ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 28/08/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ما بعد غزة

ألا ما أبعد حلم السلام

باتريك سيل

خلال أسبوعين أو نحوهما من الآن, يتوقع أن تشرع إسرائيل في تطبيق خطة انسحابها المعلن من قطاع غزة, مما يعني إخلاءه من 800 مستوطن يهودي. وما من أحد يدري ما إذا كان هذا الانسحاب سيكون هادئاً وسلمياً, أو كم من الوقت سيستغرق, وما إذا كانت بيوت المستوطنين ومصانعهم ومزارعهم ستترك سليمة كما هي وراءهم, أم سيلحق بها الخراب والدمار. لكن وبالنظر إلى سجل وتجارب الانسحاب الإسرائيلي السابق من الأراضي المصرية في عقد الثمانينيات, فإن من المرجح ألا يغادر المستوطنون اليهود ديارهم إلا بعد أن يحيلوها إلى ساحة من الخراب والدمار. يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون قد تمسك منذ البداية, بأن الانسحاب من قطاع غزة, إنما هو قرار إسرائيلي محض, لا علاقة لأطراف أخرى باتخاذه. بل تمسك شارون برفضه التام لتنسيق خطة الانسحاب مع أي من ممثلي القيادة الفلسطينية, إلى جانب رفضه لأي مقترحات أو تلميحات إلى أن يكون الانسحاب, خطوة أولى نحو استئناف مفاوضات سياسية مع الطرف الفلسطيني.

بل وعلى نقيض ذلك تماماً, مضى شارون قدماً في توسيعه للمستوطنات اليهودية, وبناء الجدار الأمني العازل في منطقة القدس الشرقية والضفة الغربية, علماً بأن هذا السور يعزل عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومراكز التسوق التي يبتاعون ويشترون منها حاجاتهم وأغراضهم. وأثناء زيارة له إلى باريس الأسبوع الماضي, أوضح شارون موقفه دون لبس أو غموض. فقد أعرب عن إدراكه للمشكلات والتعقيدات السياسية الناشئة عن تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة. إلا أنه أكد عزمه وتصميمه على استكمال هذه المهمة, نظراً إلى أن المستوطنات اليهودية الموجودة هناك, لم تعد ذات أهمية استراتيجية تذكر لإسرائيل. كما نفى شارون أن تكون ثمة خطط مستقبلية لانسحاب مشابه من أي من الأراضي التي حازت عليها إسرائيل.

أما المستوطنات الكبيرة الرئيسية الواقعة في أراضي الضفة الغربية - وهي التي توصف بأنها ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل, حيث يقطن أكثر من نسبة 80 في المئة من المستوطنين اليهود هناك- فهذه ستبقى بيد السلطات الإسرائيلية, ولن يطالها أي انسحاب. يذكر أن أكبر مستوطنتين هما مستوطنة "معاليه أدوميم" ومستوطنة "أرييل". وفي كافة اللقاءات الصحفية التي أجرتها معه الصحافة الفرنسية, وكذلك جميع تصريحاته ونقاشاته السياسية التي أجراها مع الساسة الفرنسيين, بدا شارون حريصاً على تأكيد موافقة الرئيس الأميركي جورج بوش, على احتفاظ إسرائيل بمستوطناتها الرئيسية في أراضي الضفة الغربية. إلى ذلك قال شارون إن بلاده لم تتأهب بعد للدخول العملي في تطبيق خطة "خريطة الطريق" المفضية لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. ووصف شارون هذه الخطة بأنها لا تزال في مراحلها الأولية المبكرة. ولكي تفكر إسرائيل بجدية في استئناف أي مفاوضات سياسية سلمية مع الجانب الفلسطيني, فإنه لابد من التوقف التام لكافة أعمال العنف, إلى جانب مصادرة الأسلحة وتفكيك كافة التنظيمات والحركات التي وصفها شارون بـ"الإرهابية". إلى ذلك أكد شارون أنه ليس للفلسطينيين أن يحلموا بتحقيق حلمهم الوطني, ما لم يسد الهدوء والسكون التام بينهم وبين إسرائيل.

بلغة أخرى, فإن ما قاله شارون في واقع الأمر هو أنه يتعين على الفلسطينيين, التسليم بالهزيمة والانكسار التامين, وأن يمتنعوا عن كافة أشكال مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي, إلى جانب تنازلهم عن مدينة القدس, وابتلاعهم للمزيد من مرارة التجزئة الإسرائيلية لأراضيهم في الضفة الغربية. وبقبولهم هذه الشروط الإسرائيلية مجتمعة, ورضوخهم التام لها, عندها فحسب, يحق للفلسطينيين أن ينالوا "شرف" استئناف الحوار مع إسرائيل!

وبعد, فإن كل هذه المؤشرات مجتمعة, إنما تؤكد أن تنفيذ خطة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة, لن يدفع شارون باتجاه الانصياع للإرادة الدولية الرامية إلى التوصل إلى حل للنزاع بين الطرفين, يقوم على إعلان دولتين مستقلتين متجاورتين. لذا فهو يظل مرابطاً ومتمسكاً بموقفه الصلب الرافض لأي خطوة, من شأنها الإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة, عاصمتها القدس الشرقية. فما الذي يعنيه هذا في الواقع العملي؟ المعنى الوحيد هو أن الفترة المقبلة التي تبدأ بنهاية العام الجاري, ستكون فترة اختبار عملي لتصميم وعزم قادة العالم ودوله ومؤسساته, من أمثال الرئيس الأميركي جورج بوش, ونظيره الفرنسي جاك شيراك, ونظيرهما الروسي فلاديمير بوتين, إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير, والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. والمعلوم أن هؤلاء القادة جميعاً قد أبدوا التزامهم بتطبيق "خريطة الطريق" وترجمتها إلى واقع عملي ملموس. كما دعا بعضهم إلى عقد مؤتمر دولي, يرمي لاستئناف محادثات السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني, ما أن تكتمل خطة الانسحاب من قطاع غزة. غير أن التحدي الأكبر الذي يواجههم اليوم هو, ما إذا كانوا راغبين وقادرين فعلاً على إعادة شارون -بكل ما عرف عنه من تصلب وعناد- إلى طاولة محادثات لم يفكر فيها على نحو جدي يوماً من الأيام. وفي غضون ذلك يتوقع أن يبذل شارون قصارى جهده في سبيل إضعاف الزعيم الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" والنيل منه. يشار بهذه المناسبة إلى أن شارون قد سارع سلفاً إلى وصف "أبو مازن" بالضعف, واستهجن فيه لجوءه للتفاوض مع الفصائل الراديكالية من أمثال "حركة حماس" و"الجهاد الإسلامي" بغية وضع حد للنزاع المسلح, بدلاً من سحقها وإلحاق الهزيمة بها عسكرياً.

يجدر بالذكر أن شارون لا ينظر إلى السلطة الفلسطينية التي يتزعمها "أبو مازن" على أنها الجنين الشرعي للدولة الفلسطينية المستقلة المستقبلية, وإنما يرى من منظوره الخاص, أن المعنى والمبرر الوحيد لبقاء هذه السلطة, هو حماية إسرائيل مما يسميه "الإرهاب الفلسطيني".

وما هو إلا أسبوع واحد, حتى اجتر فيه شارون أثناء زيارته الأخيرة إلى باريس, منطقه المفلس نفسه, القائل إنه ما من أحد يمكن التفاوض معه في الجانب الفلسطيني من النزاع! وتأكيداً لهذا المنطق مضى شارون إلى القول, إن الاستراتيجية التي كان يعمل بها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, كانت تقوم على "الإرهاب والموت". وإنه -شارون- غير مستعد للتضحية بحياة إسرائيلي واحد, لقاء مساعدته لأبومازن. وعليه فإن كل المؤشرات الإسرائيلية الراهنة تشير إلى أن الانسحاب المرتقب من قطاع غزة, يبشر بانطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة, أكثر عنفاً ودموية, ما لم يفرض العالم إرادته, ويرغم شارون على العودة إلى مفاوضات السلام.

الاتحاد - 1/8/2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ