ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  14/02/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مسيحيّو لبنان:

الرئاسة فرضت الانقسام.. والنيابة تكرّس القطيعة

وائل نجم

لقد عاش المسيحيون في الشرق عامة، وفي لبنان على وجه الخصوص، طوال القرون الماضية، دون أن يشعروا يوماً بما باتوا يشعرون به في أيامنا هذه. كانوا طوال الفترات السابقة جزءاً لا يتجزأ من هذا الشرق، ومن مكوّناته الأساسية، فلم يشعروا يوماً بأن البلاد ليست بلادهم، أو أنهم ينتسبون إلى بلاد أخرى وعالم آخر يرحلون إليه. ظلوا يتمتعون بما تمتع به ساكنو هذا الشرق من شركائهم. لكن اليوم، بدأنا نتلمس الألم، وربما الخشية من تغيّر الظروف والأوضاع، وهذا ما لمسه الجميع في عظات البطريرك صفير الأخيرة، عندما تخوّف على هذا الوجود من الرحيل إلى عالم آخر، وإلى دنيا أخرى، هي ليست منهم وليسوا منها، ولن تكون لهم ولن يكونوا جزءاً منها. وأما المسؤول عن ذلك، فهو الحالة التي وصلت إليها الأوضاع، المسيحية على وجه التحديد، والمسؤول عن هذه الأوضاع، النظام الطائفي والمذهبي الذي وضعه المحتل في فترة من الفترات.

 

النظام الطائفي هو المسؤول أساساً وبالدرجة الأولى عن هذه الأوضاع التي تمر بها الساحة المسيحية، وذلك لسبب بسيط، لأنه كرّس روح التفرقة بين مكوّنات المجتمع الوطني الواحد، فإذا بها تنتقل إلى داخل كل مكوّن من مكوّنات هذا المجتمع، ومنها المجتمع المسيحي. النظام الطائفي وزّع المواقع الأساسية في إدارة شؤون الدولة على الطوائف والمذاهب وفق توزيع طائفي ومذهبي، وجعل من نصيب المسيحيين في لبنان الرئاسة الأولى، وقد كانت السبب في بث روح الانقسام والفرقة داخل هذا المجتمع، وقد ظهر ذلك منذ الأيام الأولى للاستقلال عندما دبّ الخلاف بين الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون، وبعد ذلك بين معظم الذين ترشحوا لهذا الموقع خلال الفترات السابقة التي ظلت محكومة بسقف الخلاف السياسي الذي لا يفسد للود قضية. أما في الفترة الأخيرة فإن الانقسام بدا أكثر حدة، وأخذ منحى انزلق فيه نحو مزيد من الانقسام الحاد، الذي ظهر في الفراغ الرئاسي الذي أصاب موقع الرئاسة الأولى لأول مرة في تاريخ لبنان، مهدداً بتحوّل جذري على مستوى النظام بكامله، لتأتي تسوية الدوحة وتضع حداً لحالة الفراغ بانتخاب الرئيس ميشال سليمان لموقع الرئاسة الأولى.

 

إذاً الانتخابات الرئاسية فرضت حالة من الانقسام في الساحة المسيحية، وهو ما لا يخفى على أحد، وإن كان البعض يرفع شعار، «دور المسيحيين وحقوقهم» وما إلى ذلك من العبارات والشعارات والمفردات. إلا أن الشيء الذي لا يخفى هو أن كرسي الرئاسة هو السبب في كل ما وصل إليه الوضع المسيحي الأخير ومعه اللبناني.

 

اليوم يقف لبنان على مشارف استحقاق جديد لا يقلّ أهمية عن استحقاق الانتخابات الرئاسية، بل ربما كان يراه البعض أهم من استحقاق الانتخابات الرئاسية، وهو استحقاق الانتخابات النيابية نظراً للظرف الذي يمرّ فيه لبنان، ومعه المنطقة أيضاً، ونظراً للمشاريع التي تستهدف لبنان والمنطقة. ومما لا شك فيه أن كل الساحات معنية بهذا الاستحقاق بشكل من الأشكال، كما انه يمكن القول إنه في بلد كلبنان يعيش نظاماً طائفياً، ما من طائفة مجتمعة بشكل كامل في مواجهة هذا الاستحقاق، ولكن لا يمكن تجاهل أن الوضع الذي تعيشه الساحة المسيحية في مواجهة ذلك يختلف اختلافاً جذرياً عن باقي المكوّنات الأخرى. فالساحة المسيحية أخذت تبدو أنها أكثر تأثراً بهذا الاستحقاق أكثر من الساحات الأخرى، حيث حافظت باقي الساحات على الحد الأدنى من وحدتها، ومنعت حالة الانقسام من أن تخرق السقف المسموح به والمتاح، بحيث تتحول العلاقات داخلها إلى قطيعة. أما في الساحة المسيحية فقد أخذت تتحول حالة الانقسام في الرؤى السياسية إلى حالة قطيعة بين مكونات المجتمع المسيحي، وهذا ما بدا في المناسبات الدينية وحتى الوطنية، كما في فشل كل مساعي المصالحات التي بذل العديد من الشخصيات المسيحية محاولات لتسويقها وإتمامها في سبيل كسر حالة الجليد القائمة بين الأقطاب. ولعل اقترابنا من استحقاق الانتخابات النيابية سيكرس حالة القطيعة أكثر، وسيدفع إلى التمسك بخيارات ضيقة وظرفية، وخاصة أن قانون الانتخاب الذي سيحكم العملية قد أقر على مستوى القضاء مع ما يعنيه ذلك من إبراز وتظهير زعامات محلية يمكن أن تغرد خارج أسرابها في أي وقت تريد. ولكن هل يمكن أن يشكل كل ذلك عاملاً إيجابياً أو سلبياً على لبنان وعلى مكوناته؟

 

لا يمكن الجزم بأن ذلك يشكل عاملاً سلبياً بالمطلق أو إيجابياً بالمطلق أيضاً على الساحة الوطنية، لأن هذا الاختلاف والانقسام الذي نراه هو الذي كان سبباً رئيسياً في إخراج الانقسام الذي عاشته البلاد خلال العامين الماضيين من حالته الطائفية والمذهبية إلى بعده السياسي العام، وهذا ما شكل إيجابية لا يمكن إنكارها على الإطلاق، إذ إن الانقسام المسيحي حافظ على الجو الوطني، وجعل الانقسام الوطني تحت العنوان السياسي لا الطائفي والمذهبي. إلا أن هذا الانقسام الذي راح يتحوّل إلى حالة قطيعة وربما صدام، هو بمثابة النزف الذي لا يمكن الساحة المسيحية ان تتحمله كثيراً، لأنه بقدر ما يشكل عاملاً إيجابياً في إضفاء نوع من الحيوية على الساحة الوطنية، يشكل عاملاً سلبياً في جعل المسيحيين يعيشون حالة اليأس، وهذا ما قد يدفعهم إلى ترك البلد إلى خارجه، خاصة عندما ندرك أن بعض أهم المخططات التي تستهدف المنطقة في المرحلة المقبلة هي في تلك التي تعمل لتكريس حالات الفرز الطائفي والمذهبي والعرقي بهدف إيجاد وخلق كيانات عرقية وطائفية ومذهبية صافية توفر الجو والبيئة والطبيعة المناسبة للكيان العنصري الصهيوني، وهذا ما عبر عنه اليمين الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال الترويج لفكرة الدولة اليهودية الخالصة، التي لا يمكن أن تعيش إلا في ظروف وطبيعة ملائمة لها تتوافر فيها معطيات مماثلة، وتكون المنطقة فيها موزعة بين دويلات على شاكلتها، ومن هنا تأتي ضرورة الحفاظ على التنوّع الذي يحفظ الجميع ويحفظ لبنان، وضمن إطار نظام لاطائفي يشكل  فيه الإنسان القيمة الكبرى.

ـــــــــ

المصدر : مجلة الأمان  13 شباط 2009م 

http://www.al-aman.com/subpage.asp?cid=8618

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ