ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 28/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الخصومة المشروعة والممارسات العدوانية للسلطات

الإنسان الفلسطيني هو الخط الأحمر في العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية

نبيل شبيب

في جميع بلادنا العربية والإسلامية وليس في الأرض الفلسطينية المحتلة فقط، تخلط السلطات الحاكمة، أو ما يشبه السلطات كما هو الحال بالنسبة إلى أقطار تحت الاحتلال مثل فلسطين والعراق وأفغانستان، بين خصومة سياسية مشروعة، هي من حق من يمسك بزمام السلطة بيده، بغض النظر عن مشروعية وجوده في السلطة، كما أنها من حق المعارضة، وبين ممارسات عدوانية تجاه المخالفين في الرؤية السياسية.

ولا يقوم هذا الخلط على جهل، ولم تعد ممارسته مقتصرة على حالات استثنائية، بل هو من الأساس شكل من أشكال العدوان على الإرادة الشعبية، والحقوق الأساسية، والحريات العامة، وامتهان لكرامة الإنسان، وهو في الوقت نفسه جريمة في حق الحاضر السياسي والمستقبل السياسي لبلادنا وشعوبنا.

ولأن من يمسك بزمام السلطات على علم تام بعدم مشروعية ما يصنع، يبتكر مختلف الأساليب والألاعيب التضليلية للتغطية على ممارساته، فمن الأنظمة من يحكم دون دستور ملزم، ولا سلطة قضائية حقيقية ذات سيادة، ولا منظومة قانونية متوازنة قويمة، ومن الأنظمة من أجرى بأساليب غوغائية تعديلات دستورية ليفصّل الحصيلة على مقاس سيطرته غير المشروعة، ومن الأنظمة من زوّر كلمة حالة الطوارئ المشروعة بقيود ثابتة في الدساتير التي تستحق وصفها بالدساتير، فجعل من الحالة الطارئة الاستثنائية حالة مزمنة، يصنع فيها ما يشاء كما يشاء على حساب من يشاء ويجد على ذلك من الأعوان المنتفعين بقدر ما يشاء، ومن الأنظمة أو السلطات أو شبه السلطات من يحاول أن يعطي كل عملية اعتقال على خلفية سياسية وصف اعتقال على عمل جنائي، لإدراكه أن الإعلان الصريح عن اعتقال المعارضين، أو نفيهم، أو تقييد حقوقهم وحرياتهم، عمل مرفوض شرعا وقانونا ومرفوض بالحسّ الوطني السليم والوعي الشعبي القويم، ومرفوض أيضا بمنطق المصلحة العليا وكل منطق سياسي.

ولئن كانت خطورة جميع ما سبق تسري على جميع بلادنا العربية والإسلامية، فإنها تسري على الأقطار تحت الاحتلال الأجنبي العدواني، بشكله التقليدي أو بشكله الاستيطاني، أضعافا مضاعفة، وتسري أكثر من ذلك على فلسطين، وهي قضية القضايا، ومحور الحاضر والمستقبل للأمة العربية والإسلامية.

إن جريمة الممارسات العدوانية على حساب فئات شعبية أو فئات معارضة تحت أي عنوان من العناوين المذكورة وسواها، جريمة مرفوضة جملة وتفصيلا، بأي تعليل وأي تسويغ، ويجب تركيز الجهود على مكافحتها بكل السبل، في كل بلد، وعلى مستوى مشترك، يتجاوز الاختلافات الانتمائية واختلاف التصورات جميعا. وهي جريمة مضاعفة بمضمونها وحصيلتها في أقطارنا العربية والإسلامية تحت الاحتلال، وفي فلسطين على وجه التخصيص.

لهذا لا يمكن اعتبار مشكلة اعتقال د. عبد الستار قاسم مشكلة تنتهي عبر احتجاجات واسعة النطاق ربما لعبت دورا في إطلاق سراحه، وليس مجهولا أنه ليس الضحية الوحيدة للاعتقالات التعسفية، بل والممارسات الأخطر، اغتيالا وتعذيبا أو عبر محاولات الاغتيال كما كان مؤخرا مع الشيخ الجليل حامد البيتاوي، إنما أصبح عبد الستار قاسم من خلال مواقفه وكتاباته رمزا فلسطينيا، تتركز على عملية اعتقاله الأنظار، فتستقطب الاهتمام، وهذا بالذات ما ينبغي أن يكون أساسا للتعامل مع هذا الحدث، فيبقى التعامل مع الرمز جانبا من القضية، يمكن أن ينتهي بإطلاق سراحه، أما التعامل مع أساس القضية فلا ينبغي أن ينقطع، إلا أن تنتهي تلك الممارسات غير المشروعة بمختلف المقاييس.

إن الذين يمارسون ما يمارسونه في قطر من الأقطار المستقلة، يوجهون الطعنات إلى المصلحة العليا، فهذه الممارسات هي في مقدمة الحواجز الخطيرة المانعة لتحقيق أهدافنا المشروعة جميعا، فلا يمكن معها تحقيق استقرار سليم وأمن قويم ينهي أشكال الفوضى الهدامة المنتشرة، ولا تحقيق تحرر واستقلال حقيقي يضع حدا لاستغلال ثرواتنا وطاقاتنا في الداخل والخارج، ولا تحقيق نهوض قيمي معنوي يضع حدا للتدهور إلى هامش الهامش من واقع البشرية المعاصر، ولا تحقيق تقدم مادي، لا غنى عنه لبقاء دولة من الدول على خارطة المستقبل.

وإن الذين يمارسون ما يمارسونه في قطر من أقطارنا تحت الاحتلال، وفي مقدمتها فلسطين، يشاركون السلطات الأخرى في تلك الأوزار جميعا لهذه الجريمة المركبة الكبرى، ويزيدون عليها، أنهم يوجدون المزيد من العقبات والحواجز في وجه تحرير الأرض والشعب والمقدسات، وفي وجه تحرر الطاقات الكبيرة الكامنة في الشعب للعمل والبذل والعطاء من أجل بلوغ أهدافه المشروعة جميعا.

ليس المطلوب في هذه المرحلة من المراحل التاريخية الحاسمة بشأن مستقبل القضية، والتي تحمل عناوين الحصار، والمقاومة، والتصفية، والتحرير، والتهويد، والمصالحة، والتبعية الأجنبية.. ليس المطلوب أمام هذا القدر الكبير من القضايا المتفرعة عن أصل القضية القائم على الاغتصاب وإنهاء الاغتصاب، مجرد تضامن مع فلان أو فلان، ولو بلغ قدره ما بلغه د. قاسم رمزا للكلمة الصادقة الجريئة المخلصة الواعية، أو بلغه الشيخ البيتاوي المجاهد يافعا وشابا وكهلا، أو سواهما من رموز الوطن المشترك، بل المطلوب في هذه المرحلة، أن يتلاقى المخلصون من جميع القوى والفصائل والأحزاب والتجمعات والهيئات على ما يجمع أبناء الشعب الواحد، من رفض مطلق لكل ممارسة من ممارسات العداء، ومن العمل لإنهاء هذه الدرجة المفرطة في افتقاد المسؤولية المتمثل في تلك الممارسات، حتى جمع المشهد الحالي من واقع قضية فلسطين المعاصر بين مداهمات الاحتلال ومداهمات فلسطينية، ومصادرة الاحتلال للحقوق ومصادرات فلسطينية لكل شكل من أشكال المقاومة، ومعتقلات الاحتلال ومعتقلات فلسطينية، وممارسات الاحتلال العدوانية وممارسات عدوان فلسطينية، وضربات متوالية صهيونية للمقدسات وللإنسان بفلسطين وضربات متوالية فلسطينية للثوابت الحقيقية وللإنسان بفلسطين.

ولن تتحقق مصالحة فلسطينية قط، وإن تحققت فلن تدوم، إذا بقيت محصورة في حدود مفاوضات على شكليات وتفاصيل وصيغ وسطية، ما بين أقصى درجات التسليم على منحدر التفريط بالقضية والأرض والشعب، وبين أقصى درجات المقاومة والبذل والفداء والعطاء، وهي –رغم ذلك- مصالحة ضرورية واجبة بحكم ما يوجد على أرض الواقع، وبحكم القبول بأهون الضررين، إنما لن تستقر ولن تدوم ولن توصل إلى مرحلة تالية أفضل، ما لم تقترن بمصالحة أعمق على مستوى التعامل بين فلسطيني وفلسطيني، لا سيما أولئك الذين وصلوا إلى موقع من مواقع ممارسة السلطة، بأي سبيل مقبول أو غير مقبول، وتشبثوا بفتاتها على حساب الإنسان الفلسطينية وأرضه، بدلا من التشبث بأصل القضية، وذاك مرفوض من الأساس ومرفوض بنتائجه، فلا بد للمخلصين من كافة الفئات والفصائل والتجمعات والهيئات أن تجتمع كلمتهم وتتلاقى جهودهم، ليس على إدانة هذه الممارسة أو تلك فحسب، بل على العمل من أجل اقتلاع هذه الظاهرة الإجرامية من الجذور في واقع الحياة اليومية والسياسية الفلسطينية.

والجميع يعلم أن المسألة هنا ليست مسألة جريمة من الجرائم الاعتيادية ترتكب فيسري عليها قانون من القوانين، فلا حاجة للخوض في مثل تلك الأعذار المكشوفة الواهية والمخجلة التي تتردد على ألسنة بعض المسؤولين أو جلهم، فيفقدون بذلك حق وصفهم بالمسؤولين. إنما هي الممارسات الجارية على خلفية سياسية وما يلحق بها من أغراض فصائلية أو حتى منفعية فاسدة بل حتى ما يخدم العدو المشترك، وهذا بالذات ما يجب أن يكون في مقدمة ما تتلاقى الجهود على إنهائه.

يجب وضع حد نهائي لكل ممارسة من هذا القبيل تزعم لنفسها صفة "فلسطينية" وتنطوي على المساس بفرد فلسطيني، بكرامته وحقوقه، بحرياته الأساسية وممتلكاته، بسلامته الجسدية والمعنوية، سواء كان في موقع الرمز أو كان من عامة الشعب، فالإنسان الفلسطيني هو الخط الأحمر الذي يجب أن يتلاقى الجميع على تثبيته في تعاملهم مع أي جهة من الجهات، وأي فرد من أي سلطة من السلطات، داخل الوطن وخارجه، ومن يتجاوز هذا الخط الأحمر لا يمكن القبول بعلاقة معه على أساس جدول أعمال "روتيني" في قضايا أخرى مهما بلغت أهميتها.

ـــــــــ

المصدر : مداد القلم 26/4/2009م

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ