقان للصحفي البريطاني أمام الكاميرات..!(25)

 

حلول شمولية:

إن الحكومات مطالبة بدور جدي في مسألة التبعية الإعلامية لأنها طرف رئيس، وإن عدم مسارعتها للعب دور إيجابي سينعكس سلباً بالتأكيد على مصالحها فيما بعد، فنحن بحاجة ماسة إلى استثمار المال العربي في بناء منظومة إعلامية متكاملة تنطق باللسان العربي المبين خارج إطار اللهجات المحلية التي كان تأسيسها في الإعلام

 

كما يعد أحد أهم وسائل إنهاء شخصية الأمة وإقصاء الهوية القومية العربية المجتمعة حول اللغة الجامعة بين أبنائها وتاريخها وحضاراتها، لذلك لابد من رفد الإعلام المقاوم بمنابر إعلامية من خلال صحف قومية ومحطات إذاعية وتلفزة الفضائيات.. ورفد هذا الإعلام بأقلام قومية مخلصة تنظف وتكتسح الأقلام المستوردة والمدربة في

الغرب على البث الدعائي ضد الأمة العربية وشخصيتها القومية.. وهنا يبرز دور أصحاب الأموال من تجارٍ وغيره، ويبرز دور الإعلاميين والمثقفين وعلماء الدين، ودور الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني بكل فئاته ومؤسساته.

ونظرا لأهمية الإعلام ودوره في المرحلة الراهنة يجب تعاون العرب في هذا المجال وتحديد أولويات العمل الإعلامي وتحديد منظور عربي مشترك من جميع القضايا منها:

- يجب تفعيل التعاون الإعلامي العربي في مجال استغلال المعلومات العلمية والتكنولوجية المتاحة لوسائل الإعلام وتشجيع سياسة المشاركة في الموارد والمعلومات

- يجب تطوير اللغة الإعلامية المستخدمة بلغة جديدة سهلة سلسة مفهومة تمييز بين المشاهدين وأعمارهم

- يجب توسيع مجالات الإعلام ليخاطب العرب في بلدان الاغتراب برسالة مفهومة تشدهم آلي بلدانهم ويتبنوا قضاياها بدلا من ترك المغتربين لايد عابثة

- أعداد مسوح ميدانية ودراسات علمية وبحوث جادة قبل بناء البرامج والسياسات الإعلامية

- كسر احتكار وسائل الإعلام بكل إشكالها

- إخراج وجود الوكالة العربية للأنباء والهيئة التلفزيونية العربية التي اقترحناها في متن البحث

- إصدار صحف يومية عربية لاتقل عن ثلاث صحف الأولى بالانكليزية والثانية بالفرنسية والثالثة بالاسبانية وتوزيعها في العالم وبلاد الاغتراب

- إعداد دراسات عن صورة العرب في العالم والعمل لمحو الصور السوداء والسيئة(26)

أخيراً : إن دور الدولة الوطنية وتحكمها في الإعلام وكل تبعاته قد تلاشى تماماً في بيئة لا نملك فيها أبسط آليات الصد والدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا في الوقت الذي يزدادا فيه "الآخر القوي" قوة أمام عدم تواجد تخطيط إعلامي جدي في وطننا العربي.

 

خاتمة/

إننا نمر في مرحلة صعبة جداً فهناك عملية منهجية لتغيير قناعاتنا وأولوياتنا وثقافاتنا عبر عملية ضخ لا تتوقف فنحن العرب نمتلك من قنوات الأغاني والترفيه ما يفوق عدد مثيلاتها في أوربا مجتمعة وماذا تقدم هذه القنوات سوى السخافة وإلهاء الناس بأخبار ما يسمى نجوم الفن الهابط طبعاً، في وقت للأسف لا نملك إعلاماً بل نملك إعلاميين يعملون تحت إمرة جهات معينة سواء داخلية أو خارجية،  وفي خضم هذه البهرجة الغربية التي تحدثنا بها سلفاً نجد معظم النخب المثقفة في بلدان العالم الثالث تتشبث بالإنجاد والأوتاد بالتجربة الغربية وبإستراتيجيتها الحداثية المبنية على منطق وحشية الرأس مال، بل تعمل على استلهامها وزرع كيانها داخل تراب أوطاننا وأراضينا وواقعنا، وبالتالي تكريس ثقافة التبعية للغرب وتسليمه مصيرنا وأوراق اعتمادنا له باعتباره الوكيل الذي يملك المفاتيح التي ستخرجنا من غيابات التخلف واللا استقرار، غافلين غير شاعرين بمسؤولية هذا الملاك الوهمي عن هذا التخلف وحالة البطالة والعطالة التي نتكبد خسائرها يوما بعد يوم، وما انغماسنا في نظمه الثقافية والاقتصادية إلا تعميق للأزمة المعاشة وتكريس لمنطق الهزيمة التي يريدها لنا الغرب.

 فانصراف النخب للانبهار بالغرب والانشغال بالجدل اللفظي والحوار العقيم، بدل أداء دورها التحسيسي والتوعوي بالأخطار الحقيقية التي تصدر عنه، يجعلها نخبة عميلة ومستلبة تضر ثقافات وحضارات وقيم بلدانها أكثر مما تنفعها، وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع استنتاج: أنه هناك سيل جارف باتجاهين من المعلومات يجري بين شمال القارة الأمريكية والقارة الأوربية دون عوائق، وهناك تدفق إعلامي باتجاه واحد، يتركز من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك، ويظهر بوضوح عدم التوازن بإنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في الوقت نفسه الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي.

لذلك يجب الاعتراف بأننا نعيش حالة من غزو الثقافات والخصوصيات وهذا ما أكدته أطروحات غربية عديدة"كصراع الحضارات لهنغتنتون"، و"نهاية التاريخ لفوكويام" وغيرها من الأطروحات، لذلك يجب أن يكون هناك تعاون بين أبناء الأمة في أوطانها العديدة وتكاتفهم ضرورة واقعية- فضلاً عن كونها فريضة شرعية- وعصر اليوم عصر التكتلات في الميادين المختلفة وقَدَر هذه الأمة أن تعتمد- بعد الله- على وحدة مشاعرها واتحاد جهودها لبلورة صيغة عملية لتعاون إعلامي عربي وإسلامي حتى تستطيع أن تقف على قدميها وتدعم قضاياه المصيرية وفي مقدمتها المقاومة التي أدت فعالياتها إلى إحداث تغيير في الخطاب الإعلامي العربي، بحيث ساهمت في أن يكون له هوية وهدف.. فهل يرد الإعلام العربي هذا الدور الرسالي فيما يتعلق باستنهاض الأمة بتأكيد فريضة الجهاد التي يقوم بها المجاهدون العرب والمسلمين على اعتبار أنها من أهم الآليات للإقلاع من واقع الجمود والتخلف إلى واقع جديد تستأنف فيه أمتنا الرسالة الموكولة إليها لأننا بحاجة إلى إعلام حضاري ممنهج يرتكز على استراتيجيات واضحة وذات أهداف نبيلة ورسالة سامية.

مصادر ومراجع:

1- عبد الواحد مشعل : "الجهاز المرئي والتنشئة الاجتماعية في الأسرة العربية المعاصرة" ، مجلة البحوث الإعلامية عدد مزدوج (27 ، 28 ) السنة العاشرة ، 2004 ق ص 38.

2- عثمان الأخضر العربي: ص 82 – 84، "النظريات الإعلامية المعيارية ماذا بعد نظريات الصحافة الأربع حوليات كلية الآداب الحولية 16" ، أو من رسالة 112 ( الكويت مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت 1996)، ص 38 – 39 .

3- نفس المرجع ص 83 .

4 - عواطف عبد الرحمن الحق:  " الاتصال بين الجمهور والقائمين بالاتصال"،  ص 34

5- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مقال بعنوان "الإعلام العربي بين غياب الديمقراطية والتبعية الغربية"، مجلة الفوانيس، نقلاً عن شبكة الانترنت.

6-        د . عواطف عبد الرحمن:  " قضايا إعلامية معاصرة في الوطن العربي" ( القاهرة دار الفكر العربي ) 1997ف ص 24 -27 .

7- عز الدين اللواج : " المبتسرون نظرة في ظاهرة العنف الثقافي"  الملف الثقافي لجريدة العرب العالمية الصادرة بلندن العدد 3993 الخميس 26/8 /2004 ف ص 9 .

8- د . عواطف عبد الرحمن: ، مرجع سبق ذكره ص 34 .

9- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مقال بعنوان "الإعلام العربي بين غياب الديمقراطية والتبعية الغربية"، مجلة الفوانيس، نقلاً عن شبكة الانترنت.

10-      ورقة عمل "مؤتمر الإعلاميات العربيات 2002" نقلاً عن شبكة الانترنت.

11-      د. محمد بن عبدالله العوين: "قناة الجزيرة من المهنية العالية إلى الارتماء في أحضان التيارات السياسية والحزبية" مقال نقلاً عن شبكة الانترنت.

12- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مرجع سابق.

13- قضايا عربية الأهالي: - الرأي - هل الإعلام العربي قادر على حماية الثقافة.

14- جمان مجلي: "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مؤتمر الإعلاميات العربيات الثاني، الأردن ، 2002 /10/24 نقلاً عن موقع من الانترنت.

15-      جمان مجلي: "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مرجع سابق.

16- مجلة (وجهات نظر) العدد 53، يونيو 2003م، ص 30

17- حمدي عبدالعزيز: "التيارات السياسية والفكرية الأمريكية"، بحث غير منشور، ص 18.

18- محمد بن المختار الشنقيطي: "الحقوق المدنية في أمريكا بعد 11 سبتمبر" نقلاً عن :aljazeera.net

19- علاء بيومي: "مسلمو الولايات المتحدة وآثار سبتمبر" نقلاً عن: http://www.aljazeera.net/

20- د. مروان قبلان "الإعلام بين المهنية والتبعية" نص مداخلة تم الحصول عليها من موقع الكتروني

21- د عبد الرحمن الرشدان: "دور التربية في مواجهة تحديات العولمة في الوطن العربي" مجلة شؤون عربية العدد 113 خريف 2003، ص 84 .

22- الأمين العام المساعد في مؤسسة الفكر العربي: "إعلامنا يستورد فقط ما يلبي الشهوات".

23- علي موسى لـ الشرق الأوسط: "الإعلام العربي بحاجة لمرجعية تشريعية"، الأحد 03 ذو القعـدة 1426 هـ 4 ديسمبر 2005 العدد 9868

24- الدكتور محمد سعيد إبراهيم: "حرية الصحافة" ، ص 68

25-      د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مرجع سابق.

26- ورقة عمل "مؤتمر الإعلاميات العربيات 2002" مرجع سابق

ــــــــــ

باحث وكاتب إعلامي فلسطيني غزة 2008م

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ