ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في الحاجة إلى القراءة العلمية للظاهرة الدينية

في نقد المقاربة الماركسية للدين

بقلم: د. إدريس جندا ري*

حضر الدين في المنظومة الفكرية الماركسية ؛ باعتباره مكونا من مكونات البنية الفوقية ؛ التي لا تشكل إلا انعكاسا للبنية التحتية ؛ و لذلك فإن الفكر الماركسي لم يعر الظاهرة الدينية الاهتمام الكافي ؛ بل إنه حسم معها منذ البداية ؛ من منظور سياسي ضيق ؛ باعتبارها لا تتجاوز أفيونا ؛ يخدر الشعوب المغلوب على أمرها . و لعل هذا هو ما يسعى (جون بول ويليمز) في كتابه " الأديان في علم الاجتماع " إلى تأكيده بقوله : " إن اعتبار الدين حقيقة خاصة بالبنية الفوقية ؛ تتمتع باستقلالية ضئيلة ؛ بالنسبة إلى القاعدة المادية في الحياة الاجتماعية ؛ حال دون رؤية ماركس للشؤون الدينية ؛ كنظام ديني مستقل (..) مما أدى به إلى تقليص الأمور الدينية ؛ إلى تأثيراتها السياسية ؛ الاجتماعية البارزة ؛ في مكان أو في آخر " (1)

 و لعل هذا الاقتصار على قراءة الظاهرة الدينية؛ من منظور الممارسة السياسية فقط؛ هو ما أوقع الفكر الماركسي في مأزق الخلط بين الدين و التدين؛ الشيء الذي حال بينه و بين القراءة العلمية الرصينة؛ لهذه الظاهرة الإنسانية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ البشري ؛ و هذا ما أثر سلبا على النتائج المستخلصة من خلال هذه القراءة .

 و يوضح المفكر السوري المتخصص في الميطولوجيا و تاريخ الأديان (فراس السواح) ؛ هذا التناقض الحاصل ما بين الدين و المؤسسة الدينية في الفكر الماركسي على الشكل التالي: " يختلط مفهوم الدين اليوم بفكرتنا عن المؤسسة الدينية و موقفنا منها ؛ إلى درجة تبعث على التشويش ؛ و تؤدي إلى نتائج مفجعة في بعض الأحيان ؛ و لعل أوضح مثال على ما أسوقه هنا ؛ هو تلك الجملة التي وردت في كتاب للفيلسوف الاجتماعي (كارل ماركس) 1818-1883 ؛ و التي تقول بأن الدين أفيون الشعوب (..) و الحقيقة أن ما قصده ذلك الفيلسوف ؛ ينصب في معظمه على المؤسسة الدينية لا على الدين ؛ على تفسير المؤسسة الدينية للدين ؛ لا على تدين الناس ؛ على تسييس الدين و استخدامه أداة ضغط و تسلط ؛ سواء من قبل السلطة الزمنية ؛ أو من قبل أية شريحة أو فئة ؛ تجعل من نفسها قيما على دين الناس ؛ و مرجعا أعلى لتفسيره ؛ و العمل بموجبه " (2)

 

 هكذا يبدو أن الظاهرة الدينية أعقد بكثير من الممارسة الدينية؛ التي رسختها المؤسسة الدينية؛ لتحقيق أهدافها الخاصة؛ سواء ارتبط ذلك بالإخضاع؛ أو الاستغلال... الذي يمارس باسم الدين. و النقد الحقيقي يجب أن يتوجه إلى هذه المؤسسة؛ التي تأخذ الدين رهينة؛ لتحيق مآربها.

 و لا يمكن لهذا النقد أن يحقق أهدافه المرجوة؛ إلا إذا أطلق سراح الدين من إسار هذه المؤسسة ؛ و ذلك عبر قراءته كظاهرة إنسانية ؛ من منظور علمي ؛ يستحضر قوة هذه الظاهرة و تجذرها في التاريخ الإنساني .

 أما بخصوص القراءة الإيديولوجية للظاهرة الدينية ؛ فإنها لن تحقق أي هدف ؛ بل على العكس من ذلك ؛ فهي تقدم خدمة مجانية للمؤسسة الدينية ؛ التي تحتمي وراء الدين ؛ و تتخذه وسيلة لترسيخ قيم العبودية و الاستبداد و التخلف .

و لعل هذا هو ما فطن إليه المفكر الماركسي الإيطالي (أنطونيو غرا مشي) 1891- 1937 ؛ حينما تجاوز نقد الدين إلى نقد المؤسسة الدينية ؛ فقد تعامل مع الكنيسة الكاثوليكية الإيطالية على أنها جهاز الدولة الإيديولوجي ؛ و لذلك فقد عمل على تحليل البنية الداخلية في الكتلة الدينية و العلاقات بين رجال الدين و العامة و التيارات المختلفة ؛ التي تخترق الكاثوليكية . و هذا ما دفع جان بول وليام إلى الإشادة بهذا التحول ؛ حينما يعتبر أن غرا مشي قدم تحليلا أعمق من تحليل ماركس و إنجلز ؛ مع الإخلاص في خطوطه العريضة للرسم البياني الماركسي " (3)

 إن ما يجب أن يتسرب إلى الفكر الماركسي؛ حتى يتمكن من القيام بوظيفته في مواجهة احتكار المؤسسة الدينية للدين؛ هو تلك الروح العلمية؛ التي تحلل الظواهر- و منها الظاهرة الدينية - و تستخلص النتائج ؛ بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي يمكن أن تؤثر سلبا على التحليل العلمي الموضوعي ؛ و تنزاح به ليخدم أجندة سياسية معينة ؛ مع التضحية بالموضوع المدروس . و لعل بوادر تحقق هذه المهمة الصعبة باتت تظهر في الأفق؛ بحيث يعترف الكثير من الكتاب الماركسيين بحدود ماركس و أخطائه في ما يختص بالدين.

 تؤكد مشال برتران في فرنسا ؛ أن مؤسسي الماركسية أخطأوا في توقع نهاية الدين الوشيكة ؛ و كتبت : في حال لم تكن قواعد الشعور الديني كلها ذات جذور اجتماعية ؛ فإن فرضية بقاء الدين ( كنوع من أنواع الوعي ) ليست مستبعدة . (4)

لكن ما علاقة التيارات الماركسية العربية بهذه التحولات؛ التي وصلت إلى حدود التشكيك في المقاربة الماركسية للدين؛ باعتبارها مقاربة؛ تعاملت مع المؤسسة الدينية و ليس مع الدين؛ الشيء الذي أثر على نتائجها سلبا في الأخير ؟

هل تبدو هذه التيارات قادرة على تجاوز المقاربة الإيديولوجية للظاهرة الدينية ؛ و استبدالها بمقاربة علمية ؛ تتعامل مع الدين كظاهرة قابلة للدراسة و التحليل ؟

إن الرهان المطروح على الفكر الماركسي العربي؛ بجميع تياراته يرتبط في العمق؛ بإعادة النظر في الكثير من المسلمات النظرية؛ التي تحكمت في قراءته للظاهرة الدينية ؛ و إعادة النظر هذه تتطلب اطلاعا فكريا على مختلف الاتجاهات و التجارب الفكرية في العالم ؛ مع محاولة الاستفادة منها ؛ و على الخصوص ؛ تلك الاتجاهات الفكرية التي استلهمت الروح الماركسية و طورتها ؛ سواء مع بيير بورديو في فرنسا ؛ أو مع ماكس فيبر في ألمانيا ؛ أو مع أنطونيو غرا مشي في إيطاليا ... و كلها تجارب فكرية عملت على تطوير المقاربة الماركسية في اتجاهات سياسية و فكرية مختلفة ؛ باعتبار الفكر الماركسي إطارا فلسفيا ؛ قادرا على دراسة مختلف القضايا الإنسانية ؛ دراسة علمية عميقة ؛ لكن هذا الفكر يظل في حاجة إلى التطوير و التجديد ؛ على ضوء التطور الذي يعرفه الفكر الإنساني عامة .

الهوامش :

1- جان بول ويليم – الأديان في علم الاجتماع – ترجمة : بسمة بدران – المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع – ط: 1 – 2001 – ص: 15 .

2- فراس السواح – دين الإنسان : بحث في ماهية الدين و منشأ الدافع الديني – منشورات دار علاء الدين – ط: 4 – 2002 – ص: 40.

3- جان بول ويليم – المرجع السابق – ص: 19 .

4- نفسه – ص: 20 .

________

*كاتب و باحث أكاديمي مغربي

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ