ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 22/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أنا وأنت ورمضان! 

بين الإقبال على فضل رمضان والعزوف عنه 

نبيل شبيب

هل يوجد ما يمكن أن نذكره مع حلول شهر رمضان المبارك 1430هـ ولم نذكره مع حلول الشهر الفضيل في أعوام ماضية؟..

ألا يذكّر بعضنا بعضا عاما بعد عام بالآيات والأحاديث وبالصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان والإنفاق والإحسان والغزوات والمعارك الفاصلة والانتصارات التاريخية وبكل ما تعنيه كلمات التقوى والبر والصدق والإيمان؟..

ألا يمضي بعضنا شوطا أبعد فيتحدث في رمضان عن أحوال المسلمين في أنحاء الأرض، من فقراء وأغنياء، ومحرومين ومترفين، ومحكومين وحاكمين، ومظلومين وظالمين، وبؤساء ومشردين وشهداء ومجاهدين؟..

ألا نتبادل التهنئة والدعاء، والتحية والتمنيات، رمضان بعد رمضان، وعيدا بعد عيد، ومناسبة بعد مناسبة.. ثم ينظر بعضنا نظرة قنوط إلى أحوال الأمة والبلاد، وواقع الشعوب والعالم، وينظر بعضنا الآخر نظرة التفاؤل إلى بذور تغيير وآمال عراض ومساجد تغص بالمصلين ورحمة تنزل على المؤمنين الصادقين؟..

أبارك لمن يقرأ هذه الكلمات من أعماق القلب بحلول الشهر الكريم، وأسأل الله بصدق أن يحقق لكل مأمله منه، عفوا ومغفرة وقبولا وعتقا من النار وكرما منه جل وعلا عسى أن نكون ممن يعبرون بعد هذه الحياة الفانية باب الريان إلى جنة الخلد والحياة الحقيقية الباقية.

 

ليس للقنوط واليأس مكان في قلب المؤمن، والتفاؤل واجب مفروض يصنعه الإيمان.

رغم ذلك.. رغم استقبال رمضان كل عام استقبال المؤمنين بالله وكتاب الله ووعد الله، نرصد كثيرا من معالم القنوط واليأس ولا نرصد إلا القليل من الأمل والتفاؤل.

سيقول قائل: ألا تستدعي أوضاع فلسطن والعراق، وأفغانستان والصومال، والشاشان والسودان.. ألا تستدعي أوضاع الظلم الدولي والمحلي والطاغوت والطغيان، وآهات الجرحى والمصابين والمحاصرين والمحرومين وذوي الضحايا والشهداء والمعتقلين والمشردين.. ألا يستدعي واقع المسلمين والعالم يأسا وقنوطا!..

بلى.. إن بقينا على ما نحن عليه نستقبل رمضان ولا نعيش رمضان ونكتفي برصد ما نرصد فلا نتحرك!..

وقد يقول قائل: ألا تستدعي إنجازات المقاومة رغم العدوان، ورؤية دعائم الهيمنة الاستبدادية تتزعزع في كل أرض، وامتلاء المساجد بالشبيبة، وانتشار الحجاب في كل مكان، وغلبة الدعوة إلى الله في القلوب والعقول على ما كانت تزخم به من دعوات في كل اتجاه واتجاه.. ألا تستدعي مؤشرات التغيير أملا وتفاؤلا؟..

كلا.. إن بقينا نعتمد على ما تحقق ونحسبه كافيا لبلوغ ما ينبغي أن نصل إليه!..

ليس اليأس والقنوط قيمة مطلقة وليس التفاؤل والأمل قيمة مطلقة!..

وليس رمضان.. شهرا من الشهور نقضيه بين هذا وذاك.. فحسب.

نعلم أن الأبواب كلها مفتوحة في رمضان.. ولكن هل نحن على الطريق الواصلة إليها؟..

 

يوجد الكثير مما يستدعي الخشية من مزيد من النكبات والكوارث والمآسي.. فإن عشنا رمضان كما ينبغي أن نعيشه، واستحضرنا في واقعنا وليس في كلامنا فقط، دوره في صياغة الإنسان إيمانا وعملا، وعلما وسلوكا، وعبادة وجهادا، وزهدا وتضامنا، فسوف نرى رأي العين كيف يستنهض فينا الطاقات عاما بعد عام، ويجدد العزيمة بعد فتورها، ويدعم الارتباط بالله القوي العزيز الجبار القاهر الرزاق الوهاب، فلا تبقى في القلوب نبضة تخشى أحدا سوى رب الأرباب، أو ترجو شيئا من غير مسبب الأسباب، ولا تبقى في العقول والسواعد وساعات الليل والنهار وأيام العمر المعدودة، طاقة إلا وتتحرك على طريق التغيير.. إلى أن يتحقق التغيير كما ينبغي في حياتنا وفي العالم من حولنا، ويرتقي إسلامنا بالإنسان إلى حيث ينبغي أن يكون في هذه الحياة الدنيا، سواء تحقق ذلك في حياة الفرد أو تحقق في حياة جيل قادم.

ويوجد حولنا وبين أيدينا ومن خلفنا الكثير مما يستثير الإحساس بالاطمئنان إلى أن الله تعالى لن يضيع أولئك الذين يعملون ويقاومون ويتحركون ويبنون ويصلون ويصومون ويتعلمون ويعلمون ويهتدون ويدعون... لن يضيع ما بدأ جيل الشبيبة يقدمه من عطاءات، ستتراكم يوما بعد يوم وعاما بعد عام، وسينبثق من قلب ذلك الجيل، جيلِ المستقبل، مَن يرتقي بنفسه عبر علمه وعمله وعطائه إلى مواقع القيادة على الطريق نحو التغيير، فيتحقق التغيير.. على أيدي ذلك الجيل أو جيل قادم.

ولكن ما شأن كاتب هذه السطور وقارئها بذلك؟..

 

لن يكون لأحد منا -نحن الأفراد- تأثير لنحيل القنوط واليأس أملا وتفاؤلا، ونتحول عن درب الهزائم إلى طريق الانتصارات، ونهجر درب الانحدار ونلزم طريق الارتقاء للعلياء، إلا بمقدار ما يعيش الفرد منا رمضان، وليس بمقدار ما يدعو إلى ذلك فقط، ويحسب أنه أدى واجبه.. وكفى.

إن السر الأعظم في صيام رمضان حق الصيام، كما في أداء الصلاة حق الأداء، وكما في كل عبادة شرعها رب العباد للعباد.. السر الأعظم يكمن في أن العبادة الحقة تحوّل الفرد إلى أمة، إلى طاقة تصب في صناعة مستقبل الأمة، وهو يدرك إدراكا راسخا عميقا أنه لن يسأل بين يدي الله تعالى يوم الحساب الأعظم إلا عن نفسه، عن إيمانه وعمله، عن شبابه وشيخوخته، عن علمه وماله، وبقدر ما يكون إيمانه قويا، وعلمه نافعا، وعمله صالحا، وماله طاهرا مطهرا، ويستشعر أن كل لحظة من لحظات يومه، هي جزء من فترة امتحانه واختباره في عمره، منذ نشأته الأولى إلى يوم الرحيل عن هذه الدنيا، فإنه سيحقق من الإنجاز في الحياة الدنيا، ما يتحول برحمة من الله ومغفرة وفضل إلى سببٍ لفوز الفرد في الحياة الآخرة، كما يتحول إنجازه أثناء حياته أو من بعد مماته إلى لبنة أخرى في بناء الصرح الذي نزل الإسلام بكل تشريعاته وعباداته ومعاملاته وأحكامه، مبينا الطريق إلى الخير، من أجل الإنسان والإنسانية جمعاء، حقا يزهق الباطل، وعدالة تمحو الظلم، وإحسانا يعم برحمة الله خلق الله.

 

يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.

ولا يتحول من خلال الشعور بيأس أو أمل، بل يتحول من خلال ما تقتضيه دواعي اليأس وتقتضيه دواعي الأمل على السواء، فيكون شهر رمضان في الحالتين نبعا لا ينضب من طاقات العمل والعطاء.

يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.

ولا يتحول بصيام يفتقر إلى الصيام عن الفواحش واللغو وإن من الفواحش واللغو الكسل والاستخذاء حيثما يستدعي الواقع من حول الفرد العمل والصبر والمجاهدة والجهاد.

يجب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد، ليكون شهر التغيير في حياة الأمة.

ولا يتحول دون أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى العبادة كما قررها الإسلام فلا تكون مجرد عادة، ولا تقتصر على ميدان دون ميدان، ولا نحبسها في تمتمة باللسان وحركات بالجوارح وعزوف عن بعض المباحات في شهر من شهور السنة أو أكثر.

فلنكن في رمضان وفي سائر الأيام والشهور والأعوام كما يريد رب الأكوان والأزمان، ولن نجد آنذاك في أعماق القلب وفي واقع الحياة مكانا لأمل يجعل من التوكل تواكلا يمنع تحقيقه ولا لقنوط محبط يجعل من التشبث به ذريعة للبقاء في قفصه.

رمضان شهر فضيل عظيم بذاته، ورمضان شهر الخير والمغفرة، شهر مبارك نعيش في بركاته بقدر ما يكون فيه من عمل يغير ما بأنفسنا ليغير الله ما بنا، ويباركه الله تعالى فيتحقق التغيير بإذنه، وهو العزيز القدير، الأرض في قبضته والسموات مطويات بيمينه.. نسأله المغفرة والهداية والعون، ونسأله النصر الذي وعد به عباده المؤمنين الصادقين القانتين العاملين المخلصين المجاهدين، إنه على كل شيء قدير.

ـــــــــــ

المصدر : مداد القلم 21/8/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ