ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 28/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المعتدلون القابعون في الظل

فهمي هويدي

المقال الحميم الذي كتبه المحامي مختار نوح عن أستاذه أحمد نبيل الهلالي ونشرته صحيفة «الدستور» في 22 يوليو الحالي يسلط ضوءا قويا على وجه آخر محجوب عن الرؤية للعلاقات بين عناصر النخبة المصرية. فالأول محام معروف بتوجهه الإسلامي، والثاني قيادي ماركسي مرموق توفاه الله. (كان المقال بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيله)،

وبالنسبة لكثيرين، فإن العلاقة الإنسانية والمهنية بين الرجلين تبدو مفاجئة وغير معهودة، ذلك أن التناقض الفكري بينهما يرشح تلك العلاقة للاشتباك والخصام والتنابذ، لكن الذي حدث بينهما كان شيئا معاكسا تماما، إذ من الواضح أنها اتسمت بالمودة الشديدة والرقي، بدا فيها أن الأستاذ الهلالي نموذج إنساني رائع بادله مختار نوح بما يستحقه من احترام ووفاء، حتى وصفه بأنه «قديس».

حين قرأت المقال تذكرت رموزا من عقلاء اليسار اتسموا بذات القدر من الرقي والنبل، أعرف منهم الأساتذة الذين توفاهم الله محمد سيد أحمد وإبراهيم سعد الدين وعبدالعظيم أنيس، ومن الأحياء عبدالغفار شكر وحلمي شعراوي وغيرهما. تذكرت أيضا ما قاله ذلك القيادي الماركسي قبل أيام من أن أعداءه هم (الإخوان الإسلاميون عموما بطبيعة الحال). وأضاف إليهم الحكومة من باب التمويه، وجاء كلامه معبرا عن تيار الغلاة الذين لم تعد تشغلهم سوى خصومة الإسلاميين.

الملاحظة الجديرة بالانتباه أن مواقف المعتدلين من التيارين الإسلامي والماركسي، التي اتسمت بالاحترام على الصعيد الفكري والانسجام على الصعيد الوطني والسياسي، لا تكاد تظهر في الفضاء السياسي والإعلامي. أما مواقف الغلاة وخطابهم فهو الأقوى حضورا والأوفر حظا من الأضواء، ليس ذلك فحسب، وإنما يتلقى رموز الغلاة المخاصمين رعاية رسمية مشهودة، حولتهم إلى نجوم في الدوائر الإعلامية والسياسية.

هذه الملاحظة وجدتها مكررة في علاقات الإسلاميين بالفئات الأخرى، بالأقباط والعلمانيين والقوميين والناصريين والليبراليين وغيرهم من المخالفين، إذ تظل الأضواء والرعاية الرسمية من نصيب الغلاة والمخاصمين، أما المعتدلون بشخوصهم وخطابهم فإن الأضواء تنحسر عنهم، رغم أن ما بينهم من علاقات إنسانية راقية، لا تقل عما كان بين نوح والهلالي من مودة واحترام، حتى يبدو كأن العراك والاحتقان مرحب بهما، في حين أن التفاهم والتصالح أمر غير مرغوب فيه ولا مرحب به.

هل هي مصادفة أم أن لها دوافع أخرى؟ أفهم أن تتوتر العلاقات بين العوام في هذه الفئات جميعها، لكني لا أستطيع أن أبرئ تماما موقف النخبة التي نعول عليها، إذ بين عناصرهم من تمكنت منهم المرارات السياسية والخلافات العقائدية، مقدمين ما هو أيديولوجي على حسابات المصلحة الوطنية.

 

 

 

ومنهم من يتاجر بتلك الخلافات، ويسعى إلى تعميقها وتفجيرها ليس تنفيذا لحسابات وأجندات جهات أخرى، داخلية في حدها الأدنى، باعتبار أن تفجير الخلافات يشغل القوى السياسية بصراعاتها، ويحول دون اصطفافها في موقف وطني أو سياسي واحد.

قبل سنوات قليلة جاء شاب إلى مكتبي ليروي القصة التالية: أنه قرأ إعلانا في إحدى الصحف طلب متخصصين في الصف الإلكتروني، فحمل أوراقه وذهب إلى الجهة البحثية التي صاحبت الإعلان، وحين اطلع عليها الموظف المختص فإنه هز رأسه مرحبا وقال للشاب إن خبرته جيدة، كما أن هويته باعتباره نوبيا تعطيه أولوية على غيره، سأله الشاب ببراءة، لماذا تفضلون النوبيين، فقيل له لأنهم مضطهدون والمركز يتبنى قضايا المضطهدين. حينئذ رد صاحبنا قائلا إنه من النوبة حقا لكنه لا يشعر بأنه مضطهد. وحينئذ رد الموظف مؤكدا أن النوبيين مضطهدون، حتى وإن لم يلاحظ هو ذلك، فاستغرب الشاب وجمع أوراقه وانصرف، وقصد مكتبي ليروي القصة وليفصح عن شكه في دوافعها.

إن العابثين بالنسيج الاجتماعي والصف الوطني كثيرون، وهم ينشطون في ظل المناخ السائد الذي يغذي مثل هذا التقاطع ويستفيد منه.

والمشكلة الحقيقية أن العقلاء والمعتدلين لم ينجحوا في أن يصطفوا في جبهة واحدة تحترم الخلافات وتستعلي فوقها، ليصبح الهم الوطني هو القاسم المشترك الأعظم بينهم، وما لم تمتد الجسور بين هؤلاء، فإن الساحة ستظل متروكة للغلاة العابثين والمتاجرين ومن لف لفهم، وسيدفع المعتدلون والوطن قبلهم ثمنا باهظا جراء ذلك.

ـــــــــ

المصدر : صحيفة الرؤية الكويتية 26/7/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ