ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 08/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دراسة حول أهمية النفط 

في صياغة الأمن القومي الأمريكي

سني محمد أمين*

إن تحليل عملية صياغة الأمن القومي الأمريكي توصل الباحث أنه من الناحية الفعلية والعملية يشارك في صياغة وثيقة الأمن القومي العديد من فئات وشرائح المجتمع الأمريكي،بدءا من السلطتين التنفيذية والتشريعية مرورا بالفئات الأكاديمية والإعلامية،والمجمع الصناعي العسكري،وانتهاء بالنخبة الإستراتيجية في وزارة الدفاع "البنتاغون".وهذا ما يعكس عملية تجنيد طاقات وخبرات هائلة في رسم السياسات العامة الإستراتيجية التي تتطلب إحاطة شاملة لكافة المسائل، نظرا لتشابك وتوسع المصالح الأمريكية على الصعيد العالمي.

ولتنوع المصالح الأمريكية وانتشارها في العالم،يحتم عليها وضع خطط إستراتيجية شاملة،تؤمن من خلالها ضمان واستمرارية مصالحها في الخارج،خاصة المصالح الحيوية منها، وعلى رأس هذه المصالح النفط كأكبر داعم لتحقيق الأمن الطاقوي الأمريكي،وكأحد أحد أهم ركائز الأمن القومي الأمريكي.

ونظرا لمكانة النفط كأهم مصدر للطاقة الأمريكية والعالمية كذلك،مع استمرار تراجع الاحتياطي النفطي لدى العديد من الدول الصناعية  الكبرى،وانحصاره في مناطق محددة في العالم وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، حسب رأي العديد من المختصين. وهنا بيت القصيد في الإستراتيجية الأمريكية، إذ أن عصب الحياة فيها هو الطاقة ، ولتأمين ذلك يستلزم المزيد من  الحماية للمصالح الحيوية التي عرفها مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية في عام 1998 بأنها مصالح "ذات الأهمية الواسعة، الطاغية بالنسبة لبقاء وسلامة وحيوية أمتنا"(1) نفس الشيء الذي ذهب إليه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" حيث يرى أن العالم يشهد منذ فترة عملية إعادة تركيب للخريطة الجيوإستراتيجية، وأن هناك احتمالات ومخاطر لصدامات عسكرية ومنافسات عنيفة على الموارد(2).

إن هذه الصياغة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية قد حكمت التخطيط العسكري والإستراتيجي الأمريكي منذ وقت بعيد. فبعد الحرب العالمية الثانية وبروز النفط كمورد أساسي للطاقة، وللمرة الأولى بدأت الولايات المتحدة تتلقى إمدادات هامة من النفط من خارج البلاد وخوفا من أن يسعى الإتحاد السوفياتي السيطرة على منطقة الخليج – التي أخذت تصبح بسرعة المصدر الرئيسي لواردات النفط الغربية- أنشأت واشنطن وجودا عسكريا متواضعا في المنطقة وسعت إلى دمج كل من إيران، العراق، المملكة العربية السعودية، والدول الأخرى المنتجة للنفط في التحالف الغربي.

وكان ذلك من خلال "مبدأ ترومان" أو ما يعرف بـ "عقيدة ترومان"(3) وهو بيان أعلنه الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" (Harry S . Truman) في عام 1947 يلزم فيه الولايات المتحدة تحمل مسؤوليات سياسية وأمنية مباشرة في الشرق الأوسط تحفظ  بها مصالحها النفطية. وتنفيذا لهذا المبدأ ربطت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها لدول المنطقة بالتزام هذه الدول بإستراتيجيتها العامة  المعادية لسياسة التوسع السوفياتي.

وجاء هذا المبدأ كرد على سياسة التدخل السوفياتي في إيران وتركيا واليونان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف الحصول على امتيازات نفطية واقتصادية، واعتبر الأمريكيون هذه الخطوة تهديدا لأمنهم القومي، وقد أوضح وزير الخارجية في عهد ترومان أمام لجنة العلاقات الخارجية: "أنه في حال سيطر الإتحاد السوفياتي على اليونان وتركيا، فإن بقية الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط سوف تسقط أيضا. وسوف تخسر الولايات المتحدة الدخول عبر خطوط النقل والمواصلات الإستراتيجية كما ستخسر مصادر البترول  الذي يشكل أهمية حيوية بالنسبة لأوربا"(4)

وقد دفع الضعف العسكري الذي أصيبت به بريطانيا وفرنسا ، بالإضافة إلى الضعف الاقتصادي في تلك الفترة، إلى تسليم شعلة الشرق الأوسط للولايات المتحدة. وكانت واشنطن تأمل بأن تمسك شركاتها النفطية بأسواق الخليج النفطية التي يسيطر عليها البريطانيون، وتأمل أيضا بأن تساعدها صورتها  المعادية للاستعمار للحلول محل  القوتين الاستعماريتين السابقتين، بريطانيا وفرنسا لتكون اللاعب  الرئيسي الوحيد في المنطقة.

وفي هذا السياق كذلك جاء مبدأ إيزنهاور(5) في عام 1957، والذي ألزم الولايات المتحدة بالدفاع عن بلدان الشرق الأوسط ضد التهديدات الخارجية والإقليمية المتطرفة (الشيوعية). ومما لا شك فيه أن هذا المبدأ كان في أحد جوانبه المهمة يمثل محاولة لدعم الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالحها النفطية في المنطقة عقب فشل حلف بغداد والهزيمة السياسية للحلفاء في حرب السويس 1956. وبعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958. وقيام الثورة في العراق، وإعلان هاته  الدول الثلاث العداء للولايات المتحدة. كل هاته الأحداث المتسارعة جعلت من نفط المنطقة مهددا ما دفع بأمريكا إلى تشكيل منظمة المعاهدة المركزية (CENTO)(¯) في بداية الستينات(6)، بهدف حماية مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية اللتين تركزتا على النفط.

بعد ذلك جاءت حرب أكتوبر 1973، وما رافقها من حظر للنفط العربي، بسبب قرار الرئيس الأمريكي نيكسون بإقامة جسر جوي هائل من الأسلحة مع إسرائيل، إضافة إلى طلبه مبالغ كمساعدة طارئة لإسرائيل(7)، لكن رغم تراجع هذه الأزمة مع بداية مارس 1974 إلا أنها تركت أثرا عميقا دائما على الصلة بين النفط والأمن القومي الأمريكي، ولجميع القوى المصنعة الكبرى.

وكانت البداية الفعلية لهذا التأثير في عهد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر (Jimmy Carter) ، الذي شهدت رئاسته تقلبات عنيفة في أسعار البترول وامداداته، خاصة بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 م، التي عرفت باسم "صدمة النفط الكبرى الثانية "(8) . حيث انعكست على إدارة الرئيس الأمريكي كارتر والذي اعتبر امداد الولايات المتحدة الأمريكية بالطاقة يمر بأزمة، وهدد باستعمال القوة ضد أي خصم قد يسعى إلى إعاقة تدفق النفط من منطقة الخليج في 23 أكتوبر 1980. حيث صرح قائلا: "ليكن موقفنا واضحا، إن أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي، ستعتبر تهديدا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وستستخدم كل الوسائل الضرورية للرد عليها، بما في ذلك القوة العسكرية"(9).

وقد أخضع هذا المبدأ لعدة تجارب، فخلال الحرب الإيرانية – العراقية (1980-1988) ،عندما صعد الإيرانيون هجماتهم على شحن النفط في الخليج، لمعاقبة الكويت والعربية السعودية بسبب دعمهما المالي للعراق، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على رفع الأعلام الأمريكية على ناقلات النفط الكويتية وتزويدها بمواكبة بحرية أمريكية(10).

كما شكلت الأحداث في عهد الرئيس جورج بوش الأب منعطفا في هذا الصدد إثر غزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت، ورأت إدارة بوش في الخطوة تهديدا للأمن القومي الأمريكي خوفا من استقواء العراق، وبروزه كقوة إقليمية تتحكم في القرار النفطي في منطقة الشرق الأوسط مما سيكون له انعكاسات على إمدادات وأسعار النفط في المستقبل لأن منطقة الخليج العربي هي خزان الوقود الأساسي للعالم، وبعد ستة أسابيع من بدئها انتهت عملية عاصفة الصحراء(11)، وهي العملية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في شكل تحالف دولي لتحرير الكويت 1991.ومنذ انتهاء عاصفة الصحراء ، والقادة الأمريكيون يؤكدون على أهمية شحنات النفط التي لا تنقطع بالنسبة لعافية واستقرار الاقتصاد  العالمي، وتغيير الحال في عهدي الرئيس بيل كلينتون وجورج بوش الابن بأن تحول الأمر إلى اعتبار المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى وبحر قزوين حتى بحر العرب جنوبا والأناضول والبحر المتوسط غربا والصين شرقا، وروسيا شمالا، منطقة حيوية ، كما أن أي تغيير في الهيكل الجيوسياسي في المنطقة  سيعتبر وفقا للمنطق الأمريكي خطرا على الاستقرار العالمي ومنه على الأمن والسلم  الدوليين، وفي هذا الإطار صرح  الجنرال "ج . هـ . بينفورد". (J.H.Binford Peay III) القائد العام للقيادة المركزية الأمريكية CENTCOM، في عام 1997: "إن التدفق اللامحدود لموارد البترول من دول الخليج الصديقة إلى المصافي ومرافق المعالجة حول العالم هو الذي يحرك الآلة الاقتصادية العالمية"(12). وانسجاما مع هذه الرؤية زادت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها في منطقة الخليج واتخذت خطوات أخرى لحماية القوى  الصديقة في المنطقة. وقال الرئيس كلينتون أثناء لقاء في البيت الأبيض مع حيدر علييف رئيس أذربيجان"لا نأمل فقط بمساعدة آذربيجان على الازدهار،بل نأمل أيضا في تنويع مصادر طاقتنا وتقوية أمن أمتنا".ونفس الإدراك ذهب إليه "جوزيف ناي" ، أحد أركان إدارة الرئيس كلينتون أن بلاده لن تتردد باستخدام القوة العسكرية في منطقة الخليج، وسوف تفعل ذلك إن اقتضى الأمر، إذا تعرضت المصالح الأمريكية للخطر على أي شكل من الأشكال(13). وفي الوقت نفسه، عززت واشنطن من قدرتها على التدخل في منطقة بحر قزوين، وفي مناطـق أخرى تضم إمدادات كبيرة من النفط بما في ذلك القرن الإفريقي، من خلال نشر القواعد العسكرية في المناطق الحساسية في كل من جيبوتي، الصومال (قاعدة بربره)(14)، كينيا.

وبعد الوصول الحزب الجمهوري للحكم في عام 2000 وانتخاب  الرئيس جورج ولكر بوش رئيسا للبلاد، أجرت الإدارة الجديدة عملية تعديل لبعض عناصر إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، لاسيما القوات العسكرية من حيث الهيكل والحجم والتسلح، مع التركيز على محاولة إقامة هيكل جديد للقوة العسكرية بما يتوافق مع طبيعة عصر المعلومات في أوائل القرن الواحد والعشرين. وكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 فرصة للولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ خطة إستراتيجية تضمن من خلالها تحقيق وجود عسكري أكبر في المناطق النفطية. ووفقا لذلك فإن الولايات  المتحدة تعيد ترتيب وهيكلة مناطق مختلفة من العالم على  قاعدة "تدفق إمدادات النفط والغاز" ، وذلك باستخدام آلتها  العسكرية، خاصة أن الإنفاق العسكري الأمريكي هو الأول في العالم. وهذا ما جعل الإدارة الحالية تبني إستراتيجية جديدة تتسم بالعدوانية وتهدف للتحكم والسيطرة على أماكن وجود النفط، و تصر على غزو العراق الذي يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية. ومن المثير أن خريطة الإرهاب والدول المارقة هي ذات الخريطة الرئيسية للمناطق الحيوية بالنفط والغاز(15)، سواءا في الشرق الأوسط أو أوراسيا أو القرن الإفريقي. ومن خلال هذا فإن الأمن القومي الأمريكي بعد 11/09/2001 مزج بين الإرهاب كمتغير تابع، والنفط كمتغير مستقل. ومعادلة الأمن والطاقة في الإستراتيجية الأمريكية ضرورية لتحقيق الأمن القومي والتفوق العالمي.

--------------------------

(1) مايكل كلير،"الحروب على الموارد: الجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية"،تر: عدنان حسن، بيروت: دار الكتاب  العربي، 2002، ص36.

(2) عمرو كمال حمودة، "النفط في السياسة الخارجية الأمريكية"، مجلة السياسة الدولية، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية ، العدد 164، أفريل 2006، ص54.

(3)  Daniel Yergin, "The Prize: the epic Questfor Oil", New York: Simon and Schuster, 1991, P588.

(4توماس أ،"العلاقات الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط(1784-1975)"،ترجمة دار الطلال،دمشق،1985 ،ص327.

(5) ليون هادار ، "عاصفة الصحراء: فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط"، تر: سعيد الحسينة، بيروت: الدار العربية للعلوم، ط(1)، 2005،ص175.

(¯) المعاهدة المركزية (CENTO) هي المعاهدة التي أنشأتها الولايات المتحدة كبديل لحلف بغداد بعد انهياره وذلك  من أجل الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط وقاعدتها الأساسية تركيا وإيران وباكستان.

(6) حافظ برجاس، "الصراع الدولي على النفط العربي"، بيروت: دار بيسان، 2000،،ص225.

(7) فواز جرجس، "السياسة الأمريكية تجاه العرب: كيف تصنع؟ ومن يصنعها" ، مرجع سبق ذكره، ص150.

(8) مايكل كلير، مرجع سبق ذكره، ص40.

(9) حافظ برجاس،مرجع سبق ذكره،ص277.

(10) نقلا من خطاب جورج ولكر بوش، في أوت 2000، من الموقع الإلكتروني لجريدة نيويورك تايمز.

(11) "مذكرات جيمس بيكر: سياسة الدبلوماسية" ، تر:مجدي شرشر، القاهرة: مكتبة مدبولي ،ط(1)،1999، ص599.

(12)  U-S Department of state . "Caspian Region Energy Development Report".washington, 1998. P03.

(13) ديفيد هارفي،مرجع سبق ذكره، ص31.

(14) عمرو كمال حمودة، مرجع سبق ذكره، ص53.

(15) أمين هويدي، "تغيرات في مفاهيم الأمن القومي"، جريدة الأهرام، 17 جانفي 2006.

ـــــــــــــ

*دراسات عليا / معهد البحوث و الدراسات العربية - القاهرة

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ