ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/04/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أسباب الطعن بعدم الدستورية

(1)

فارس حامد عبد الكريم*

مقدمة:

تتوسد القواعد الدستورية المكانة العليا في سلم التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة برمته، إذ هي تسمو على كل ما عداها من قوانين وأنظمة وتعليمات أو قرارات تتخذها السلطات العامة بما فيها السلطة التشريعية، فالدستور هو الذي يؤسس السلطات في الدولة، وهو الذي يحدد لها اختصاصاتها وطريقة ممارسة تلك الاختصاصات، فضلاً عن ما يتضمنه من قواعد متعلقة بحقوق وحريات المواطنين وواجباتهم.

ومن جانب آخر يضع الدستور قواعد عامة وموجهات وقيود ينبغي أن تراعيها سلطة التشريع وهي بصدد تشريع القوانين، وهذه القيود قد تكون قيوداً شكلية تتعلق بالشروط والإجراءات الشكلية التي يجب مراعاتها عند تشريع القوانين وإصدارها، أو هي قواعد وموجهات وقيود موضوعية تتعلق بموضوع القانون وفحواه. وتُعبر القواعد والموجهات الموضوعية عن القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة وقت وضع الدستور فضلاً عن طبيعة نظام الحكم وطريقة تدأول السلطة.

فإن حادت سلطة التشريع عن مقتضى تلك الموجهات والقيود وهي بصدد سن تشريع، أو حادت عن حدود الاختصاصات التي رسمها لها أو تحللت من القيود التي وضعها أو أنها  خالفت بقانون أصدرته أو أنظمة وتعليمات تبنتها، مبدأً أو نصاً دستورياً، فإنها تكون بذلك قد تجأوزت اختصاصاتها وحدود سلطتها، ويعد ما أقدمت عليه معيبـاً وباطـلاً لمخالفته الدستور، وتحقق سبب من أسباب الطعن بعدم الدستورية، ويسري نفس الحكم على التصرفات المشوبة بعيب عدم الدستورية الصادرة من السلطة التنفيذية أو من السلطة القضائية.

وفي ضوء ما تقدم، يتضح أنه لا يكفي أن يراعي القانون الصادر من السلطة التشريعية الشكل الذي يتطلبه الدستور في القانون، وإنما يجب أيضا أن يكون متفقاً مع القواعد الموضوعية التي جاء بها الدستور وروح الدستور، فضلاً عن أن الأنظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية، التي تعرف بالتشريعات الفرعية، ينبغي ان تكون متوافقة مع القانون والدستور من حيث الشكل والموضوع أيضا. وعليه فإن أسباب الطعن هي إما عيوب شكلية أو عيوب موضوعية.

أهمية البحث:

يعتبر القضاء الجزائي والمدني الحارس الأمين لحقوق وحريات الفرد باعتباره عضواً في مجتمع له حقوق وعليه واجبات. أما القضاء الدستوري، الذي تقوم بمهمته المحاكم الدستورية العليا، فيعد الحارس الأمين للدستور ولمبادئه العليا، وهو أيضا الحارس الأمين للنظام القانوني في الدولة برمته ولمبدأ سيادة القانون والحقوق والحريات العامة. وتبدو أهمية بحث أسباب الطعن بعدم الدستورية في أن هذه الأسباب تجسد جوهر عمل المحكمة الاتحادية العليا من جانب، كما أنها تعد الأكثر أهمية في حياة المجتمع الديمقراطي لاتصالها المباشر بحقوق وحريات جميع أبناء المجتمع من جانب أخر.  

خطة البحث:

ارتأينا تقسيم البحث إلى فصلين، في الأول منهما نتعرض في ثلاث مباحث إلى العيوب الشكلية، ونبحث في إطارها ماهية الشكلية الدستورية في مبحث أول، وفي المبحث الثاني نبين غاية الشكلية والتمييز بين الأشكال والإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية بينما يخصص المبحث الثالث إلى موضوع تعديل الـدستور من الناحية الشكلية.

  أما الفصل الثاني فيخصص لدراسة وتحليل العيـوب الموضوعيـة في ثلاثة مباحث، نتنأول في أولهما عيب عدم الاختصاص، ويتطلب بحث عيب عدم الاختصاص بيان ماهيته وصوره التي يظهر بها، ونبحث ذلك في مطلبين، في المطلب الأول نوضح ماهية عيب عدم الاختصاص، بينما يخصص المطلب الثاني لبيان صور عيب مخالفة قواعد الاختصاص، وهذا العيب قد يكون عضوياً أو موضوعياً أو زمنياً أو مكانياً، ونبحث ذلك في أربعة فروع.

بينما يخصص المبحث الثاني إلى دراسة العيب الذي يلحق محل التشريع ويقتضي بحث العيب الذي يلحق محل التشريع، بيان ماهيته وتمييزه عما يشتبه به من أوضاع وبيان صوره، وندرس ذلك في مطلبين، في المطلب الأول نوضح ماهية عيب محل التشريع وتمييزه عن الأوضاع التي تشتبه به، ونتنأول ذلك في فرعين. أما المطلب الثاني فيخصص لبيان صور عيب محل التشريع في خمس فروع، الفرع الأول يخصص لبيان أثر مخالفة مـبـدأ ســمـو الـدسـتور ويخصص الفرع الثاني لبحث نظرية الضرورة من حيث ماهيتها وموقف الفقه والتشريعات والفقه الإسلامي والمشرع العراقي منها، بينما يخصص الفرع الثالث لدراسة أثر مخالفة القيود الموضوعية الواردة بالدستور، وفي الفرع الرابع نتنأول مدى السلطة التقديرية للمشرع بينما يخصص الفرع الخامس لبحث موضوع مخالفة مبدأ سـيادة القانون.

 بينما يخصص المبحث الثالث لدراسة عيب الانحراف بالسلطة التشريعية في مطلبين، يخصص المطلب الأول لبيان طبيعة مقدمة الدستور، بينما نبحث في المطلب الثاني موضوع ملائمة التشريع لروح الدستور.

 

الفصل الأول

العيـوب الشكليـة

المبحث الأول: ماهية الشكلية الدستورية.

المبحث الثاني: غاية الشكلية والتمييز بين الأشكال الجوهرية وغير الجوهرية.

المبحث الثالث: تعديل الدستور من الناحية الشكلية.

 

المبحث الأول

 ماهية الشكلية الدستورية

للشكلية في القانون عدة معاني، وفي نطاق الصياغة القانونية تُعرف الشكلية بأنها، الصورة الخارجية التي يظهر بها مضمون القانون. وعلى هذا النحو قد يتخذ المضمون القانوني شكل قاعدة قانونية أو معيار قانوني أو مبدأ قانوني.

وقد يراد بالشكلية عنصر خارجي يشترط القانون إضافته إلى واقعة قانونية حتى تنتج آثارها سواء كان هذا الأثر ترتيب التزام أو واجب قانوني أو انشاء حق أو مركز قانوني أو تعديله أو انقضاؤه، كاشتراط نشر القانون في الجريدة الرسمية لنفاذه في مواجهة الكافة، واشتراط الشكلية في بعض العقود لصحتها. واشتراط الكتابة أو النشر بالنسبة لبعض القرارات الإدارية حتى تنتج آثارها.

أما الشكلية الدستورية فيقصد بها مجموعة الإجراءات والأوضاع التي تطلبها الدستور وأوجب على سلطة التشريع اتباعها ومراعاتها وهي بصدد سن التشريع.

وتتطلب الدساتير عادة، أن تمر عملية سن التشريع  بسلسلة من الإجراءات الشكلية التي يتعين على سلطة التشريع مراعاتها حتى يكون التشريع دستورياً، ويترتب على عدم مراعاة قواعد الشكل الإجراءات الشكلية أن يولد التشريع باطلا بسبب أنه معيب بعيب عدم مراعاة الشكل والإجراءات، ويكون محلاً للطعن به أمام المحكمة الدستورية والتي تعرف عادة باسم (المحكمة الدستورية العليا)، إذا ما تعلق الأمر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد والإجراءات.

 ومن أمثلة الإجراءات الشكلية التي تتطلبها الدساتير المقارنة بصفة عامة، تحقق نصاب انعقاد مجلس النواب سواء بالأغلبية المطلقة أو الأغلبية البسيطة، وجهة تقديم مشاريع القوانين أو اقتراحها، وجوب إدراج مشروع القانون في جدول الأعمال قبل مناقشته، والإجراءات الواجب اتباعها لقراءة مشاريع القوانين، والنصاب اللازم للموافقة على سن التشريع وتصديق الجهة المخولة صلاحية التصديق والإصدار، وهي السلطة التنفيذية عادة، وأن يصدر التشريع بموافقة الأغلبية البرلمانية التي حددها الدستور.

المبحث الثاني

غاية الشكلية والتمييز بين الأشكال والإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية

تتعدد الأغراض أو الحكمة من الشكليات في المجال التشريعي، فقد يكون الغرض منها الإشهار بسلامة الارادة التشريعية وبأن كل شيء سار على مايرام حسب الأوضاع الدستورية، باعتبار أن الشكل هو المظهر المادي للتعبير عن الارادة، ومع ذلك فان لكل شكل من الأشكال المطلوبة حكمته، فحكمة اشتراط أن يقدم اقتراح القانون من قبل عدد من الأعضاء تبدو في التأكد من جدية وأهمية المقترح قبل اتخاذ سلسلة إجراءات تتطلب وقتاً ثميناً، منها إدراجه في جدول الأعمال ومن ثم التصويت عليه، وقد يتبين فيما بعد أن الاقتراح غير مرغوب فيه وما يترتب على ذلك من هدر وقت ثمين، وتبدو حكمة تقديم مشاريع القوانين من قبل السلطة التنفيذية هو أن القانون أداة هذه السلطة في علاقتها مع المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة وهي الأعرف بالحاجة العملية إلى التشريع في مجال معين من عدمه من خلال علاقتها المباشرة مع حاجات المجتمع، وقد تبدو الشكلية مظهراً من مظاهر الرقابة المتبادلة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، كما في وجوب تصديق وإصدار القانون من السلطة التنفيذية لنفاذه مما يتيح لها الاعتراض على مشروع القانون بعدم المصادقة عليه مما يرتب عدم إمكانية سنه ونفاذه بعد ذلك إلا بناء على أغلبية خاصة.

وحكمة ضرورة إدراج الأعمال التشريعية في جدول للأعمال قبل مناقشتها هو تجنب إتخاذ أعمال تشريعية جوهرية في غياب عدد مؤثر من الأعضاء بحيث لو كان لديهم علم مسبق بجدول الأعمال لحضروا جميعاً، فضلاً عن تمكين الأعضاء من التهيؤ لما تتطلبه هذه الأعمال من استشارة مسبقة من ذوي الاختصاص قبل اتخاذ موقف منها بالتصويت عليها من عدمه.

 وقد وجدت الشكلية في الشرائع القانونية القديمة ولازالت موجودة في أحدثها، والشكلية البدائية هي شكلية رمزية تنطوي على القيام بحركات خاصة أو التفوه بعبارات محددة يتوقف عليها تحقق الأثر القانوني، ويرى مؤرخو القانون أن هذه الشكلية كانت تعبر عن رغبة عند الإنسان القديم في إشباع غريزة حب المظاهر الخارجية البراقة التي كانت، بما تضفيه من رونق وبهاء على حياته، تقيم الحساسية مقام عقلية كانت لاتزال قاصرة.

وتختلف الشكلية الحديثة عن القديمة في أنها  معقولة ومنطقية وأكثر مرونة، وأنها لا تكفي لوحدها لترتيب الأثر القانوني بل يجب أن تقترن بالإرادة السليمة غير المشوبة بعيب من عيوب الرضا، فالإرادة هي التي يقع عليها الشكل، ولم تعد الشكليات الحديثة مجرد طقوس تمارس ممارسة عمياء، بعد أن تمكنت البشرية في تطورات لاحقة من التمييز بين مضارها ومنافعها، وعرفوا ما يترتب عليها من تعقيدات وتعطيل وجهد ضائع وعرفوا مالها من فضل في إيقاظ الانتباه والتحذير من الفخاخ التي تنصب للإرادة، وبث اليقين في إنتاج الواقعة آثارها المطلوبة وتهيئة الوسيلة لإثبات هذه الواقعة حين النزاع عليها. وكان للفقه والقضاء عبر التاريخ الفضل في التمييز بين ما هو مفيد وجوهري من الشكليات والتمسك به وبين ما هو ضار وغير جوهري من الشكليات ومن ثم استبعادها بطريقة أو بأخرى.(1)

ويميز الفقه والقضاء المعاصر كذلك بين الأشكال والإجراءات الجوهرية وغير الجوهرية والغرض من هذا التمييز هو ترتيب البطلان على القرارات التي تفتقد لشكلياتها الجوهرية أما القرارات التي تفتقد للشكليات غير الجوهرية فلا تكون باطلة، وفي هذه الحالة نكون في مواجهة قرارات معيبة بعيب الشكل ولكن هذا العيب لا يؤدي إلى البطلان، وقد أورد الفقه أمثلة كثيرة من قضاء مجلس الدولة الفرنسي على الشكليات التي لم يعتبرها المجلس من الشكليات الجوهرية المؤثرة على سلامة القرار، مثل الحكم بصحة انتخاب على الرغم من عدم السماح لعدد قليل من الأفراد بالتصويت على خلاف القانون إذا كان عددهم من القلة بحيث لم يكن من شأنه أن يؤثر موضوعاً على النتيجة النهائية، أو إذا كانت الأشكال والإجراءات المقررة هدفها تحقيق مصلحة الإدارة لا الأفراد، ولكن متى تكون شكليات القرار جوهرية ومتى لا تكون جوهرية، وهل يسري نفس المبدأ بالنسبة للقضاء الدستوري؟

لايوجد معيار ثابت لتحديد ما هو جوهري أو غير جوهري من الأشكال، وإنما يعتمد تقدير ذلك على الذكاء والحدس والفهم الصحيح لطبيعة الأشياء ومنطقها والغايات المرجوة منها، إلا أنه مما لا شك فيه أن التشدد الزائد في مراعاة مختلف الشكليات والإجراءات على نحو واحد يؤدي بالنتيجة إلى ضياع الوقت وعرقلة النشاط التشريعي دون أن تكون هناك قيمة حقيقية مقابل ذلك لتلك الشكليات، والملاحظ أن قواعد الشكل والإجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد يرد النص عليها في الدستور ذاته، كما أنها قد ترد في الأنظمة الداخلية للبرلمان. وذهب الفقه في ذلك إلى اتجاهين فذهب الإتجاه الأول إلى أن العيب الشكلي يمكن أن يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية سواء قد وردت في الدستور أو في الانظمة الداخلية  للبرلمان، بينما ذهب الاتجاه الأخر بأن عيب عدم الدستورية لمخالفة الشكل لا يتحقق إلا إذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في الدستور ذاته. فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من شكليات وإجراءات في الدستور، أما ما تضمنته النصوص القانونية الأخرى الاقل مرتبة من قواعد شكلية فان مخالفتها لا تؤدي إلى عدم دستوريته.(2)

والحال أن دستور جمهورية العراق قد تضمن أشكالا متنوعة من الإجراءات الشكلية، منها ما يتعلق بتحديد زمن معين للقيام بتصرف ما، وقد يكون بعض هذه الشكليات الزمنية جوهرية أو غير جوهرية، ونرى أن تقدير أثر عدم مراعاة الشكل على دستورية التشريع أو التصرف إنما يعود تقديره للقضاء.

والمحكمة الاتحادية العليا بطبيعة الحال لا تبحث في العيوب الموضوعية إلا بعد أن تتأكد من خلو التشريع من المخالفات  الشكلية  للأوضاع  والإجراءات  التي تطلبها  الدستور، ذلك أن العيوب الشكلية  تتقدم العيوب الموضوعية.

وفي هذا الصدد تقول المحكمة الاتحادية العليا في مصر في حكم لها (وحيث أن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة غايتها أن ترد إلي قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون عليها وسبيلها إلى ذلك إن تفصل باحكامها النهائية في الطعون الموجهة اليها شكلية كانت أو موضوعية وأن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية أمراً سابقاً بالضرورة على خوضها في العيوب الموضوعية ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية هي من مقوماتها كقواعد قانونية لا يكتمل كيانها أصلاً في غيبة متطلباتها.... ويتعين على هذه المحكمة بالتالي أن تتحراها بلوغاً لغاية الأمر فيها إن قضاء المحكمة في هذه المخالفة والقائمة في مضمونها على طعن موضوعي يكون متضمنا على وجه القطع واللزوم تحققاً من استيفاء القرار بقانون الذي اشتمل عليها لأوضاعه الشكلية إذ لو قام لديها الدليل على تخلفها لسقط هذا القرار بقانون برمته ولامتنع الخوض في اتفاق بعض مواده أو مخالفتها لأحكام الدستور الموضوعية الأمر الذي يعتبر معه هذا الوجه من النعي على غير أساس حرياً بالالتفات عنه (.(3)

 

المبحث الثالث

تعديل الـدستور من الناحية الشكلية

الدساتير من حيث طريقة تعديلها على نوعين، دساتير جامدة ودساتير مرنة، والدستور الجامد هو الدستور الذي لا يمكن تعديله إلا باتباع اجراءات خاصة نُص عليها في صلب الوثيقة الدستورية، أما الدستور المرن فهو الدستور الذي يمكن تعديله باتباع نفس إجراءات تعديل القوانين العادية، ومن ثم يمكن للقانون العادي أن يعدل بعض قواعد الدستور كما هو الحال في المملكة المتحدة.

ولتعديل الدستور الجامد وجهة شكلية تتجسد في الإجراءات التي يجب اتباعها لتعديل الدستور، ووجهة موضوعية تتجسد في مضمون التعديل وكلا الوجهتين تخضع لرقابة المحكمة الاتحادية العليا.

ويكتسب تعـديل الدستور الجامد أهمية خـاصة، اذ يـحـاط تـعديله بضمانات شكلية وموضوعية متعددة فى دساتير الدول الـديمقراطية، حتى لا يكون تعديل الدستور وسـيلة القابضين على السلطة فى تكريس الحكم الدكتاتوري وكوسـيلة للانتقاص من حقوق وحريات المواطنين بحجج ومزاعم مختلفة، كالمؤامرات الخارجية والداخلية أو المصلحة العامة....

وعلى هذا الأساس ساد الاعتقاد فى فقه القانون الدستوري الحديث على وجوب إسـناد مهمة التعديل الدستوري إلى الهيئة التى اناط بها الدستور هذه المهمة وبالطريقة والقيود والإجراءات التى حددتها الوثيقة الدستورية، فإذا كان الدستور قد أنـشـأ بطريقة الاستفتاء الدستوري فإن مسألة تعديله يجب أن تناط بالاستفتاء الدستوري أيضاً. (4)

 

 

المبحث الرابع

الشكلية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005

 تبنى المشرع الدستوري العراقي في دستور 2005 النافذ عدد من الإجراءات الشكلية منها ما يتعلق بنصاب انعقاد جلسات مجلس النواب وجهة تقديم مشاريع القوانين كما في المادة (59) بنصها (أولاً : يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه. ثانياً: تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة، بعد تحقق النصاب ما لم ينـص على خلاف ذلك) والمادة (60) بنصها ( أولاً: مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. ثانياً: مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة.)

ونصت المادة (138) بأنه ( خامسا: أ. ترسل القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها بالاجماع واصدارها خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها إيه باستثناء ما ورد في المادتين (118) و(119) من هذا الدستور والمتعلقتين بتكوين الأقاليم. ب. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لإعادة النظر في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالأغلبية وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة للموافقة عليها. ج. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات ثانية خلال عشرة أيام من تاريخ وصولها اليه تعاد إلى مجلس النواب الذي له أن يقرها بأغلبية ثلاثة أخماس عدد أعضائه، غير قابلة للاعتراض وتعد مصادقاً عليها. سادساً: يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور.)

والمادة (144) التي نصت على أنه ( يعد هذا الدستور نافذاً بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره في الجريدة الرسمية وتشكيل الحكومة بموجبه.). وحسب المادة (126) من الدستور، فإنه ( أولاً: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) اعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور. ثانياً: لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. ثالثاً: لايجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانياً) من هذه المادة إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. رابعاً: لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام. خامساً : أ ـ يعد التعديل مصادقا عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند (ثانياً) و ( ثالثاً) من هذه المادة في حالة عدم تصديقه. ب ـ يعد التعديل نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.)

وجاء في المادة (142) من الدستور على أنه (رابعاً ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر. هـ ـ يستثنى ما ورد من هذه المادة من أحكام المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور، إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة. )

ونصت المادة (131) من الدستور على انه ( كل استفتاء وارد في هذا الدستور يكون ناجحا بموافقة اغلبية المصوتين مالم ينص على خلاف ذلك.)

يتضح من النصوص المتقدمة أن المشرع الدستوري العراقي قد وضع قيود شكلية متشددة على مسألة تعديل الدستور مراعياً بذلك ما أخذت به دساتير الدول الديمقراطية وضماناً لحقوق الشعب من تحكم الأغلبية البرلمانية في أي وقت من الأوقات ومحاولة تعديلها للدستور وفقا للمصالح السياسية الآنية. (5)

 

الفصل الثاني

العيـوب الموضوعيـة

المبحث الأول: عيب عدم الاختصاص.

المبحث الثاني: العيب الذي يلحق محل التشريع.

المبحث الثالث: عيب الانحراف بالسلطة التشريعية.

المبحث الأول

عيب عدم الاختصاص

المطلب الأول ـ ماهية عيب عدم الاختصاص.

المطلب الثاني ـ صور عيب محل التشريع

 

المطلب الأول

 ماهية عيب عدم الاختصاص

 يمكن ان نعرف عدم الاختصاص بأنه ( عدم توفر الصلاحية القانونية  للقيام بتصرف معين). وتقوم فلسفة الطعن بعدم الدستورية في هذا المقام على  مبدأ أساسي هو مبدأ الفصل بين السلطات.(6)

ومبدأ الفصل بين السلطات مبدأ مهم يقوم عليه تنظيم الدولة القانونية المعاصرة ونصت عليه الدساتير الحديثة، وهو أحد الابتكارات التي أوجدها العقل البشري كمانع من نمو وترعرع الدكتاتورية في أحضان السلطة المطلقة التي تتجمع في يدها كل أنواع السلطات، وترسخ هذا المبدأ بكتابات رواد النهضة ( مونتسكيو، جون لوك، روسو ).

 ومفاد هذا المبدأ أنه يجب أن لا تجتمع جميع السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) فى يد شخص واحد أو هيئة واحدة، لأن اجتماعها بيد واحدة مدعاة للتسلط والتعسف والدكتاتورية المطلقة. مما ينبغي توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) على نحو يكفل تحديد المسؤوليات وعدم التداخل في مابين هذه السلطات تداخلا يؤدي إلى تشتت الصلاحيات وإهدار قيمة النصوص الدستورية وأن تكون هناك رقابة متبادلة بين هذه السلطات.

وتستند الفلسفة الدستورية في هذا الشأن إلى أن مؤسسات الدولة القانونية المعاصرة إنما تستمد شرعية وجودها من الدستور فهو الذي انشأها وهو الذي يحدد اختصاص كل سلطة من هذه السلطات ومن ثم ينبغي على كل سلطة أن تقوم باختصاصها كما حدده الدستور من ناحية ولا ينبغي لها أن تستحوذ على اختصاص غيرها من السلطات من ناحية اخرى، وتوزيع الاختصاصات يتطلب قدراً عالياً من التنظيم القانوني لتنظيم العلاقة بين هذه السلطات من جانب، وبينها وبين أفراد الشعب من جانب آخر، وإيجاد رقابة فعالة لضمان عدم انحراف أي من هذه السلطات عن الحدود القانونية المرسومة لها أو التعسف في استعمال الحقوق المقررة لها على نحو يتعارض مع الغايات الاجتماعية لتلك الحقوق. وتأخذ دساتير بعض الدول بمبدأ الفصل التام بين السلطات وهو ما يعرف بالنظام الرئاسى كما هو الأمر فى الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وهناك دول تأخذ بالفصل النسبي وهو ما يعرف بالنظام البرلماني كما هو الامر في انكلترا والعراق في ظل دستور سنة 2005  مثلا.(7)

المطلب الثاني

صورعيب مخالفة  قواعد الاختصاص

 هذا العيب قد يكون عضوياً أو موضوعياً أو زمنياً أو مكانياً، ونبحث ذلك في أربعة فروع.

الفرع الأول

عدم الاختصاص العضوي (العنصر الشخصي)

 والعنصر العضوي أو الشخصي في الاختصاص يعني وجوب أن يباشر الاختصاص الدستوري العضو أوالشخص أو السلطة التي حددها الدستور للقيام بهذا الاختصاص دون غيره. (8)

مما يتطلب بيان اختصاصات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية العضوية ويكون ذلك في ثلاث فقرات:

أولاً ـ اختصاصات السلطة التشريعية العضوية : السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الاصيل في التشريع ولا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا بنص  صريح في الدستور. حيث نصت المادة (61) من الدستور على أنه ( يختص مجلس النواب بما يأتي : أولاً : تشريع القوانين الاتحادية.) وإعمالا لما تقدم فإنه ليس للسلطة التشريعية أن تفوض السلطة التنفيذية للقيام بأعمال التشريع كلياً أوجزئياً إلا إذا تضمن الدستور نصاً يمنحها هذا الحق. ويعرف هذا الاختصاص بمبدأ انفراد التشريع.

أ ـ مبدأ انفراد التشريع : يقصد بمبدأ انفراد التشريع، أن تنفرد السلطة التشريعية بتنظيم الحقوق والحريات ولا يجوز لها في أي حال من الأحوال ان تفوض اختصاصها هذا إلى السلطة التنفيذية. والعلة في ذلك أن هذه الحقوق والحريات انما يمارسها المواطنين في مواجهة السلطة التنفيذية نفسها وتفويضها تنظيم هذه الحريات والحقوق يؤدي إلى تحكم أعضائها في مقدرات المواطنين وبالتالي تكون الحقوق والحريات الاساسية التي أقرها الدستور لأعضاء المجتمع عرضة للمساومة والمحسوبية والمنسوبية ومضايقة الناس وهذا ما لا يمكن قبوله.

وهذا المبدأ هو ثمرة من ثمار الصراع بين السلطة والشعب عبر التاريخ، فقد استأثرت الطبقات الحاكمة (السلطة التنفيذية) بجميع السلطات منذ ان نشأت السلطة السياسية، إلا أنه بحلول القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر بدأت تغييرات كبيرة تطرأ على مفهوم السلطة تدريجياً، فقد تمكنت البرجوازية الناشئة من الصعود إلى البرلمان لتحل محل الارستقراطية الملكية تدريجياً ومن ثم دخلت في صراعات مع الحكومة وقادت ثورات عنيفة استلهمت افكارها من من طروحات كبار مفكري تلك الازمنة، مثل مونتسكيو وجون لوك وجان جاك روسو وبيكاريا وكاريه دي مالبيرج وغيرهم، وأسفر الصراع في النهاية عن تقييد سلطات الملوك وتأكيد سيادة الشعب واستئثار البرلمان بسلطته في التشريع في كل ما يتعلق بالحقوق والحريات، وقد عبر كاريه عن ذلك بقوله ( ان سيادة البرلمان تنبع من سيادة الشعب ). وفي إطار هذا المبدأ تم تحديد دور السلطة التشريعية بالمقارنة مع دور السلطة التنفيذية، فكل منهما يملك سلطة إقرار قواعد قانونية، الأولى في صورة التشريع العادي ( القانون) والثانية في صورة التشريع الفرعي (الأنظمة والتعليمات أو اللوائح ) (9).

 وبما أن مبدأ تدرج القواعد القانونية يعد سمة جوهرية من سمات الشرعية، وتقف القواعد الدستورية على قمة الهرم القانوني للدولة، فإنه يترتب على ذلك التزام السلطة التشريعية فيما تسنه من قوانين باحترام القواعد الدستورية من حيث الشكل والموضوع، بينما تخضع السلطة التنفيذية للقوانين التي تسنها السلطة التشريعية وهي بصدد وضع وإصدار الأنظمة والتعليمات. وعلى هذا النحو تلتزم السلطة التشريعية باحترام مبدأ انفراد التشريع، بينما تلتزم السلطة التنفيذية بتمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم العامة، وبخلافه تكون القوانين والأنظمة والتعليمات التي خرجت على خلاف مقتضى المبدأ محلاً للطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا.

ب ـ موقف القضاء الدستوري من الاختصاص العضوي : تعرضت المحكمة الدستورية العليا في مصر لهذا المبدأ في حكم لها في سنة 2000 بشأن مرسوم بقانون صدر سنة 1959، حيث أكدت أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، فلا يجوز لها أن تسلب من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها، وقضت بناءاً على ذلك بأن نص المادتين (8 و11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 1959 بما تضمنا من تفويض وزير الداخلية تحديد شـروط منح جواز السفر وكذلك تخويله سلطة منح الجواز وسلطة تجديده وسلطة سحبه بعد منحه، إنما يتمخض عن تنصل المشرع عن وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جوازات السفر بأكمله، على الرغم من كونها الوسيلة الوحيدة لتمكين المواطن من مغادرة بلده والرجوع اليه، وارتباط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالحقوق التي يكفلها الدستور).(10)

يتضح مما تقدم ومن حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، أن مبدأ انفراد التشريع إنما يهدف إلى إن يكون تنظيم حقوق وحريات المواطنين بيد مجلس النواب وإلى الحيلولة دون تدخل السلطة التنفيذية في تنظيمها بدون تفويض بقانون من مجلس النواب، وأن التفويض يجب أن يكون وفق ضوابط تضمن عدم تحكم السلطة التنفيذية بحقوق وحريات المواطنين، وأن يكون التفويض جزئياً لا يتضمن تنصلاً كاملاً من جانب مجلس النواب عن تنظيم هذه الحقوق والحريات لصالح السلطة التنفيذية. ويتضح أيضاً، وهذا هو الاستنتاج الأهم، أنه لا يمكن أن يكون تحديد شروط ممارسة حق من الحقوق بيد فرد من الأفراد ولو كان وزيراً للداخلية.

ثانياً ـ اختصاصات السلطة التنفيذية العضوية : تباشر السلطة التنفيذية اختصاصاتها وفقا للدستور والقانون، وإذا حدد الدستور اختصاصا معيناً وعهد به إلى هيئة من هيئات السلطة التنفيذية أو إلى شخص من اشخاصها كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، فإن له وحده دون غيره ان يباشر ذلك الاختصاص وعلى ذلك فإنه لا يجوز لأي منهما أن يفوض اختصاصاته لغيره إلا إذا نص الدستور أو القانون على جواز التفويض لأن القاعدة في التفويض أن لا تفويض إلا بنص، وأن يكون التفويض جزئياً. وإذا حدد الدستور اختصاص السلطات الاتحادية على سبيل الحصر وترك ما عداها إلى السلطات الإقليمية أو المحلية، فلا يجوز أن تفوض إحداهما سلطاتها للأخرى ما لم ينص الدستور على جواز التفويض، وفي هذه الحالة ينبغي مراعاة قواعد وشروط التفويض العامة فضلاً عن ما يضيفه المشرع من شروط خاصة. (11)  

  وفي إطار نظام تفويض الاختصاص نصت المادة (123) من الدستور على أنه ( يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات أو بالعكس، بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون.)

 ثالثاًـ اختصاصات السلطة القضائية العضوية: إذا كان الفصل في الدعاوى المدنية والدعاوى الجنائية هو اختصاص عهد به الدستور إلى السلطة القضائية حصرياً فان هذه السلطة لا تستطيع أن تتخلى عن هذا الاختصاص لصالح غيرها من السلطات. كما لا يجوز أن تسند إليها صلاحيات تشريعية في نطاق التجريم والعقاب والإجراءات، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ قانونية الجريمة والعقاب. وعلى هذا الأساس قضى المجلس الدستوري الفرنسي بعدم دستورية نص الفقرة (1) من المادة (298) من قانون الإجراءات الفرنسي التي خولت رئيس المحكمة الابتدائية ان يحدد بصفة نهائية المحكمة التي تحال اليها الدعوى وفيما إذا كانت من المحاكم التي تتشكل من ثلاثة قضاة أو قاض واحد، وقد أسس المجلس الدستوري قراره على عدة اسباب منها هو مخالفة النص لمبدأ انفراد المشرع لوحده بتحديد قواعد الإجراءات الجنائية طبقا للمادة (42) من الدستور الفرنسي.(12)

يترتب على ما تقدم أنه لا يجوز لاية سلطة عهد إليها الدستور باختصاص معين أن تترك أو أن تفوض هذا الاختصاص لغيرها من السلطات، لأن في ذلك  تفويت لقصد المشرع الدستوري، ومن هنا كان التفويض غير ممكن في الاختصاصات التي عهد بها  الدستور إلى جهة معينة إلا بناء على نص صريح فيه.

الفرع الثاني

عدم الاختصاص الموضوعي

 يقصد بعدم الاختصاص الموضوعي أن يكون التصرف الصادر من سلطة معينة هو من اختصاص سلطة أخرى.

 ويتعلق العنصر الموضوعي للاختصاص بترتيب نوعية الاختصاصات بين السلطات المختلفة في الدولة وكذلك أمر ترتيبها داخل السلطة الواحدة من حيث الموضوع، فإذا كانت قواعد الاختصاص الشخصي  تفرض أن تباشر كل سلطة اختصاصاتها بنفسها، فإن قواعد الاختصاص الموضوعي  تحدد لكل سلطة ما يتعين أو يحق لها أن تتخذه من تصرفات قانونية في حدود سلطاتها. ومخالفة العنصر الموضوعي في الاختصاص يشكل عيباً دستورياً بعدم الاختصاص الموضوعي.(13)

 ويلاحظ أن اغلب الباحثين العرب يخلطون بين هذا العنصر وعيب المحل أو الموضوع في التشريع، ويسوقون في هذا المقام أمثلة تتعلق بعيب المحل (الموضوع)، وسنوضح الفرق بينهما عند دراسة العيب الذي يلحق محل التشريع أو موضوعه. مما يتطلب بيان اختصاصات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية الموضوعية ويكون ذلك في ثلاث فقرات.  

أولاً ـ اختصاصات السلطة التشريعية الموضوعية : السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع ولا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا بنص  صريح في الدستور. حيث نصت المادة (61) من الدستور على أنه (يختص مجلس النواب بما يأتي : أولاً : تشريع القوانين الاتحادية.) إلا أن أغلب الدساتير ومن باب التسهيل على السلطة التشريعية تميز بين التشريع العادي (القانون) والتشريع الفرعي ( الأنظمة والتعليمات والانظمة الداخلية أو ما يعرف باللوائح )، حيث تجيز هذ الدساتير للسلطة التنفيذية صلاحية وضع أنظمة وتعليمات أو لوائح لتسهيل تنفيذ القانون، وهذه هي أعمال تشريعية في حقيقتها ومعناها لأنها تتضمن قواعد عامة مجردة وملزمة وتخاطب الأفراد بصفاتهم لا بذواتهم. ويشترط في الأنظمة والتعليمات أن تكون متوافقة مع التشريع الذي صدرت تسهيلاً لتنفيذه.

ومن ثم لا يجوز للسلطة التنفيذية مباشرة أعمال التشريع الفرعي سواء بصورة صريحة أو ضمنية دون سند من القانون، ومثال الصورة الصريحة ان تصدر السلطة التنفيذية أنظمة أو تعليمات لا تستند إلى قانون سابق لها ومثال الصورة الضمنية أن تصدر السلطة التنفيذية أنظمة أو تعليمات تتضمن مواضيع جديدة لم ينص عليها التشريع الأصلي التي صدرت الأنظمة أو التعليمات تسهيلاً لتنفيذه، مما يجعل منها معيبة بعيب عدم الاختصاص الموضوعي.(14)

إلا أنه يلاحظ أن بعض الدساتير قد حددت مجالاً أو مواضيع معينة يختص البرلمان بالتشريع بشأنها حصراً وترك ما عداها للسلطة التنفيذية، ومن ذلك الدستور الفرنسي لسنة 1958، الذي أشرف على وضعه الجنرال ديغول شخصيا كشرط لقبوله العودة إلى للسلطة، الذي وزع الوظيفة التشريعية بين الجمعية الوطنية والسلطة التنفيذية، وأصبح اختصاص الجمعية الوطنية في التشريع محدداً على سبيل الحصر، بحيث إذا شرع  في غير المواضيع المحدده له بموجب الدستور طعن بعدم دستوريته لمخالفته العنصر الموضوعي في الاختصاص. (15)

ويلاحظ أن أغلب الباحثين يدرجون مثل هذا التطبيق ضمن عيب عدم الاختصاص الشخصي، في حين أن عيب عدم الاختصاص الموضوعي هو الأظهر في هذا المقام، فالعنصر الشخصي يتعلق بمارسة الاختصاص شخصياً دون تفويض، والحال أنه لا يوجد في هذا المقام تخويل غير مشروع للغير أو تفويض إنما تم توزيع الاختصاصات الموضوعية بين سلطتين هما السلطتين التشريعية والتنفيذية بنص الدستور فإن باشرت إحداهما ما هو مخصص للأخرى من مواضيع, فإن عيب عدم الاختصاص الموضوعي هو الذي يتحقق.

ثانياً ـ اختصاصات السلطة التنفيذية الموضوعية: تباشر السلطة التنفيذية اختصاصاتها وفقاً للدستور والقانون، وإذا حدد الدستور اختصاصاً معيناً وعهد به إلى هيئة من هيئات السلطة التنفيذية أو إلى شخص من أشخاصها كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، فإن له وحده دون غيره أن يباشر ذلك الاختصاص وعلى ذلك فإنه لا يجوز لاي منهما أن يفوض اختصاصاته لغيره إلا إذا نص الدستور أو القانون على جواز التفويض لأن القاعدة في التفويض أن لا تفويض إلا بنص كما سبق الإشارة إليه، ونشير في هذا المقام إلى التشريع الفرعي لعلاقته الوثيقة بموضوع الطعن بعدم الدستورية.

التشريع الفرعي : في ظل دستور العراق لسنة 2005، فإن سلطة وضع التشريع الفرعي (الأنظمة، التعليمات، النظام الداخلي) تقع على عاتق السلطة التنفيذية، بما لها من اختصاص

أصيل مخول لها بموجب الدستور ابتغاء تنفيذ التشريع العادي أو تنظيم المرافق العامة ومن قبيل التشريع الفرعي ما عرف في مصر باللائحة سواء كانت تنفيذية أو تنظيمية أو لائحة ضبط، والتشريع الفرعي هو أدنى أنواع التشريع مرتبة. ويشترط في التشريع الفرعي أن يكون متوافقا مع الدستور والقانون من حيث الشكل والموضوع، حيث نصت الفقرة (ثالثاً) من المادة (80) من الدستور على أنه (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية. ثالثاً: إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين.)

وهذا يعني أن أية سلطة في الدولة لا تملك وضع أنظمة أو تعليمات عدا السلطة التنفيذية ما لم ينص الدستور على خلاف ذلك. (16)

وقد نص الدستور العراقي على اختصاصات السلطة التنفيذية، حيث نصت المادة (67) منه على أنه ( رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لاحكام الدستور.)

ونصت المادة (78): رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب. ونصت المادة (80) على صلاحيات  مجلس الوزراء.

ثالثاً ـ اختصاصات السلطة القضائية الموضوعية: مهمة القضاء الأساسية، تحقيق العدل فـى المجتمع وحماية الحريات العامة وحقوق المواطنين والفصل في المنازعات وتفسير وتطبيق القوانين على الحالات التى تعرض أمامه، ويتمتع القضاء في الدول القانونية باستقلال عن باقي السلطات في الدولة حتى يتمكن من تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون، وليباشر عمله بحيادية ومن دون تردد أو ضغط، بما يضمن حسن سير العدالة. كما أنه، وتطبيقا لمبدأ قانونية الجريمة والعقاب الدستوري. (17)، لا يجوز للقاضي أن يدخل في دائرة التجريم فعلاً لم يرد به نص ولا أن يفرض عقوبة أو تدبير لم ينص عليهما القانون أو خلافاً للحدود التي رسمها. لأنه بخلاف ذلك يكون مشرعاً لا قاضياً، لان سلطة القاضي تتجسد في تفسير القانون وتطبيقه كما أن تفسير القاضي للقانون ينبغي أن لا يقود إلى إنشاء جريمة أو عقوبة لم ينص عليها القانون.(18)

وحدد دستور جمهورية العراق طبيعة عمل وتكوين واختصاصات السلطة القضائية، حيث نصت المادة (87) منه على أنه (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون.) ونصت المادة (88) منه ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولايجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.) وأشارت المادة (89) منه إلى تكوين السلطة القضائية بقولها (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقا للقانون.)

وحددت المادة (91) منه اختصاصات مجلس القضاء بقولها (يمارس مجلس القضاء الأعلى الصلاحيات الآتية: أولاً: إدارة شؤون القضاء والإشراف على القضاء الاتحادي. ثانياً: ترشيح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم )        
ثالثاً: اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للـموافقة عليها.

بينما وضعت المادة (98) منه قيودا على تصرفات رجال القضاء بقولها ( يحظر على القاضي وعضو الادعاء العام ما يأتي: أولا: الجمع بين الوظيفة القضائية والوظيفتين التشريعية والتنفيذية أو أي عمل آخر. ثانياً: الانتماء إلى اي حزب أو منظمة سياسية، أو العمل في اي نشاط سياسي.) وأشارت المادة (94) إلى أن ( قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.)

 وهذا يعني أن أية سلطة أخري في الدولة عدا القضاء لا تملك أن تفصل في جريمة جزائية أو أن توقع على فاعلها عقوبة جزائية، فإن قام أيا منها بذلك فإن ما يصدر عنها يعتبر مشوباً  بعيب عدم الدستورية  لتخلف  العنصر الموضوعي  في الاختصاص، ومن ثم يكون عرضة للطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا.(19)

يتبع

الهوامش:

(1) ـ انظر بصدد التمييز بين الشكلية القديمة والشكلية الحديثة، ا.د.السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،ج1،مصادر الالتزام،،ص120،ف42،ص127 ف48،وهامش ص128‘ص148 وما بعدها.انظر كذلك د.عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية ج1، القانون، 1972، ص419. انظر كذلك د.سمير تناغو النظرية العامة للقانون، 1973،ص 379.

(2) ـ انظر بصدد الشكلية الدستورية، د.إبراهيم عبد العزيز شيحا، القضاء الإداري ـ ولاية القضاء الإداري ـ دعوى الإلغاء ـ، الناشر منشأة المعارف بالاسكندرية،2006. ص (526 ـ 535)، انظر كذلك أنس جعفر ـ أستاذ القانون العام ـ القرارات الإدارية،ط2، الناشر دار النهضة العربية، 2005.،ص(112 ـ 119). انظر كذلك د. محمد كامل  عبيد – نظم الحكم ودستور الإمارات دراسة تحليلية مقارنة لدستور الإمارات –2002- أكاديمية شرطة دبي ص 190.

3ـ اشار اليه د. يحى الجمل، القضاء الدستوري في مصر– طبعة 2000، كتاب تنضيد الكتروني نشر البوابة القانونية ـ شركة الخدمات التشريعية ومعلومات التنمية .الفصل الأول المقدمات الضرورية لإمكان وجود رقابة على دستورية القوانين، المبحث الأول وجود دستور.

4) ـ انظر د. إحسان حميد المفرجي و د. كطران زغير نعمة، د. رعد ناجي، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق،، كلية القانون ـ جامعة بغداد، 1990،ص 254، وانظر كذلك د. يحى الجمل، القضاء الدستوري في مصر مصدر سابق. الفصل الأول المقدمات الضرورية لإمكان وجود رقابة على دستورية القوانين، المبحث الأول وجود دستور.

5ـ دستور جمهورية العراق لسنة 2005، منشور في الوقائع العراقية، الجريدة الرسمية لجمهورية العراق،العدد (4012)،28 كلنون الأول 2005، السنة السابعة والاربعون.

6ـ انظر بصدد فكرة الاختصاص، علي محمد بدير ، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى ،  مباديء واحكام القانون الاداري،1993، ص418.

7ـ انظر د. إبراهيم عبدالعزيز شيحا – النظام السياسي والقانون الدستوري – تحليل النظام الدستوري المصري – دار المعارف الاسكندرية – 2000م.ص 745.

8ـ انظر بصدد العنصر الشخصي، علي محمد بدير ، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى ،  مباديء وأحكام القانون الاداري، مصدر سابق، ص421.

9ـ انظر بشأن مبدأ انفراد التشريع، د. أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري،، ط2، 2002، ص38 وما بعدها.

10ـ دستورية عليا في 4 نوفمبر سنة 2000 القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية (دستورية)، اشار اليه، د. أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، مصدر سابق هامش ص39.

11ـ انظر في تفصيل طبيعة التفويض وشروطه، د.علي محمد بدير ، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى، مباديء وأحكام القانون الاداري، مصدر سابق.ص422،وكذلك انظر الأستاذ أنس جعفر، أستاذ القانون العام، القرارات الإدارية، الناشر دار النهضة العربية، ط2 2005، ص124 –132.

12ـ اشار إلى الحكم، د. احمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، مصدر سابق، ص75 وما بعدها. وانظر بصدد الاختصاصات العضوية، د. رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين، - دراسة مقارنة – 2003م – الناشر الدولي. ص464 وما بعدها.

13ـ انظر بصدد العنصر الموضوعي في الاختصاص، علي محمد بدير، د. مهدي ياسين السلامي د. عصام البرزنجى، مباديء وأحكام القانون الإداري، مصدر سابق، ص424.

14ـ انظر الأستاذ عبد الباقي البكري والأستاذ زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد بيت الحكمة، ص94.

15ـ انظر د. احمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، مصدر سابق ص43

16 ـ انظر الأستاذ عبد الباقي البكري والأستاذ زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، مصدر سابق ص 94 وما بعدها.

17ـ نصت الفقرة ثانياً من المادة (19) من الدستور العراقي على المبدأ بقولها (ثانياً: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة.).

18ـ انظر ا.د أحمد عوض بلال، مباديء قانون العقوبات المصري، القسم العام، دار النهضة العربية، ص 45 وما بعدها.

19ـ انظر د. رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين - دراسة مقارنة – 2003م – الناشر الدولي ص 466.

ـــــــــــــــــــ

*ماجستير في القانون

باحث في فلسفة القانون والثقافة القانونية العامة / بغداد ـ العراق

farisalajrish@yahoo.com

يتبع

--------------------

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ