ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التطبيع وأفول الحركة الوطنية المصرية

فهمي هويدي

الضجة التى أثارتها زيارة السفير الإسرائيلى فى القاهرة لمؤسسة الأهرام أعادت فتح ملف التطبيع الملتبس، بقدر ما أنها سلطت ضوءًا كاشفا على أزمة الحركة الوطنية المصرية.

 

(1)

القصة احتلت مكانا بارزا فى الوسط الإعلامى على الأقل، فشغلت المثقفين طوال عشرة أيام كما أثارت غضب شباب الأهرام واللجنة النقابية بالمؤسسة. واستنفرت نقابة الصحفيين التى اتجهت إلى مساءلة الدكتورة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية التى تصدرها المؤسسة، والتى استقبلت فى مكتبها السفير الإسرائيلى شالوم كوهين.

بدا المشهد مسكونا بالمفارقات، إذ فى حين أسرفت الصحف المستقلة فى متابعة الموضوع فإن الصحف القومية سكتت تماما إزاءه، بسبب التزامها بالموقف الرسمى المؤيد للتطبيع، من ناحية ثانية، فإن عددا غير قليل من الذين شاركوا فى الضجة انصب احتجاجهم على استقبال السفير الإسرائيلى فى مبنى صحيفة عريقة مثل «الأهرام»، فيما بدا أنه غضب للمكان وليس اعتراضا على مبدأ الزيارة، بمعنى أن الأمر كان يمكن أن يمر بسلام لو أن اللقاء تم فى مكان آخر.

من ناحية ثالثة فإن الذين سربوا الخبر ومن ثم أطلقوا الشرارة الأولى للحملة كانوا خليطا من أنصار التطبيع ومن المقربين إلى لجنة السياسات، مما أعطى انطباعا قويا بأنهم ليسوا ضد التطبيع وإنما هم بالدرجة الأولى ضد الدكتورة هالة مصطفى، كأنما صرنا بإزاء تصفية حسابات بين أعضاء الحزب الحاكم.. من ناحية رابعة فإن الضجة المثارة وضعت بعض القيادات الصحفية فى حرج بالغ، لأن رئيس مؤسسة الأهرام من أركان جماعة كوبنهاجن ومن أنصار التطبيع. كما أن نقيب الصحفيين من أوائل الذين زاروا إسرائيل فى عهد الرئيس السادات.

هذه الأجواء تعكس حالة البلبلة الحاصلة فى مصر بصدد موضوع التطبيع. فالمجتمع ضد التطبيع والسلطة معه، وفى أحسن أحوالها فهى ليست ضده، أما المثقفون فهم منقسمون بين مؤيد ومعارض له. ورغم أن المؤيدين قلة، فإن صوتهم أعلى، خصوصا أن السلطة احتضنت بعضهم ومكنتهم من تبوء مراكز متقدمة فى وسائل الإعلام التى تسيطر عليها، فأعطوا حجما أكثر مما ينبغى ومن ثم أحدثوا تأثيرا لا يمكن إنكاره.

 

(2)

حين يذهب السفير الإسرائيلى بنفسه للقاء رئيسة تحرير مجلة مغمورة ومحدودة التوزيع، فإن ذلك يكشف عن مدى الدأب والإلحاح الذى ىبذله الإسرائيليون لاختراق الساحة الإعلامية فى مصر. وهو ما يذكرنا بكلام وزير الأمن الداخلى الإسرائىلى آفى ديختر فى محاضرته الشهيرة التى استشهدت بها أكثر من مرة. وقال فيها إن إسرائيل لكى تثبت أقدامها فى مصر، فإنها تعتمد على ركائز أولها «إقامة شراكة مع القوى والفاعليات المؤثرة والمالكة لعناصر القوة فى البلد وهى: الطبقة الحاكمة ــ وطبقة رجال الأعمال ــ والنخب الإعلامية والسياسية». هذا الكلام الذى ردده الرجل فى معهد أبحاث الأمن القومى (فى 4 سبتمبر عام 2008)، تترجمه الممارسات الإسرائىلية فى مصر، التى لا يشك أحد فى أنها حققت نجاحات مشهودة فى أوساط النخب سابقة الذكر.

لقد بدأ اختراق الوسط الصحفى ــ الذى يعنينا فى الوقت الراهن ــ بموقعين أساسيين هما: مجلة أكتوبر تحت رئاسة الأستاذ أنيس منصور، ومركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام تحت رئاسة الدكتور عدالمنعم سعيد. ذلك أنه ما من صحفى أو باحث إسرائيلى جاء إلى مصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلا وبدأ رحلته انطلاقا من أحد هذين الموقعين، حتى إن بعض الصحفيين وصفوا دار المعارف التى تصدر مجلة أكتوبر بأنها أصبحت دار «معاريف» (أحد محررى المجلة أعلن على شاشة التليفزيون أنه زار إسرائيل 25 مرة) وبات معلوما أن بعض باحثى مركز الدراسات يحتفظون بعلاقات وثيقة مع الباحثين الإسرائيليين.

المدى الذى بلغه الاختراق الإسرائيلى لأوساط النخب المصرية ليس مرصودا بوضوح عندنا، لأن ما يتم منه خارج الدوائر الرسمية يحاط بتكتم وحذر شديدين لأسباب مفهومة، لكن الصورة من الجانب الإسرائيلى أكثر وضوحا. وقد تحدث عنها ببعض التفصيل السفير الإسرائيلى فى القاهرة شالوم كوهين، فى حوار نشرته له صحيفة «الشرق الأوسط» فى 13 سبتمبر الحالى. إذ ذكر أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة حدث تقدم كبير فى مسيرة التطبيع، تم من خلال الحوار المستمر مع وزارات الخارجية والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة، وهو ما أدى إلى استئناف عمل اللجان العسكرية والأمنية المشتركة، وتحت هذه العناوين هناك تفصيلات كثيرة، منها مثلا أن اللجنة الأمنية المشتركة بين البلدين تجتمع بصفة دورية مرتين سنويا، مرة فى القاهرة والأخرى فى تل أبيب. منها أيضا أن إسرائيل استقبلت هذا العام 200 مبعوث من وزارة الزراعة للالتحاق بدورات دراسية تستمر ما بين شهر وشهر ونصف الشهر. منها كذلك أن حجم التبادل التجارى بين البلدين تضاعف ثلاث مرات ووصل إلى 400 مليون دولار. منها أيضا أن زيارات المسئولين الإسرائيليين لمصر كثيفة، إلى درجة فاقت زياراتهم لدول أوروبية صديقة مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا.

عن المثقفين والفنانين قال السفير الإسرائيلى إنه يحتفظ بعلاقات واسعة معهم. وقد التقى أخيرا بواحد من «كبارهم»، اعتذر عن عدم ذكر اسمه. كما اعتذر عن عدم ذكر أسماء الذين يحضرون الحفلات التى يقيمها ويتبادل معهم الزيارات أو الذين يرحبون بالمثقفين الإسرائيليين الذين يفدون إلى القاهرة، ولم يذكر من أسماء هؤلاء وهؤلاء سوى الدكتور عبدالمنعم سعيد والدكتورة هالة مصطفى.

 

(3)

تلاحق المفارقات فصول المشهد. إذ فى حين تنتعش العلاقات المصرية ــ الإسرائيلية، فإن أوروبا تشهد حملة متصاعدة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل من جانب أناس شرفاء يعتبرون ذلك واجبا أخلاقيا يجب الوفاء به. وقد نشرت مجلة «لوموند دبلوماتيك» تقريرا ضافيا حول هذا الموضوع فى عددها الأخير الصادر فى أول سبتمبر الحالى، تحدث عن أن العدوان الإسرائيلى الوحشى على غزة استنفر قطاعات من المثقفين، الذين رأوا أن المقاطعة هى الرد الأخلاقى على جرائم إسرائيل وعنصريتها. وهؤلاء لم يجدوا فرقا يذكر بين النظام العنصرى الذى تطبقه إسرائيل فى فلسطين وبين ممارسات النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا، الذى أسهمت المقاطعة فى فضحه وإسقاطه.

ذكر التقرير أن المنتدى الاجتماعى العالمى الذى عقد فى «بيليم» بالبرازيل قرر يوم 30 مارس الماضى يوما عالميا لمقاطعة المنتجات المصنعة فى إسرائيل من الأزهار والفاكهة إلى الخضار والمعلبات وانتهاء بالأدوية ومستحضرات التجميل. وترددت فى أنحاء أوروبا أصداء تلك الحملة التى خاطبت المستهلكين وأصحاب المحال العامة، الذين دعوا إلى سحب البضائع الإسرائيلية من رفوف العرض، كما شنت بعض الجمعيات الأهلية حملة دعت إلى تعليق الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبى، استنادا إلى أن الاتفاق بين الجانبين دعا إلى احترام حقوق الإنسان، وقد انتهكت إسرائيل هذا البند فى فلسطين.

قال تقرير المجلة إن 21٪ من المصدرين الإسرائيليين اضطروا إلى خفض أسعارهم بسبب المقاطعة، لأنهم خسروا جزءا كبيرا من أسواقهم، خصوصا فى الأردن وبريطانيا والدول الإسكندنافية.

إلى جانب المقاطعة الاقتصادية، أضاف تقرير المجلة، هناك تحركات أخرى تم اللجوء إليها للضغط على إسرائيل ومحاولة عزلها عن الساحة الدولية، منها المقاطعة الثقافية والأكاديمية والرياضية. وكان من نتيجة تلك الضغوط أن تم تأجيل معرض السياحة الإسرائيلية الذى كان مقررا إقامته فى باريس فى 15 يناير الماضى، وسحب اللوحات السياحية الإعلانية من مترو أنفاق لندن فى مايو 2009. ورفض شركة «هيرتز» الرائدة فى تأجير السيارات إدراجها فى عرض ترويجى لشركة الطيران الإسرائىلية «العال»، ورفض السويد الاشتراك فى مناورات جوية دولية بسبب اشتراك إسرائيل فيها، وفى بلجيكا شنت حملة جعلت 14 بلدية تلغى توظيفاتها المالية فى المصرف البلجيكى الفرنسى، لأن فرعه الإسرائيلى يشارك فى تمويل بلديات موجودة على الأراضى الفلسطينية المحتلة. وفى فرنسا خسرت شركتا ألستوم وفيوليا عقودا بملايين اليوروات لأنهما اشتركتا فى تشييد خط للترام فى القدس، وهو ما تكرر مع شركات أخرى فى بريطانيا وهولندا والسويد، إما حرمت من عقود تجارية، أو أجبرت على نقل مشروعاتها من الضفة الغربية المحتلة.

 

(4)

يشعر المرء بالخجل حين يقارن بين دعوات مقاطعة إسرائيل فى أوروبا لأسباب إنسانية وأخلاقية، وبين نظيراتها فى مصر والعالم العربى حيث تشكل إسرائيل تهديدا أمنيا ووجوديا. صحيح أن لجان المقاطعة نشطت فى مصر حينا من الدهر، (فى أعقاب الانتفاضة الثانية عام 2000)، إلا أنها هدأت بعد ذلك، ولم يعد يسمع لها صوت يذكر، فى حين تسارعت عملية التطبيع واتسع نطاقها.

حين يحاول الباحث أن يفسر تلك المفارقة، فإنه لا يستطيع أن يفصل بين تراجع وضعف حملة المقاطعة وبين الوهن والتشرذم اللذين أصابا الحركة الوطنية المصرية، على نحو أصابها بالتآكل وأدخلها فى مرحلة الأفول وهو ما يدفعنى إلى الزعم بأن الاختراقات الحاصلة ليست راجعة إلى قوة حركة التطبيع التى لا تزال مرفوضة شعبيا، ولكنها راجعة إلى ضعف الحركة الوطنية المصرية.

وحتى لا يلتبس الأمر على أحد، فإننى أسجل أن الساحة المصرية تحفل بالعناصر والتجمعات الوطنية لكنها لم تلتئم فيما بينها بحيث تشكل حركة فاعلة ومؤثرة. ذلك أن الحركة الوطنية كما أفهمها هى ذلك التجمع الذى يضم قوى سياسية عدة تلتقى حول المصالح العليا للوطن، بما يستحثها على الدفاع عن تلك المصالح من خلال التأثير فى المجال العام.

إذا صح ذلك الاستنتاج فهو يعنى أن تقدم مسيرة التطبيع عرضا لمرض أكبر يتمثل فيما أصاب الحركة الوطنية المصرية من وَهَن، يرجع إلى عدة عوامل فى مقدمتها الضعف الذى أصاب المجتمع جراء تهميش دوره وخضوعه لأكثر من نصف قرن لنظام سعى طول الوقت إلى تفكيك وتقويض مؤسساته المستقلة وتجمعاته المدنية وإلحاقها بسياسة السلطة القائمة.

وإذ تزامن ذلك مع تعاظم قوة وأدوات الدولة الحديثة وفرض قيود قانونية تقيد حركة المجتمع، فإنه أدى إلى إجهاض وإيقاف نمو قواه الحية. توازى ذلك مع تعاظم دور الأجهزة الأمنية، التى نذرت نفسها للدفاع عن النظام وسياساته، بأكثر مما انشغلت بالدفاع عن المجتمع أو الوطن. وفى سبيل ذلك فإنها لجأت إلى اختراق جميع مؤسسات المجتمع وخلايا العافية فيه لضمان إلحاقها بالسياسة والتحقق من مدى خضوعها والتزامها بخطوطها الرئيسية. وفى ذات الوقت فإننا لا نستطيع أن نغفل دور الإغراءات الشديدة التى باتت تترتب على التعلق بركاب السلطة، والثمن الباهظ الذى يتعين دفعه جراء التحليق خارج السرب. وإزاء طول أجل النظام الراهن فإنه نجح فى توسيع دائرة المستفيدين واحتواء شرائح غير قليلة من السياسيين والمثقفين.

وفى الوقت ذاته نجح فى تيئيس الذين رفضوا الالتحاق بالركب واختلفوا مع رؤيته السياسية ــ وترتب على ذلك كله أن السلطة أصبحت واثقة من أن المجتمع بات منزوع العافية، حتى أطلقت يدها فى كل شىء وهى مطمئنة إلى أنه لن يحدث أى شىء.

لست أشك فى أن غيرى قد يكون لديه اجتهاد آخر فى تفسير ما يجرى، لكننى أرجو أن نتفق على أن المجتمع الضعيف لا يستطيع أن يفرز حركة وطنية قوية، وأن فاتورة وهن الحركة الوطنية تخصم من أحلام الناس فى الحاضر والمستقبل.

ــــــــــ

*صحيفة الشروق الجديد المصريه 29/9/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ