ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 11/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كومبارس فيلم البطل الأوحد

فهمي هويدي

أخيرا وجدنا مسؤولا آخر استقال من موقعه، لأنه وجد نفسه أنه غير قادر على أداء مهمته بسبب المشكلات، التي يواجهها. وهو خبر مفرح لا ريب، رغم أن المسؤول هو رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، د.نبيل درويش.

أدري أن هناك من سيلوي شفته قائلا إن الرجل ترك موقعا صغيرا، وإن عائده عليه ربما لم يكن مجزيا، وأنه حين وجد المشكلات في طريقه، ووازن بين المكاسب والخسائر، وبين راحة البال والصداع الذي يتحمله جراء تلك المشكلات، فإنه قرر ترك منصبه غير آسف عليه، هذا كله لا أستبعده،

ولكن أكثر ما يهمني هو إثبات مبدأ الاستقالة حين يتعذر الإنجاز، وهو ما تمنيته يوما ما، وكتبت فيه أكثر من مرة متسائلا: متى يستقيل المسؤول العربي؟.. بعدما لاحظنا أن كل مسؤول لا يكاد يحتل منصبا حتى يعمر على كرسيه، إلى أن يقصف عمر أحدهما، فيقوم عزرائيل بوظيفته في قبض روح المذكور، أو ينزع الكرسي بالعافية أو بالأمر المباشر الصادر من القاعد في الكرسي الأكبر والأرفع.

طالما تمنيت أن نطبق في عالم السياسة وفي العمل العام الأعراف المستقرة في أندية كرة القدم، فالمدرب يستقيل إذا فشل في تحقيق الإنجاز المطلوب منه، واللاعب لا يستمر في الملعب إلا إذا كان محتفظا بلياقته وأدى ما عليه بأفضل صورة ممكنة.

ولكن يبدو أن ذلك سيظل حلما بعيد المنال مادام المسؤول مقتنعا بأنه خادم للسلطان وليس خادما للشعب. إذ في هذه الحالة سيصبح كل جهده منصبا على تعزيز ثقة السلطان فيه واستجلاب رضاه. ولن يهمه الفشل أو الإنجاز، ورضاء الناس عنه أم سخطهم عليه.

إذا قلت إن ما أقدم عليه رئيس اتحاد الدواجن هو تصرف فرد لا يعول عليه ولا حكم له، فأنت على حق.

وإذا قلت أيضا إن الأهم هو القيم الثقافية السائدة في مجال العمل العام. وهي لا تسمح بتكرار النموذج فقد عداك العيب.

لكنك إذا اخترت ألا تبالي بالخبر وتشيح ببصرك عنه، أو تقرأ منه سطرا وتتجاهل الباقي، فأنت تخطئ في حق نفسك، وتحرمها من لحظة تفاؤل لا أحد يعرف متى ستتكرر.

لقد استقال أحد عشر وزيرا من حكومة جورج براون في بريطانيا، بسبب إساءة استخدام المال العام، والمخالفات المالية التي ارتكبوها.

وعندنا تبجح أحد وزرائنا السابقين قبل أيام، وقال على شاشة التليفزيون إنه وهو في منصبه وزع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة على أفراد أسرته بسخاء لم يتردد فيه. وامتلأ سجله بما لا حصر له بالمفاسد. ورغم ذلك تمت مكافأته واستعاد نجوميته، لسبب جوهري، أنه لم يقصر يوما في خدمة السلطان.

مع ذلك ومن باب الرياضة الذهنية فقط، حاول أن تستثمر لحظة التفاؤل التي رجوتك أن تتعلق بها،

وتخيل أن ما فعله رئيس اتحاد الدواجن أحرج آخرين ممن هم على شاكلته، فقرر أحدهم أن يستقيل بدوره، مما شجع مسؤولا آخر على أن يفعلها، ثم كبرت المسألة حين أبرزت صحف المعارضة أخبار الاستقالات وشجعت عليها.

الأمر الذي حول الخبر إلى ظاهرة،

فاستقال محافظ القليوبية بسبب انتشار التيفود بين أهل محافظته نتيجة انتشار اختلاط مياه الشرب بالمجاري،

واستقال بعد ذلك وزير الصحة لأنه لم يستطع أن يحمي البلاد من إنفلونزا الطيور أو الخنازير.

واستقال وزير البيئة لأنه لم ينجح في القضاء على السحابة السوداء،

ثم استقال وزير التعليم بسبب انهيار العملية التعليمية، وتحول الناس عن مدارس الحكومة إلى المدارس الخاصة،

واستقال بعد ذلك وزير المالية بعدما أسهم في إشعال نار الغلاء بالبلد،

واستقال وزير الخارجية حين اكتشف أن البلد فقد هيبته وسمعته،

كما استقال وزير الداخلية بعدما انتشرت ظاهرة توحش الشرطة، واشتراك بعض عناصرها في تهديد الأمن بدلا من حمايته.. إلخ.

إذ استرسلت في الخيال، ستدرك في لحظة أنه لم يبق مسؤول في موقعه، وقبل أن تسود الدنيا في عينيك إزاء خلو مواقع السلطة من شاغليها،

لن ينقذك من اليأس سوى انتباهك إلى أن شيئا لم يتغير، لأن واحدا فقط ستجده ثابتا في مقعده لم يتزحزح عنه، واكتشافك أنه ممسك بكل الخيوط في يده. وأن الذين رحلوا لم يكونوا سوى «كومبارس» في فيلم البطل الأوحد.

ــــــــ

صحيفة الرؤية الكويتيه 10/8/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ