ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 08/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

سورية وتسونامي الثورات الشعبية المباركة

سورية ليست عصيّة على التغيير

الدكتور ميشيل سطوف

" نهاية عهد "

قد يبدو نشازاً الحديث هذه الأيام عن الغد في سورية في حمأة الانتفاضات الشعبية المتعاظمة والمتلاحقة في عديد الساحات العربية من مغربها إلى مشرقها – أكانت جمهوريات مزيفة أم ملكيات ، بترولية كانت أم لا ، قريبة من فلسطين أم بعيدة ..- ، وهي تشدّ عيون واهتمامات العالم ..

وقد يبدو التغيير المنشود مبكراً – في رأي البعض - أو ضرباً من الأماني في تقديرات بعض آخر ، نظراً لما هو سائد على السطح من معطيات متداولة حول سطوة الاستبداد الشامل والمديد من جهة، ونتيجته في إفقار البلاد من قواها الحيّة ، قتلاً وفتكاً وسجناً ونفياً ، ومن فاعلية شبابها على مدى أجيال تقارب ثلثي تاريخ سورية الحديث ، تضليلاً وتهميشاً وترويعاً واستلاباً، من جهة ثانية، وغلق جميع الهوامش والمنافذ على أي حراك، أو حرّيات بالحد الأدنى، من جهة ثالثة ..

لكنّها سورية.. بموقعها وتاريخها والمعروف عن شعبها ، لا يمكن لها أن تبقى معزولة عن هذا التسونامي التحرري في عموم المنطقة ، والذي لاشكّ أنّه تأخر بعض الوقت عن ركب المتغيرات العالمية ، ناهينا عن أنّ منطق التاريخ وجدله لا يسمح أكثر بهكذا " موات ظاهري " .. فسورية تبقى واحداً من أهم المفاتيح في المنطقة عربياً وإقليمياً .. والشباب هو الشباب ، مخزن الحيوية وكمون الانتفاضة والتغيير مهما خضع للاستلاب، والحصار، والتخويف ..

هكذا ، لا يجوز أن نتصور – مثلما يتوهم أو يتظاهر سادة ورموز الاستبداد - أنّ سورية ستبقى عصيّة أمام عوامل الثورة والتغيير الديمقراطي ، سواء بفعل هذه المتغيرات العاصفة أم بفعل تراكم عوامل التفجّر الداخلي وتراكم التضحيات ، وما أكثرها بعد أربعة عقود من الاستبداد والفساد والتوريث والهوان..

لا شكّ أنّ هناك نقاط اشتراك وتشابه عديدة بين مختلف الساحات العربية ، من كوكتيل التسلط والاستبداد والفساد والتخلف وتهميش الشباب، وتغييب الشعب والتعالي عليه ..كما أنّ لكل منها ميزات خاصة تتعلق بطبيعة وسيرورة المجتمع ذاته كما بتاريخ وقبضة الاستبداد القائم، ومحتوياته وركائزه، وخلفياته الداعمة لديمومته ..

 لنا هنا أن نختار أهمها فيما يعني سورية :

فهي بلد التوريث ( الجمهوري ) الأول ( والأخير ) حيث يبدو قطار التوريث الموعود يقفل سكته المعطّلة ليعود إلى محطته سورية وهو يحمل نعشه.

وهي البلد الذي يتفاعل دائماً مع أوضاع القطر العربي الكبير ( مصر ) في كل المحطات والمنعطفات ، باتجاه كما بآخر .. ،

وتسلط نظامها الأسدي أكثر ما يشابه ويواكب نظام - الصرعة القذافي في ليبيا - رغم ما به من تشابهات مع أنظمة "جمهورية – مزيفة " أخرى ..

وفي الوقت الذي أبدع الشعب العربي في كلّ من الساحات المتحركة عبقرية خاصة في التعامل مع تحديات الاستبداد في بلده حتى إسقاط قمة وبعض رموز وركائز النظام المعني ، فليس هناك تاريخياً وواقعياً ما يضع الشعب في سورية خارج السياق ، خاصّة أنّ قواه الحيّة لم تتوقّف يوماً عن ترجمة حيويته ونضاله في وجه أعتى الأنظمة الاستبدادية في الواقع الدولي ، لا ينقص من تضحياته ، تلك التغطية الدولية والعربية الواسعة التي حظي بها النظام- السمسار طيلة عهده ..

صحيح ٌ أنّ قمة النظام تتصرف و تعتقد أنّها دائمة و أنها وفرت لذلك ما يلزم من أسباب القوة و لجم وتدمير المجتمع ، وأنها ليست كهذا القطر العربي الثائر أو ذاك ، بوهم صلاحية استمرار وإتقان فنون السمسرة والمتاجرة بدور ومصير سورية مع القوى الخارجية الفاعلة .

و لا بأس هنا من التذكير بما نقل عن دبلوماسي غربي من أن بشار أسد كان قد أجابه خلال لقاء معه على سؤال يتعلّق بهوية طفل دخل عليهما : بأنه رئيس سورية القادم ، وهو حافظ بشار حافظ أسد . الأمر الذي يمثل فعلاً حقيقة تفكيره وتخطيط بيت أسد ، وذلك بغض النظر عن مدى دقة هكذا تصريح ..

 صحيح أيضاً أنّ واقع المجتمع السوري – على السطح – بما لحق به من ممارسات تخريبية يسمح للبعض من المتابعين والوطنيين بالاعتقاد أنّ سورية مازالت بعيدة عن ولوج قطار التغيير ، نظراً لعوامل أخرى هامّة ، منها :

* الواقع المثقل للقوى السياسية المعارضة، وما حلّ بها من اضطهاد وملاحقة وتصفيات، وما عانته من يتم إزاء الوضعين : العربي والدولي، ومن تغييرات كبرى في نسيج المجتمع واهتماماته، وأوضاعه، وترهل قيادات معظمها وإرباكاتها الداخلية وقصورها عن مواكبة المتغيرات وعن انجاز التكتل المفروض حول برنامج " التحرر الوطني الداخلي "، بل والاتفاق حول قواسم التغيير المشتركة ووسائلها وتثوير، بما في ذلك القطع مع المراهنات الخلبية على إصلاحات من داخهل الانتظار، والبقاء على لائحة انتظار ما قد يجود به في هذا الشأن، وبالتالي : العجز الواضح عن قيادة حراك المجتمع ، يصعّب من ذلك فعل القمع المتواصل والإرهاب المتعدد الأشكال والحصار والتضليل ومحاولات الاختراق الخبيثة من قبل النظام وتصدير الأزمات لها ، مما أدى إلى تراجع دورها وحضورها وفاعليتها ..

* خلق وتغذية العصبية الأقلوية الخاصة من قبل قمة النظام وبعض دواليبه ( طائفياً و عائلياً وعشائرياً ..) ، حيث كان حافظ أسد قد سعى لها ونفخ فيها وركب حصانها قبل استيلائه الكامل على مقاليد السلطة واستخدامها في صعود عهده، وموضعتها في (معاركه) الداخلية مع خصومه، واستخدامها فزاعة معلنة أوخفية .. إمعاناً في تهديد الوحدة الوطنية وإضعافها خدمة لتسلطه ولاستمراره

* ركوب واستنساخ الصيغ التضليلية المعروفة لمواجهة الكيان الصهيوني الإفتراضية وصولاً إلى حصان الممانعة المزعومة والفارغة من أي معنى ، بالتوازي مع الاستخدام التآمري المستمر للقضية الفلسطينية كورقة داخلية وإقليمية ودولية، وفي الوقت الذي لم يتوقف لحظة عن السعي لتمزيق الوحدة الوطنية الفلسطينية أساس وسند كل مواجهة ونضال وطني فاعل ومتقدم ..

* الحرص المعروف والمعلن من الكيان الصهيوني على استمرار هكذا عهد بالذات ، لسكوته المطلق والمطبق عن مجابهة الاحتلال الصهيوني للجولان السوري بحجة أن " السلام " هو خياره الاستراتيجي، ورفع شعارات لا تقلّ خلّبية ودجلاً عن الممانعة، واختيار الزمان والمكان المناسبين، وتصدير خطاب يتسم بالديماغوجية القومية التي يمكن أن تغش وتجذب بعض الأوساط والقوى..بينما الواقع غير ذلك تماماُ، ويزداد وضوحا مع عزلته الداخلية وواقع الفساد والإفساد بما لا يسمح له بتشكيل أي خطر حقيقي على راحة وحركة هذا الكيان الصهيوني الذي يدرك جيداً ويصرّح مراراً أن الجولان المحتل هو آخر انشغالات النظام الفعلية داخلياً وخارجياً.. وحيث أن عهد أسد و- بالملموس -لا يريد السلام أصلاً وفلسفة مثلما يرفض الحرب والمواجهة ، طالما أنّه يضمن بهذا السلوك بقائه واستمراره إلى أقصى مدى ممكن ..

* التغطية الدولية والعربية الواسعة له ولعملية التوريث المشؤوم، بدافع امتهانه للعبة السمسرة والمقايضة على حساب دور ومستقبل سورية واحترامه التام لوعوده و لاتفاقاته مع القوى الغربية والكيان العدو ..

*تحالفه المعروف والواسع مع النظام الإيراني الذي يمدّه - بواقع الأهداف والمصالح والأبعاد المشتركة - بعديد صيغ المساعدة والإسناد ، كما يمدّه( حسبما هو متداول بشكل واسع داخل سورية ) بالعناصر العسكرية لتعزيز حراسة وحماية قمة النظام .. مقابل فتح أبواب القطر لمدّ النفوذ الإيراني ولاختراق الساحة العربية والتآمر على القضايا العربية بحجج وادعاءات أقل ما يقال فيها أنها مضللة وثورجية ..

* العودة مجدداً لمدّ نفوذه المباشر عبر قنوات وأدوات متعددة إلى الساحة اللبنانية وللنفخ في ما يهدد الوحدة الوطنية اللبنانية، متشدقاً بدعم المقاومة لمواجهة العدو الصهيوني ، بموازاة سكوته الدائم عن احتلال الجولان وخياره الاستراتيجي للتفاوض من أجل" السلام .."

* سعيه لفك العزلة عنه ، من باب العلاقات الواسعة والمتطورة مع تركيا الجارة، بما يجعل منها – وهي تسعى لتوسيع تأثيرها في عموم المنطقة – حريصة على استقرار سورية ( بنظامها على ما يعتقد أهل هذا النظام ) و استمرار هذه العلاقات الإستراتيجية ..

 ****

لكن ، بالمقابل ، هل تفعل هذه الميزات الخاصة بسورية كبلد ومجتمع ، أو الخاصة بالنظام داخلياً وإقليمياً ، فعلَها باتجاه واحد فقط ، ينحصر في استفادة النظام منها لتقوية مواقعه في مواجهة استحقاقات المجتمع وآمال الجماهير العريضة ، وبما يمّكنه من تحييد مصيره عن تفاعلات وعدوى المتغيرات الثورية الجارية في معظم ساحات الوطن العربي وفي إيران أيضاً .. ؟؟

إنّ التحليل الموضوعي لكل من عناصر هذه اللوحة ، ولطبيعة كل ميزة ، يظهر أنّ لكل نقطةِ قوةٍ من هذه النقاط وجهها الآخر الذي يمكن له أن يحولها في ظرفٍ ناضج إلى نقيضها ، حيث يتحول الاختراق إلى حصار معاكس .. فيما سنرى ..

 

العهد الأسدي والتحوّل الجاري في " نقاط قوته " :

لقد كنّا ننظر إلى حكم حافظ أسد ، منذ مطلع السبعينات ، على أنه " عهد " بما تعنيه هذه الكلمة ، كحكم مرهون ٍ بشخص ٍ أو عائلة أو فئة ، وكمرحلة مارقة بالضرورة لا يمكن لها أن تستمرّ ، أو تعمّر طويلاً في العصر الحديث .. فتجارب التاريخ القديم والحديث شاخصة تنطق بدروسها البليغة التي يتجاهلها المستبدون وبقايا الأنظمة الشمولية والذين لا تظهر حقيقتهم وجبنهم إلاّ في ساعة الحقيقة الحاسمة :

* فصرعة التوريث التي دشنها حافظ أسد ، بدايةً بإعداد أخيه رفعت ثم الابن الأول فالابن الثاني ، لم تمرّ بسهولة حتى داخل أركان العهد : عسكريين ومدنيين ، بل جهد حافظ أسد طيلة عقدين لتأمينها واشترى مباركتها من الأنظمة العربية والإدارات الخارجية المعنية .

كما أن التوريث أكمل دورته العربية الفاشلة، بعد أن تحوّل من نزعة ونزوع زعماء الأنظمة الجمهورية المزيفة الشموليين إلى لعنة أبدية عليهم أودت ببعضهم في مسلسل السقوط التاريخي المتصاعد والمتسارع ليجعل من التوريث في دمشق " البداية والنهاية الحتمية " كعهدٍ أصبح وجهاً لوجه أمام مصيره كشواذ و " كعهد باتَ ساقطاً تاريخياً وسياسياً" .

وإذا ما حلى للبعض أن يجنح إلى أنّ الشواذ يأتي ليثبت القاعدة ، فإنّ ذلك لا يصحّ إلا في دائرة ما هو طبيعي وموضوعي ، ناهينا عن حقائق نظرية ابن خلدون ذات الدلالة في صيرورة العهود ..

* واقع المعارضة و تشكيلات المجتمع المدني : صحيح أنّ واقع المعارضة مثقل بآثار القمع والملاحقة اليومية ، إلاّ أنّ هذا لا يلغي أبداً أهمية وجودها واستمرارها شاهدة على رفض هذا العهد ومقاومة استبداده ، و لا يلغي كمونها وإمكاناتها للعب الدور المرحلي والانتقالي المنوط بها في فترة الإعداد والمواكبة للانتفاضة القادمة ولما بعدها ، حيث أن تجارب الانتفاضات العربية الجارية والتي فجّرها الشباب في كل ساحة بيّنت مساهمة شباب القوى السياسية المعارضة ، رغم ما يؤخذ من تذبذب وقصور وانتقادات لتكتيكات وصيغ تفاعل القيادات الحزبية قبل انخراط هذه الأخيرة في مسيرة التغيير المنتصر .. وإننا على ثقة من تدارس وإعداد هذه القوى حالياً لواجب ومسؤولية مساهماتها المفترضة والمطلوبة للمرحلة القريبة ، حول شعارات ومطالب محددة تحظى بالإجماع ما فوق التباينات الثانوية فيما بينها و القابلة للتأجيل ..

كما أن تشكيلات المجتمع المدني وكوادره لم يقصروا بالنضال والتضحيات المتلاحقة المشهودة رغم قمع النظام الذي لا يوفّر حتى الفتيات والشباب الصغار. كل هذا إنما يمثل العتبة التي يمكن لكل طلاب الحرية والكرامة المهدورة من شباب ومناضلي الشعب السوري البناء عليها ..

فالمرحلة الصعبة والقاهرة أصبحت خلف هذه القوى في مواجهة نظام شمولي وراثي مرفوض ومحكوم عليه بالسقوط ..

* العصبية الأقلوية ( طائفياً وعشائرياً وعائلياً ..) : لا شكّ أن العصبيات لم تطوَ بعدُ في بنى مجتمعاتنا المتخلفة ، خاصة أنها تتجسد وتنمو عبر المصالح، والرعاية والدعم والاستغلال .. لكن بالمقابل ، وبحكم من دروس التجارب المعاشة وحركية المجتمع ، ومن تحولات المصالح وتشابكها العابر للطوائف والمناطق وهي تبحث عن الأمن والتمدد والآفاق .. وأيضاً بحكم وعي المجتمع والمواطن والنظر إلى المستقبل ، وتنامي الشعور الوطني الجامع والسيد .. فإنّ سورية تعرف تراجعاً شاقولياً وأفقياً لورقة العصبية البغيضة بشكل عام وللعصبية الأقلوية بشكل خاص ، مما يجعل من إمكانية قمة النظام وحاشيته الضيقة الاعتماد عليها لإطالة أمده أمراً محدوداً وقاصراً ..والشيء الجازم أن طبيعة الشعب السوري بنخبه وكتلته الرئيسة، وفي جميع التوزعات الدينية والمذهبية والسياسية يرقى فوق أسار قيود الضعضعة هذه، واعياً بقوة لأساس وحدته الوطنية : رهانه، واستناده، وعماده في إقامة دولة المواطنة للجميع التي تحقق التوازن والمساواة والعدل على أساس الانتماء للوطن والالتزام بقوانينه الناظمة، وليس ما قبلها، ودونها .

* إنّ عملية التفاعل التاريخي المعهودة والمشهودة بين دمشق والقاهرة في اتجاه كما في آخر ، لا بدّ لها أن تشقّ طريقها الجديد بعد انطلاقة الثورة المصرية الجارية : الطريق الوطني والقومي الصحيح الذي يصبّ في عملية التغيير المطلوب للعهد الأسدي القائم .. ويدعم مسيرة تسونامي الثورات والانتفاضات الشعبية المباركة . ولقد بدأت بواكيره وتباشيره في مناطق عديدة من سورية وخارجها وبصيغ متعددة استدعت منذ أسابيع عديدة الاستنفار الشامل والمستمر لمختلف أجهزة العهد الأمنية والإعلامية والسياسية ..

*إن اللعب بالورقة الفلسطينية والعبث بوحدة الشعب الفلسطيني مع كل العابثين الآخرين وفي مقدمتهم ، كأوراق مساومة خدمة لاستمرارية النظام ، لا بدّ أن تعرف في القريب العاجل تراجعاً بسبب ما تعرفه وما سوف تعرفه الساحة الفلسطينية عاجلاً وآجلاً من تداعيات إيجابية وآثار الثورات العربية الجارية في مغرب ومشرق الوطن العربي ، لتجاوز محنتها واستعادة الشعب الفلسطيني لمفاتيح مصيره ..

* الغطاء العربي لعهد بيت أسد : إنّ هذا الغطاء الذي سبق وتعرّض لاهتزازات عديدة وشبه عزلة لهذا العهد ، لا يمكن له أن يستمر وأن يجدي في غمرة المتغيرات التي تفرض تداعياتها ، وذلك لأسباب عديدة ، جديدها انشغال واشتغال كل نظام أو عهد معني بتحديات التغيير والحراك في ساحته .. بل إنّ موضوع التضامن بين الأنظمة ، لم يتبقى منه إلا القليل المحصور جزئياً في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يعاني أصلاً من خلافات في الرؤى وتناقضات في المصالح والخيارات وبروز أزمات .. زيادة على النهاية الباردة المعروفة للتقارب السعودي – السوري بشأن موضوعي التضامن العربي وحماية السلم في لبنان .

 

* ورقة التحالف مع إيران : لم تكن هذه الورقة دائماً دون ثمن أو مقابل ، داخلياً وعربياً ودولياً ، بسب الارتباط المتين لنظام دمشق بنظام طهران صاحب المشاريع الخاصة والمعروفة ( من العراق حتى لبنان مروراً بالبحرين وورقة فلسطين وغيرها..) وهي مشاريع ٌ ، كما هو تحالف ٌ ، تقابل بالرفض والاستهجان الغالب عربياً وسورياً ، .. كما أنّ هذا التحالف المتين يبقى ذا طبيعة انتهازية ، وباطنية متبادلة ، لا يستند إلى المصالح الموضوعية للشعبين ..

 والأهم أنّ انشغال نظام طهران بالتحديات الجدّية المتعاظمة التي تطرحها المعارضة الشعبية من داخله ومن خارجه ، وتأثير مسلسل الانتفاضات العربية على كل من النظامين ، كما تداعيات استمرار عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وأفق اتهام كلا النظامين بالضلوع إلى جانب قيادة حزب الله اللبناني في جريمة اغتيال رفيق الحريري ، يقلّص من حدود وإمكانات الإسناد ..

* المتغيرات الجارية على الساحة اللبنانية ، لاشكّ أنها تبدو في نظر الكثيرين لصالح النظام في دمشق كما هي لصالح النظام في إيران ، بينما تمثل في واقعها وآفاقها جبهة استنزاف لكليهما ، إضافة إلى وجود تناقض بين مشروع كل منهما في لبنان حيث الغلبة لصالح نفوذ نظام طهران الذي لا يريد بأي شكل عودة نفوذ النظام في دمشق إلى لبنان ، بعد أن توسّع نفوذ طهران بملء ِ الفراغ الناجم عن إخراج النظام السوري المهين من لبنان عام 2005 إثر جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وما تلاها ..

وهنا نودّ التذكير باعتقادنا أنّ هذه الجريمة هي في أصلها مشروع إيراني ، مرّر بخبث لقمة النظام السوري وأجهزته الأمنية الوفيين لطبيعة الإغتيال والاستئصال العنفي ، حيث اعتقدت هذه الأجهزة نفسها ذكية بتخصيص تنفيذ جريمة الاغتيالات بقيادة حزب الله وجهازه الأمني ،..كل ذلت تحت عين الرصد الإسرائيلية المبارِكة للجريمة ..

فالرابح الأساسي منها هو كل من نظام طهران والكيان الصهيوني ، كل لحساباته ومشروعه الخاص ، بينما الخاسر الأكبر هو النظام السوري إلى جانب الخسارة اللبنانية البيّنة . فلقد حقّق نظام طهران هدفين أساسيين كانا يشكلان عقبتين رئيستين أمام مشروعه : التخلص من قوة سياسية وشعبية لها علاقاتها العربية و الدولية الواسعة متمثلة برفيق الحريري ومعسكره .. والتخلّص من قوة عسكرية أمنية مهيمنة علي لبنان ، متمثلة بالوجود السوري ( والنظام الأمني السوريي – اللبناني في حينه ) ، من خلال تلبيسه " الطبيعي " للجريمة ..

في حين حقق الكيان الصهيوني بعض أهدافه الثابتة تجاه نموذج لبنان الليبرالي المنفتح المتعايش داخليا بما يفضح الطبيعة العنصرية البغيضة لهذا الكيان .. حين يمسي حزب الله بقواه العسكرية والسياسية والإعلامية - بالجدل كما بالضرورة وتداعيات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان – وجهاُ لوجه أمام الساحة الداخلية استقطاباً وانقساماً وعبثاً ..

والخلاصة هنا ، أنّ إخراج الحريري وقوى 14 آذار من السلطة سوف يوفّر لهذه القوى حرية مطلوبة لترتيب أوراقها وتجاوز أخطائها ومجاملات خصومها وأصدقائها في الداخل والخارج وجرأة أكبر في نقد وفضح الخصوم بمن فيهم : نظام دمشق ، وبحيث يشكل لبنان اليوم الخاصرة الحرجة لهذا النظام .. كما تشكل قوى الاستقلال والحرية في لبنان - على الأرجح - ظهيراً طبيعياً لقوى التغيير والحرية والديمقراطية في الداخل السوري .

* العلاقات السورية – التركية المتينة والمتطورة تبقى بدورها ذات وجهين ، فتركيا معنية بالاستقرار داخل سورية من جهة ومتأثرة ومعنية بالضرورة أيضاً بالمتغيرات العميقة داخل الساحات العربية من جهة ثانية ، حيث لم تتأخر القيادة التركية عن التعبير بشأن ضرورة إجراء الإصلاحات العميقة الضاغطة اليوم قبل الغد ، و تمسكها بالدفاع عن خيارات الشعوب في الحرية والكرامة والتقدم .

* الغطاء الدولي لنظام دمشق بما في ذلك مباركة عملية التوريث السوداء : لقد عرف هذا الغطاء تراجعاً منذ اغتيال رفيق الحريري ومسلسل الاغتيالات لعام 2005 ، ورفض ِهذا النظام أي انفكاك عن نظام طهران . كما لم تجدِ محاولات ساركوزي الانفتاح عليه ولا محاولات القادة السعوديين ..ليجد نفسه مجدداً شبه معزول ومرتبكاً في سياساته الخارجية والإقليمية ، الواقع الذي سيشتد بالضرورة مع قيام الثورات العربية الجارية وتداعياتها على الصعيد الدولي .. ومما يجعل قابلياته المعروفة للعنف والقمع والإرهاب في الداخل أو المحيط ذات محدودية ومرشحة للارتداد عليه .. يكفي أن نذكّر هنا بأن مجلس الأمن أصبح ملزماً أكثر فأكثر بالتعبير الحاسم عن حماية المدنيين وحقوقهم المشروعة بالتعبير والتظاهر والانتفاض ، وبرفع الغطاء والشرعية عن أنظمة عنفية دموية وملاحقة المسؤولين فيها أمام محكمة الجنايات الدولية ، ناهينا عن الجانب المتعلّق بتجميد أرصدتهم .. ( القرار الأخير حول نظام القذافي ..)

 

إذاً ماذا بعد ،

من الطبيعي على ضوء ما تقدّم ألا تبقى سورية ( جزيرة معزولة ) عن هذا الطوفان الشعبي القاهر لرؤوس ورموز الاستبداد والفساد ..

كما من المعروف أنّ سورية بشعبها وقواها الحية ، لم تكٌ يوماً خانعة مستسلمة لإرادة العهد الأسدي ، رغم شدة الإرهاب المتواصل الذي لا مثيل له على الإطلاق طيلة عقود ، والدليل هو عدد الشهداء والسجناء والمنفيين ، لا تنقص من هذه الحقيقة قسوة وشمولية التعتيم الإعلامي المتواطئ وفنون التضليل والتشويه من جهة، وما يبدو من ركود المجتمع واستلاب المواطن من جهة ثانية ..

إنّ علماء الاجتماع يوضحون جيداً أن ردود الأفعال ذات "الطبيعة السلبية " تتراكم وتختزن حالة المجتمع العميقة بانتظار لحظة الانفجار .. ولنا في ما يجري في عديد الساحات العربية خير دليل . إنه التطور الحتمي للحالة السورية مهما حاولت أجهزة النظام المختلفة مواصلة أساليبها القمعية والتضليلية لخنق أنفاس الشعب المتطلع لحريته وكرامته ومهما ابتدعت ولجأت إلى خطوات إستباقية لإجهاض أي تحرك منتظر .

 

 السؤال الذي يطرح نفسه اليوم : كيف ستتطور الحالة السورية على كلا الجبهتين : جبهة الجماهير الشعبية من جهة وجبهة النظام المستبد من جهة ثانية ..

وهنا من المفيد تسجيل ملاحظتين ذات مغزى :

 * حقيقة أنّ الساحة السورية – ككل الساحات العربية الأخرى – تتمتع بتجاربها التاريخية على صعيد نضال شعبها الذي يمتلك أيضاً عبقريته الخاصة التي سوف تعبّر عن ذاتها وتبتدع السبل الكفيلة برفع التحدي وإسقاط نظام الوراثة والاستبداد والفساد ..

* حقيقة أنّ كلاًّ من الساحات العربية الثائرة والحراك الناشط والمتلاحق لعموم الساحات الأخرى ، حتى تلك التي لم يكن يفكر بها أحد : كدول الخليج ، بما في ذلك إمارة " قطر" .. لا بدّ تفرز يوماً بعد يوم دروسها وخلاصاتها التي ستصبّ في " صندوق التوفير الجماهيري " .. مثلما يسعى النظام الأسدي وأجهزته بالمقابل للاستفادة منها استعداداً للمواجهات المحتملة والتي بدأت حرارة بواكيرها تتدرج وتتصاعد..

 بيد أنّ الدروس المتوفرة حتى اليوم تملي بتضييق صندوق قمعه ومراوغته وتضليله ، رغم ما يجب افتراضه في قمة النظام وحواشيه من ميلها القوي لممارسة أوهامها بجدوى القمع والعنف والدم كما كان في السابق( مجازر حماه وحلب وسجن تدمر وغيرها ) وتجاوز دروس المرحلة الشاخصة ، وهو ضلال ومغامرة الحل الأمني الدموي الذي يغرق فيه حالياً ديكتاتور ليبيا التوأم ، قبل أن يفكّر بالنموذج اليمني الذي يحظى بدرجة ما من هوامش حرية التحرك الشعبي ، أو نماذج الجزائر ودول الخليج المعنية وهي تجنح إلى اتخاذ خطوات تتلاقى مع بعض المطالب الشعبية لخفض درجة الاحتقان الشعبي وتجنب توسّع الاحتجاجات وانفجار الانتفاضات الشاملة ..

لا شكّ أنّ أحداً لا يستطيع أن يحدّد بالضبط كيف ستجري مسيرة التغيير المطلوب في سورية ..

 وليس مهمّاً هنا أصلاً وضع سيناريوهات معينة ومحددة طالما أنّ كل شيء سيتأثر " بلحظة النضج والانتفاض " وبخلاصات الدروس التي تفرزها الانتفاضات الشعبية العربية الجارية وبحركة موازين القوى في كل مرحلة ..

بل المهم هو تركيز وتكثيف الجهود النضالية من قبل جميع القوى الوطنية والشباب المتطلع للتغيير- كل في موقعه ومجاله ضمن مسيرة الثورة ومسؤولية التكامل والتضامن والمسعى الوطني المشترك ، وذلك استعداداً وإعداداً وإنضاجاً واستيعاباً لشروط الانتصار بأقل الخسائر للبلاد والجماهير دون تسرّع مغامر أو تردّد ضار وخطير ..

 

كذلك من الضروري ، تسجيل القناعة الراسخة بأنّ شباب سورية – رغم ما عاناه من تهميش واستلاب وتضليل طيلة أربعة عقود – يملك بقوة الضرورة واستعادة الكرامة والحرص على مستقبل مضمون ومشرّف ، ما يكفي من كمون نضالي أصيل ..

 كما نثق أنّ القوى الوطنية وقوى المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ، والتي لم تتوقف عن النضال والتضحيات من أجل التغيير الوطني الديمقراطي ، ستحرص على تحمّل مسؤولياتها الوطنية في مرحلة النهوض متجاوزة ضعف فعاليتها المتعددة الأسباب وظروف تشتتها وآثار مساعي النظام الديكتاتوري لتصدير الأزمات الداخلية لها أو تغليب الخلافات الثانوية على ثوابت برنامج التحرر الوطني من الاحتلال الداخلي الفاسد والمفسد ..

 

كما من المهم أيضاً ، وفي هذه المرحلة :

* التنويه إلى أنّ بدعة التوريث الأسود وحكم العائلة ، يمكن لها أن تغدو بعضاً من مفاتيح الحل وليس عقدته فقط كما كانت حتى الأن . حيث أنّ العائلة الحاكمة لا بدّ من أن تصبح أكثر فأكثر عزلة كلما اشتد النضال الجماهيري لإسقاط النظام وإحداث التغيير الديمقراطي المطلوب . هذه العزلة لن تكون من طرف الجماهير فقط ، بل أيضاً من طرف شرائح و " حواشي "عديدة – مدنية وعسكرية – عابرة للمناطق والطوائف كثيرها من تمور فيهم الوطنية والحرص على التحرر من نظام العائلة والمافيا، وملاقاة عصر الشعوب العربية وإرادة الحرية والتغيير، دون إغفال التحاق عديدين ممن استفاد من عهد الأسد الطويل ورتبّ لذاته مصالح واسعة ومتشابكة ، وذلك – بالضبط – بهدف الحفاظ على هذه المصالح والمكاسب المتنوعة المجالات والحقول ..

بل ، قد يدعوها مسار الأحداث للعب دور كبير في التخلّص من عقدة التوريث المارق ، إنقاذاً لمصالحها ومستقبلها ضمن آفاق المستقبل الوطني ، خاصة إذا ما أحسنت الانتفاضة الجماهيرية ترتيب الأولويات الوطنية ..

* إمكانية اللجوء إلى ما كان يسمى خلال المرحلة الأولى من حكم حافظ أسد " بالحل العسكري العقلاني " الذي لم يأت أبداً وبقي وهماً في رأس أصحابه ، للتخلص من العائلة الحاكمة ومحاولة قيادة " انتقال مضبوط " للسلطة ، واختصار الطريق على تحقيق تغيير جذري مطلوب ، لحاقاً - نظرياً - بالتجربة المصرية ومجلسها العسكري ..

* الأمر الثالث الذي نرغب بتسميته " بالحل العاقل " على ما به من مثالية وطوباوية لا مكان له في عقول وصدور رجالات الاستبداد .. وهو الرضوخ المسؤول لصوت العقل ولدروس التجارب الثورية العربية الشاخصة من قبل العائلة الحاكمة وفي مقدمها بشار أسد ، تسليماً بأنّ العهد المارق وصل إلى نهايته ومن الأفضل للجميع الاستماع لصوت الشعب ولمطالبه في التغيير الوطني الديمقراطي وفي المقدمة التخلص من الاستبداد والفساد بشكل سلمي هادئ ومضمون ، و استعادة الشعب لدوره الطبيعي في تصحيح أوضاعه وبناء مستقبله ..

وهنا في الحقيقة ، إنما نضمّ صوتنا إلى كل الذين وجهوا نداءات مفتوحة لقمة العهد لتحمّل مسؤوليتها في إفساح المجال أمام الخطوات الضرورية الملحة لتدشين التغيير السلمي والشامل لبناء نظام وطني جمهوري و ديمقراطي وفق خارطة طريق و فترة زمنية محددة وقصيرة .

 ولقد سبق أن وجهنا فور تنصيب بشار أسد برتبة رئيس جديد للعهد الأسدي صيف عام 2000 رسالة مفتوحة منشورة تطالبه أن يبادر بشكل منهجي ومدروس إلى قيام جمهورية ديمقراطية جديدة وحديثة بالتعاون مع القوى الوطنية الحية وفعاليات المجتمع المدني خلال فترة قصيرة ، لما فيه خلاص الوطن وصالح المواطن ومصير الحاكم.. نفسه من منظور التاريخ وعفو الشعب .. ولم يكن هناك بالطبع من سميع..

فهل سيكون للعقل أخيراً مكانه لدى هؤلاء ، أم أنّ عدوى القذافي هي الأقرب بما لا يقاس إلى تركيبتهم وأوهام المستبدين .

لقد بدأ قطار التغيير الوطني الديمقراطي صفير انطلاقته في سورية ، شباباً ومناضلين ، ومن مسؤولياتنا جميعاً أن نسهم في انطلاقه ومسيرته ساعين إلى تأمين انسجام الوسائل مع الأهداف الوطنية المعروفة والمشروعة ، حيث تعزيز الوحدة الوطنية وحيث استقلالية الوطن وكرامة المواطن وكنس الاستبداد والفساد والاحتلال ..وحيث الوطن الديمقراطي للجميع الذي يصونه دستور يقرره الشعب، وقضاء مستقل، وفضاء لحريات التعبير والتحزب والعمل، وتمثيل حقيقي للشعب في انتخابات حرة مباشرة يختار فيها نوابه ورئيس الجمهورية.. ليضع بلدنا العزيز على سكة التطور الطبيعي غير المشوّه، ويدخله العصر كبقية شعوب العالم المتحضّر .

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

   

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ