ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

عندما دخل الإسلام الفيليبين

مسلمو الفيليبين بين الماضي، والحاضر، والمستقبل

أ.د. ناصر أحمد سنه*

إطلالة عامة

الفليبين هي تلك المجموعة من الجزر التي تربو علي (7000 جزيرة)، مساحتها ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع، موزعة في مياه المحيط بين تايوان واليابان وإندونيسيا وشرقي ماليزيا. بعض جزر الفليبين بركانية وكثيرا ما تتعرض للزلازل والبراكين الثائرة، والتي من بينها بركان" مايون" وهو من اضخم براكين العالم ويقع في حزيرة "لوزون"، وبركان "ايو" في جزيرة "مندناو" ويرتفع لمسافة 9.450 قدما فوق سطح البحر. فضلا عن البراكين لدي الفليبين من الظواهر الطبيعية، الكثير: زلازل، انزلا قات أرضية، عواصف، أعاصير الخ.

موقع الفليبين في جنوب شرقي آسيا، غرب المحيط الهادي، موقع متميز وحيوي بين الشرق والغرب. فهي تُعد جزءا من أرخبيل الملايو الذي يضم إندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، والفليبين، وبروناي. وأهم محاصيل البلاد: الأرز وقصب السكر وجوز الهند بجانب أشجار الأبنوس وخشب الورد والنخيل والموز والأناناس، وغابات الصندل والكافور والخيرزان، ومن ثرواتها المعدنية: الذهب والفضة والحديد والنحاس والفحم والبترول. وتتمتع بميزان تجاري متوازن، حيث العجز بين ما تصدر وما تستورد مليار دولار فقط.

نظام الحكم في الفليبين نظام جمهوري رئاسي، والمجلس التشريعي لهذه الحكومة مكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وتتكون من تسع وسبعين محافظة. ولقد تبنت الفليبين إصلاحات قويه في مجال التعليم العملي والنظري، فالحرف اليدوية يتم الاهتمام بها وهي تدريس، في المدارس، جنباً إلي جنب مع المواد النظرية. إن الفليبين دولة تصدير عماله محترفه، وتقوم السفارات الفليبينية بعقد دورات تدريبيه شبه مجانية علي الكمبيوتر واللغات لرفع من المستوي المهني للعمالة الفليبينية!!، بل وصل الأمر بالحكومة الفليبينية إلى بث إعلانات عالمية مدفوعة الأجر للدعاية للمستوي الفني والتقني العالي للعامل الفليبيني!. فتحويلات العاملين بالخارج وصلت إلى 7 مليار دولار سنوياً. لذا فمن بين جاراتها.. لم تتأثر الفليبين كثيرا بالكوارث المالية الأسيوية عام 1998م "، فمواردها البشرية وعمالتها المدربة كانتا سبباً في حل مشكلتها الاقتصادية.

عدد سكان الفليبين حوالي 86 مليون نسمة، أكثرهم (نحو 80%) يدينون بالمسيحية الكاثوليكية، بينما يشكل المسلمون أكثر من ثمانية ملايين، ويطلق على المسلمين اسم مورو، وموطنهم في الجنوب، في خمس محافظات: محافظة لاناو الجنوبي، وما غيندانا، وباسيلان، وسومو، ومحافظة تاوي تاوي. هذه المحافظات الخمسة هي تحت سيطرة المسلمين لكثرة عددهم فيها.

 

نظرة سريعة علي التاريخ البعيد والقريب

تعود أول اثأر للإنسان في الفليبين إلي 25 ـ 30 قرنا قبل الميلاد (2500-3000 ق.م.) استوطن شعب النفريتوس(Negritos)) هذه الجزر، ولونهم اسود قصار القامة، صغار الجسم، ومن بين الفريتوس قسم يطلق عليه: الأندونيسيان وهم الذين سكنوا هذه الجزر فيما بين 5 ـ 6 آلاف سنة قبل الميلاد. وهناك قسم من النفريتوس وهم: الملايان، وقد سكنوا الجزر فيما بين 200-300 عام ق.م.، حيث قدموا إليها بواسطة مراكب شراعية حاملين مظاهر حضارة زراعية والعديد من الأدوات المنزلية والمعيشية، وبنوا مساكنهم من البامبو والخشب، ويقال انهم حملوا أيضا إلي الجزر الجاموس والخيل. العنصر الثاني من السكان كونوا "الهجرة الأولي" من الملايو فيما بين 1300م- 1400م وهم أرقي حضارة من سابقيهم وذوو ثقافة وقد حملوا مشاعل تعليم الكتابة بين السكان. ثالث عنصر من السكان وكانوا يشكلون الهجرة الثانية من مسلمي الملايو، وقد جاءوا إلي الجزر فيما بين 1400م- 1500م وانتشروا في معظم أنحاء البلاد.

أما سبب تسمية المسلمين بـ (المورو) فيقال انه بعد مقتل "ماجلان" وبعودة بحارته لبلادهم التقوا في بحر "فلاوان" بسفينة فأسالوا بحارتها عن دينهم، فقالوا: نحن مسلمون علي دين محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأطلقوا عليهم أسم( المورو)، تشبيها لهم بمسلمي مراكش المعروفين للأسبان. لكن لم يثبت تاريخيا أن أحدا من مسلمي المغرب قد وصل إلي هذه الجزر في تلك الحقبة من التاريخ، لكن عادة ما كان الأسبان والبرتغاليون يطلقون أسم( المورو) علي المسلمين، فلما غزوا الجزر أطلقوا عليهم نفس الاسم الشائع لديهم.

ثم عرفها الأوربيين في عام 1521م، فاستعمرت من قبل الأسبان، حيث قاموا بتحويل غالبية الشعب السكان إلي المسيحية. في عام 1897م قامت ثوره ضد الأسبان، ولكنها فشلت، وفي عام 1898م تحررت الفليبين من الاستعمار الأسباني عندما تدخل الأمريكان وهزموا الأسبان، و لكن
الفليبين لم تنل استقلالها الكامل حيث حافظ الأمريكيون على وجودهم وحكمهم غير المباشر للفليبين.

في عام 1941م غزا اليابانيون الفليبين واحتلوها اثناء الحرب العالمية الثانية، فتعاون أبناء الفيليبين، مسلمين وغير مسلمين، في مقاومتهم، وظلوا على هذا الوضع حتى انهزمت الجيوش اليابانية عام 1945م. وقد قامت القيادات الإسلامية خلال هذه المرحلة بتجنيد أربعين ألفا من المقاتلين المسلمين الأشداء الذين وجهوا اشد الضربات لليابانيين، مما جعل الأمريكيين يسلمون بمنح الفيليبين استقلالها عام 1946م. ووضع لها نظام حكم ديمقراطي على غرار النظام الأمريكي، لكن الأمريكيين لم يغادروا الجزر، وظل لهم وجود عسكري واضح حتى عام 1991م.

وإنه لمؤسف حقاً أن تاريخ الفليبين المدون لم ينظر إلى المقاومة الإسلامية في وجه الاستعمار الأسباني نظرة الدفاع عن الحق، ونظرة البطولة التاريخية لأبناء البلاد بل نظر إليها على أنها عمل من أعمال القتل والسلب أو قطع الطرق والقرصنة، يرجع ذلك إلى الكتب الأسبانية التي أجمعت على وصف المسلمين بالقراصنة، وهي الكتب الوحيدة المدونة حيث لم يدون مسلمو تلك الجهات تاريخ الحركة الدعوية والجهادية، وتبع ذلك كثير من مؤرخي الفليبين الذين انساقوا وراء المستعمرين أو أخذوا عنهم، أو وجدوا الكتب أمامهم فنقلوا عنها دون نقد أو تحليل. كما يرجع هذا إلى موقف أوروبا من المسلمين بل ومن الإسلام، فهذه الكتابات لم تكن مجردة بل تحمل بين طياتها العداء الصريح.

 

دخول الإسلام إلى هذه الجزر

دخل الإسلام إلى جنوب شرقي آسيا من خلال التجار العرب، عبر الطرق البحرية التجارية، فأشرق على جزر إندونيسيا والملايو، ثم تقدم نحو الشمال الشرقي، فوصل جزر الفيليبين في أعقاب القرن السادس الهجري، وكانت بداية الوصول عبر جزيرة صولو، إحدى الجزر الجنوبية.

حمل المسلمون من أهل المنطقة لواء الدعوة الإسلامية وتبنوا نشرها بمساعدة من وصل إليهم من التجار العرب (سنة 880هـ) فانتشر الإسلام في مندناو، كما وصل السلمون إلى لاناو في الجنوب، وتقدم إلى العاصمة "مانيلا" شمالا، ومن ثم تأسست ممالك إسلامية في تلك الجزر، وكان ملوكها من العرب. فقبل مجيء الاستعمار الأسباني في سنة 1521م، كانت الفيليبين تعرف "بجزر شولو"، أو "عذراء ماليزيا"، إذ توجد بينها وبين ماليزيا الكثير من الروابط العرقية واللغوية والعقائدية. كان الإسلام هو الدين السائد في جميع أطرافها، فعندما وصلت سفن ماجلان إلى شاطئ جزيرة جوام خرج أبناء قبيلة كاموروس التي كانت تسكن هذه الجزيرة للترحيب بهم. وربما لم يكن سكان هذه الجزيرة قد رأوا أي أوروبيين في ذلك الوقت ولكنهم كانوا قد اعتادوا ممارسة التجارة مع الآخرين القادمين من المناطق البعيدة بما في ذلك العرب الذين كانوا من أوائل من شقوا طرق التجارة البحرية مع سكان جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي وشبه القارة الهندية لذلك لم يشعروا بالقلق من نزول رجال ذوي بشرة بيضاء على جزيرتهم. وقد سارع سكان الجزيرة بمقابلة سفن ماجلان قبل أن تصل إلى الشاطئ في قوارب صغيرة محملة بالطعام والغذاء. وكان سكان الجزيرة ينتظرون أن يرد لهم الأوروبيون الجميل بأجمل منه ولكن خاب ظنهم.

ومن ثم دارت المعارك الدامية بين هؤلاء الغزاة وبين المسلمين في الجزر المختلفة. ففي جزيرة "ماكتان" دارت معركة عنيفة بين الغزاة والمسلمين أسفرت عن مصرع "ماجلان" نفسه، قائد الحملة العسكرية الأسبانية، وإبادة جيشه إلا عددا قليلا تمكنوا من الفرار بإحدى سفنهم الثلاثة. وتتابعت الحملات الأوروبية المحملة بالتجار ومعهم المسلحون الذين فرضوا سيطرتهم على تلك المناطق لتبدأ مرحلة من أطول مراحل الاستعمار في التاريخ. وقد بدأ الأسبان المسيرة الاستعمارية في جزيرة جوام حيث استمرت سيطرة إسبانيا على هذه الجزيرة أكثر من أربعمائة عام. وبعد الأسبان جاء الأمريكيون ليحتلوا جزيرة جوام بعد نجاحهم في هزيمة الإسبان في الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898 م التي انتهت باستيلاء الأمريكيين على أغلب المستعمرات الإسبانية في جنوب شرق آسيا مثل جوام والفليبين.

إن السلوك الصليبي الغربي كان واضحاً في عهد الاستكشافات الجغرافية ، وكان هو الدافع الذي قاد إلى تلك الاستكشافات في عهد الاستعمار الغربي التجاري المبكر في آسيا، كما كان واضحاً في الطريقة التي حكم بها الأسبان والبرتغاليون والأوروبيون الآخرون والأمريكيون العالم الإسلامي المحتل.

 

ماذا استفادت هذه الجزر من دخول الإسلام إليها؟

كان لانتشار الدعوة الإسلامية في جزر الفيليبين مردود حضاري بالغ الأهمية في حياة سكانها. فقبل وصول الإسلام كان الناس يعبدون الأحجار والأشجار والشمس والقمر والجبال والحيوانات، وغن كانوا يعتقدون (كالمصريين القدماء) في البعث. فقد كانوا يضعون مع الميت ملابسه وأدواته وأسلحته وبعض الأطعمة، بل قد وصل الأمر إلي أن بعض القبائل كانت تري أن من إكرام الميت: قتل جميع أفراد أسرته وعبيده حتى يكونوا في رفقته خلال حياته الأخرى ولكي لا يشعر بالوحدة في عالمه الأبدي.. كذلك كانوا يعتقدون أن روح الميت تحضر لمنزله لتأكل وتشرب لذا كانوا يعدوا لها ما تشتهيه من أطعمه، ولمدة عام حتى تنزل لقبرها. كانت بعض القبائل تحرق الميت هو وزوجاته الأحياء كما كان يحدث في الهند إلي وقت قريب. قضي الإسلام علي كل هذه الجهالات، وارتقي بمفاهيم وعقائد الناس وحرر عقولهم من الضلالة، ومدن حياتهم بإشراق الأنوار والتحضر. فآمن بالإسلام أهل الجزر، وأخلصوا له، ومن ثم دعوا إليه.

قبل قدوم الأسبان إلى جزر الفليبين كان أهلها منتظمين في كيانات سياسية صغيرة، على رأس كل منها حاكم يدعى "داتو"، ويندمج بعضها مع بعض في كيانات أكبر يحكمها "راجا". لذا فقد عرفت "الفليبين" عرفت نظام الدولة علي أيدي المسلمين قبل عدة قرون من قدوم الحملات الاستعمارية الأسبانية بقيادة المغامر البرتغالي "ماجلان"، وادعائه اكتشاف هذه الجزر، ثم توالي الحملات عليها مطلقين عليها أسم" جزر الفليبين" إرضاء لملك أسبانيا "فيليب الثاني"، واعترافا بدعمه وفضله في تحقيق أحلامه الاستكشافية.

في الأنديز المسلمة، (الاسم القديم الذي يطلق على مجموعة الهند وجزر جنوب شرقي آسيا)، وحسبما يقول البروفسور "هول": إن العرب تاجروا مع مالايا والأنديز قبل زمن طويل من ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، ومع حلول القرن العاشر الميلادي كان التجار العرب المسلمون نشيطين في تجارة الفلفل والقصدير من سومطرة والأنديز؛ ومن خلال الزواج المتبادل فقد نشروا الإسلام بين شعب المالاي". ويشير البروفسور "هول" إلي أن: "سومطرة كانت تحكَم من قبل سلطان مسلم في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، وقد شهد القرن الرابع عشر الميلادي غزوات للإسلام إلى داخل مالايا عندما وسع ماجاباهيت مسلم إمبراطور جاوه- سيطرته على شبه الجزيرة، ولكن نفوذ الإسلام في أعماق مالايا كان قد اكتمل خلال القرن الخامس عشر الميلادي. وبحلول ذلك الوقت كان الإسلام قد وصل أيضاً إلى الجزر الفليبينية وتغلغل شمالاً حتى "مانيلا". وحسب رأي "هول" فإن المولوكاس (المعروفة بجزر التوابل) أصبحت مسلمة سنة 1498م، وهي نفس السنة التي دار فيها "فاسكو دي غاما" حول رأس الرجاء الصالح ووصل إلى الهند.

 

من رواد الدعوة الإسلامية في الفيليبين

تقول إحدى الروايات أن بعض العلويين فروا من بني أمية، أو من بطش "الحجاج"، فاتخذوا طريقهم غلي الهند عبر حضر موت، ومن ثم إلي جزر جنوب شرق آسيا واستقر بعضهم في أرخبيل الملايون وتوزعوا بين سومطره وجاوا وجزر الفليبين.

من الأسماء التي كان لها أثرها الكبير في نشر الدعوة الإسلامية في هذه الجزر ثمانية أشخاص هم: الشريف أولياء، الشريف مخدوم، الشريف مرجا، الشريف حسن، الشريف زين العابدين، الشريف أحمد رجا باقندا، ، الشريف أبو بكر، الشريف محمد بن علي. ويتحدث الشيخ (احمد بشير)" رئيس جمعية" إقامة الإسلام" بمدينة مراوي بالفيليبين في كتيب صغير عن هؤلاء الرواد فيقول: الشريف مخدوم هو إسحاق ابن الشريف أولياء، وقد قدم إلي جزيرة مندناو وأرخبيل صولو عام 785هـ ـ1365م، وكان غزير العلم، زاهدا، وهب حياته للدعوة إلي الله تعالي،

وكان أكثر هؤلاء نشاطا وشهرة الشريف أبو بكر الذي لقب:"بالسلطان العامل المجد الداعي المجتهد حامل بشري الإسلام..الخ". وكان قد وصل إلي صولو عام 854هـ ـ 1434م، وهو أول من أسس الحكومة الإسلامية في جزيرة صولو. وكان ولي عهده في حكومته أول من تولي رئاسة القضاء، وكان قد تزوج من ابنة الشريف أحمد بن علي الملقب " راجا قنداو" والذي وصل إلي الجزيرة في عام 810هـ ـ 1390م.

وبعد وفاة الشريف احمد، تولي الخلافة والسلطنة الشريف أبو بكر فأقام بيت المال وجدد المواساة بين الناس، وأداء الحقوق لأصحابها، وإخراج العطاء سنويا، ونظم نفقة للأرامل والأيتام والفراء وأسس مسجدا في صولو سماه"عنوان الإسلام" ونظم البلاد وقاوم القراصنة وقطاع الطرق من الوثنيين، فأنتشر الأمن في ربوع المنطقة وانتشر نفوذ حكومته حتي وصل إلي جزيرة "لوزون"( اكبر جزر الأرخبيل)، وجزر بيساياس، وسيلي، وسيليبس، وسيلاواسي، وفالاوان، وشمال بورنيو وبحر الصين. امتد الإسلام إلي هذه الجزر ودخل أهلها بهدوء وسلام إلي الإسلام. أصبحت جزر الفيليبين مملكة إسلامية، واستمرت خلافة هذا الداعية النشط واحدا وثلاثين عاما حتى توفي في عام 885هـ ـ 1465م، وظلت المملكة الإسلامية قائمة حتى وصول "ماجلان" عام 940هـ ـ 1521م. فبدا عهد الفوضي والتدهور والدماء.

الشريف محمد بن علي، الشاب المقيم في ولاية جوهور( بجزيرة الملايوـ ماليزيا) يستأذن والده في التوجه إلي الجزر الشرقية للدعوة في سبيل الله، ويبحر في عدد من المراكب الشراعية، هو وأخويه احمد، وعلوي، وعدد من المسلمين، فلما بلغوا عرض البحار الكبيرة فرقتهم رياح شديدة، فوصل الشريف محمد إلي مندناو، وصل احمد إلي صولو، بينما وصل علوي إلي بروناي. كان ذلك عام 906هـ ـ 1486م، ورحب أهالي مندناو بالشريف محمد بن علي وولوه ملكا عليهم وبايعه رؤساء القبائل، فكان أول من لقب بالسلطان في جزيرة مندناو، ثاني جزر الفيليبين. صار الشريف محمد بن علي يتنقل بين القري داعيا الناس لدين الله منظما أمورهم، ومدبرا شئونهم ومصالحهم، حتى استتب الأمن والنظام وعم الرخاء أرجاء البلاد.

 

الاستعمار الأسباني للجزر.. تعقب للقضاء علي المسلمين في الأندلس

من المعلوم أن المسلمين قد فتحوا الأندلس في نهاية القرن الأول الهجري، واتجهوا بعدها نحو أوروبا لإنقاذها مما تعيش فيه من الجهل والظلام، فأحرزوا بعض النصر، واستقروا في جنوب بلاد الفرنجة، وتقدموا نحو الشمال، ثم توحدت ضدهم قبائل البربر التي كانت تنتقل في تلك الأرجاء ومعها النصرانية المتربصة؛ حيث كانت الكنيسة تحيك الخيوط وتنسجها لتستعيد سيطرتها من جديد على البقاع التي دخلها الإسلام. نتيجة لذلك الاتحاد بين البربر والصليبيين هـُزم المسلمون في معركة "بلاط الشهداء" بوسط فرنسا، وانسحبوا من ميدان المعركة، إلا أن هذا الانسحاب وإن لم يمنع المسلمين من معاودة الجهاد في تلك الجهات، لكنه عمل على توحيد جهود أوروبا لمساعدة نصارى الأندلس ضد المسلمين، والوقوف معهم صفاً واحداً لقتال المسلمين وطردهم من الأندلس، وقد استمر هذا الصراع عدة قرون.

لقد كان ميل المسلمين في الأندلس نحو الرفاهية والملذات، وتناحرهم وتفرقهم أمرائهم وتصارعهم من أكبر عوامل ضعفهم وانحدار دولتهم وفق دورة حياة الدول والحضارات. في حين كانت أوروبا تتحين الفرص للإجهاز عليهم، وقد تمكنت من ذلك في نهاية الأمر.ف بعد خروج المسلمين من الأندلس (898 هـ- 1493م)، لما شعرت أوروبا بنشوة الظفر والنصر، انطلقت خلف المسلمين، ووضعت الخطة لذلك، وكان رأس حربتها كلا من أسبانيا والبرتغال، فانطلق البرتغاليون حول إفريقية، ثم توجهوا شرقاً، فوصلوا إلى الهند، ومالاقا، وسنغافورة، وبعض الجزر الإندونيسية. أما الأسبان فقد توجهوا غرباً لحصار المسلمين من كل جهة. وممن اقتنعوا بفكرة حصار المسلمين الملاح البرتغالي"ماجلان" وسيرته وقصة رحلته الاستكشافية الشهيرة حول العالم كان لها كبير الأثر في موضوع كروية الأرض، ووضعت الأسس العلمية لرسم خريطة اليابسة على سطحها، فعرض فكرته على ملك أسبانيا، فشجعه للقيام بها وقدم له كل ما يلزم، فغادر"ماجلان" أشبيلية في شهر رمضان من عام 925هـ - 1519 م، وسارت مراكبه على السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية، ووصل إلى أقصى الجنوب، ودخل ممر أرض النار الذي عرف فيما بعد باسم "مضيق ماجلان"، ثم أبحر في المحيط الهادي، وسار فيه مدة ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، لم ير خلالها عاصفةً، ولا يابسة، ثم واجه بعدها نقصا في المؤن، وبدأ المرض يفتك بملاحيه، ولكن تحت إصراره استطاع أخيراً أن يصل إلى تلك الجزر التي عرفت فيما بعد باسم "الفليبين" وذلك عام 927هـ - 1521 م، وقد استمرت رحلته هذه عاماً وسبعة أشهر، واستسلم في نهايتها لليأس، وظن أنه قد وصل إلى جزر التوابل، وهي جزر "الملوك" في إندونيسيا، ولكن سرعان ما تبين له أن الأرض التي رست سفنه على شواطئها ليست هي الجزائر التي قصدها، فأطلق عليها "سانت لازار".

اتفق "ماجلان" مع حاكم جزيرة "سيبو" ويدعى "هومابون" على أن يدخل في النصرانية الكاثوليكية علي أن يكون ملكاً على جميع الجزر تحت التاج الأسباني، وأخذ "ماجلان" يعمل لتمكين صديقه من السيطرة، وانتقل الأسبان من جزيرة "سيبو" إلى أخري شرقها، وتدعى "ماكتان"، وكان عليها سلطان مسلم يدعى "لابو لابو"، ولما علم الأسبان بذلك طاردوا نساءها، وسطوا على طعام أهلها، فقاومهم الأهالي، فأضرم الأسبان النار في أكواخ السكان، وفروا هاربين.

رفض "لابو لابو"الخضوع لماجلان، وحرض سكان الجزر الأخرى عليه، ورأى "ماجلان" الفرصة مناسبة لإظهار قوته، وأسلحته الحديثة، فذهب مع فرقة من جنوده لقتال "لابو لابو" وتأديبه. فطلب "ماجلان" منه التسليم: "إنني باسم المسيح أطلب إليك التسليم، ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد". فأجابه "لابو لابو":"إن الدين لله، وإن الإله الذي أعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم"، ثم هجم على "ماجالان"، وقتله بيده، وشتت شمل فرقته، ورفض تسليم جثته للأسبان، ولا يزال قبره شاهداً على ذلك هناك. انسحب الأسبان من تلك الجزر بعد هزيمتهم ومقتل قائدهم، وتابع "سباستين دل كانو" نائب ماجلان الطريق، فوصل إلى أسبانيا في شوال عام 928هـ - 1522 م على ظهر سفينة واحدة، بقيت من أصل خمس سفن تألف منها أسطول "ماجلان" عند بدء الرحلة، وصل ومعه ثمانية عشر راكباً من أصل 265 راكباً.

بعثت أسبانيا أربع حملات متتابعة، وكانت هذه الحملات ترسو على شواطئ جزيرة"مينداناو" حيث يكثر المسلمون، فكان القتل من نصيب أفراد هذه الحملات جميعاً. وكان على رأس إحدى هذه الحملات "روي لوبيز" بين عامي 949– 950هـ (1543م)، وهو الذي أطلق اسم الفليبين على هذه الجزر تيمناً منه بالأمير"فيليب" أمير النمسا، والذي أصبح ملكاً على أسبانيا فيما بعد باسم "فيليب الثاني".

إن البرتغاليين عندما وصلوا إلى مالايا والأنديز، شنوا حرباً جديدة وعنيفة، كالحملات الصليبية ضد الإسلام، كما فعلوا قبل ذلك بعدة سنوات في شبه جزيرة إيبيريا (وهي شبه جزيرة إسبانيا والبرتغال). ووصول الإسبان إلى الجزر الفليبينية في القرن السادس عشر جاء بالنتائج نفسها هناك. وخلال القرن السادس عشر وما بعده خاضت كلا القوتين النصرانيتين عدة حروب ضد السلطان المسلم الوطني وبالروح الصليبية نفسها. وفي الحقيقة فإن الأسبان لم يجدوا فرقاً بين العرب المسلمين في إسبانيا والذين سموهم هناك "مور" وبين المسلمين الذين سكنوا جزر الأنديز، ولهذا السبب فقد سموا المسلمين أيضاً "مور"، وهذه الكلمة تحولت فيما بعد إلى "مورو". وحتى اليوم فالأقليات المسلمة التي بقيت بصعوبة في الأجزاء الجنوبية من الفيليبين تعرف بهذا الاسم. لكن على الرغم من أن البرتغاليين والأسبان قد شرعوا في نشر النصرانية بالقوة بين سكان جزر الأنديز فإن الإسلام قد انتشر في الجزر بطرق سلمية بشكل رئيس.

 

 

 

أهداف الاستعمار الأسباني

بعد إبادة الحملات الأسبانية المتكررة، تأكدت أسبانيا من قوة المسلمين في جزر الفليبين. بدأ الغزو الأسباني الفعلي والحقيقي عام 973هـ - 1565 م أي بعد معرفتهم الأولى لهذه الجزر بسبع وأربعين سنة، وقد أعلن الأسبان صراحة أنهم جاءوا لتطبيق سياسة هدفها: توسعة رقعة الممتلكات الأسبانية، وتنصير سكان البلاد المحتلة. وصلت الحملة الأسبانية الكبيرة بقيادة "لوبيز"، واستقرت في جزيرة "سيبو" حيث شيدت قلعة "حصينة" فيها لإقامة الجنود، ثم تم اتخاذ هذه الجزيرة قاعدة لغزو الجزر الأخرى، حتى استطاع أن يستولي على مملكة "رجا سليمان" بعد قتال مرير، واستشهاد سلطانها عام 978 هـ - 1571م، وأنشأ الأسبان على أنقاض قاعدة هذه المملكة مدينة "مانيلا" (في آمان الله) العاصمة الحالية.

كان من عادة القوات الأسبانية أن تتحصن في القلاع خوفاً من انقضاض سكان المستعمرات عليها، لذلك بنوا في داخل "مانيلا" مدينة أخرى أحاطوها بأسوار ضخمة، وأطلقوا عليها اسم "انترامورس" أي المدينة المنورة، وجعلوها مقراً لحكومة الاحتلال، حيث أقيمت فيها محاكم التفتيش. كانت هذه المحاكم من النوعية التي لم ير التاريخ لها مثيلاً؛ شعارها (القسوة التي لا رحمة فيها، والاضطهاد الذي لا هوادة فيه لأعداء الكاثوليك).

كانت هذه المحاكم تستمد سلطتها من البابا مباشرة ولا دخل للحكومات في تصرفاتها إلا القيام بتنفيذ أحكامها. كانت جلساتها سرية وكانت تتجسس بكل الطرق وتقبض على من تشاء وتعذب المقبوض عليهم بما تراه حتى تكرهم على الاعتراف بالإلحاد فتوقع عليهم عقوبة الإحراق أو السجن المؤبد ومصادرة الأملاك حتى التائبون منهم يسجنون طوال حياتهم تطهيراً لهم من جريمة الإلحاد. وكانت هذه المحاكم تراقب المطبوعات وتحرق ما لا يتفق منها مع المذهب الكاثوليكي، ويذكر التاريخ هذه المحاكم كأعظم نقطة سوداء في تاريخ النصرانية لما أجرته على الشعوب البريئة من الويلات.

من "مانيلا" خرجت حملات أخرى لمد سلطان أسبانيا على جزيرة "لوزون" وغيرها من المناطق الشمالية والجزر الوسطى، ووجد الأسبان أمامهم في هذه الجزر بعض السكان من المسلمين، ومنهم حكامها، فأعطوهم اسم "المورو"، وهو الاسم الذي كانوا يطلقونه على مسلمي المغرب فأطلقوه هم والبرتغاليون على المسلمين أينما وجدوهم فيه في مدغشقر وسيلان وجنوب شرقي آسيا.

وفي عام 973هـ ـ 1565م حصل "ليكاسبي" على إذن من "فيليب الثاني" باسترقاق المسلمين لأنهم يدعون لعقيدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أعطيت أوامر عام 986هـ - 1578م، للكابتن "استبان رودر" بهدم المساجد، ومنع إعادة بنائها في صولو ومندناو.

حاول الأسبان السيطرة على الجزر كاملة، فقد استطاعوا أن يخضعوا الجزر الشمالية حيث المسلمون قلة، إلا أنهم قد عجزوا عن إخضاع الجزر الجنوبية التي استعصت عليهم رغم المحاولات المستميتة التي بذلوها في غزوها، إذ صمد المسلمون من سكان هذه الجزر صموداً قوياً جعل الأسبان ييأسون من السيطرة عليها، لّذلك انصرفوا إلى المناطق الأخرى يوطدون بها سلطانهم، ويبشرون فيها بالنصرانية الكاثوليكية.

 ظلت الحروب سجالاً بين الأسبان والمسلمين نحو377 عام، وكانت سفن المسلمين المسلحة تقوم بمهاجمة السفن الأسبانية وتأسر الآلاف من الأسبان، وتبيعهم في سوق الرقيق، كرد فعل لما فعله الأسبان لاستعباد المسلمين وتنصيرهم.

أدرك الأسبان استحالة سحق المسلمين فاعترفوا عام 1252هـ - 1836 م باستقلال سلطانهم في صولو ولكنهم عادوا واستولوا على حاضرة البلاد عام 1291 هـ – 1874م، فلجأ المسلمون إلى القيام بالغارات فكان حكم الأسبان اسمياً فقط، فكتب "بلتزار جير" إلى الحاكم الأسباني عام 1298هـ - 1881م يقترح اتباع سياسة قبول الواقع الإسلامي، فهي الطريقة الوحيدة لوقاية النفوذ الاستعماري من الانهيار.

 نتيجة هذا فقد انقسم سكان الجزر إلى عدة مجموعات، واحدة تتألف من الذين غلبوا وتحولوا إلى الكاثوليكية، وقد أسلمت زمامها إلى المدنيين الأسبان وإلى الكنيسة، ويعيش هؤلاء غالباً على شكل جماعات مستقرة في قرى تدعى "الباريوز"، ويعملون في زراعة الأرز، والثانية مجموعة لم تهزم، وتمسكت بمعتقداتها في الأرواح، وانعزلت في الجبال والمناطق الداخلية من البلاد في الجزر الرئيسية. أما المجموعة الثالثة من السكان فهي التي لم تهزم أبداً، وقد كان أفرادها يعيشون تحت سلطة أربع سلطنات إسلامية، يكسبون عيشهم من التجارة والصيد البحري.

والوجود الأسباني في جزر الفليبين قد نتج عنه وجود عنصر خليط عرف باسم "مستيزو"، وقد نشأ من تزاوج السكان مع الأسبانيين أو الصينيين، وأصبح لهذا المزيج دور في المجتمع، وامتزجت أقليات أخرى فيما بعد شملت الهنود والأوروبيين والأمريكان.

 

استمرار المقاومة الموحدة ضد المستعمر

 استمرت المقاومة الإسلامية على الرغم من أن الأسبان قد ارتكبوا الجرائم والمذابح الوحشية كالتي ارتكبوها في الأندلس، ولم يستطع التفوق العددي والحربي الأسباني، أن يحطم مقاومة المسلمين، إذ إن الأسلحة لا تقف أمام الإيمان، والاستعداد لا يكون بالأسلحة فقط وإنما بالروح المعنوية التي لا مصدر لها إلا الإيمان، ولا تقاتل الشعوب إلا بعقيدتها، ولا تنتصر إلا بإيمانها، ومن أهمل جانب الإيمان انقلبت معاركه إلى هزائم. والمسلم يرفض الخضوع للمغتصب، ولمن لا يدين بدين الحق، ومع هذا الرفض استعلاء بالإيمان، وهذا ما جعل المقاومة الإسلامية عنيفة. وبقيت سلطنات المسلمين مستقلة في الجنوب.

ولكن هذا الأمر اختلف بعد السيطرة الهولندية على جزر الهند الشرقية، والسيطرة الإنجليزية على ماليزيا، فقد تمكن الأوروبيون من عزل مسلمي الفيليبين عن بقية العالم الإسلامي بالقرصنة البحرية وبيع الأسرى المسلمين في أسواق النخاسة. مما تسبب في ضعف المسلمين وتأخرهم، ورغم ذلك فقد بقيت إمارتان إسلاميتان في جنوب الفيليبين هما: إمارة صولو وإمارة ماجندناو تجاهدان الغزوات الصليبية المتوالية، ولم يستطع الأسبان سوى السيطرة على بعض المناطق الساحلية وقليل من المدن، ولكنهم نجحوا في عرقلة انتشار الإسلام شمالاً، ومنع المسلمين من الحركة بدعوتهم.

  إن الضغط الأسباني على السكان قد جعلهم يتقاربون بعضهم مع بعض، ويندمجون في كيانات مستقلة، إذ حكمت أسبانيا المناطق التي سيطرت عليها بالحديد والنار، وفرضت على السكان الديانة النصرانية الكاثوليكية، والثقافة واللغة الأسبانية، ونظراً إلى أن مختلف القبائل كانت تنظر إلى الأسبان كعدو مشترك فقد جمعت بينهم هذه النظرة بين مختلف القبائل، واندلعت الثورة عام 1290هـ - 1893م، ثم عادت فتأججت عام 1314هـ - 1896م، واضطر الحاكم العام الأسباني الجنرال "جوينالدو" إلى أن ينسحب إلى "هونج كونج" في العام نفسه، وإذا كانت القوات الأسبانية قد تمكنت من القضاء على تلك الثورات، إلا أن منظمة سرية بقيت تعمل في الخفاء، واتصل بها الأمريكان كي تساعدهم في طرد الأسبان من تلك الجزر ليحلوا محلهم.

بدأت العمليات المشتركة عام 1316هـ - 1898م، حيث دمر الأسطول الأسباني، فقررت أسبانيا الانسحاب من تلك الجزر مقابل خمسة ملايين دولار تدفعها أمريكا. انسحبت أسبانيا من الفيليبين بعد معارك تمثيلية، وعاد الحاكم العام من"هونج كونج"، فأعلن استقلال الفيليبين عن أسبانيا، وكانت قد تمت معاهدة باريس في العام نفسه، وفيها تخلت أسبانيا للولايات المتحدة عن الفيليبين،وكوبا، وبورتوريكو، وهكذا أصبحت جزر الفيليبين تتبع الولايات المتحدة.

في عام 1941م غزا اليابانيون الفليبين واحتلوها اثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت جيوش اليابانيين من أقسى الجيوش الاستعمارية في التعامل مع أبناء المستعمرات، مما أشعل نيران الثورة ضدهم فتعاون أبناء الفيليبين، مسلمين وغير مسلمين، في مقاومتهم منذ عام 1943م، وظلوا على هذا الوضع حتى انهزمت الجيوش اليابانية في عام 1945م. وقد قامت القيادات الإسلامية خلال هذه المرحلة بتجنيد أربعين ألفا من المقاتلين المسلمين الأشداء الذين وجهوا اشد الضربات لليابانيين، مما جعل الأمريكيين يسلمون بمنح الفيليبين استقلالها عام 1946م. ووضع لها نظام حكم ديمقراطي على غرار النظام الأمريكي، لكن الأمريكيين لم يغادروا الجزر، وظل لهم وجود عسكري واضح حتى عام 1991م.

كان من المفترض أن يكون للمسلمين نصيب كامل في حكم بلادهم بعد الاستقلال، والذي شاركوا بقوة وإخلاص في تحقيقه. لكن التبشير ـ قديمه وحديثه ـ مع دعم القوي المعادية للمسلمين، كان قد اينع وأثمر، فظهرت فئات المثقفين المسيحيين المتعصبين الذين أعدتهم الكنائس، واستولوا علي مقاليد الحكم، وشكلوا حكومات نصرانية متعاقبة، تجاهلت تاريخ وحقوق المسلمين المشروعة والعريقة، فتم إبعادهم عن مناصب الدولة، إلا من تعلم في مدارس الإرساليات وأظهر تنكرا لدينه ومطالب قومه. بل غزوا مناطقهم المسلمة، حربا وتبشيرا، بالكنائس ومدارس التبشير، ومحاربة التعليم العربي والإسلامي، والضغط الاقتصادي، والتلويح لهم بالخبز والتعليم والعمل لمن يترك دينه وينضم لعقيدتهم ومسيرتهم.

نظراً لانحسار الزراعة والارتباط بالأرض ضمن قائمة الأوليّات الأقتصادية والمجتمعية (تحتّمه طبيعة جزر الفليبين وتعرّضها الدائم للفيضانات)، وتركيز المشاريع التنموية في المناطق النصرانية، وتهميش المناطق المسلمة، بل وزحف الجماعات النصرانية علي مناطق المسلمين، والضغط علي المسلمين للهجرة منها، والاستيلاء علي المناطق الحيوية والأراضي الجيدة تحت دعاوي إقامة المرافق والمشاريع الحكومية. كما اكتشفت في جزيرة مينداناو وفي المناطق الإسلامية جنوب البلاد ثروات طبيعية، مما دعا الحكومة المركزية إلى إشعال الحروب تحت اسم "محاربة الإرهاب".

كذلك تشكلت جماعات نصرانية منظمة (مثل جماعة الفئران "ايلاجا") التي تقوم بمهاجمة قري المسلمين وذبح النساء والأطفال وإشاعة الرعب والفوضى لتهجير المسلمين من قراهم. ففي مدينة كوتابانو التي كان المسلمون يشكلون 95% من سكانها، قامت السلطات النصرانية بتقسيمها إلي ثلاثة مناطق هي: كوتاباتو، وسلطان قدرات، وماجنداناو وتم إحضار غير المسلمين لتغير التركيب السكاني واليموجرافي حتى انخفض نسبة المسلمين فيها إلي اقل من 40%. فكُتب على المسلمين الجهاد مرة أخرى ضد الاستعمار التنصيري/ الصليبي الذي خلف كلا من الاستعمار الأسباني والأمريكي.. ودفاعا عن هويتهم وتاريخهم ووجودهم العريق، وتمكينا لهم من حكم أنفسهم، وتنمية مجتمعاتهم.

 

الصحوة الإسلامية في الفيليبين

بدأت الصحوة على أيدي الشباب المسلم فتكون اتحاد مسلمي الفيليبين، وعقدت مؤتمرات، وتقرر إنشاء معهد إسلامي شمل بعض الكليات. وفي عام 1381هـ تم إنشاء مركز إسلامي يضم مسجداً ومكتبة ومدارس ومنازل للطلاب. وانتشر النشاط إلي أن تبلور بإعلان "جبهة تحرير مورو"  سنة 1968م بقيادة "نور ميسواري" و"سلامات هاشم"، فخاضت الجبهة جهاداً عظيماً. لكن بدأ "نور ميسواري" ينحرف بالجبهة عن خطها الإسلامي مما سبب انفصال العلماء والمخلصون عنه وأسسوا "جبهة مورو الإسلامية" ضمت 90% من رجال الجبهة السابقة، وبقيادة "سلامات هاشم".

أبرز الاتجاهات الدعوية في الفيليبين:

1ـ "جبهة مورو الإسلامية": هي أوسع اتجاه جهادي اجتماعي دعوي في الفيليبين بقيادة "سلامات هاشم"، وقد تأسست عام 1977م كفصيل مستقل عن "جبهة تحرير مورو". تخوض جبهة مورو الاسلامية للتحرير التي تضم نحو 11 ألف عضو مفاوضات بشكل متقطع مع الحكومة منذ أكثر من عشر سنوات لإنهاء نحو 40 عاما من الصراع أسفرت عن سقوط 120 ألفا تقريبا. وتعثرت المحادثات التي ترعاها ماليزيا منذ عام 2001 في ديسمبر كانون الأول 2007م بشأن مسائل دستورية، لكن كوالالمبور بدأت في سحب مراقبي السلام العزل التابعين لها في الجنوب بسبب عدم إحراز تقدم. وتلتزم مانيلا وجبهة مورو الاسلامية للتحرير أكبر جماعات الثوار المسلمين في الفلبين بوقف لاطلاق النار منذ عام 2003 ولكن تدهورت العلاقات في الاونة الاخيرة وسط خلافات بشأن منح أراض لمسلمين في الجنوب مما فجر موجة من الاضطرابات. وقال متحدث باسم جبهة مورو الاسلامية للتحرير ان الجنود تسللوا داخل منطقة تابعة للجبهة في باسيلان مما اضطر الثوار للرد. وقال عيد كابالو "هذا تجاهل تام لاتفاق وقف اطلاق النار بيننا وبين الحكومة الفليبينية.. لدينا فريق مراقبة محلي في المنطقة وسنقدم احتجاجا لمنع المزيد من التصعيد في القتال.

2- جماعة (أبو سياف): جماعة جهادية أسسها الأستاذ "عبد الرزاق جان جيلاني"، وظهرت على الساحة في العقد الأخير ولكنها لم تصل إلى مستوى التنظيم الشامل. يوجد بين جماعتي (مورو الإسلامية وأبو سياف) تعاون، كما أن بينهما اختلاف في الوسائل والأولويات.

وقد اشتركت لحكومة الأمريكية في محاربة هذه الجماعات المسلمة، فأرسلت قواتها للتعاون مع الجيش الفليبيني والحكومات المتعاقبة. ففي فترة حكومة إسثراده (الرئيس المخلوع) حاربت الحكومة كلا من الجبهة الثورية التي يرأسها "أبو سياف"، والجبهة الثورية التي يرأسها "هاشم سلامات" بالتعاون مع الجيش الأمريكي، واستطاع الجيش الحكومي التقلب على الجبهتين وتشتيت القوات الثورية بفضل الأسلحة المتطورة والأدوات الحربية التي جاءت بها القوات الأمريكية لمحاربة الثوار.

وكانت مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية بذلت جهودا في احتضان محادثات سلام لبحث الاستقرار في مناطق المسلمين بجنوب الفليبين. وعقدت جولات من المفاوضات تبحث سبل تطبيق اتفاق السلام الموقع بين الجبهة الوطنية لتحرير مورو والحكومة الفلبينية عام 1996. وأكدت قيادات الجبهة عن انشغالها بالبطء في تنفيذ هذا الاتفاق. ودعت قيادات الجبهة الحكومة الفلبينية إلى العمل على تمكين الجبهة من إدارة إقليم الحكم الذاتي. وناشدت هذه القيادات الحكومة منح عفو عام على كل أعضاء الجبهة. وعبر المشاركون في الاجتماع عن ترحيبهم بمساعي مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي تكللت بالنجاح في إطلاق سراح " نور مسواري ". وبذلت جهود من قادة هذه الجبهة، لتحقيق إجماع واتفاق نهائي لحل الخلافات القائمة حول قيادة الجبهة وبما يضمن تحقيق المصالحة والوحدة والتضامن بينهم, أعلنوا اتفاقهم باسم إعلان طرابلس بشأن المصالحة والوحدة بين قيادات فصائل الجبهة الوطنية لتحرير مورو.
ونص الاتفاق على تشكيل لجنة انتقالية للقيادة والوحدة من كل من: نور مسواري، ومسلمين سيما، وفاروق حسين، ومجاهد هاشم،  والفراسي سي ناجي، ويوسف زكيري. هذه اللجنة ستكون "المعبر الشرعي الوحيد" عن الجبهة الوطنية لتحرير مورو، والتي بإمكانها الدخول في أية مفاوضات أو اتفاقات, كما أنها ستتولى اللجنة الاتفاق حول الطريقة الملائمة لحل الأزمة المتعلقة بالقيادة بالطرق الديمقراطية قبل نهاية شهر يونيو 2008, بالإضافة إلى صياغة برنامج عمل يركز على الانشغالات السياسية والاقتصادية لشعب مورو.

الفليبين.. في الحاضر

 يوجد اقتصاد نامي ومتطور يعتمد علي الموارد البشريّة وتنميتها, وفق معطيات بسيطة وواقعيّة تشمل: اللغة، فلا يوجد فلبيني لا يتحدّث الإنجليزيّة (إن لم يكن بطلاقة فعلى أقل تقدير بصورة جيّدة جدّا), بل أن المصطلحات والمرادفات الإنجليزيّة تحتل مساحة لا بأس بها أثناء تحاور الفليبينيين مع بعضهم البعض بلغة التاجالوك الخاصة بهم. ويرجع ذلك لوجود الفليبين تحت الاحتلال الأمريكي, والذي لم يكن عسكريّا فقط بقدر ما كان ثقافيّا واجتماعيا. ولا يخفى على أحد أهمّية عامل إجادة اللغة الإنجليزيّة في خلق فرص العمل (خاصة بدول الخليج التي تعج بمختلف الجنسيّات التي لا يربطها فى الغالب إلاّ اللغة الإنجليزيّة).

الإستراتيجيّة العامّة للدولة: إستراتيجيّة فرضتها ظروف طبيعيّة و جغرافيّة و بيئيّة، فعلى صعيد الموارد البشريّة فإن الفليبين تأتى على رأس قائمة دول "الطرد". ودولة الطرد هى تلك الدولة التى تتبنّى سياسة التنشئة والتجهيز لمواردها البشريّة تحت هدف تصدير العمالة البشريّة (وهو هدف موضوع مسبقاً كسياسة عامّة و كتوجّه إستراتيجي). لكن يجب أن يوثق عقد العمل الأجنبي بالسفارة الفليبينية قبل السفر، حيث تقوم السفارة بحصر الشركات الغير موثوق فيها وترفض اي عقد يصدر من تلك الشركات لمنع حدوث اي حالات نصب من قبل الشركة الأجنبية على الرعايا الفليبينيين.

عوامل اجتماعية: أهمّها القدرة الفائقة للفليبينيين على التأقلم مع الغربة ووضعيّة الابتعاد لفترات طويلة عن الأسرة والوطن الأم, ويرجع ذلك إلى تفشّى ظاهرة قيام الفلبينيين (ذكورا و إناثا) من العاملين فى الخارج - و بخاصة الخليج- بالزواج فى بلد العمل من أجل تقاسم مصاريف الإقامة والتفرغ للعمل.

فالصفه الغالبة علي الفليبينيين الود الشديد لابناء جنسهم، وهم علي صله وطيدة ببعضهم البعض، ويسعون دائماًَ لمساعدة بعضهم البعض إما بتقاسم السكن أو المساعدة في العمل، وأحيانا علي حساب الجاليات الأخرى، ويتم تنسيق ذلك إما في السفارة او في الكنيسة. كما يسعون لاقامة الجمعيات التي تساهم في مساعدة الجالية في المهجر.

فارق العملة: انخفاض قيمة "البيزوس" الفليبيني إلى معدّلات خرافيّة أمام عملة دولة العمل يجعل من فارق العملة بين عملة دولة العمل وعملة الفليبين قادرا على أن يجعل من الراتب المنخفض للغاية للعمالة الفليبينية راتبا قادرا على أن يمثل شيئا ذا قيمة للعمالة الفليبينية (ألف ريال سعودى مثلا يمكّن الفليبيني من فعل أشياء كثيرة به (نتيجة تضافر فارق العملة مع عوامل أخرى كضغط النفقات نتيجة " زيجات الشراكة الاقتصادية".

عوامل بشريّة: عوامل تدخل فى صلب السمة العامّة للتركيبة الشخصيّة التي يتم زرعها في العمالة الفليبينية والتي تجعلها مجبولة على الطاعة العمياء للأوامر المعطاة لها في نطاق العمل وعدم مناقشة أى أمر صادر من الرؤساء حتى ولو كان به أخطاء جسيمة. فالفليبيني عبارة عن روبوت, وعندما يقوم الرئيس ببرمجته فإنه يظل يعمل حسب تلك البرمجة لحين قيام الرئيس بتعديل البيانات التي يقوم بإدخالها إليه (هذه الطبيعة قد خلقها وعمل على توطيدها الاحتلال الأمريكي منذ أكثر من 50 عاما بالفليبين).

ويعتبر الأرز مصدر الغذاء الأساسي فى البلاد. وعلى الرغم من أن الأرز ينتج على مدار العام، إلا أن إقليم لوزون وكاجايان هما أكثر الأقاليم التى ينمو فيها الأرز. ويمتد الموسم الممطر لمحصول الأرز من يونيو إلى نوفمبر. ويمتد موسم محصول الأرز الجاف من يناير إلى مايو-يونيو. وفى الجنوب، يصبح العكس هو الصحيح حيث يمتد الموسم الممطر للمحصول من شهر أكتوبر-نوفمبر إلى شهر مارس-إبريل أما موسم محصول الأرز الجاف فيمتد من شهر مايو-يونيو إلى شهر نوفمبر. تتم زراعة عدة أنواع من أرز الإنديكا ذو المحصول الوفير، إلا أن الميلاجروزا - وهو نوع تقليدي - ما زالت له شعبية في عدة مناطق. وقد بدأت زراعة أنواع الأرز الهجين مؤخراً وقد أصبحت له شعبية متزايدة.  يشكل الأرز نسبة 41% من استهلاك البلاد للسعرات الحرارية ونسبة 31% من استهلاك البروتين. إلا أن الإنتاج المحلى للأرز لا يمكن أن يفى بمعدل الطلب الحالي، مما يجعل الفليبين من أكبر الدول المستوردة للأرز.

 

السياحة في الفليبين.. دور الاستثمار العربي والإسلامي في دعم مناطق المسلمين

تشتمل الفليبين علي مدن حيوية تقدم لزائريها أجمل المعالم السياحية والجذابة، فمانيلا العاصمة تزخر بالحياة والنشاط، وهي تعرف بأزيائها الزاهية ومبانيها الأسبانية الرائعة، وشوارعها الحجرية وفنادقها الفخمة. فهي متعة للمتسوقين، إذ تعرض متاجرها المصنوعات اليدوية والقطع الأثرية الفريدة والمنقوشات الخشبية، كما تجد هنا الأقمشة المحلية المطرزة وملابس الأطفال والأحذية الرائعة ومحال الأزياء التي تعرض بضائع أفضل المصممين العالميين والقطع الفنية ذات الطابع الخاص. وهناك 20 ملعباً للغولف في مانيلا وحدها، فضلا عن المطاعم العديدة التي تقدم العديد من مأكولات العالم. وللتعرف أكثر على تاريخ هذه الجزر هناك زيارة قرية "نايونغ فيلبينو" النموذجية التي تعرض أزياء وتقاليد العديد من القبائل الفليبينية.

يوجد مسجد وطني ومركز إسلامي عريق في العاصمة مانيلا. ومسلمو العاصمة إما طالب علم جاء من الجزر البعيدة ليتعلم، وإما باحث عن الرزق أو هارب من مشاكل الجنوب.

 جزيرة " بوركاي" تـُعرف برملها الأبيض الناعم وأجوائها الهادئة الجميلة، وتبعد عن العاصمة بنحو ثلاث ساعات بالقارب, وتقدم بوركاي العديد من ألعاب الرياضة المائية ومحال الغطس وتسهيلات الغوص التي تستقطب الزوار.

أما جزيرة بوركاي فهي متطورة وهادئة ولطيفة مناخها يدعو للاسترخاء والاستجمام في إطار من الهدوء والسكينة. أما جزيرة "سيبو" (التي كانت أول محطة لـ " ماجلان ") فهي مازالت ـ كعادتهاـ ترحب بزائريها بحفاوة فريدة، وتعتبر سيبو أهم جزر " فيساياز". وتعتبر مدرجات أرز بناوى أحد عجائب الدنيا وقد أعلنتها منظمة اليونسكو موقعاً حضارياً عالمياً. وتضيف حقول الأرز الذهبية ومصاطب الأرز اللامتناهية جمالاً إلى مسطحات الأراضي. ينبغي أن يكون هناك دورا كبيرا للاستثمار العربي والإسلامي في مناطق المسلمين، يعوضهم عن نقص إمكاناتهم التنموية

المسلمون ومشكلات وتحديات الحاضر

مع كل هذه الموارد السياحية والاقتصادية والتنموية إلا أن المسلمين في الفليبين – وخاصة في محافظة لانا والجنوحي – يعانون الحرمان. الحرمان من القيادة المخلصة والأصيلة وتحقق تمثلهم تمثيلا نزيهاً. وذلك بسبب التزوير والتزييف وشراء أصوات الناخبين الذي يتجدد كل ثلاث سنوات في المحافظة والبلدية. فكثيرا ممن يتولون القيادة لا تربطهم بقضية المسلمين رابطة.. بل همهم الاستزادة من المكاسب والمصالح الشخصية.

أما من يطلب الوظيفة الحكومية فهو يحتاج إلى مبلغ كبير من المال يدفعه إلى مسؤول لتعيينه في الوظائف الشاغرة في القسم الذي يرأسه. إن هذا الفساد (اختلاس الأموال) والظلم قد وجد طريقه إلى المساعدات المالية من بعض الأثرياء المسلمين أو من المؤسسات الخيرية. فنحو ستين في المائة من هذه المساعدات قد تم إنفاقها في المشاريع الشخصية أو في الانتخابات للوصول إلي المناصب العالية في الحكومة. لذا فعلي هؤلاء المحسنين أن يتنبهوا ويفتحوا عيونهم ليروا أموالهم التي قدموها إلى الجهات المختلفة أو قدموها لتوزيعها للفقراء والمساكين والأيتام حتى لا يتكرر الأمر.

ومن مشكلات المسلمين انتشار الجهل بتعاليم الإسلام: إن عددا كثيرا من المسلمين قد هاجروا إلى المدن والبلديات في المحافظات التي يسيطر عليها المسيحيون طلبا للرزق، وهم يزاولون الأعمال التجارية. إن أكثر من هؤلاء الذين هاجروا إلى الأماكن المختلفة أكثرهم لا يعلمون عن الإسلام الا بقدر ضئيل، وهم قد ولدوا من أبوين مسلمين، وصاروا مسلمين بالوراثة، وهم في حاجة هامة إلى معرفة الإسلام لتتمثل التعاليم الإسلامية في أخلاقهم ومعاملاتهم، ويكوّنوا صورة حية للإسلام. فالمواطنين من الأديان الأخرى يوجد عدد منهم ينظرون إلى بعض المسلمين المنحرفين كمرآة للإسلام، وهم لا يميزون بين الإسلام وبين سلوك بعض المسلمين.

ومحاولات التنصير المستمرة، وتوهين صلة المسلمين بالإسلام، وإحداث البدع في عقيدتهم، والتشكيك في القرآن الكريم، ونشر مصاحف محرمة ومزيفة. واتهام الإسلام زورا بأنه:"دين التخلف والفوضى والعنف"، وإحياء النعرات القومية والإقليمية واللغوية، وإشاعة الخمر والقمار والبغاء  ولحم الخنزير بينهم.

هناك مشاكل أسرية واجتماعية: فقبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بسنوات كان المسلمون في الفليبين لا يتسامحون بزواج بناتهم للمسيحيين طاعة لكتاب الله، ولكن في الوقت الحاضر وفي فترة الحكم العرفي   انقلب هذا الأمر. وبعد إعلان الحكم العرفي والمعارك الكثيرة التي دارت بين المجاهدين وبين الجيش انحط المستوى المعيشي نتيجة للمعارك والاضطرابات الداخلية، هناك عشرات المئات من البنات المسلمات يعملن كخادمات في الدول العربية.

وهناك مشاكل في التربية والتعليم: محاولات حثيثة لفصل بين الآباء والأبناء حتى يخرج الأبناء من تحت التربية الدينية للآباء، كي ينفصلوا عن العقيدة والتوجيه الديني، وعن الصلة بالعلماء. ففي أواخر 2004م بدأت بعض الدول المسيحية مثل الولايات المتحدة واستراليا بقيام مشروع وضع المناهج الدراسية لتدريس العلوم الإسلامية في المدارس النموذجية – على حد تعبيرهم – التي يقيمونها. وقد بدؤوا باختيار أناس من المسلمين يتعاونون معهم في وضع المناهج الدراسية وصياغتها وتدريب المدرسين يقومون بتدريس العلوم الإسلامية في المدارس التي يقيمونها. وإن الأموال التي أعدت لهذا الغرض بلغت مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

إن غير المسلمين الذين ينفقون الأموال الطائلة لتدريس العلوم الإسلامية لأبناء المسلمين – لاشك – أن لهم أغراضا وراء هذه الأعمال. فهذا جزء من المخططات للقضاء عليه، أو تحريفه في قلوب أبناء المسلمين (للسكوت علي الحقوق، والصمت عن قول الحق، وتعطيل تعاليمه ورسالته، وقصره علي المسجد فقط، حيث أداء الشعائر والفرائض التعبدية، لا يسير حياة الفرد والأمة في مختلف جوانب الحياة وفي شتى النشاط الإنساني الفردي والجماعي). في حين إن الإسلام الأصيل لم يترك ميدانا من ميادين الحياة إلاّ وضع فيه نظاما فريدا يقول الله جل وعلا: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89).

كثرة الخلافات المذهبية بين المسلمين: إنّ بعض العلماء الخريجين من الجامعات الإسلامية من الدول العربية، مازالوا يثيرون الخلافات المذهبية، وهذا ليس في صالح الدعوة الإسلامية في الفيليبين.

ومشكلات عامة بين المسلمين كانتشار الأمية والفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية. إن أعداء مسلمي الفليبين يحاولون  بالطرق المختلفة إهمال شؤون المسلمين وعدم الاهتمام بما يمارسه بعض المسلمين من التزوير والتزيين وشراء أصوات الناخبين في الانتخاب .. واختلاس أموال الحكومة، ينسحب المسلمون الملتزمون بدينهم من ميدان السياسة، ويتركوها لهؤلاء الانتهازيين، وبالتالي الحكومة المركزية، تتمكن على سيطرة المناطق الإسلامية، واستغلال خيراتها، وفرض إرادتها على هؤلاء المسؤولين الذين تولوا المناصب الحكومية بالانتخاب المزيف، مع أن (السياسة (النزيهة) لا تنفصل عن الدين، بل هي أهم أقسام الدين التي تضمن حفظ القوانين الإلهية وتنفيذها والدفاع عنها.

هناك جهود دولية كبيرة (وخاصة من ليبيا) تسعي لضمان دعم عملية السلام في الجنوب المسلم وخاصة المسائل المتعلقة بالتمكين السياسي والاقتصادي والحكم في إقليم مينداناو جنوب الفليبين, علاوة على الدخول في حوار مع الجبهة الإسلامية لتحرير مورو بما يضمن الوحدة والتضامن بين الجبهتين الوطنية والإسلامية. وتقرر الدعوة إلى انعقاد مؤتمر شعب مورو ليقرر نهائياً مسألة القيادة وليتبنى برنامج العمل قبل نهاية شهر أغسطس 2008. وقد أبدى القادة عزمهم والتزامهم بتركيز الاهتمام على تحقيق الوحدة والتضامن واستعدادهم للالتزام بقرارات لجنة القيادة الانتقالية. ودعا القادة الحكومة إلى إعادة تفعيل لجنة المراقبة المشتركة حتى تتمكن من أداء مهامها المحددة في اتفاق السلام الموقع في 2/ 9/ 1996م, كما دعوا الحكومة الفليبينية إلى منح العفو العام لكل أعضاء الجبهة الوطنية لتحرير مورو المتهمين بالتمرد (وكان قد أعلن بالعاصمة "مانيلا" عن الإفراج عن "نور مسواري" رئيس الجبهة الوطنية لتحرير "مورو" في السادس والعشرين من الشهر الماضي وذلك نتيجة للجهود المتواصلة التي بذلتها مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية منذ زيارة رئيسها سيف الإسلام للفليبين في الثاني عشر من شهر ديسمبر 2007م). وعبر قادة الجبهة الوطنية لتحرير مورو عن تقديرهم لمبادرة حكومة جمهورية الفليبين المتعلقة بمخطط إقامة النظام الفدرالي في الفليبين، ويدعوها بإلحاح إلى اشتراك الجبهة الوطنية في هذا الأمر.وطالبوا الحكومة الفليبينية بإشراك الجبهة في مباحثات السلام مع الجبهة الإسلامية.

المسلمون يشكلون اليوم خمس سكان الكرة الأرضية،  ينبغي لهم النهوض بدورهم الذي يليق بهم في هذا العالم.. إن العامل الرئيس الذي أدى إلى هذا الوضع هو الفرقة والتشتت اللذات فرضا على المسلمين تحت عناوين القومية والطائفية والوطنية. لذا يتحتم فسخ هذا النهج المناهض لروح الإسلام. فالقرآن يؤكد على توحيد الصف الإسلامي حول محور الدين والاعتصام بحبل الله المتين.

والمسلمون في الفيليبين في حاجة ماسة إلى توحيد صفوفهم، فوحدتهم وتضامنهم هما الأمل لمواجهة المؤامرات التي تحاك للقضاء عليهم. ثم هم ينتظرون مد يد العون والتعاون والتكافل والنصرة لحقوقهم المشروعة.. فهل من مجيب؟؟.

ـــــــــــ

*كاتب وأكاديمي  

nasenna62@hotmail.com

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ