ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 13/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


Taken "مأخوذة":

فيلم يعادي العرب ويبرر التعذيب والعمليات الخارجية

د. إبراهيم علوش

من اعتقد أن زمن الأفلام المعادية للعرب والمسلمين قد ولى مع مجيء أوباما، ومن ظن أن توجهاً جديداً يعتمد على "حوار الحضارات" بدلاً من صراعها قد حل في السينما الغربية، لا بد له أن يشاهد فيلم "مأخوذة" Taken.   ونقول السينما الغربية، وليس الأمريكية فحسب، لأن فيلم "مأخوذة" Taken من إنتاج شركة يوروبا EuropaCorp التي أسسها الفرنسيون لمناطحة هوليود عالمياً.  لكن تسويق الفيلم كان من مهمة واحدة من أكبر شركات الأفلام الأمريكية وهي تونتيث سنتشري فوكس Twentieth Century Foxالتي يملكها عملاق الإعلام والاتصالات روبرت ميردوخ.

فيلم "مأخوذة" فيلم إثارة وأكشن لا يبدو لك للوهلة الأولى أنه يحمل أية رسالة سياسية، بيد أن رسالته السياسية هي الأكثر خبثاً لأنها توظف غريزة الأمومة والأبوة بشكلٍ لا واعٍ عند الجمهور، وواعٍ عند المخرج، لتبرير "الحرب على الإرهاب" التي غيرت إدارة أوباما اسمها (فحسب) إلى "عمليات طوارئ خارجية". 

وقد نجح فيلم "مأخوذة" نجاحاً تجارياً باهراً لأنه تمكن من المساس بالعصب الحساس لغريزة الأبوة والأمومة عند المشاهد الغربي لتبرير تجاوز كل الشرائع الدينية والقانونية والأخلاقية من قبل عميل مخابرات مركزية أمريكية يدوس عليها جميعاً بكفاءة إجرامية عالية في خضم سعيه لإنقاذ ابنته ذات السبعة عشر ربيعاً من قبضة عصابة ألبانية يتميز أفرادها بكثافة شعورهم ولحاهم السوداء وأشكالهم المخيفة، ويشمون أيديهم بوشم هلال أخضر ونجمة خضراء، تقوم ببيع المراهقة الأمريكية الطيبة والبريئة لشيوخ عرب في فرنسا.

وعندما نقول أن الفيلم قد حقق نجاحاً تجارياً وجماهيرياً باهراً، فإن الأرقام تتحدث عن نفسها بنفسها.  فقد كلف الفيلم الذي تم تصوير معظمه في باريس 25 مليون دولار فحسب، لكنه عاد على منتجيه بعائد يفوق 220 مليون دولار، منها حوالي 145 مليوناً في أمريكا الشمالية، منذ إطلاقه هناك في 30/1/2009 حتى تاريخ 29/5/2009، مع العلم أن الفيلم أطلق في فرنسا في 27/2/2008.    ومنذ أطلق الفيلم على الدي في دي DVD في 12/5/2009 عاد على منتجيه بأكثر من 55 مليون دولار أخرى... في الواقع، لقد حقق الفيلم نجاحاً باهراً لدرجة يستعد منتجوه معها لإطلاق جزء ثانٍ له بعنوان "مأخوذة 2"...

بطل الفيلم هو ممثل هوليود المعروف جداً ليام نيسون Liam Neeson، وهو ممثل ايرلندي الأصل مثّل أيضاً في فيلم "قائمة شيندلر" لستيفن سبيلبرغ عن المخرقة اليهودية، وفي فيلم "مملكة السماء" (حيث لعب دور والد البطل باليان)، وغيرها كثير.  وقد لعب ليام نيسون في فيلم "مأخوذة" دور عميل السي أي إيه المتقاعد برايان ميلز الذي يترك الوكالة ليصبح قريباً من ابنته المراهقة التي تقول لنا والدتها وطليقة برايان ميلز في الفيلم أنه ابتعد عنها وعن أمها لسنوات لكي "يضحي من أجل بلده"، أي ليقوم بعمليات خارجية لمصلحة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية!  ولكن إلى متى يمكن أن يهرب العميل السابق برايان ميلز من ممارسة العمليات الخاصة الخارجية؟! الرسالة للأمريكيين والأوروبيين طبعاً:  عندما تذهب ابنته وصديقتها الشقراء من لوس أنجلوس إلى فرنسا للسياحة، تقوم باختطافهما عصابةٌ من الألبان لتبيعهما كرقيق أبيض بعد إجبارهما على الإدمان على المخدرات.   ومن هنا عنوان الفيلم "مأخوذة"، بمعنى مختطفة.  والعبرة هنا "مأخوذة" مباشرة من خطاب المحافظين الجدد: لو تركنا "الإرهاب" يترعرع في الخارج، فإنه سيصيبنا عاجلاً أو آجلاً، ولذلك علينا أن نبادره في الخارج قبل أن يصيبا، كما يقولون دوماً... وهذا هو مبرر "الحرب على الإرهاب".

ولو كان فيلم "مأخوذة" فيلماً ألبانياً أو أوروبياً شرقياً ينتقد مشكلة المافيا الألبانية المتورطة بالمتاجرة بالرقيق الأبيض، بنساء أوروبا الشرقية أساساً، كما هو معروف، لدخل الفيلم في خانة النقد الاجتماعي المشروع.   أما أن يقوم مخرج فرنسي معروف هو بيار موريل Pierre Morel، ومنتج فرنسي معروف هو لوك بيسون Luc Besson، مالك شركة يوروبا للأفلام، بإطلاق فيلم يتحدث عن الألبان الذين دخلوا فرنسا بالعشرات ليصبحوا مئات يتاجرون بالرقيق الأبيض ويمارسون الجريمة وإدارة عمليات الدعارة وبيع المخدرات، "مستغلين تسامحنا"، على حد قول بطل الفيلم، فإن ذلك يحول الفيلم تلقائياً إلى فيلم ضد المهاجرين المسلمين في فرنسا يصورهم بطريقة قذرة شكلاً ومضموناً، ويحرض عليهم بالتالي، ويعبئ الرأي العام ضدهم.

ومن الطبيعي أن يتأثر أي أب أو أم بوقوع ابنته أو ابنتها الحبيبة المدللة في قبضة عصابة أشرار أجانب من هذا النوع، مما يعطل المنطق، ويطلق الرغبة العمياء بالانتقام والقتل، ويبيح لليام نيسون، أو عميل المخابرات الأمريكية السابق برايان ميلز، بقتل عشرات تلو العشرات من المسلمين والعرب، بطريقة مقنعة أولاً، لا يمكن أن يمارسها إلا محترف عمليات خاصة حقيقي (اسمه مايك غولد Mike Gould) تم استئجاره خصيصاً لتدريب ليام نيسون للفيلم، وبطريقة مريحة للمشاهد ثانياً تجعله يشعر أنه بهذا القتل المدروس المتعمد للمسلمين والعرب يحمي ابنته من نفس مصير ابنة برايان ميلز، الذي استعان بأصدقائه القدامى في السي أي إيه لتحليل المعطيات الجنائية مما مكنه للتوصل لهوية مختطفي ابنته وصديقتها.  فلا بد من بنية تحتية للوقاية من استهداف الأمريكيين الأبرياء طبعاً.  وهذه البنية التحتية ليست إلا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهنا يجد المشاهد نفسه بشكل لا واعي متحداً معها في المشاعر والرؤيا، وكأنه يريد أن يحمي ابنته من الأجانب الذين يرغبون بجعلها جارية لديهم، أي العرب في النهاية، وليس فقط من عصابة إجرامية.

العميل السابق برايان ميلز لا يكتفي بقتل الألبان والعرب طبعاً، بل يمارس كل نشاطاته في عالم الظلال، خارج القانون الفرنسي، وبالرغم من إرادة أجهزة الأمن المحلية الفرنسية التي نفهم أنها حاولت التخلص منه وإزاحته من الطريق لأنها مرتشية وفاسدة... وهو ما يعطي المبرر للقيام بالعمليات الخاصة الأمريكية حتى بدون الحاجة لإبلاغ أجهزة الأمن المحلية.  ولهذا أيضاً يأخذ برايان ميلز في طريقه بضع فرنسيين فاسدين ومرتشين، ولا بأس بإصابة بعض الأبرياء في طريقه أيضاً، ما دام القصد هو إنقاذ ابنته، أو فلنقل ما دام القصد هو حرص أمريكا على "إنقاذ حياة مواطنيها"، وبالمعية، "الدفاع عن مصالحها المشروعة في الخارج".   أليست هذه الذريعة هي دوماً مبرر التدخل العسكري والأمني الأمريكي في الخارج؟!

حتى أن أم البنت المختطفة في الفيلم، الممثلة هولندية ألأصل فامكي جانس Famke Janssen، التي لعبت دوراً في عدة أفلام هوليودية مشهورة مثل أفلام X-Men، أصبحت في الحياة الواقعية، "بتأثير دورها في الفيلم"، سفيرة نوايا حسنة لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات!

وما دامت النوايا حسنة، فإن بعض أخطر ما في الفيلم يتمثل بمشاهد التعذيب الوحشي التي يمارسها العميل الأمريكي برايان ميلز لانتزاع الاعترافات حول مكان ابنته من أحد الألبان من زعيم العصابة التي اختطفتها.  وهذا يبرر برامج التعذيب التي مارستها السي أي أيه والتي أثار اعتراضات عليها أفراد في مجلس النواب الأمريكي نفسه، على رأسهم نانسي بيلوسي رئيسة ذلك المجلس.

أما من يعترض بأن كل هذا مبرر بسبب اختطاف بنت مراهقة وبيعها للدعارة أو كرقيق أبيض، فإنه يجب أن يلاحظ أن عشرات الفتيات الأخريات اللواتي لاقين نفس مصير ابنة العميل برايان ميلز في الفيلم، من غير الأمريكيات، لا يتم الالتفات لمصيرهن أبداً، ولا يحاول البطل إنقاذهن إلا في حالة واحدة لأنه وجدها تلبس سترة ابنته، وبالتالي اعتقد أنها تملك معلومات عن مكانها.  فالفيلم يريد أن يقنعك بمشروعية استخدام كل الوسائل غير المشروعة لإنقاذ مواطنة أمريكية، وليس لاستخدام كل الوسائل المشروعة أو غير المشروعة لإنقاذ الفتيات من عصابات الرقيق الأبيض بغض النظر عن أصلهن القومي أو العرقي.  فهذا فيلم عن مشروعية التدخل الأمريكي في الخارج، ومشروعية استخدامه لأعنف الوسائل، ولو أدى ذلك لإصابة بعض الأبرياء على الهامش، لا فيلم للدفاع عن حقوق المرأة.

وبدلاً من قصة عبير قاسم الجنابي، الفتاة العراقية التي اغتصبها الجنود الأمريكيون جماعياً وقتلوا عائلتها، يتحول الأمر عير السينما إلى قصة مراهقة أمريكية يختطفها مسلمون يبيعونها لعرب، فهذا الفيلم ردٌ على التأثير الإعلامي السلبي للجريمة المرتكبة ضد عبير قاسم الجنابي وعائلتها.

وفي النهاية يتم تصوير العرب الذين اشتروا ابنة برايان ميلز كأثرياء شهوانيين يسعون خلف المراهقات البريئات الأجنبيات.  ويقتلهم برايان ميلز بالعشرات أيضاً بلا وازع، بعد أن نشاهد مطاردات في شوارع باريس مع سيارة عليها أرقام سيارات عربية من دولة عربية خليجية، يتم تركيز الكاميرا بسرعة عليها تكراراً.  وفي النهاية يطلق برايان ميلز رصاصة الرحمة على رأس الشيخ رحمن، الكهل الذي اشترى ابنته المراهقة.  فهذا فيلم يوظف قضية المرأة للتحريض على العرب.  ولا يخلو الأمر من التهكم العنصري أيضاً.  فمع أن الأمريكيين كشفوا عشرات نقاط الضعف التقنية في الفيلم، كما نرى من تقييمات النقاد الأمريكيين له على الإنترنت، للدلالة على أن الأوروبيين لم يصلوا لكفاءة الأمريكيين بعد في إنتاج وإخراج أفلام الإثارة، حتى في فيلم أكشن أوروبي جيد مثل "مأخوذة" تتولى تسويقه شركة أمريكية ويمثل فيه ممثلون هوليوديون، فإن خللاً واحداً يوحي أنه مقصود عن سابق إصرار وذو طبيعة عنصرية ضد العرب مباشرة... فعندما يهبط بطل الفيلم على ظهر يخت الشيخ العربي في نهر السين الفرنسي، يقول مسؤول الحرس الخاص للشيخ لجماعته بالعربية: "يوجد شخص دخيل في مؤخرة السفينة"، سوى أنه يضع حرف الفاء قبل السين...  

ــــــــــ

المصدر : العرب اليوم 11/8/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ