ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العمالة الأجنبية وإشكالية الحفاظ على الهويّة العربية

د. لؤي بحري*

لا يُعرف بالضبط عدد العمالة الأجنبية في الخليج، وتتراوح أعدادهم بين 12 و14 مليون عامل من أصل 39 مليون إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي الست (الكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية وسلطنة عُمان). وفي كلٍّ من قطر والإمارات العربية (خصوصاً دبي) تغلب اللغة الأنجليزية على اللغة العربية كوسيلة للتحادث بين الناس في الشوارع وفي الأماكن العامة. وأغلب هؤلاء العمال هم من دول شبه القارة الهندية والشرق الأقصى خصوصاً إندونيسيا والفليبين. ففي الحين الذي كانت فيه العمالة الوافدة من الدول العربية في منتصف السبعينات تشكّل حوالي 70% من العمالة الأجنبية، تراجعت أعداد هذه العمالة العربية الآن إلى حوالي الثلث من العمالة الأجنبية حيث تحتضن السعودية أكبر عدد من العاملين العرب في أي دولة من دول مجلس التعاون (أكثر من مليون ونصف المليون عامل عربي من أصل حوالي الستة ملايين عامل أجنبي في السعودية)، بينما تحتضن قطر أقل عدد من العاملين العرب بالنسبة إلى عدد العاملين الأجانب.

ومنذ بدء تصدير النفط في منطقة دول مجلس التعاون في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، توافد الأجانب للعمل في منطقة الخليج لقلّة عدد سكانها. وقد ساهم العرب (المصريون والفلسطينيون واللبنانيون وغيرهم) في بناء مؤسسات دوائر الدولة والصحة والتعليم والصحافة والبنوك مثلاً منذ مطلع الخمسينات حيث كان للعرب الفضل الأكبر في بناء مقومات الدولة الحديثة في دول الخليج العربي.

غير أنّ الحال تبدّل منذ منتصف السبعينات حيث تزايدت أعداد الآسيويين للعمل في قطاع الإنشاءات الضخمة  وكذلك العمل في قطاع الخدمات والشركات الخاصة والعمل في منازل الأسر كخادمات أو مربيات أو سوّاق سيارات. ولا تزال منذ ذلك الحين أعداد الآسيويين في تزايد مستمر، وليس هناك ما يشير إلى أن هذه العمالة غير العربية ستتقلّص في المستقبل القريب. وغدت عملية "استيراد" العمالة الأجنبية عملية تدرّ أرباحاً طائلة على مجموعة من التجار والمنتفعين الخليجيين المعرفين باسم "تجار الإقامات" الذين أثروا بواسطة "مكاتب التشغيل" في الدول الآسيوية الأفقر في العالم حيث تقوم هذه المكاتب بتوقيع عقود مع الآسيويين من العمال لقاء الحصول على مبالغ من المال منهم تتراوح ما بين 1500 و4000 دولار. ويستلم "الكفيل" الخليجي (المواطن المحلي) أغلب هذه الأموال ثم يقوم بتشغيل العامل إمّا لحسابه الخاص أو طرحه للعمل بشكل حر في الأسواق المحلية فيما يعرف باسم "العمالة السائبة"، وأحياناً "يؤجَّر" العامل إلى الغير. وفي كلٍّ من الحالتين "العمالة السائبة" أو "التأجير" يستلم الكفيل مقابلاً شهرياً إمّا من العامل نفسه أو من الجهة التي تقوم بتأجيره حيث يستلم مبلغاً قطعياً منها في هذه الحالة. إنّ لنظام "الكفيل" هذا مساوئ عديدة حتى شبّه البعض ذلك النظام بأنّه يحوّل الأجانب إلى شبه "عبيد" لذلك الكفيل. وكانت البحرين أول دولة خليجية تقوم بإلغاء نظام الكفيل في مايو/أيار 2009 وقامت الدول الأخرى الآن إلى إلغائه أو تعديله جذرياً. غير أن الأمور ليست بمثل تلك البساطة، فإلغاء نظام الكفيل يدخل قضية التعاقد مع العمال الأجانب وعملهم وحريتهم في التنقل بين الأعمال في إشكالات من أنواع جديدة قد تستمر لسنوات طويلة. ومن تلك الإشكالات ما هو قانوني وقضائي ومالي وغيرها.

ومهما يكن من أمر فإنّ وجود وتزايد هذه الملايين من العمالة غير العربية أدّى إلى دخول عادات وتقاليد وديانات مختلفة تؤثّر كلّها على الطابع العربي الإسلامي لمنطقة الخليج، وانتشرت اللغة الإنجليزية بشكل رهيب وأصبحت لغة التخاطب والتعامل لدرجة أن بعض المقيمين العرب في قطر ودبي أخذوا يتحدثون باللغة الإنجليزية بينهم عوضاً عن العربية، وتراجع التعليم في مراحل التعليم المختلفة خصوصاً في المراحل الجامعية على حساب اللغة العربية وهي اللغة الأم في المنطقة.

ومع دخول العمالة الأجنبية ظهرت سلبيات اجتماعية على الساحة في المنطقة كازدياد تهريب وتعاطي المخدرات والدعارة والعصابات والسطو المسلح على البنوك والمخازن، وكلها أمور لم تكن بالكاد معروفة قبلاً في المنطقة. وأصبحت هذه العمالة تشكّل مصدر هواجس للمسؤولين كما هو الحال بالنسبة للمثقفين الخليجيين ولعامّة الناس لتشكيل تلك العمالة الأجنبية أخطاراً على الهوية العربية للخليج. وعلى سبيل المثال، صرّح الدكتور مجيد العلوي وزير العمل البحريني عام 2007 قائلاً: "إنّ العمالة الأجنبية في الخليج هي أخطر من قنبلة ذرية على المنطقة". 

قضية الحفاظ على الهوية العربية للخليج قضية شغلت العرب منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي حين تزايدت الهجرة الإيرانية غير المشروعة للعمل في الخليج، واستمرّت هذه الهواجس اليوم حيال العدد الهائل من غير العرب العاملين في الخليج حيث أخذت بعض التصريحات من مسؤولين آسيويين وبعض الضغوط من منظمات دولية تطالب بتوطين العمال الآسيويين في الخليج ومنح أفراد "حقوق سياسية" وحتى تجنيس هؤلاء الأجانب بجنسيات خليجية. وبالرغم من أن هناك اتفاقيات لا حصر لها بين الدول العربية والدول الخليجية لاستخدام العرب عوضاً عن الأجانب، فإنّ تلك الاتفاقيات لم يجرِ تفعيلها وبقيت حبراً على ورق في أغلب الأحيان، وكذلك الحال بالنسبة للقوانين والتعليمات للدول الخليجية نفسها بتفضيل العرب على غيرهم في التوظيف والعمل فلا يتمّ هي الأخرى تفعيلها بشكل جدّي.

أثّرت الآزمات السياسية والخلافات بين الدول العربية على مصير العديد من العاملين العرب في دول مجلس التعاون وطرد مئات الألوف منهم. وهناك أمثلة متعددة على ذلك، ففي الستينات أثناء الخلاف السعودي المصري، طردت السعودية مئات الألوف من المصريين العاملين فيها. وحصل ذلك الأمر عقب انتهاء الاحتلال العراقي للكويت (1990-1991) حيث أخرجت الكويت كل الفلسطينيين واليمنيين والأردنيين والسودانيين وغيرهم من أراضيها بذريعة تعاطف دولهم مع احتلال الكويت بشكل أو بآخر.

تحاول دول الخليج عقب المطالبات بمنح العمال الأجانب حق الإقامة الدائمة أو منحهم "حقوق سياسية" وحق "التجنيس والتوطين" لتلك العمالة وضع قيود صارمة  لإقامة العامل الأجنبي على أراضيها لمدة لا تتجاوز الخمس أو الست سنوات. وهي تحاول كذلك تدوير مصادر ودول تورد منها العمالة الأجنبية بحيث لا يستمر الاعتماد على دولة واحدة أو دول معينة بالذات.

إنّ من الضروري لدول مجلس التعاون زيادة الاعتماد على أبنائها من المواطنين العاطلين عن العمل خصوصاً في دول مثل البحرين والمملكة العربية السعودية حيث البطالة في هاتين الدولتين تتراوح ما بين 8-10 بالمائة للذكور وأعلى من ذلك بكثير لدى النساء، حيث يمكن إذا تمّ التغلّب على العقبات السياسية وبعض الحساسيات الأخرى الاستفادة من اليد العاملة إلى العاطلة في البحرين في بقية دول الخليج من دول مجلس التعاون، كما أن التغلب على بعض العقبات للمفاهيم الاجتماعية والتقاليد في السعودية يتيح الاستفادة من اليد العاملة النسائية في السعودية حيث هناك حوالي الأربعة ملايين امرأة سعودية في سن العمل وقادرة على العمل غير أنها مجمدة عن العمل. وفي كل الأحوال، فإن الدول الخليجية مدعوّة إلى الاستفادة من اليد العاملة الوطنية فيها في القطاع الخاص عوضاً عن انصراف أغلب الخليجيين للعمل في القطاع العام الوظيفي ذي الرواتب العالية والامتيازات والتقاعد ..إلخ.

ـــــــــــ

*باحث أكاديمي./مركز الشرق الأوسط/واشنطن.

من ندوة في "مركز الحوار العربي" مع الدكتور لؤي بحري/أكاديمي في "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن، حول: " العمالة الأجنية وإشكالية الحفاظ على الهويّة العربية " - الأربعاء 27 آيار/مايو 2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ