ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رسالتي إلى الإخوان (5)

كن مهاجراً

أ.د. محمد السيد حبيب*

الأخ الحبيب :

تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ؛

فإنى أرجو أن أكون وإياك ممن رزقهم الله لذة التمتع بالاستغفار فى أوقات السحر، وممن قال الله فيهم : {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات:18) ، فهذه أوقات صفاء النفس ورقة القلب وخشوع الجوارح .. حيث يسود الهدوء والاستقرار، والطمأنينة والسكينة، والذلة والإنكسار بين يدي خالق الأرض والسماوات ..

إنها نعمة كبرى لا يستشعر لذتها إلا من اقترب منها وتعرف عليها وذاق حلاوتها .. إنها المناجاة يا صاحبى، وانطلاقة الروح إلى السماوات العلا حيث يتخفف الإنسان من كل جواذب الأرض.

فهيا إليها أيها الأخ الحبيب، فكم نحن فى حاجة إليها نستمد منها التوازن النفسى والوجدانى، والقوة الإيمانية التى تعيننا على تحمل أعباء الدعوة وتكاليفها.

  كن مهاجراً إلى مولاك فى كل أحوالك وفى كل لحظات حياتك.. فقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أى الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك".. وقال أيضاً: "لن تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولن تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".

  إبحث عن الطاعة فإنها سيادة فى الدنيا وسعادة فى الآخرة.. واهرب من المعصية فإنها خزى فى الدنيا وشقاوة فى الآخرة .. إن الطاعة عز، والمعصية ذل، وليس أمام العاقل سوى أن يختار الطريق الأول .. طريق السيادة والعزة والسعادة.

قال أحد الصالحين: تظهر آثار معصيتى على تمرد زوجتى علىّ وعصيان دابتى لى .. قالها فى لحظة من لحظات الإدراك الواعى لما ينبغى أن تكون عليه العلاقة بين العبد ومولاه .. والمعنى أن الحق جل وعلا يجعل هناك انسجاماً واتساقاً بين أهل الطاعة ومن حولهم من البشر، بل ويذلل لهم ما حولهم من الكائنات، على اختلاف أشكالها وألوانها، والعكس صحيح، وكذلك يمكن القول أن الله تعالى يزرع فى قلوب العصاة والظالمين هيبة وخشية من أهل الطاعة، والعكس صحيح أيضاً.

وفى الحديث : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها" قيل أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله تعالى المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن" قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

وأن يرزقك الله تعالى ملاحظة أثر معصيتك على ما حولك، فذلك من تمام يقظة القلب التى هى من أعظم نعم الله عليك، فكم من معصية وقعت ولم تحرك فى إنسان شيئاً، بل ولم يستطع أن يربط بينها وحالة الاضطراب والارتباك التى يعيشها.

وقانا الله وإياكم شر المعصية، فإنها مجلبة للهزيمة، وعائق عن بلوغ الآمال.. ففى أُحُد عصى الرماة أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رغم أن النصر كان حليفهم فى بداية المعركة، فوقعت الهزيمة، يقول الحق جل وعلا: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:152) .

وفى موطن آخر من السورة يقول الله تعالى: {.. قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ .. } (آل عمران: من الآية165). أى قل لهم يا محمد : إن سبب المصيبة التى وقعت لكم كانت بسبب معصيتكم أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحرصكم على الغنيمة.

ومثل ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30)، أى وما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هى بسبب معاصيكم التى اكتسبتموها.

الأخ الحبيب ..

إن الإنسان لا ينفك عن نصب أو تعب أبداً ، من قبل أن يُولد وحتى يُوارى الثرى. يقول تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4) ، وهذا دليل على حاجة وضعف وعجز ونقصان مهما تصور الإنسان أنه بلغ الذرا مالاً، أو صحة، أو عقلاً، أو علماً، أو جاهاً، أو سلطاناً ... وإذا كان الحال هكذا فلا يجب أن تكون هناك غطرسة أو كبر أو خيلاء، وإنما تواضع لله، واهب الحياة وصاحب النعم ومالك الملك والملكوت .. وفى الحديث القدسى: "الكبرياء ردائى والعظمة إزارى فمن نازعنى فيهما قصمته"

ثم إن الإنسان يعيش حياته – طالت أم قصرت – فى دار الابتلاء والاختبار {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2).

تتجلى تلك الحقيقة – حقيقة الموت والحياة - أمام أنظارنا عشرات ومئات، بل وآلاف المرات كل يوم بأوضح ما يكون.. وفى المساحة بين الموت والحياة، وبخاصة تلك التى بين التكليف والموت يقع الابتلاء والاختبار – لكل إنسان – لا يستثنى من ذلك أحد . وفى الاختبار ينجح الإنسان أحياناً ويفشل أحياناً أخرى.. يصيب مرة ويخطئ مرات .. يطيع فى أمر ويعصى فى أمور.. وفى التوفيق إلى الطاعة يجب الشكر .. وفى المعصية تجب المسارعة والمبادرة وطلب الصفح والمغفرة ..فلا يستحق دخول الجنة من لم يتطهر من الذنوب والآثام، ومن هنا نستطيع فهم قوله تعالى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133) . وتأمل هذا التلازم الذى جاء تذييلاً للآية الثانية من سورة الملك بين العزيز الذى لا يقهر ولا يُغلب، القادر على كل شيء، الذى يُسيّر الكون كله بمن فيه وما فيه بأمره ووفق مشيئته، والغفور { ... الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } (الشورى من الآية:25) .

أخي الحبيب ..

  إعلم أن الملائكة، بل إن حملة العرش تطلب لنا المغفرة من الله كما جاء فى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (غافر:7) .

  لا تنشغل بأخطاء الآخرين وتنسى أخطاءك، فإن ذلك من الغفلة وسوء الفقه، ومخافة أن يكون تعبيراً عن الكبر والعياذ بالله... مطلوب منك أن تصلح نفسك وتنصح أخاك ، وأن تصلح نفسك وتدعو غيرك .

  لا تقنط من رحمة الله ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، أو كانت مثل زبد البحر، فالله سبحانه عظيم المغفرة واسع الرحمة، وباستثناء الأنبياء والرسل، ليس هناك من لا يخطئ.. "فكل بنى آدم خطاء" .. ثم إن طلب المغفرة من الله يدل على حسن الظن به، والافتقار إليه، والتذلل له، والأمل الواسع فيما عنده، والخوف منه، وهذا كله من صميم العقيدة.

وضَعْ نُصْبَ عينيك دائماً قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53) .

والله من وراء القصد ؛

ـــــــــــ

*النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين

ــــــــ

المصدر : إخوان أون لاين 27/7/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ