ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 20/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من يجرؤ على السؤال؟

فهمي هويدي

حين نشرت بعض الصحف المصرية خبر إقدام زوجة رئيس الوزراء البريطاني على استئجار بعض الثياب الفاخرة للظهور بها في عدد من المناسبات الرسمية، فإن الخبر قوبل بدرجات متفاوتة من الاستغراب والدهشة بين كثيرين أعرفهم. ذلك أن أحدا منهم لم يخطر على باله أن تكون زوجة أهم رجل في بريطانيا بعد الملكة عاجزة عن شراء ما تحتاج إليه من ثياب مناسبة للحفلات التي يؤمها عِلية القوم، من رؤساء دول وحكومات.

صحيفة «ديلي تلجراف» كانت من نشر تفاصيل الخبر، حيث ذكرت أن السيدة سارة براون من زبائن محال «ماركس آند سبنسر» التي يشتري منها عامة الناس ثيابهم. لكنها واجهت موقفا مختلفا حين كان عليها أن تظهر مع زوجها جودون في عشاء رسمي أثناء اجتماعات قمة العشرين. إذ لم يكن بمقدورها أن تشتري «جاكت» أعجبها ثمنه 5 آلاف جنيه إسترليني، فاستأجرته بعُشر ذلك الثمن ثم أعادته بعد ذلك إلى بيت الأزياء الذي صممه. وهو ما فعلته أيضا حين زار رئيس المكسيك لندن، وظهرت في حفل استقباله مرتدية فستانا استأجرته من بيت آخر للأزياء.

الخبر يبدو عاديا في المجتمع البريطاني. إذ بوسع المواطن أن يتفهم الموقف، لأن أي واحد يستطيع أن يفتح جهاز الكمبيوتر ويدخل على موقع رئيس الوزراء، ليعرف أن راتبه الشهري 15 ألفا و600 جنيه إسترليني. وسيدرك أنه لن يقدم على دفع ثلث راتبه لشراء «جاكيت» لاستخدام زوجته في إحدى المناسبات. وسيقتنع بأن لجوء الزوجة إلى استئجار الثوب تصرف حكيم ورشيد.

ما استوقفني في الموضوع ليس الخبر فقط، ولكن هذه الشفافية التي تمكن المواطن العادي من معرفة ما يجري حتى في بيت رئيس الوزراء. بما يعني أنه لا يتابع فقط المجريات السياسية، ولكنه يتابع أيضا تصرفات أهل الحكم ليطمئن إلى سلوكهم حتى فيما يخص إنفاقهم ومواردهم المالية. ولا غرابة في ذلك لأن شرعية أهل الحكم مستمدة هناك من رضاء المواطن الذي صوت لهم في الانتخابات، فضلا عن أن الراتب الذي يتقاضاه رئيس الحكومة وزملاؤه مدفوع من حصيلة الضرائب التي يدفعها الناس.

ذكرني الخبر بالقصة التي رويتها من قبل نقلا عن زميلتنا الأستاذة إنجي رشدي التي عملت بالصحافة في المرحلة الملكية، وشهدت الزمن الذي كانت فيه الأميرات يدفعن بثيابهن التي يظهرن بها إلى خياط متخصص بالقصر الملكي، لكي يدخل عليها بعض التعديلات، بما يسمح باستخدام الثوب أكثر من مرة، وكأنه ثوب جديد. ذلك أنه لم يكن بمقدور الأميرات شراء ثياب خاصة لكل مناسبة، لأن المخصصات الملكية كانت محددة، وكان هناك مجلس نيابي يراقب ويحاسب على التجاوزات المالية.

لا أحد يستطيع أن ينسى في هذا السياق واقعة الخليفة عمر بن الخطاب الذي ظهر بثوب جديد ذات مرة، فاستوقفه نفر من المسلمين وسألوه من أين أتى بهذا الثوب؟، فاضطر إلى استدعاء ابنه عبدالله لكي يوضح للسائلين الحقيقة فيما التبس عليهم.

حين نقارن ذلك كله بما نشهده في واقعنا، فإنه يغدو نوعا من الأساطير والعجائب. ذلك أننا لم نعد نحلم بأن نسأل ولي الأمر عن أوجه إنفاقه أو موارده أو ممتلكاته ومصدر ثروته. ولم يعد أحد يجرؤ على الاستفسار عن مظاهر الثراء الفاحش التي تطفح بها حياة أسرته، ويلمح الناس آثارها فيما ينشر من صور يومية. لكن ذلك لا يوقف سيل الشائعات التي تتحدث عن الحسابات المفتوحة وسفرات التسوق الباذخة غير المعلنة والفواتير ذات الأرقام الفلكية. وغني عن البيان أن ما خفي كان أعظم.

لا غرابة في ذلك، لأن أولي الأمر حين يكونون فوق المساءلة والحساب فإن استباحة الوطن تغدو أمرا طبيعيا، بناسه ومقدراته وثروته. وذلك كله لن ينصلح أمره ما لم يسترد الشعب سلطته ويصبح من حقه أن يشارك ويحاسب ويعرف أين وكيف تنفق أمواله؟

ــــــــــ

المصدر : صحيفة الرؤية الكويتيه – 19/4/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ