ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 08/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


منهجية التعامل مع السنة النبوية

 -3-

د. محمد سعيد حوى

القاعدة الثانية:.

وجوب التحري الدقيق في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:.

اذ تقرر فيما سبق وجوب الاخذ بالسنة وثبوت حجيتها فلا بد من التأكيد هنا انه لا بد من التحري الدقيق الشديد والبحث المتقن فيما يقبل من الرواية وينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد شُغف اناس بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة في الاكثار من الغرائب وحرصوا في ظنهم – حباً لرسول الله ونشراً لسنته على تصحيح كثير من الروايات بمناهج تتسم بالترقيع او التساهل او الاغضاء عن بعض مكامن الخلل في الرواية – فغفلوا بذلك عما هو اهم واوجب وهو عدم جواز نسبة كلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم نتحقق منه بما يشبه اليقين وفق قواعد النقد الحديثي الدقيق.

لقد ظن بعضهم ان كثرة الرواية والاكثار من تصحيح الحديث خير للسنة وللأمة, حتى وجدنا بعض اهل العلم اذا ناقش حديثاً مشكلاً ثم ترجح لديه صحته بناء على منهج الترقيع يقول بعد ذلك صح الحديث والحمد لله فنقول لهؤلاء ليس المهم الاكثار مما ينسب لرسول الله بل ماذا ينسب وماذا ثبت حقاً.

بل القليل الثابت حقاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل به ويطبق بدقة خير من كثير فيه دخن او خلل ولعل الامامين البخاري ومسلم واجها مثل هذه المشكلة – الرغبة في الاكثار من الرواية – فقاما بجهدهما العظيم فانتقيا من الاف الروايات عدداً محدوداً جداً (بلغ عند البخاري 2600 حديث) وعن مسلم (3033) حديثاً واتفقا على 1906) احاديث.

والامام مسلم نص على هذه القضية صراحة في مقدمة صحيحه اذ يقول:.

"ضبط القليل من هذا الشأن واتقانه, ايسر على المرء من معالجة الكثير منه, ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام.. فالقصد منه الى الصحيح القليل اولى بهم من ازدياد السقيم.." صحيح مسلم 1/4.

نعم لم يقصد الشيخان الى حصر الصحيح لكن قدما انموذجاً متقدماً في وجوب التحري وشدة الانتقاء وان الامر ليس بالكثرة.

انه اذن لا بد من التحري والتدقيق في الرواية فلا يقبل الا حديث صحيح صحيح, سلم من كل شذوذ او علة او خطأ ظاهر او خفي في الرواية, وتحقق في جميع رواته صفات الوثاقة (الضبط التام والعدالة) ولم يطرأ أي خلل في الاتصال وهذه قضايا دقيقة في علم نقد الحديث النبوي يدركها اهل الاختصاص.

 

النبي صلى الله عليه وسلم يحذر.

لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نحدث عنه الا بما نعلم صحته واكد ذلك صلى الله عليه وسلم في جملة من النصوص ومن ذلك:.

1-        عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان كذباً عليّ ليس ككذب على احد, فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".. مسلم رقم 4.

2-        وعن ابي هريرة وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كفى بالمرء كذباً ان يحدث بكل ما سمع".

ولذا, قال الامام مالك رحمه الله: "اعلم انه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع, ولا يكون اماماً ابداً وهو يحدث بكل ما سمع" (مقدمة صحيح مسلم 1/11).

ومثله عن الامام عبدالرحمن بن مهدي اذ يقول: "لا يكون الرجل اماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما يسمع" (السابق 1/11).

فاذا كان هذا الحذر مطلوباً في عامة القول والكلام, فكيف اذا كان الامر متعلقاً بما ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا شك ان الحذر اشد.

ولذا وجدنا العلماء السابقين شديدي الحذر فيما يروون حتى اذا شك احدهم في حديث ترك روايته ومن امثلة ذلك ما رواه الاوزاعي اذ قال في حق حديث النهي عن صيام يوم السبت: "ما زلت كاتما له حتى انتشر"  أي انه كان لا يراه صحيحا فامتنع عن روايته.

4- وعن علي رضي الله عنه قال سمعت النبي يخطب فقال" "لا تكذبوا علي فانه من يكذب علي يلجّ النار" اخرجه البخاري ومسلم.

وقد يقول قائل ان كثيرين لا يقصدون الكذب على رسول الله ولكن يظنون ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول ان مجرد الظن لا يغني من الحق شيئا.

الا ترى الى قوله تعالى "وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً: النجم 28 نعم, اتفق العلماء ان غلبة الظن مع السلامة من أي نقد او خلل او دليل على الخطأ يكفي لقبول رواية الراوي ومن ثم قبلوا رواية الاحاد.

لكن المشكلة اننا وان قبلنا رواية الاحاد نلاحظ في كثير من الاحايين تساهلا او تجاوزا او اغضاء عن بعض قواعد النقد مما يجعلنا واقعين في حيز الظن المحذر منه, حتى لو لم نرد ذلك فلئن نخطئ في رد حديث عن رسول الله خير من ان نقبل حديثا فيه شك او ظن او خلل ما.

لقد استشعر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطورة الامر

قال الامام البغوي: كره قوم من الصحابة والتابعين اكثار الحديث عن النبي خوفا من الزيادة والنقصان والغلط فيه. حتى ان من التابعين من كان يهاب المرفوع, فيوقفه على الصحابي, ويقول: الكذب عليه اهون من الكذب على رسول الله ومنهم من يسند الحديث حتى اذا بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم (سكت عن ذكر اسم رسول الله) ومنهم من يقول: يرفعه... وكل ذلك هيبة للحديث عن رسول الله وخوفا من الوعيد (شرح السنة 1/255).

ولنا عودة الى موضوع تحري الصحابة.

للحديث عن رسول الله نور لا تخطؤه عين العلماء المحققون:.

وفي سياق تحذير النبي صلى الله عليه وسلم ان ينسب له ما لم يقل روى الامام احمد (3/497) عن ابي حميد وابي اسيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له اشعاركم وابشاركم, وترون انه منكم قريب, فأنا اولاكم به, واذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم, وتنفر اشعاركم وابشاركم منه, وترون انه منكم بعيد فأنا ابعدكم منه" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/149): رجاله رجال الصحيح.

 

كيف نفهم هذا الحديث:.

وهنا لا بد من وقفة مهمة, اذ لا ينبغي ان يفهم من هذا الحديث ان نقد الحديث يعود لمجرد الذوق او المشاعر الخاصة او لمجرد الرأي بل بين العماء قواعد دقيقة لنقد الحديث تقوم على اسس علمية وضوابط شرعية متينة. الا ان مما يشير اليه الحديث انه لا يصدر عن رسول الله الا كل حق وخير, تألفه القلوب المؤمنة ويأتي متسقاً مؤتلفاً مع كتاب الله سبحانه فاذا بلغنا عن رسول الله قول ووجدناه مخالفاً لما عُرف شرعاً او مخالفاً للنصوص الثابتة وعندها لن تقبله القلوب المؤمنة العارفة بالله وشرعه, فان ذلك مما يكون دليلاً على ان هذا القول لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجوب التحري منهج قرآني رباني:.

وبعد ان اوردت ما سبق من توجيهات نبوية في وجوب التحري في الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فانما بدأت به لأنها تحدثت عن حديثه صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص.

والا فان وجوب التحري في كل شيء هو منهج قرآني وامر رباني.

ومن هنا, كان قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" الحجرات.

وكذا قوله تعالى "ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" الاسراء.

فاذا كان هذا هو الواجب الدائم في كل شأن الانسان, فكيف اذا كان الامر متعلقاً فيما ينسب الى رسول الله.

لقد كان من توجيهات القرآن: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم" الحجرات.

فاذا كان بعض الظن اثم يجعلك تجتنب كل الظن في علاقاتك الخلقية والمسلكية مع عامة الخلق فان هذا يؤسس لقضية الحذر الشديد في التعامل مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ان ننسب له ما لم يقله بدقة, ولقد ضرب الصحابة النموذج الاروع والارقى في دقة وشدة التحري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا ما سنراه ان شاء الله..

يتبع..

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ