ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 04/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


في الاستعباط السياسي

فهمي هويدي

هذه صدفة خير من أي ميعاد. إذ في اليوم الذي نشر لي فيه تعليقي على ظاهرة التدخل الرسمي في نتائج الامتحانات لرفع نسبة الناجحين، أعلنت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه الحزب الوطني في مصر. ولم تخيب النتائج الظن والرجاء. وإنما جاءت مؤكدة على أن الحزب أمتن مما نتصور وأن الإعلام المصري «زي الفل»، وأن أغلب المتفائلين بمستقبل البلد، امسكوا الخشب، هم من الفقراء والمطحونين والأميين (!).

ليس فيما ذكرته شيء من الهزل والمبالغة. لأن بعض صحف الأربعاء 7/29 نشرت هذه المعلومات على صفحاتها الأولى باعتبارها خبرا مهما، هلل له حملة المباخر قائلين ما معناه هكذا تكون الاستطلاعات وإلا فلا.

أما الصحف «المستقلة» فلم ألحظ أنها أوردته ضمن رسومها الكاريكاتورية أو في باب العجائب والطرائف، ولا حتى تحت عنوان «صدق أو لا تصدق». وإنما قالت الصحف بكل جدية إن المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني عقد اجتماعا برئاسة جمال مبارك. وفيه تمت مناقشة نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه الحزب وتناول أداء الحكومة والشأن السياسي العام.

ومن النتائج التي أثارت الانتباه في الكلام المنشور أنه في الإجابة عن سؤال تعلق بثقة المواطنين في الأحزاب كانت النتيجة كالتالي:

 الحزب الوطني احتل المرتبة الأولى ووصلت نسبة الواثقين فيه إلى حوالى 58 %.

أما حزب الوفد فإن حظه من الثقة لم يتجاوز 4 %،

وحزب التجمع «فاز» بنسبة 3 %.

أما المستقلون (الذين يدخل فيهم الإخوان) فلم تزد نسبة الثقة فيهم على 2 %.

من النتائج التي لفتت الانتباه أيضا في ذلك الاستطلاع أن نسبة عالية من المتفائلين بمستقبل البلد (64 %) ينتمون إلى طبقة الفقراء والأميين في مصر.

هذه النتائج تثير على الفور السؤال التالي: إذا كان الحزب الوطني بهذه القوة والمتانة في الشارع المصري، فلماذا يستعين بالأمن وبجهاز الإدارة للتزوير وترهيب المنافسين في الانتخابات النيابية والمحلية،

 وإذا كانت تقارير اللجنة العليا للانتخابات، والدراسات التي أصدرها المتخصصون في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام قد أكدت أن نسبة التصويت للحزب الوطني في انتخابات مجلس الشعب لسنة ألفين كانت 38 %،

وان هذه النسبة تراجعت في انتخابات عام 2005 بحيث لم تتجاوز 32.5 %،

فكيف يقال في 2009 إن نسبة الثقة في الحزب في حـدود 58 %؟

عندي تفسير من واقع الخبرة العملية التي أكدتها معلومات مقالتي التي تصادف نشرها في نفس اليوم. خلاصة ذلك التفسير أن النسبة كانت كما هي عليها في الانتخابات الأخيرة، ولكن الذي حدث أن القائمين على أمر الاستطلاع رفعوها إلى 58 %. ذلك أنه إذا كان من أهل السلطة من تجرأ ورفع نسبة النجاح في الثانوية العامة، وإذا كان أحد العمداء لم يتردد في رفع نسبة نجاح طلاب الهندسة من 60 إلى 80 %، فما الذي يمنع من رفع نسبة الثقة في الحزب الوطني من 32 إلى 58 %؟ وألا يعد ذلك إعمالا للعرف السائد والتزاما بالتقاليد المرعية في الشأن العام؟

 

ربما اعتبر الذين حددوا تلك النسبة أنهم تواضعوا وجعلوها 58 % فقط. رغم أن البلد كله مرهون للحزب ومكتوب باسمه. ولكن ذلك التفاوت الهائل بين حظ الحزب وحظوظ الأحزاب الأخرى يدين النظام القائم ولا يحسب له. لأن من حق أي باحث أن يتساءل قائلا: أي ديموقراطية هذه التي جعلت من الحزب الحاكم فيلاً بعد 30 سنة من ممارسة التعددية السياسية في حين أن الأحزاب الأخرى لا يتجاوز حضورها حجم النمل أو الصراصير؟ وألا يذكرنا ذلك بالحياة الحزبية المغشوشة في الدول الشيوعية؟

بقية النتائج المعلنة أثبتت أن خبراتنا في تزوير استطلاعات الرأي أضعف منها في تزوير نتائج الانتخابات، بما يجعلنا نشك في أن الاستطلاع تم تحت إشراف مباحث أمن الدولة ولم يقم به خبراء قياس الرأي العام.

وإلا كيف يقال إن قناتي التليفزيون الأولى والثانية هما الأعلى مشاهدة؟

وهل يعقل أن يقال إن أغلب الفقراء هم المتفائلون بالمستقبل؟

 وكيف يقال إن 40 % فقط لم يسمعوا بالأزمة الاقتصادية العالمية، في حين أن 80 % تطحنهم الأزمة ولم يعرفوا غيرها طيلة حياتهم.

إن أخطر ما في الاستطلاع الذي تم، أن نتائجه دلت على أن الحزب مُصِر على ألا يعرف شيئا عن الواقع المصري، الأمر الذي يرشحه بجدارة لأن يكون شهادة تفوق في الاستعباط السياسي.

ـــــــــ

المصدر : صحيفة الرؤية الكويتيه 1/8/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ