ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القرار 194 من منظار مختلف

منصور إبراهيم

تنقسم القرارات الدولية - قرارات الأمم المتحدة- إلى نوعين من حيث المصدر، فلدينا قرارات تصدر عن مجلس الأمن، وقرارات تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارات الجمعية العامة، هذه، لا تملك أية قدرة على التنفيذ، في حين أن قرارات مجلس الأمن لا تمتلك قوة التنفيذ إلا إذا كانت تستند للفصل السابع، أو الثامن أو بعض مواد الفصل السادس.

وبالنسبة للقضية الفلسطينية، صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات، حتى قبل نكبة فلسطين العام 1948، فماذا صنعت هذه القرارات؟

المتتبع لمسار ما يطلق عليها شرعية دولية (مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة) يجد، أن هذه "الشرعية" سيف مسلط على رقاب الدول التي تشذ عن رغبة، ومصالح الدول التي تتسلح بحق الفيتو، وهذا أمر مرده للنشأة، لأن عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة، كانت وليدة توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية، واقتسام الدول المنتصرة للعالم، لذلك في 8/ 8/ 2008 لم يستطع مجلس الأمن أن يتخذ أية خطوة بخصوص الحرب بين جورجيا وروسيا، ولأن روسيا تملك حق النقض/ الفيتو، لم يستطع مجلس الأمن ولا حتى إصدار بيان تجاه ما يجري بين روسيا وجورجيا، علماً أن التقارير تقول إن القوات الروسية لم تكتفِ بقصف عاصمة جورجيا، بل دخلت أراضيها، رغم هذا المثال والبعيد عن حالة الصراع العربي الصهيوني، وطرفه الممانع لحركة "للشرعية الدولية" روسيا وليست - الصديقة الحنون والأم الرؤوم - الولايات المتحدة.

ونسأل: لو قدر للتوازن الدولي أن ينقلب، وأصبحت الدول المالكة لحق الفيتو جمعية خيرية تسعى لإحقاق الحق ولو كان ضد مصالحها؟

بعبارة أخرى لو نضج العامل الموضوعي لتطبيق القرارات الدولية، فماذا يتحقق؟ لنأخذ القرار 194 نموذجاً.

في البداية لا بد من التأكيد أن القرار 194 صادر عن الجمعية العمومية، ولذلك ليس له أية قدرة إجرائية، ومع ذلك فهو ووفق الديباجة يهدف إلى:

(إنشاء لجنة التوفيق التابعة الأمم المتحدة "UNCCP" وتقرير القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل).

لقد صدر هذا القرار بعد سبعة أشهر على نكبة فلسطين، وإعلان قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، إذاً هو ينطلق من واقع قائم، ويراد له أن يرتب الأوضاع لخلق "سلام"، رغم ما يحتويه من ألغام، ولأنه يخاطب "الحكومات والسلطات المعنية" ويدعو للعمل من أجل التوصل لـ "تسوية نهائية"، فإن الاعتراف بهذا القرار يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني "دولة" على الأراضي التي احتلت عام 1948، ويحول الأراضي التي احتلت عام 1967 إلى أراض متنازع عليها، وهذا ما تضمنه اتفاق أوسلو، والرسائل المتبادلة بين ياسر عرفات ورابين، ولذلك نجد أن سلطات الاحتلال، وفي الوقت الذي تتم فيه لعبة المفاوضات، تسرع في اقتطاع ما يمكن لها من الأراضي المحتلة عام 1967، عبر إقامة المستعمرات "المستوطنات" الجديدة، وتوسيع المستعمرات القائمة، إضافة لما يقتطعه جدار الفصل، فلا تبقى ولا حتى أراض متنازع عليها، فأصبح جل هم المفاوضين البحث عن التواصل الجغرافي بين الجزر المتناثرة (الكانتونات)، لإقامة ما يسمونه دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وفي الدخول إلى متن القرار الذي يعتبره البعض المنقذ للوضع الفلسطيني، نقرأ فيه:

- في المادة الأولى: وفي سياق الحديث عن الوسيط الدولي الكونت برنادوت، نقرأ: (.. التي ضحى من أجلها بحياته)، هو ضحى ولم يقتله الصهاينة، والوقائع تقول: لقد أصبح الكونت برنادوت هدفاً للتصفية، بعد أن تقدم إلى "طرفي النزاع" بمقترحاته حول "التسوية السلمية"، وتناول مسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقال إن فتح باب الهجرة اليهودية يبرر مخاوف العرب في فلسطين والدول المجاورة، من مخاطر التوسع الصهيوني، ولذلك اقترح قبول نوع من التنظيم الدولي للهجرة، في سبيل مصلحة السلم مع العرب، وهي كما قال مصلحة حيوية.

ثم اقترح إجراء بعض التعديلات على "الحدود بين الدولتين العربية واليهودية"، كما يرسمها قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة، ومن بين هذه التعديلات ضم منطقة النقب للدولة العربية، وضم منطقة الجليل "للدولة اليهودية"، كما اقترح إدخال القدس بأكملها ضمن الدولة العربية، مع منح الطائفة اليهودية فيها استقلالاً ذاتياً لشؤون البلدية، مؤكداً أن القدس يجب أن تظل تحت السيادة العربية، ورغم كل ما منحه للصهاينة، فقد اعتبر الصهاينة الكونت برنادوت عقبة في سبيل تحقيق أهدافهم، خاصة مقترحاته بشأن ضم القدس للدولة العربية، وفرض قيود على الهجرة إلى فلسطين، وكانت معارضة جماعة شتيرن بزعامة شامير هي الأكثر عنفاً، وبدأت الجماعة، التي كانت لها وحدات مستقلة داخل القدس، في تنظيم المظاهرات ضد الوسيط الدولي (السويدي)، ثم قرر زعماء الحركة في القدس، وهم: إسرائيل الداد، وجوشوا زتلر، وماشولام ماكوفر، تقديم مشروع اغتيال وسيط الأمم المتحدة إلى زعماء المنظمة ناثان مور وإسحق شامير بمقرهم في "تل أبيب"، وقد أكد رواية الداد، المرشد الروحي للمنظمة، والتي أبلغها إلى شارل أندرلين مؤلف كتاب "حرب أم سلام - أسرار المفاوضات الإسرائيلية - العربية، 1917 - 1997"، أن شامير ناقش تفاصيل تنفيذ عملية الاغتيال بنفسه.

ويوم الجمعة 17 سبتمبر عام 1948، وصل الكونت برنادوت ومساعده الفرنسي الكولونيل بيير أندريه سيرو إلى مدينة القدس، قادمين من سورية، وكانا يجلسان في المقعد الخلفي في سيارتهما، بعد أن انتهيا من بعض الإجراءات المتصلة بمهمتهما في القدس، حين اعترضت طريقهما سيارة جيب مكتظة بعدد من المسلحين، وفتح ثلاثة منهم النار على الكونت ومساعده، وبعد ذلك عاد القتلة إلى سيارتهم. وهكذا في لحظات نفذت عملية الاغتيال، وظلت تفاصيل الحادث غامضة إلى أن قرر مرتكبوه الاعتراف في الذكرى الأربعين لاغتيال الكونت.

إن المجتمع الدولي لم يحاول معرفة الحقيقة لمدة أربعين عاماً، وبعد أن تكشفت التفاصيل لم يطالب بأية إجراءات لمحاكمة المتهمين! هل لنا أن نذّكر بما حصل للأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي عندما أعلن نتائج التحقيق في مجزرة قانا الأولى؟

- المادة الثامنة بحاجة للاهتمام الذي تستحق، فهي تنص على حدود مدينة القدس، منذ ذلك الحين، بما يذكر بمقولة الصهاينة عن القدس الكبرى هذه الأيام، وكأن ما جرى من استيطان حول القدس لم يخرج عما هو مخطط للقدس منذ ذلك الوقت، ولنقرأ:

(تقرر أنه نظراً إلى ارتباط منطقة القدس بديانات سماوية ثلاث، فإن هذه المنطقة بما في ذلك بلدية القدس الحالية، يضاف إليها القرى والمراكز المجاورة التي أبعدها شرقاً أبو ديس وأبعدها جنوباً بيت لحم، وأبعدها غرباً عين كارم، بما فيها المنطقة المبنية في موتسا، وأبعدها شمالاً شعفاط، يجب أن تتمتع بمعاملة خاصة منفصلة عن معاملة باقي مناطق فلسطين الأخرى، ويجب أن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية...).

وفي مكان آخر من هذه المادة نقرأ: (... بشأن نظام دولي دائم لمنطقة القدس يؤمن لكل من الفئتين المتميزتين الحد الأقصى من الحكم الذاتي المحلي المتوافق من النظام الدولي الخاص بمدينة القدس).

إذاً القدس منطقة دولية (مدولة)، بما يعني إلغاء الحق العربي الفلسطيني، ليصبح المعتدي والمعتدى عليه في كفة واحدة.

- أما المادة التاسعة فهي تنص بالإضافة لأشياء أخرى: (تقرر وجوب منح سكان فلسطين جميعهم أقصى حرية ممكنة للوصول إلى مدينة القدس...)، إذاً أصبح المستوطن القادم من كل أصقاع الدنيا، ليطرد صاحب الأرض، ويحتل بيته، كما الفلسطيني صاحب الحق، وجميعهم سكان فلسطين، وبذلك يساوي القرار بين الغاصب وصاحب الحق الُمغتصب.

- أما المادة الأكثر إثارة للجدل هي المادة الحادية عشرة، وهي التي يستند إليها مؤيدو القرارات الدولية، والذين ينادون بأن هذا القرار هو الذي سيحقق لهم حق العودة، وقبل التعقيب، لا بد من إيراد النص: (11 - تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أو يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة. وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل عودة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة).

نلاحظ في النص حديث عن الواجب، والواجب أقل من الفرض، فالحديث عن وجوب السماح بالعودة وليس العودة، وفي أقرب وقت ممكن، وها قد مرت ستون سنة ولم يصبح الوقت ممكناً، وقد لا يصبح ممكناً بعد ستمائة سنة، كما أن الحديث عن اللاجئين بالإطلاق وليس اللاجئين الفلسطينيين، ونذكر هنا أن الحركة الصهيونية تعتبر كل يهودي أينما كان هو لاجئ ويجب أن يعود إلى "أرض الميعاد" وبناء على هذا القرار تم إصدار قانون العودة، الذي يعطي لكل يهودي الحق بالقدوم إلى أرض فلسطين عندما يريد. وهنا يبرز سؤال: من الذي يسمح بالعودة؟

إنها سلطات الاحتلال، كما يربط العودة بالعيش بسلام "مع جيرانهم" هنا يصبح المحتل جاراً، وكذلك فإن هذا القرار فتح مسألة التعويض ولم يحصرها بالتعويض على الفلسطينيين، لذلك نرى أن الصهاينة يعدون الملفات، لمطالبة الدول العربية بالتعويض على اليهود الذين كانوا يعيشون فيها، وغادروها، خاصة أن القرار يلزم الحكومات والسلطات المسئولة بالتعويض.

ونسأل المتسلحين بهذا القرار، كيف يجدون فيه أنه يقر بعودة الفلسطينيين؟!

مسألة أخيرة على درجة من الأهمية، إن هذا القرار صادر عن الجمعية العمومية، وقراراتها لا تملك قوة التنفيذ، وحتى قرارات مجلس الأمن لا تملك قوة التنفيذ، إلا إذا استندت إلى الفصل السابع، وكل القرارات التي تُعنى بقضية الفلسطينيين لم تستند إلى الفصل السابع، إلا القرارات 50، 54، 56، والتي صدرت مع الأيام الأولى لتأسيس الكيان الصهيوني، جاءت لتعطي الصهاينة الفرصة لترميم قواتهم، من أجل تثبيت الأمر الواقع على الأرض، ولاستمرار احتلال فلسطين، بينما عطلت الولايات المتحدة الأمريكية بالفيتو القرار 497 الذي كان يستند للفصل السابع، والذي كان يخص مسألة الجولان عام 1982، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد بذلت الولايات المتحدة الأمريكية الجهود المضنية، مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، سواء منها الدائمة (الدول التي تمتلك حق النقض/ الفيتو)، وغير الدائمة، لمنع صدور أي قرار ضد الكيان الصهيوني، ولو كان بيان إدانة لا يساوي الحبر الذي يكتب به، وإن لم تفلح تهدد باستخدام حق النقض الفيتو، الأمر الذي يؤدي أحياناً كثيرة لسحب مشروع القرار من التداول، وإن لم يحصل السحب فإن الولايات تستخدم حق النقض الفيتو لتعطيل القرار.

قد يقول قائل إن الـ 194 صادر عن الجمعية العامة، والتي لا مكان لحق الفيتو فيها، لا بأس هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أنه لا مكان لتطبيق هذه القرارات.

ومن حيث الأساس إن القرار 194 يستند إلى القرار 181، قرار التقسيم، وأية قراءة خارج هذا السياق لا تُوصل إلى الهدف المرجو، وإذا قلنا إن مئات القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة، بخصوص القضية الفلسطينية، لم تخرج إلى نور التطبيق - رغم أن أفضلها مجحف بحق الفلسطيني- وبذلك إن التعاطي مع وهم الشرعية الدولية لم يرتد على القضية الفلسطينية إلا بالخسران والتراجع، فحيث كان الهدف تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، أصبح اليوم الهدف الصعب المنال رفع الحصار عن عزة، ومع كل الضرر الذي ألحقه بالقضية الفلسطينية التعاطي مع ( الشرعية الدولية)، فقد جاء بوش الصغير (الثاني) ليسقط مرجعية الأمم المتحدة وقراراتها، لتصبح المرجعية رؤيته (رؤية بوش)، والتي حكماً ستذهب معه، وبذلك، فإن من تعاطوا مع (الشرعية الدولية)، "لم يطولوا لا توت الشام ولا بلح اليمن".

إن كل ما يثار من غبار وضجيج حول التوطين والتجنيس، لم يعد له مكان، لأن مشروع التوطين تجاوزه الزمن، إلى أفق آخر، فمع تسليط كل الأضواء على القرار 194، ومسألة العودة أو حق العودة، والمعارك الوهمية المشتعلة، والسجالات الجارية في هذا السياق، فإن العمل جار على قدم وساق لشطب قضية اللاجئين، عبر تحول اللاجئين الفلسطينيين إلى رعايا "الدولة الفلسطينية"، وبذلك تتخلص أماكن استضافة الفلسطيني من العبء المادي والمعنوي لوجود الفلسطيني أو لتوطينه، فيصبح ابن الدولة الفلسطينية، مقيم هنا أو هناك - وربما بموجب إقامة- بعد تحويل إدارة الحكم الإداري الذاتي عبر الفهلوة إلى "دولة"، ومن يخالف قانون - الهنا أو الهناك- فليذهب إلى "دولته"، ولأن معتقل غزة وكانتونات ما سيتبقى من الضفة لا مكان فيها لقدم إضافية، فإن أرض الله في كندا وأستراليا واسعة، حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، وتطوى صفحة وكالة الغوث ومعها القرار 194 وأشباهه، وكذا مؤسسة اللاجئين، وتصبح مكاتب (م. ت. ف) سفارات، وتصبح هي المرجعية للفلسطيني المقيم هنا أو هناك، هذا هو المآل للمسار الانحداري للقضية الفلسطينية على يد دعاة القرارات الدولية.

ــــــــــ

المصدر:

http://www.falestiny.com/news/1379

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ