ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  12/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دور مؤسسات المجتمع المدني في النهوض

بقلم: محمد الشافعي    *

"المجتمع المدني" و "المؤسسات" مفردتان متلازمتان بالضرورة على اعتبار أن المجتمع المدني غير قابل للانتظام و التمتع بالكفاءة اللازمة لتحيق أطراف معادلة التقدم و النهوض إلا عن طريق المؤسسات القادرة على إحداث التكامل بين طاقات أفراد المجتمع في سبيل التعبير عن هذا المجتمع و تحديد خياراته في مواجهة التحديات و التمظهر بصيغ متعددة لتلبية الحاجات المتجددة للمجتمع. و من هنا تكتسب هذه المؤسسات أهميتها و حيويتها في الحيز الممتد بين أجهزة الدولة و مؤسساتها على طرف، و بين الأسرة و حدود ولايتها على الطرف الآخر.

هذا الحيز في حاجة ماسة للتعبير عن نفسه بنفسه، و تنمية ذاته بذاته، و بحاجة للتحرر من بيروقراطية الأجهزة الحكومية التي تتمتع بالجمود الذي يعيق حركتها و تغلغلها في الجزئيات الدقيقة لهذا الحيز الواسع. إن التنوع الثقافي لهذا الحيز الفسيفسائي في أغلب الأحيان، لا يمكن المؤسسات الحكومية مهما كانت كفاءتها من معالجة نواحي القصور فيه و لا من تنميته بشكل مستدام، مما يضع هذا المجتمع أمام تحد يتمثل في تحمل مسؤولية بناء ذاته مكتفيا بدعم المؤسسات الحكومية في مجال التشريع و الحماية و الدعم المادي أو اللوجستي اللازم لضمان مرونة مؤسسات هذا المجتمع لتتكيف مع متطلباته. و هذا ما يجعل مستوى المؤسسات الغير حكومية أو مؤسسات المجتمع المدني مقياسا لاستقراء مدى تقدم أو تخلف المجتمعات.

فكلما اتضحت ملامح المؤسسات في المجتمع، كلما اقترب ذلك المجتمع من المدنية التي تؤهله من بناء ذاته، لنصل إلى أعلى المجتمعات تقدما و التي تتمظهر مؤسساته بكافة الأشكال ابتداء بمؤسسات الخدمة و الرعاية الإجتماعية، و المراكز الثقافية، وصولا إلى النقابات العمالية و الاتحادات الطلابية إلى التجمعات السياسية و الأحزاب التي تمثل ثقلا يعبر به المجتمع عن ذاته و قدرته في صنع كافة القرارات المتعلقة به، محجما بذلك دور الأجهزة الحكومية الجامدة و التي لا تتفاعل بذات المرونة مع المتغيرات مما يجعلها في موضع متأخر دائما. أي أن هذه المجتمعات المتقدمة و القادرة على التعبير عن ذاتها تمتلك القابلية لفرز نخب تتعامل مع المتغيرات بسرعة تفوق تلك المجتمعات العقيمة التي تواجه التحديات دائما بذات العقلية متسببة دوما في المحافظة على ذات الموقع الحضاري.

أما المجتمعات الواقعة في مؤخرة الركب الحضاري فغالبا ما تكون فضاءاتها المدنية ضامرة نظرا لغياب المؤسسات غير الحكومية، أو أن وجودها في غاية المحدودية نظرا لتمدد الحكومة و مؤسساتها على "الحيز المدني" أو نظرا لتنامي الطرف الآخر و هو الأسرة عن طريق التجمع القبلي و العشائري مما يضيق الخناق على ذلك الفضاء الذي يفترض أن يكون مفتوحا و متنفسا ليبني ذاته و يعالج مناحي قصوره و يحقق لنفسه موضعا على طريق النهوض.

كما أن تضييق الخناق على هذا الفضاء يضعف بناء هوية واحدة له تمثل مظلة يستظل بها كافة أفراد المجتمع و تكون حافزا لهم للبناء و التقدم، و على حساب تلك الهوية المفقودة تتمدد هويات ضيقة أخرى تسهم مباشرة في خلخلة النسيج الإجتماعي مما يحدث تأخرا في نهضته. فتمدد الأسرة بفضائها الأوسع، و القبيلة يسهم في بناء مجاميع متقوقعة لا تتبنى سوى الخيارات التي تخدم أهدافها غير مبالية بخيارات و تحديات الفضاء الأوسع. و بذلك تنعدم فرص انصهار الطاقات المتعددة لأفراد المجتمع لأجل البناء، فلا يرى الفرد سوى قلعته القبلية ليتحصن بها و لا يرى سوى خياراته سبيلا لايجاد حيزا لذاته في محيطه و يبقى أسيرا لأمجاد قبيلته و عشيرته و تراثها الماضوي نظرا إلى الإفتقار في صنع الإنجاز خارج القبيلة.

و حتى في المجتمعات التي تفتقر للبيئة الملائمة لبروز الهوية القبلية كهوية أساسية، هناك قابلية لنشوء هويات مماثلة كالهوية الطائفية أو القومية و التي تتقاطع مع الهوية القبلية في كونها قلاع يتقوقع بداخلها الفرد متسلحا بثقافة القطيع و متنكرا لدوره كعنصر فاعل في المجتمع خلافا للهوية التي تخلقها مؤسسات المجتمع المدني فهي هوية تعبر الإنتماءات الضيقة لتشكل هوية على امتداد الفضاء الذي تنتمي له فتبرز هوية وطنية أو قومية تعزز حضور الفرد و قيمته على أساس تفاعله و عطائه للمجتمع الذي ينتمي له و ليس على أساس الإنتماء لقبيلة أو طائفة أو قومية.

إن نمو و تكاثر مؤسسات المجتمع المدني تعزز و تعمق إنتماء الفرد إلى محيطه الواسع، و تخلق بناء إجتماعيا متماسكا تحدد خياراته عقلية جمعية ترسخ دور الفرد في اتخاذ القرار. هذه الحالة المؤسساتية التي تتلاحم مع كافة الأفراد ترسم ملامح انموذج يدفع باتجاه تحديث أجهزة الدولة ذاتها، و تدفع الدولة باتجاه التعاطي مع هذا المجتمع تعاطيا يليق بالقوة التي يبرز بها المجتمع في التعبير عن نفسه عن طريق مؤسساته و أنشطته.

لكن تبقى أزمة الثقة بين محاور صنع القرار السياسي و دعاة العمل المدني، فهناك الريبة الدائمة و خصوصا في الدول المتأخرة التي تعيش هاجس الأمن باستمرار بخصوص توصيف المجتمع المدني و مؤسساته كبديل لمشروع الدولة و مساحة لظهور ممثلين بارزين على الساحة العامة قادرة على سحب البساط من تحت أقدام رجال الدولة مما يهدد أمنها و نظامها السياسي. و بالمقابل تتهم الدولة بممارسة الانتهاك بحقوق المواطن المدنية من أجل إطباق سيطرتها و هيمنتها على المجتمع. و هنا تبرز الحاجة الماسة لإيجاد صيغة توافقية بين الدولة و المجتمع تتلاءم و طبيعة المعطيات المحلية لكل مجتمع من أجل ضمان التناغم بين الطرفين ضمن الحدود التي تسمح لكل منهما بالحركة و النمو من أجل الحفاظ على المقدرات و تنمية المجتمع.

و تبقى مؤسسات المجتمع المدني و كفاءتها مؤشرا لتقدم المجتمع و قدرته على الصمود أمام التحديات، لكن في الوقت ذاته لا يمكن اعتبار الإندفاع نحو تأسيس هذه المؤسسات كفيلا بايقاف حالة التردي التي يمر بها العالم العربي، ذلك لأن كفاءة هذه المؤسسات مرهون بالبيئة الصحية التي يجب توفرها في المجتمع من أجل ضمان سلامة هذه المؤسسات من الأوبئة التي يعاني منها المجتمع، و إلا ستتقولب أعطاب المجتمعات المتأخرة في إطار المؤسسات مفرغة إياه من محتواها. و هذا ما حدث في كثير من الدول العربية، فعلى الرغم من نمو المؤسسات المدنية و ظهور أنماك متقدمة منها كالأحزاب السياسية مثلا، إلا أن أمراض المجتمع أصابتها بالعدوى فتحولت الأحزاب السياسية إلى منظمات طائفية تستقوى بها بعض الطوائف على الأخرى تحت غطاء الممارسة الديمقراطية و السياسية، و هذا ما يعيدنا إلى الإعتقاد بضرورة الإصلاح الثقافي و الفكري للمجتمع بالتوازي مع توفير التشريعات اللازمة لمأسسة المجتمع المدني من أجل تعزيز حضور الهوية الجامعة و ترسيخ ذلك الإصلاح الثقافي بالممارسة .

ــــــــــ

* كاتب من السعودية.

المصدر : مركز آفاق  للدراسات والبحوث - 2009/04/08

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ