ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 17/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وماذا عن التعصّب ضدّ التعصّب؟

نصر شمالي

ns_shamali@yahoo.com

يدين كوكب الأرض بحياته لشمس واحدة وحيدة، لا يوجد غيرها في مجموعتنا الكوكبية، فهي تتواصل معه بحرارتها ونورها بلا انقطاع على مدار الساعة، ولو انقطع هذا التواصل (لا قدّر الله) فسوف يعمّ الظلام الدامس والصمت المطبق والجليد الأصمّ! غير أنّ نور الشمس وحرارتها لا يغطّيان الأرض دفعة واحدة، بكميات واحدة وفي زمن واحد، بل هنا الليل والنوم وهناك النهار والاستيقاظ! هنا الحرّ والهرب من أشعّتها وهناك القرّ والسعي إلى دفئها! فالشمس الواحدة، التي هي جذر الحياة، لا تعطي حالة واحدة تعيشها البشرية كلّها في وقت واحد، بل تعطي بالتنسيق مع كوكب الأرض حالات متناقضة في وقت واحد، فتختلف الأزمنة وتتنوّع أوضاع الأمكنة ووضعيات البشر!

 

نريد من التذكير بهذه البديهيّات الكوكبية الوصول إلى وضعيات وحالات البشر، إلى العلاقات الإنسانية التي تقتضي التنسيق بين فعل جذر الحياة الواحد وبين انعكاساته المختلفة، المتنوعة زمانيّاً ومكانيّاً وبالتالي ذهنيّاً ومزاجيّاً ومعيشيّاً أيضاً، حيث مثل هذا التنسيق البشري الضروري يبدو ضعيفاً جدّاً، سواء في علاقات الكتل الأممية ببعضها أم في العلاقات داخل كلّ واحدة منها، أمّا أبرز مظاهر هذا الضعف فهو التعصّب!

 

إنّ التعصّب الذي نقصده هو الذي ينسى الجذر الواحد للحياة الأرضية المشتركة، ويتجاهل تنوّع انعكاساته على البشر، من تباين وتناقض إلى تكامل ووحدة في آن واحد! فالإدارات الأميركية، مثلاً، تتصرّف كأنّما الولايات المتحدة مستقلّة عن سكّان الأرض وتمتلك شمسها التي تخصّها وحدها، وكذلك يفعل جماعتها الإسرائيليون! فهي وهم يسمّمون الحياة ويدمّرونها على كوكب الأرض كما لو أنّهم سكان كوكب آخر! وإنّه لمذهل هذا التناقض بين معارفهم العلمية الحديثة الفذّة وبين علاقاتهم الوحشية البدائية، الداخلية والخارجية، حيث التعصّب الأحمق الأعمى هو سيّد مواقفهم!

 

 لكنّ التعصّب الذميم، الذي هو مظهر من مظاهر الجهل أو الأنانية وشرّ من شرورهما، ليس وقفاً على الأقوياء الظالمين، بل شائع بين الضعفاء المظلومين، فالبروتستانتي الأول، الألماني مارتن لوثر، أسّس (في العام 1517) من موقع المعارض المظلوم لأبشع وأفظع أنواع التعصّب والظلم، حيث واجه ظلم البابوية للمسيحيين، وتعصّبها ضدّ اليهود، بأساليبها إنّما مقلوبة! فهو تعصّب لمسيحيّيه وظلم المسيحيين عموماً، وتعصّب لليهود وظلم المسلمين عموماً، أي أنّه ثار على التعصّب وحاربه بالتعصّب، فترتّب على ذلك ظهور الصهيونية المسيحية في إنكلترا وأميركا منذ عام 1649، ومن ثمّ ظهور الصهيونية اليهودية في القرن التاسع عشر، ما أدّى إلى إغراق أوروبا ثمّ العالم في بحار من الدماء، وإلى مأساة الشعب الفلسطيني التي لا مثيل لفظاعتها في الزمن الحالي، ويقال أنّ لوثر ندم في آخر حياته على ما فعله، أي بعد فوات الأوان!

 

ولكن ماذا عن تعصّب بعض الجماعات اليوم في بلادنا المظلومة، التي سنختصرها مجازاً، من دون الدخول في المواقف السياسية، بأنصار الحجاب وأنصار السفور، الذين يتبادلون الاتهامات بالسلفية الظلامية والتحلّل والإباحية، ويتأهّبون لحروب ضارية؟ أيّهم مصيب وأيّهم مخطئ، وهل حياتهم المشتركة مستحيلة وافتراقهم مؤكّد كما يزعم البعض، كأنّما هم لا يدينون بحياتهم لجذر واحد، بحيث يتمكّن الصهاينة من سحقهما كليهما؟ هل سيندمون إنّما  بعد فوات الأوان؟

 

لنفترض أنّ أنصار السفور على حقّ! ولكنّ أليس تعصّب الطرف المقابل ناجم، كما يفترض علمياً، عن نقص في معرفة علاقات الحياة المعاصرة واستيعابها؟ بل أليس ناجماً عن ظلم وفساد هذه العلاقات بوجوهها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ وإذا كان الحال كذلك، وهو كذلك فعلاً، فما العلاج إن لم يكن النضال من أجل رفع سويّة الوعي أو تصحيح مساره، وتبديل العلاقات الفاسدة أو تصحيح مسارها؟ وهل يجوز لمن هو أكثر معرفة وفهماً وإحاطة، أي أكثر حرّية، وبالتالي أعظم مسؤولية، أن يتلكّأ في الأخذ بيد أهله حتى لو اختلف معهم، في جميع الأحوال وأيّاً كانت أوهامهم وبلواهم؟

 

  بالإمكان فهم وتبرير التعصّب الأول "الحجابي" مع رفضه، ولكن كيف يمكن فهم وتبرير الثاني "السفوري"، العلمي الديالكتيكي والليبرالي الديمقراطي، بخاصة عندما يبلغ حدّ تفضيل الحياة مع الأعداء الأجانب على الحياة مع الأهل المتعصّبين؟ لقد أدمى قلبي سماع بعضهم، هنا وهناك، يقول ذلك فعلاً!

 

في الردّ على المتعصّبين، بخاصة العلمانيين، لا أجد أبلغ من قول دريد بن الصمّة قبل حوالي ألف وخمسمائة عام: "أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى/ فلم يستبينوا الرشد إلاّ ضحى الغد/ فلمّا عصوني كنت منهم وقد أرى/ غوايتهم أو أنّني غير مهتدي/ وهل أنا إلاّ من غزيّة إن غوت/ غويت وإن ترشد غزيّة أرشد؟"!

 

 لم يجزم دريد بخطأ قومه، ولم يجزم بصحّة رأيه، كما يليق بعالم حديث يعيش بيننا اليوم، لكنّه أكّد انحيازه إلى قومه في جميع الأحوال، بخطئهم وصوابهم، كما يليق بمواطن حرّ شريف يعيش بيننا اليوم!

ــــــــــــ

المصدر : موقع "كنعان"

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ