ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إشترِ أسهماً في الحلم السوري

عبد السلام هيكل*

دمشق – قضيت فترات الصيف وأنا فتى صغير في دمشق، بينما توزع زملائي السوريون على شواطئ مدينتي الساحلية طرطوس للتمتع بمياه البحر الأبيض المتوسط. ورغم الحر الشديد في دمشق كانت لعطل الصيف هناك صبغة خاصة بالنسبة لي.

كان تنوع مدينة دمشق مثيراَ. اصطحبني جدّي صباح كل يوم جمعة كعادته أثناء عطلة نهاية الأسبوع للتسوق في محلات الخردوات القديمة. كنا نسير عبر شارع مدحت باشا والمعروف باسمه التوراتي: "الطريق المستقيم"، ننتقل ببطء من متجر لآخر، نتفحص المزهريات الزجاجية الملونة ونحكّ الألواح النحاسية وننظر بإعجاب إلى الصناديق المطعّمة بالصدف.

كنا أنا وجدي نضحك كثيراً أثناء تسوقنا بحثاً عن الأشياء القديمة، وخاصة مع جميل، وهو سوري يهودي كبير في السن يقع متجره قرب كنيس العجمي، وهو مكان عبادة يعج بالنشاط حتى في هذه الأيام. كنا نتوقف أمام المسجد الأموي الشامخ حيث يتجمع المؤمنون لأداء صلاة الظهر يوم الجمعة.

رفعني جدي أحد الأيام داخل المسجد على كتفيه لأنظر عبر قضبان ضريح يقال أنه يحتوي على رأس يوحنا المعمدان، المعروف لدى المسلمين بالنبي يحيا.

أحبّ جدي فيصل صباغ تاريخ دمشق، ولكنه لم يكن عالقاً في الماضي. عندما لم يكن يتسوق بحثاً عن الخردوات، كان جدي جرّاح أعصاب، درس في جامعة كولومبيا وقام بعد ذلك بتأسيس دائرة جراحة الأعصاب بجامعة دمشق عام 1949. ما زالت أجيال الأطباء الذين درّسهم تذكره وتقدّره كنموذج يُحتَذى به.

ما زال جدي الآخر نشطاً في سن 93 سنة. كان ريادياً بارزاً وزعيماً مجتمعياً لفترة طويلة، وأنا فخور بحمل اسمه. يقوم جدي بالتعبير عن حكمته ببلاغة عبر قصائد شعرية ذكية وقصص ساحرة، مقللاً من قيمة المواقف المتعالية. وهو يضايق والدي مازحاً حول شغفه بالتصوير الفوتوغرافي التكنولوجي الحديث. اشترى جدي أول كاميرا له في فرنسا في عشرينات القرن الماضي، قبل فترة طويلة جداً من ظهور الكاميرات الرقمية، وكان يصوّر فرقة الكشافة الوطنية التي كان يقودها في طرطوس. وهو يحتفل بذكرياته مع الكشافة وهم يتظاهرون ضد الاحتلال الفرنسي قبل أكثر من 75 سنة، ويذكّرني بأن الشدة تنتهي دائماً، سابقاً أو لاحقاً.

تجد من حديثك مع الشباب السوري اليوم أن لكل منهم قصص مماثلة حول الأسرة والتاريخ، والتقاليد والمقاومة والابتكار. ولدى العديد منهم جذور في زوايا بعيدة من العالم. وبالمثل، يستطيع أناس حول العالم تتبع جذورهم إلى سوريا، والتي اعتبرت من قبل البعض المركز الجغرافي للعالم، وقلب طريق الحرير الذي يصل قارة آسيا بأوروبا.

ويعترف العديد من الزوار بأنهم يشعرون بالراحة في دمشق، ويعود ذلك إلى تباين طريف: يستطيع أي زائر أن يجد سوريّاً يشبهه، فنحن خليط من الثقافات التي انتصرت على هوياتنا العرقية والدينية لنشكل أمة واحدة. نعم، لدينا هوية عربية مميزة وثقافة إسلامية غنية. ولكن لدينا موروث مسيحي قوي كذلك، وطابع شرق أوسطي، ووجود قريب من أوروبا.

كثيراً ما يُنظَر إلى سوريا وعاصمتها دمشق على أنهما جزء من الأشياء العتيقة، وبقايا من الحضارة اللامعة الشهيرة التي لم تتمكن من البقاء حتى الحاضر. ولكن بالنسبة للآلاف منا الذين ولدوا في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، تعتبر سوريا دولة تختلف عما كانت عليه حتى قبل عقد واحد من الزمان. نشعر أحياناً أن أمامنا فرصة غير مسبوقة لنزدهر.

نحن ملتزمون بإعادة إحياء "الحلم السوري"، يُحفّزنا شعور موغل في القدم من الانتماء والواجب. فسوريا أمّة قديمة عريقة يدفعها جيل جديد ضليع في التكنولوجيا من المبدعين. لدينا رؤية لما يمكن أن نكونه، وقد وضعنا أمام أعيننا الطريق الذي سنتبعه لتطبيق ذلك. تعمل أعداد كبيرة من الناس في الحكومة والمجتمع المدني والأعمال التجارية، إضافة إلى جنود وأبطال مجهولين بين الناس العاديين، يعملون بجد واجتهاد رغم كافة المعوقات، لنكون صانعي سلام وليس مجرد باحثين عنه. من المنطقي في عالم ينعدم فيه الاستقرار كعالمنا أن نشتري أسهماً في هذا الحلم السوري.

شارَكْنا أنا وحوالي مائتين من الراشدين الشباب من حول العالم، وقد أعطينا اسم قادة عالميون من الشباب، شاركنا في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقِد مؤخراً في البحر الميت بالأردن، بسرد قصصنا وخططنا من أجل عالم أفضل. سنحت لي الفرصة لأخبر المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال المبدعين والناشطين عن وجهات النظر العالمية المعاصرة التي تنتعش في سوريا اليوم، يرعاها تراث يعطي السوريين الثقة للتقدم في القرن الحادي عشر.

أدركت كذلك في البحر الميت أنني لست مواطناً سورياً فخوراً فحسب، وإنما مواطن فخور في عالم ما فتئ يتغير، تماماً كما أرادني جدّاي أن أكون.

ــــــــــ

* عبد السلام هيكل رجل أعمال ريادي في الإعلام والتكنولوجيا وناشط اجتماعي مركزه دمشق. وقد تم اختياره عام 2009 واحداً من 200 من القادة العالميين الشباب في المنتدى الاقتصادي العالمي. كُتب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية، 14 آب/أغسطس 2009

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ