ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عقلية المطرقة

فهمي هويدى

حينما بثت محطة «سي.إن.إن» خبرا عاجلا على شاشاتها أعلنت فيه أنه تم إلقاء القبض على ستة أشخاص من المتظاهرين في إيران، كان تعليقي أن ذلك خبر عادي عندنا، لم يعد يستحق تنويها، فضلا عن أنه لم يعد يثير دهشة أحد، لأنه أصبح حدثا شبه يومي في مصر.

وحين قرأت في صباح اليوم التالي أن المعتقلين الستة استجوبوا وتم إطلاق سراحهم بعد ساعات، قلت إن ذلك ليس اعتقالا، ولكنه بمعاييرنا «خطفة رجل» إلى المخفر، يمكن أن نسميها «استراحة مشاغب» على وزن استراحة المحارب. ذلك أن الساعات التي أمضوها هناك لا تختلف كثيرا عن المدة التي يقضيها الواحد منا مصلوبا عند إشارة المرور، حين يقطع الطريق وتسد المنافذ بسبب قدوم الموكب السلطاني، أو استقبال أحد كبار الضيوف.

أدري أن قضاء أي عدد من الساعات في أي مخفر ليس أمرا مبهجا. ولا يستطيع الإيرانيون أن يتباهوا أمامنا بأن المحتجزين عندهم يقضون عدة ساعات بينما هم عندنا يمضون عدة أشهر وسنوات، لكنهم يخرجون بعد ساعات في حالة واحدة هي إذا لم يحتمل المرء التعذيب وفاضت روحه بعد أول «وجبة» منه. لكن يبدو أن ذلك بات قدرنا في بلدان العالم الثالث. أن نذهب جميعا إلى المخفر، منا من يقضي فيه عدة ساعات، ومنا من يمكث وراء قضبانه شهورا أو سنوات.

هذه الفكرة عبر عنها رئيس جمهورية أوروجواي الراحل خوليو سانجوينتي الذي قسم أنظمة العالم الثالث إلى فئتين،

الأولى أطلق عليها «ديكتابلاندا» أي الديكتاتوريات الناعمة أو اللينة،

والثانية «ديكتادورا»، وقصد بها الديكتاتوريات الشرسة أو الصارمة.

وفي رأيه أنهما مختلفتان في الدرجة وليس في النوع، والقاسم المشترك بينهما أن هامش الحرية متاح بصورة نسبية في الديكتابلاندا (اللينة) في حين أنه ضعيف أو منعدم في الديكتادورا (الصارمة). إن شئت فقل إن الناس في الأولى يحتجزون ويخرجون بعد ساعات إلى بيوتهم. وفي الثانية قد يخرجون بعد ساعات أيضا ولكن إلى المشرحة، وإذا كانوا محظوظين فإنهم يخرجون إلى بيوتهم بعد أشهر أو عدة سنوات.

اعتبر سانجوينتي أن النظامين يختلفان في معاملة المثقفين،

فالديكتاتوريات اللينة تطلب من المثقفين أن يكونوا محايدين على الأقل. ويقال لهم إذا لم تكونوا معنا فلا تتحركوا ضدنا. وهؤلاء يسمح لهم بالمعارضة الكلامية ولا مانع من أن يشاركوا في المسيرات والمظاهرات السلمية دون أن تتعرض حياتهم للخطر، وقد يسمح لهم بالتمتع ببعض الميزات التي توفرها السلطة، سواء لتأليف قلوبهم أو استمالتهم وتخفيف حدة معارضتهم.

أما الديكتاتوريات الصارمة فلا يسمح بهذا «الترف». إذ الحكومة لا تقبل بمجرد الحياد، ولا تحتمل معارضة أو تظاهرا. وإنما أن تكون مع النظام أو ضده. وإذا كنت معه فقد سلكت طريق الربح والسلامة، وإذا كنت ضده فأنت ماض على درب الندامة. وإذا خرجت من بيتك إلى معارضة أو مظاهرة فلا تضمن أن تعود إليه أصلا، وإذا عدت فلن تكون سالما.

ما قاله رئيس أوروجواي الراحل صحيح في تحليل السلوك، لكني أضيف نقطة تتعلق بمنطق النظامين، إذ يجمع بينهما ما يمكن أن نسميه «عقلية المطرقة»، التي تتعامل مع أي جسم بأن تهوي عليه. قد يكون الطرق خفيفا وقد يكون ثقيلا وشديد الوطأة. وفي كل الحالات فلا سبيل إلى «التفاهم» أو الاحتواء أو غير ذلك من الأساليب التي لا تعرفها المطرقة.

هذه الخلفية ظلت تلح علىّ منذ علمت بنبأ اعتقال الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وثلاثة من رفاقه فجر يوم السبت 6/27 الحالي،

حيث لم تبارح مخيلتى صورة «المطرقة» طوال الوقت، متوقعا أن تهوي فوق كل رأس في أي وقت.

ـــــــــ

المصدر : صحيفة الرؤية الكويتي 1/7/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ