ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  17/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نشكر للأخ الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد اهتمامه وننشر هذا المقال منوهين أن بعض الروايات التاريخية فيه تحتاج إلى ضبط أكبر وبعض الأحكام الجزئية قابلة للمراجعة ... مركز الشرق العربي

رحيل رجل عظيم.. والجرح السوري ما زال نازفاً

د. عصام العريان

بعد حياة حافلة وعطاء عظيم انتقل عن دنيانا الفانية إلى الدار الباقية الدكتور الطبيب والمفكر الإسلامي والقائد المتواضع د. حسن هويدى، أحد أبرز قادة الإخوان السوريين ونائب المرشد العام للإخوان المسلمين في العالم، يوم الجمعة الماضي وفى عمان عاصمة الأردن المنفى الذي احتضنه قرابة الربع قرن من الزمان غريباً فريداً فطوبى للغرباء، ونسأل الله له الرحمات والمغفرة لأخينا الحبيب ووالدنا الكبير د.حسن هويدى.

أخر مرة جاء فيه ذكر للدكتور هويدى كان مع فضيلة المرشد يوم الأربعاء الماضي أو الثلاثاء قبيل أيام من رحيله وكان حول زيارته المرتقبة للسودان يوم الجمعة الماضي ممثلاً للمرشد المحاصر في مصر ليعلن دعم الإخوان للسودان شعباً ووطناً في الحملة الدولية الظالمة التي تستهدف وحدة ترابه واستقلاله فضلاً عن ثرواته الطبيعية من نفط ويورانيوم وبدعم صهيوني واضح لحركات التمرد في دارفور بعد أن تنازل الشمال تحت الضغوط بعد أن كاد يحسم المعارك وينهى التمرد فعقد اتفاق سلام مع الجنوب الذي كان مدعوماً أيضاً من العدو الصهيوني، فكان رحيله إلى الدار الآخرة صبيحة يوم الجمعة أسبق من سفره للسودان يوم السبت.

الدكتور حسن هويدى طبيب سوري دمشقي هجر الطب منذ عصر طويل وتفرغ للدعوة الإسلامية جندياً ثم قائداً في ركب الإخوان المسلمين.

رجل هادئ جداً، قليل الكلام، عظيم الأدب، واسع الأفق، حليماً كريماً رقيقاً باسماً، وهذا ما أهله ليتولى أصعب المهام وهى رأب الصدع وجمع الشمل بعد أن أصاب فيروس الانقسام للجسد الإخواني في سوريا بعد أزمة شديدة مع النظام السوري ومواجهات دامية ظلت حوالي 5 سنوات.

كانت أيام صعبة وبعد مغامرة غير محسوبة استدرج إليها الإخوان عبر "الطليعة المقاتلة" التي بدأت مواجهة عنيفة مع نظام البعث السوري بمهاجمة مدرسة المدفعية في حلب في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي وقتلت فيها أعداد كبيرة من طلاب المدرسة العسكرية وبعض الضباط مما أدى في النهاية إلى مواجهة مستمرة لعدة سنوات عصيبة كانت نهايتها تدمير الجيش السوري وسرايا د رفعت الأسد لمدينة حماة في فبراير 1982 في مأساة تستحق التسجيل كفيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني درامي راح ضحيتها حوالي 25 ألفاً من المدنيين المؤيدين للثورة الإسلامية كما عرفت آنذاك في تحالف عريض ضم الإخوان والشيوعيين والخارجين عن البعث وقوميين وغيرهم دعمهم وقتها النظام العراقي وجهات إقليمية ودولية بغية الإطاحة بالنظام السوري.

خسر الإخوان والمتحالفون منهم المواجهة مع النظام وراح ضحية المواجهة آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين وعشرات الآلاف المفقودين وبدأت تغريبة ومنفى إجباري لم تنته حتى الآن لقيادات وأفراد الإخوان ما زالت ترفض العودة كأفراد دون إطار تنظيمي يجمعهم ودون السماح لهم بحرية الحركة والنشاط في إطار الدستور والقانون بعد فشل وتعذر وساطات عديدة ومحاولات النظام للاتفاق على حوار ومصالحة وطنية توقفت منذ أكثر من عشر سنوات.

كان أكبر خسارة هي الانقسام الذي حدث في الصف الإخواني السوري نفسه، حيث قاد الأستاذ أبو عامر" عدنان سعد الدين" جناحاً وقاد المرحوم الأستاذ / عبد الفتاح أبو غدة جناحاً آخر، وهنا جاء دور د. هويدى لرأب الصدع وليكون حلقة الوصل بين الجميع والجسر الذي يلتقي عنده الجميع فرضوه مراقبا عاما وارتضاه الأكثرون وشذ القليلون الذي انعزلوا عن المسار التنظيمي بعد فترة وإن بقوا أوفياء لدعوة الإخوان ورسالة الإسلام.

عاش د. حسن هويدى متنقلاً بين المنافي واستقر به المقام في "عمان" الأردن ليجد كرماً واسعاً من الأردن كله خاصة إخوانه في الدعوة كانت كتاباته قليلة وأحاديثه نادرة ورحلاته كثيرة لجمع الشمل ولم الصف وتهذيب الأخلاق وتولى مسئولية نائب مرشد الإخوان في العالم منذ سنوات طويلة فكان نعم القائد لإخوانه والممثل لدعوته والناطق باسمها وترك قيادة إخوان سوريا للأخ الأستاذ أبو أنس على صدر الدين البيانونى الذي استقر به المقام في لندن والذي خاض مع الإخوان السوريين مرحلة جديدة للمراجعة والتصحيح وأصدروا برنامجاً سياسياً حاز قبول الجميع من كافة التيارات وعقد تحالفات أثارت الأقاويل ومدّ يده إلى النظام السوري آملاً في رص الصف الوطني كله ضد الهجمة الصهيونية الأمريكية التي تستهدف الأمة كلها وما زال النظام يرفض اليد الممدودة حتى الآن فمات د. هويدى غريباً ودفن خارج سوريا عصر الجمعة في عمان بالأردن رحمة الله عليه واسكنه فسيح الجنات.

سألت في حوار مضى عليه أكثر من 15 سنة الأخ العزيز "أبو أنس" ألم يأن الأوان لنشر ملفات مراجعة الإخوان السوريين لما حدث من صدام، فابتسم وقال سيحين الأوان إن شاء الله. وما زلنا في الانتظار

لا يزال الجرح السوري نازفاً في الإخوان المسلمين السوريين بين شهيد ومفقود وأسير ومشرد خارج الوطن.

والأمل في مصالحة وطنية شاملة، فمن غير المعقول أن يحتضن النظام البعثى السوري حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية ويعقد حزب البعث السوري اتفاقية مع حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، وفى ظل التهديدات التي يتعرض لها الوطن السوري والأمة العربية كلها وفى أجواء المصالحات التي تتم الآن والمفاوضات غير المباشرة التي تجرى في تركيا مع العدو الصهيوني هل يعقل أن تظل الوحدة الوطنية السورية محل نقاش خاصة بعد الموقف المشرف للإخوان السوريين أثناء الحرب على غزة ؟.

يحتاج الإخوان مراجعة شاملة ونقد ذاتي للتحالفات السياسية التي تمت منذ إطلاق الثورة الإسلامية في نهاية السبعينات وانتهاء بجبهة الخلاص مع عبد الحليم خدّام والذي تثار شكوك حول علاقاته الدولية، وما هو الهدف الأساسي من الحركة والتحالفات وهل إسقاط النظام ما زال وارداً بعد ذلك التاريخ الطويل؟

وهل يتفق ذلك مع محاولات المصالحة التي يبذلها الإخوان ؟ ومع المساعي التي بذلها الكثيرون مثل "حماس"، و "حزب الله"، و "حزب جبهة العمل الإسلامي" وشخصيات مستقلة مثل الشيخ "القرضاوى" وغيره ؟

لهفى على إخوان سوريا في المنافي والاغتراب وأسر نشأت وتوالدت وتكاثرت في الخارج تنتقل من منفى إلى منفى ومن شتات إلى شتات.

لهفى عليهم وقد آواهم عراق صدام سنوات ثم كانت الكارثة التي ألمت بالعراق فخرجوا إلى الأردن والسعودية وأمريكا اللاتينية والقليل جداً إلى الخليج أو أوربا.

عندما زرت سوريا منذ بضع سنوات في اجتماع المجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب تقريباً عام 2003 وقتها أشفق على سلامتي المرحوم المرشد آنذاك المأمون الهضيبى وحصلت على ضمانات قوية بعدم التعرض لي بأذى أو اعتقال أو استجواب ونزلت بفندق الشام وسط دمشق وكنت أنزل لصلاة الفجر فأجد المساجد التي تنقلت بينها ممتلئة بشباب يحتاج إلى من يرشده ويوجهه، وكنت أؤمن على القنوت وأنا أشعر أن هذا الإمام من بقايا الإخوان أو تربى على مائدة الإخوان وما هربه من كتب، وناقشت على وجل أحد أعضاء القيادة القطرية المسئول عن ملف النقابات والجمعيات فوجدت صدوداً وسداً منيعاً.

بعد زيارة قصيرة لوطنه من عائلة "المجذوب" فأخبرني بما أثلج صدري من صحوة إسلامية عارمة في كافة الأوساط السورية خاصة بين الشباب وأنهم في حاجة ماسة إلى قيادة واعية تقودهم إلى بر الأمان.

لماذا وصلنا إلى هذا الحد ؟ ولماذا أغلقت الطرق في وجه كل مصالحة تحقق الحد الأدنى من مطالب الإخوان العادلة ؟

هذه المطالب تتمثل في إلغاء القانون الذي يجرم الانتماء إلى الإخوان ويحكم على من يثبت القضاء السوري بالحكم بالسجن لسنوات طوال إعمالاً للمادة التي تتيح للقاضي بالنزول عن حكم الإعدام.

وفى مقدمة المطالب أيضاً الكشف عن المفقودين الذين لا يعرف أنهم مسجونون أو ماتوا تحت التعذيب أو باى سبب كان حتى تستقر الأوضاع الأسرية والاجتماعية مع التعويض.

ويأتي بعد ذلك وقف الملاحقات وإطلاق المعتقلين المتبقين في السجون.

ثم تأتى عقدة العقد، لأن ما سبق يمكن للنظام أن يتفاوض حوله ويقبل بحلول وسط له.

هذه العقدة هي عودة المنفيين من الإخوان والسماح لهم بالنشاط والعمل العام الدعوى والسياسي في إطار سياسي ودستوري جديد يحقق مصالحة وطنية شاملة لكل أطراف العمل السياسي وكافة التيارات الفكرية والثقافية.

كان الأمل معقوداً على الرئيس الشاب الجديد "بشار الأسد" إلا أن الحرس القديم الذي ورثه الأسد الابن من الأسد الأب لم يقبل بهذه المصالحة وأي اتفاق فأفشلوا كل المفاوضات التي وصلت إلى مستويات جيدة.

شارك الإخوان السوريون بعد ترميم صفوفهم والتآم وحدتهم بقيادة المراقب العام على صدر الدين البيانونى (أبو أنس) وبإرشاد الدكتور حسن هويدى رحمه الله في النشاط الواسع الذي صاحب تولى الرئيس بشار سدة الحكم، ووقعوا على "إعلان دمشق" الذي عرفناه أثناء ربيع دمشق وكان نصيب المتعاطفين معهم من الشيوعيين (أو القوميين الذين تلوْ إرساله من مراقب الإخوان في منتدى "جمال الأتاسى" السجن لسنوات ومازال بعضهم رهن السجن الذي لا يكاد يغادره حتى يرجع إليه.

أصدر الإخوان بعد ذلك برنامجاً سياسيا حاز قبول النخب المثقفة حتى التي لها مواقف ضد الإخوان عامة ورحب به مفكر مثل الأستاذ سيد ياسين مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وقارنوا بينه وبين البرنامج الذي صدر في مصر.

شارك الإخوان في عدة تحالفات سياسية بعد فشل التحالف السابق للثورة الإسلامية على نظام حافظ الأسد كان أشهرها آخرها مع عبد الحليم خدام في "جبهة الخلاص الوطني" وأثارت عليهم اعتراضات شديدة رغم موافقة مجلس الشورى عليها بسبب شخصية خدام وتاريخه السابق كأحد أركان النظام وارتباطاته الدولية مع فرنسا التي استضافته بعد خروجه على النظام ومن سوريا وكذلك ارتباطاته مع أمريكا التي لا تخفى محاولاتها لقلب نظام الأسد.

فسر البعض أن ذلك التحالف يحمل في طياته مخاطر على منهج الإخوان يتمثل في عدة أمور أهمها:

أولاً: العودة إلى المنهج الانقلابي وقطع الطريق على أي محاولات للحوار أو الإصلاح.

ثانياً: الاستقواء بالخارج ضد النظام.

ثالثاً: العدول عن النهج الديموقراطي.

رد الإخوان على تلك الانتقادات وقتها، وضعف دور الجبهة بعد ذلك حتى تعرضت لتصدع كبير عندما أعلن الإخوان منفصلين وقف حملاتهم ضد النظام أثناء الحرب على غزة تقديراً لموقف النظام المؤيد للمقاومة الفلسطينية خاصة حركة "حماس" و "الجهاد" و" الجبهة الشعبية -القيادة العامة"

اليوم الإخوان السوريون فقدوا مرشداً أميناً هو د. حسن هويدى الذي كان يمثل صمام أمان وبوصلة هادية وسط الأنواء.

وهم أمام مرحلة جديدة تستحق منهم استكمال المراجعات الداخلية ونشر خلاصتها ليستفيد بها كافة الإخوان بل كل العاملين في الدعوة الإسلامية.

أهم الأسئلة التي نحتاج إلى أجوبة عليها هي:

- هل كان من الصواب التركيز على البعد الطائفي والمذهبي والوصول إلى حد التكفير الذي يستتبعه الخروج على الحكم بالسلاح وإصدار عشرات الكتب والبحوث والاستناد إلى فتاوى قديمة مشهورة وإنزالها على الواقع، وذلك بعد مرور عشر سنوات أو أقل على بروز الطائفة وإمساكها بمفاتيح السلطة ؟!

- هل كان القرار بالخروج المسلح قراراً سليماً استوفى الضوابط الشرعية والسياسية وبعد قراءة استراتيجية للوضع العام في المنطقة ؟

- هل تأثر قرار الإخوان في سوريا بأجواء الثورة الإسلامية في إيران والجهاد الأفغاني وهل تصاعد العمليات بعد حادث المدفعية في حلب إلى الحد الذي انتهى بتدمير "حماة" في عام 1982 م كان صحيحاً ؟

- هل كانت التحالفات السياسية وقتها وإطلاق أمل ضخم باسم "الثورة الإسلامية" سليمة وقوية وصحيحة؟

- هل تغيرت سياسة النظام البعثى بعد انفجار الأحداث بما هو أشدّ وأقسى مما كان قبل انفجار الأحداث وتداعياتها ؟

- هل لاحت فرص للحوار والتفاهم ثم ضاعت بسبب من جانب الإخوان ؟

- هل كان ثمن التضحيات التي قدمها الإخوان ومعهم الشعب السوري الذي يقدر أحد قيادات الإخوان الضحايا في حماة وحدها في فبراير شباط 1982 بأربعين ألف شهيد ونزوح 150 ألفاً خارجهاً في تقدير الإخوان والمتحالفين معهم أم أنه لم يخطر على خاطرهم المدى الذي يمكن أن يصل إليه نظام حافظ الأسد ؟

ولو كان ذلك في تقديرهم هل كان شرعاً يجوز البدء في تلك الأحداث أو الاستمرار فيها ؟

لقد ارتكب النظام البعثى مآسي ومجازر سجلها الكتاب والصحفيون ومنهم "شريف الراس" في كتابه "الجرح السوري" الصادر عن دار الاعتصام 1984 والتي أصدرت ستة كتب أشهرها "مجزرة حماة" وهى إصدارات تدمى القلب وتبكى العيون.

أسئلة كثيرة وغيرها كثير تحتاج إجابات من الإخوان السوريين بعد أن ودعوا الفقيد الغالي الذي لقيته عدة مرات أيام السفر والترحال وتعلمت منه الكثير والكثير.

رحم الله د. حسن هويدى وغفر الله له وأسكنه فسيح الجنات وعوضنا عنه خيراً وخالص العزاء للمرشد العام الأستاذ محمد مهدى عاكف والأخ على صدر الدين البيانونى وإخوانه الكرام ولأسرة الفقيد الغالي وكافة محبيه.

اللهم أحسن خاتمتنا ثابتين على دعوتنا مخلصين لفكرتنا مصححين لمسيرتنا.

ــــــــ

المصدر : (المصريون) / 15 - 3 - 2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ