ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 07/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"المنطقة العربية"

مراجعات ومصطلحات

3-3

نوال السباعي / مدريد

يعتبر "المؤتمر القومي – الاسلامي" الذي ولدت فكرته  على هامش ندوة الحوار القومي الديني التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالقاهرة عام 1989، بتطور منتدياته وانعقاد دوراته المتلاحقة ، واهتمام شخصية كالعلامة المجدد الدكتور يوسف القرضاوي به ، ومعه كوكبة من النخبة في الفكر والعمل الاسلامي والقومي والنضالي الجهادي ، من المسلمين السنة والشيعة وغيرهم ، ومن النصارى ومن مختلف الاتجاهات العرقية والدينية والفكرية والسياسية في كثير من بلدان المنطقة ، يعتبر هذا المؤتمر بعنوانه وأهدافه ، وتطور أعماله حتى الساعة ، ردا في غاية من الأهمية على الأوضاع المزرية التي تعيشها المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإنسانيا من جهة ، واستجابة ضرورية للطرح التفتيتي الدؤوب للمنطقة على هامش القضية الفلسطينية ، ومااستجد من عودة الاستعمار العسكري إلى المنطقة العربية ، واستئناف إسرائيل لدورها التأديبي الاستئصالي الإبادي لكل من حاول من شعوب المنطقة أن يقف على قدميه في حركة مقاومة.

لعلنا ضيعنا خمسين عاما في صراعات قومية -إسلامية لاتسمن ولاتغني من جوع ، الاسلاميون في المعارضة العنيفة والعمل السري وثقافة الموت ، والقوميون في السلطة وثقافة الاستبداد والارض المحروقة ! ، الاسلاميون اليمينيون الاقصائيون في السلطة ، والقوميون في العمل السري التدميري ! ، وبين هؤلاء وهؤلاء وتبادل الأدوار فيما بينهما إذاعات تجعجع ، وكتاب يشرعون الأقلام لتأجيج نيران التفرقة والتشرذم  ، ودول عظمى استخدمت هذا الصراع لإدارة حروبها الباردة ، التي كانت باردة وفقط في أراضيها ، بينما النار تأكل الأخضر واليابس في أراضينا ، والأرواح تُحصد بالآلاف في أرجاء هذه المنطقة ودون هوادة ولارحمة ، وحروب أهلية لم يسقط القناع عن وجهها المخيف إلا في لبنان ، بينما كانت تجري لدى تخومه أعمال وفظائع بين السلطات والمعارضات يندى لها الجبين ، فمن معارضة تفجر وتقتل ودون رحمة المئات ، إلى حكومات تدك بعض "المخيمات" أو المدن التي أعلنت الثورة  بالدبابات والطائرات المقاتلة ، إلى سلطات تستأصل قبائل كاملة وتدفنها حية بسبب أن أحد أبنائها قد أعلن العصيان ، إلى معارضات تجرأت على الحرم المكي تستعرض عضلاتها في ساحاته المقدسة ، فظائع شاركنا جميعا في التفكير بها والصمت عنها  ثم في التستر عليها ، وعدم ذكر أصحابها بأسمائهم ، ليس خوفا منهم ولكن حفاظا على ماتبقى من لحمة لهذه المنطقة ، وليس جبنا أمام الوقائع المتواترة الثابتة ، ولكن استنقاذا للبقية الباقية من فسحة الأمل بتغيير تحقن فيه الدماء ويكون فيه للحوار مكان .

يخطيء كل من يظن أن العلة كانت دائما في الاستعمار ومؤامراته ، أو في استبداد الحكام بالعباد والبلاد في المنطقة العربية، يخطيء في اتجاهين ، الأول: في صرف النظر ودائما عن الجرثومة الحقيقية التي تنخر في جسد المنطقة، والثاني في خرق أهم سنة إنسانية تاريخية من سنن التغيير الاجتماعي والفكري ، وهي الالتفات نحو الذات واتهامها.

في جلسة فكرية بحثية استثنائية جمعتني مع أستاذ جامعي كان من أهم أقطاب التيار الاسلامي الكويتي ، قبل عشرة أعوام ، ومن حيث لم يرد.. أيقظ الرجل لديّ ضرورة البحث حول دور كل من الاسلاميين والقوميين في الحال الذي وصلت الأمة إليه اليوم، وذلك في معرض عشرة أسئلة طرحها علي حول الفئتين ، ولم يعجبه ماتوصلت إليه في تلك الجلسة بالغة الأهمية ، فكتب بعد أيام مقالا مطولا استخدم فيه كل المعطيات الفكرية الهامة والخطيرة التي توصلنا إليها ليؤكد على الظلم التاريخي الذي لحق بالاسلاميين في المنطقة العربية!! ، هذه العقلية  الانتهازية الاستفزازية ، التي تنتشر بين كثير من الاسلاميين في المنطقة العربية ، والتي تتجلى في أوضح صورها في الإعلام الاسلامي المكتوب والمسموع ، عملت على تدمير مصداقية المرجعية الفكرية الاسلامية لدى فئات لايستهان بها من شعوب المنطقة ، والمرجعية الفكرية الاسلامية شيء ، والهوية الدينية للشعوب شيء آخر كما هو بديهي!.

 

القوميون في السلطة ، كانوا من الدموية والتوحش والاجرام بمكان فاق قدرة الناس على استيعاب مايجري ، لقد استخدمت الحكومات التي نعتت نفسها بالأوصاف الثورية والتقدمية والقومية العربية ، كل وسيلة ممكنة لسحل الآخر واقصائه بعيدا عن الإنسانية والمنطق والأخلاق ، وسخرت سطوة الإعلام الجبارة لغسل العقول وصياغتها بما يتوافق مع النظرية القومية العربية التي فرضت فرضا بسلطة ارهاب الدولة على الرقاب ، معتقلات وسجون تشيب لهول ذكرها الولدان ، وخوف وقمع وإبادة لكل من يفكر مجرد تفكير في دحض أو تغيير أو نقد ، ليس دحض وتغيير ونقد الفكرة القومية أو العروبية ، ولكن دحض وتغيير ونقد الحاكم ، لقد انتقلت الأنظمة الثورية القومية من ساحة النضال القومي من أجل القضية إلى ساحات الاستبداد الموغل في الاجرام على كل صعيد من أجل الاستئثار بالكراسي.

ولم تكن الأنظمة الغير القومية والغير الثورية  أفضل حالا على الاطلاق فيم يتعلق بمعاملة شعوبها ولا باستئثارها بالكراسي ، ولكنها كانت أقل حظا في ساحة الإعلام ، التي ربحتها الأنظمة الثورية بفضل طول جعجعتها فيم يتعلق بالقضية الفلسطينية ، حتى تم افتضاحها عشية تلك النكسة الحزيرانية ، التي نالت فيها المنطقة رجفة وإصابة قلبية  دماغية لم تخرج منها إلى اليوم.

إنها مراجعات على غاية من الأهمية ، لايمكن أن تنجز في مقال فكري ، ولا في مائة بحث أكاديمي قانوني قضائي، ولكن لابد من الإشارة إليها في معرض الحديث عن مصطلح "المنطقة العربية" اليوم ، هذا المصطلح القديم الجديد ، بالغ الأهمية والضرورة ، في عالم المصطلحات التي تسبح اليوم في فلك إعلامنا وأدبياتنا ، وآبار جامعاتنا المعطلة عن الانتاج ، على الرغم من وجودها في قصور مشيدة وحدائق صامتة.

المراجع لوثائق المؤتمر "القومي – الاسلامي" ، يذهل أمام تعويم المصطلحات ، "الأمة العربية" ، "الأمة الاسلامية" ،" الأمة العربية الاسلامية"  ، "القومية" ، "الاسلام" ، "الديمقراطية" ، "الثقافة" ، "الحضارة"، "الثورة" ، "الحركة" ، "المرجعية" ، "الهوية" ، كمٌ هام من المصطلحات التي استخدمت ، ولكننا لانجد لها تأصيلا ، ولاضبطا ، بحيث تشكل مرجعية حقيقية لفهم السياق العام ، وهذا أمر لايختص به المؤتمر المذكور ، ولكنه عام في كل أحوالنا السياسية والفكرية والفلسفية والانسانية ، لكن اللافت للنظر فيم يخص المؤتمر القومي الاسلامي ، هو اهتمامه الكبير بالشكليات والهياكل ، واعتماد وثائقه ونصوصه على التعويم العام لهذه المصطلحات ، بحيث انقلب هو الآخر ليصبح مؤسسة إضافية من مؤسسات المنطقة العربية التي تقتصر مهامها على إصدار بيانات الشجب والادانة في مختلف مناسباتهما!! ، لكن مثل هذه الملاحظة الضرورية ، لاتنقص من الأهمية البالغة لمثل هذا المؤتمر في سياق بحث المنطقة العربية عن الذات فيم بين القرنين ، إذ يكفي اسم هذا المؤتمر ليكون  عنوانا لورقة عمل استثنائية للبدء في مشروع تفكير فلسفي ضخم  لإعادة تعريف المصطلحات ، ومن ثم صياغة الرؤى الضرورة لتوليد نظرية حقيقية علمية تقوم عليها البنى الفكرية السياسية في المنطقة العربية خلال المرحلة المعاصرة .

 

عندما أقول أن "القرضاوي" كان مجددا ، لا أقصد التجديد في فهم الدين ووضع الفتاوى المعاصرة الشجاعة الملائمة لمتطلبات الناس ، ولكنني قصدت بذلك تجديد الفكر الانساني والاجتماعي والفلسفي الخاص بالانسان في هذه المنطقة من العالم ، لقد جاء العلامة القرضاوي بنظرات على غاية من البساطة حلّ من خلالها مسائل معقدة ومعلقة في المنطقة منذ 100عام ، وأخرى انغلق فهمها على الناس اليوم تعلقت بمسائل تعود إلى قرون ! ، وبينما بنت المسألة القومية العربية جدليتها القمعية والاستئصالية على وضع النصارى العرب ، يأتيك القرضاوي بنظريته لفهم العلاقة بين المسلمين والنصارى في المنطقة العربية حيث يقول : " إنهم إخواننا في الانسانية ، نصارى الدين ، مسلموا الثقافة " ، وكذلك نظرته للحروب الصليبية ووضع نصارى العرب في هذه الملحمة التاريخية ، إذ يفند : " الصليبيون هم الفرنجة الغزاة ، أما نصارى المنطقة فهم أهلها وأصحابها وقد دافعوا عنها ضمن من دافع ضد الغزو الصليبي" ، وقد أمسك الكاتب الفذ الدكتور " وليد سيف " ، والمخرج المبدع " حاتم علي" بالخيط من الدكتور القرضاوي ليخرجا على العالم بمسلسل "الناصر صلاح الدين الأيوبي" ، الذي اعتمد بشكل كبير على هذه النظرة القرضاوية للعلاقة بين النصارى والمسلمين في المنطقة العربية ، فكان لهذا المسلسل دورا غير مسبوق في بناء تصور فكري جديد في المنطقة حول هذا الموضوع – من جهة المسلمين على الأقل-، التقطتها منه هوليود وسرقت فكرته وأنتجت فيلم " مملكة السموات" ، واستضافت فيه أحد أبرز الممثلين في مسلسل صلاح الدين الأيوبي!!.

المشكلة لاتكمن في إنشاء مؤتمر يجمع القوميين والاسلاميين "لجسر هوة الخلاف التاريخية ، والتوصل الى توافق على المستقبل " كما تكرر في وثائق المؤتمر القومي الاسلامي ، ولكن في قدرتنا على التغلب على ضبابية الرؤية لدينا ، وشجاعتنا الحقيقية في اعترافنا بفشل هذه المشروعات اسلامية كانت أم قومية في التعبير عن إرادة الشعوب التي تنتمي إلى قوميات ورسالات دينية وطوائف شتى في المنطقة العربية أولا ، وفي التحدي الكبير الذي ينتظرنا في إعادة غربلة الفكر القومي والفكر السياسي الاسلامي المعاصرين ، والعمل على إنتاج فكر تجديدي حقيقي وصياغة نظرية سياسية اجتماعية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مقومات وحدة شعوب هذه المنطقة ، في نفس الوقت الذي لاتضرب فيه صفحا على الخصوصيات القومية والدينية والعرقية لمختلف هذه الشعوب التي طالما تعايشت في سلام وتعاون تحت ظل القيم الحضارية الاسلامية الواحدة التي يرضاها الجميع ، ولطالما كتبت وقرأت وأدت عباداتها  باللغة العربية الوحيدة التي تضم الجميع.

ــــــــــــــــــــ

المصدر : العرب القطرية – 22/5/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ